أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 8. الإعلام الدولي والصور النمطية – تحويل المعاناة إلى سلعة إخبارية واستعمارية















المزيد.....

8. الإعلام الدولي والصور النمطية – تحويل المعاناة إلى سلعة إخبارية واستعمارية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 12:47
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


نستعرض في هذا المقال دور الإعلام الدولي في إعادة إنتاج الحرب السودانية بوصفها حدثاً استهلاكياً، وليس صراعاً طبقيّاً معقداً. تعمل الآلة الإعلامية العالمية عبر تحويل معاناة النساء والفقراء إلى سلعة تُتداول في سوق الأخبار، حيث تُختزل التجارب المعقدة للقهر الطبقي إلى صور نمطية تخدم أغراضاً ثلاثاً: تبرير التدخل الخارجي، وتجميل صورة النظام العالمي، وتحويل المقاومة إلى فولكلور منزوع السياسة. يمثل هذا التحويل استعارة إعلامية تعيد إنتاج العلاقات الاستعمارية تحت غطاء "الاهتمام الإنساني"، وتُعيد إخفاء الجذور الطبقية للحرب تحت وابل من الصور المثيرة للشفقة. الإعلام الدولي هنا لا يوثق المعاناة، بل يُنتجها كعرض قابل للاستهلاك، ويُعيد تعريف النساء السودانيات كـ "ضحايا" سلبيات بدلاً من فاعلات في صراع طبقي.

تعمل الآلة الإعلامية الغربية عبر آلية مزدوجة: من ناحية، تقدم النساء السودانيات كأجساد متألمة بلا سياق، مجردة من تاريخهن وصراعهن ومقاومتهن، ومن ناحية أخرى، تقدم المنظمات الدولية والجهات المانحة كـ "منقذات" و"حاضنات". هذا الثنائي (الضحية السوداء/المنقذ الأبيض) يُعيد إنتاج علاقات القوة الاستعمارية، ويُخفي حقيقة أن العديد من هذه المنظمات هي نفسها أدوات للنظام النيوليبرالي العالمي الذي ساهم في خلق شروط الحرب عبر سياسات التقشف والديون. التقارير عن "المجاعة في دارفور" أو "اغتصاب النساء في مخيمات النزوح" تُقدَم ككارثة طبيعية أو "صراع قبلي"، لا كنتيجة لسياسات اقتصادية عالمية ومحلية محددة.

يتقاطع هذا التوظيف الإعلامي مع النسوية البرجوازية التي حللناها في المقال السادس، إذ يُختزل عمل النساء المقاومات إلى صور رمزية للتمكين، دون ربطه بالطبقة أو بالاقتصاد السياسي للحرب. الصور النمطية عن "المرأة السودانية الضعيفة" تُستخدم لتسويق مشاريع "التمكين" الفردي والمبادرات الصغيرة، بينما تُهمَّش المطالب البنيوية مثل إعادة توزيع الثروة أو محاسبة الميليشيات على نهب الموارد. المنظمات الدولية التي تموّل هذه المشاريع تُظهر "نجاحاتها" عبر قصص فردية لنساء "تمكّن" من خلال قرض صغير، بينما تُخفي أن هذه القروض نفسها هي جزء من اقتصاد الديون الذي يربط الفقراء بالبنوك الدولية، ويحول الأزمة إلى فرصة استثمارية. الإعلام يلتقط هذه القصص ويُعيد بثها كـ "أخبار إيجابية"، مما يُنتج صورة مزيفة عن "التقدم" بينما تستمر البنية الاستغلالية.

يتجلى هذا التوظيف في كيفية تعامل وسائل الإعلام الدولية مع العنف الجنسي. فبدلاً من ربطه باقتصاد الحرب والنهب المنهجي، كما حللنا في المقال الأول والرابع، يُختزل إلى "فظاعة" و"وحشية" تُثير الدهشة والشفقة. الناجيات يُقدَّمن كـ شهادات فردية تُدمع لها العيون، بينما يُحذف السياق الطبقي والعسكري الذي أنتج العنف. هذا التحويل يحقق غرضين: أولاً، يُبقي المشاهد الغربي في موقع المتفرج المتعاطف دون مساءلة نظامه الاقتصادي الذي يغذي الحرب، وثانياً، يُنتج "سوقاً للتعاطف" يمكن تحويله إلى تبرعات ومنح تثبت "إنسانية" الغرب بينما تُبقي الأوضاع كما هي. تُوظّف هذه الصور أيضاً لتعزيز خطاب "الفشل الذاتي" للفقراء، بما يكرس مسؤولية الأفراد عن الفقر والجوع، ويخفي العلاقة بين نهب الموارد وغياب العدالة.

