حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 15:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تُشكل العلاقة الجدلية بين السحر (Magic) و العدم (Nothingness)، محوراً مركزياً في الأنطولوجيا والتطبيق العملي (Praxis) منذ فجر الوعي. إنها ليست مجرد علاقة تناقض أو نفي، بل هي مفاوضة وجودية عميقة تضع الإرادة البشرية في مواجهة مباشرة مع أسس الوجود ذاته. لطالما كان الوجود (Being) هو موضوع الفلسفة التقليدية، لكن السحر يجرّنا بعمق إلى دراسة اللاوجود (Non-Being)، ليثبت أن العدم ليس مجرد فراغ بارد، بل هو الجوهر الأصيل والمصدر الحيوي لكل تغيير و تحول جذري. تنطلق هذه الدراسة من فرضية أساسية تتحدى المنظور الكلاسيكي؛ إن العدم الذي يستمد منه الساحر القوة ليس عدماً مطلقاً (Nihility) يخرق مبدأ السببية، بل هو عدم نسبي أو جوهر كامن (Latent Essence)، أشبه بـوعاء للطاقة غير المتبلورة. هذا العدم هو حالة الإمكان المطلق التي سبقت التحديد و التنظيم الكوني. بالتالي، فإن الفعل السحري يكتسب معناه الأنطولوجي كـفن التشكيل الإرادي؛ فهو عملية فرض الصورة (Form) و التحديد (Determination) على هذا الجوهر الكامن اللامحدود، مما يجعله تقنية فائقة للطبيعة تتجاوز القوانين الثابتة للوجود المشكَّل. يُعد السحر، في أعلى مستوياته، محاولة لإعادة تفعيل اللحظة الأولى للخلق عندما كان الوجود على وشك الخروج من العدم. الساحر، عبر الطقوس والأدوات الرمزية كالرموز و التعاويذ، لا يهدف إلى إحداث تغيير سطحي، بل يسعى إلى إعادة تشغيل سيولة العدم، حيث تكون القوانين مرنة، ليتمكن من إدخال تحديد جديد إلى البرمجة الأساسية للواقع. هذا التحدي يضع السحر في موضع لا يمكن تجاهله؛ فإما أن يكون منافساً أو موازياً للفعل الإلهي في قدرته على الخلق من العدم (Ex Nihilo)، أو أنه على الأقل، دليل على أصالة العدم كونه مصدر كل حركة و تغيير جذري. إن العمق الفلسفي لهذه العلاقة لا يكمن في التنظير فحسب، بل يتجلى في الجانب التقني العملي (Praxis) للممارسات السحرية. فكل طقس، كل رمز، وكل توجيه للإرادة، يُعد دليلاً على وجود العدم ككيان عملي قابل للتلاعب. تتطلب الممارسة الناجحة تقنيات لـ التصفير الذاتي (خلق فراغ المعنى داخل الساحر) للوصول إلى الفراغ الكوني (الجوهر الكامن). و عندما يعمل السحر على الإلغاء (Abolition) و التدمير الوجودي، فإنه يوظف العدم كـنهاية حتمية لهذا التفكيك، حيث تعود الكيانات إلى حالة اللاتحديد. في نهاية المطاف، يُقدم السحر نفسه كـالجسر الأنطولوجي (Ontological Bridge) أو إنعكاس مرآة بين الوجود و العدم. هو العلم الذي يعلمنا أن الوجود ليس مستقلاً بذاته، بل هو محكوم بقوة الإمكان غير المشكّلة الكامنة في العدم. هذا التحليل العميق للعديد من إشكاليات يقودنا إلى إستنتاج مفاده؛ السحر ليس خرقاً للقوانين، بل هو تفعيل للقانون الأكثر أصالة في الكون؛ قانون التحول الجذري والعودة الدائمة إلى مصدر الإمكانية المطلقة الكامنة في العدم.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