يتعمق هذا التشويه في تغطية المخيمات والنازحين. فكما أوضحنا في المقال الثاني، المخيمات هي معسكرات عمل لإعادة إنتاج البروليتاريا المهشمة، لكن الإعلام الدولي يقدمها كـ مشاهد فوضوية تعج بـ "الضحايا" الذين ينتظرون المساعدة. النساء في هذه الصور يُصوَّرن كحوامل بلا رعاية، أو كأمهات يائسات، أو كناجيات من العنف بلا إرادة. نادراً ما نرى صوراً لنساء ينظمن تعاونيات، أو يقمن بإضرابات، أو يطالبن بحقوقهن السياسية. هذا الانتقاء البصري هو عنف رمزي يُعيد إنتاج النساء ككائنات سلبية، ويُخفي حقيقة أنهن فاعلات في مقاومة يومية ضد اقتصاد الحرب.

يتقاطع الإعلام الدولي مع الخطاب الديني الذي ناقشناه في المقال السابع، إذ يقدم الفقر والعنف بوصفهما أحداثاً طبيعية أو عقاباً إلهياً، ويخفي السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجت هشاشة المخيمات والأسرة العاملة. تُستخدم وسائل الإعلام الغربية الخطاب الديني لربط العنف في السودان بـ "التطرف الإسلامي" و"الصراعات الطائفية"، مُهملة العوامل الاقتصادية والطبقية. هذا التركيز يخدم أغراضاً جيوسياسية، حيث يُقدّم السودان كـ "منطقة متخلفة" تحتاج إلى "تحديث" غربي، ويُبرر التدخلات الخارجية تحت شعار "مكافحة الإرهاب" أو "حماية المدنيين". النساء هنا يُستخدمن كـ ذريعة أخلاقية للتدخل، بينما تُهمَّش مطالبهن الحقيقية بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية.

في المقابل، تظهر مبادرات إعلامية شعبية ومقاومة من الأسفل، مثل الشبكات الصحفية المجتمعية ومنصات التوثيق النسوي في المخيمات. نساء سودانيات كثيرات يستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات البديلة لتقديم رواية مضادة. العديد من المدونات وقنوات اليوتيوب التي تديرها ناشطات من داخل المخيمات، تُقدم تحليلاً طبقياً للحرب، وتوثق ليس فقط المعاناة بل أيضاً التنظيم والمقاومة. هذه المبادرات تعيد ربط الأحداث بالطبقة، وتكشف عن دور البرجوازية العسكرية والاقتصاد السياسي للحرب، وتعمل على تحطيم الصور النمطية من خلال تقديم سرديات بديلة تضع النساء والعمال والفقراء في قلب تحليل الحرب.

تتطلب مواجهة الإعلام الدولي كأداة طبقية إنتاج خطاب إعلامي بديل، يربط بين الجسد، الطبقة، والإيديولوجيا، ويكشف الآليات التي تحول المعاناة إلى سلعة، ويمكّن المجتمعات من استعادة قدرتها على توثيق مقاومتها وتحليلها. يجب فضح الوظيفة الطبقية للإعلام الدولي في تغطية حرب السودان. فكما كتب إدوارد سعيد في "الاستشراق": "التمثيلات الإعلامية للشرق تُنتج معرفةً تخدم الهيمنة الغربية". في حالة السودان، تُنتج هذه التمثيلات معرفةً تخدم البرجوازية العسكرية المحلية والرأسمالية العالمية معاً، عبر تحويل الصراع الطبقي إلى "أزمة إنسانية" يمكن إدارتها بمشاريع إغاثية، وتحويل النساء إلى "ضحايا" يمكن إنقاذهن بمبادرات فردية.

الثورة الإعلامية جزء لا يتجزأ من الثورة الاجتماعية. فلا يمكن تحرير النساء السودانيات من اقتصاد الحرب دون تحرير صورتهن من آلة الإعلام الاستعماري. كما كتبت المناضلة الأمريكية أنجيلا ديفيس: "في مجتمع تسيطر عليه الشركات، لا يمكن فصل حرية التعبير عن حرية التحرر الاقتصادي". في السودان اليوم، حرية إعادة تعريف المعاناة والمقاومة هي خطوة أولى نحو تفكيك النظام العالمي الذي ينتج الحرب ويستفيد منها. وكما كتب غرامشي: "المعركة من أجل الثقافة هي جزء لا يتجزأ من المعركة من أجل السلطة". في السودان اليوم، هذه المعركة الإعلامية هي امتداد للمعركة الطبقية، ولا يمكن فصلها عن صراع النساء والفقراء ضد اقتصاد الحرب.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 7. الدين كأفيون جديد – توظيف الخطاب الديني لتبرير اقتصاد الح ...
- 6. النسوية البرجوازية – تمثيل الزائفات ونسيان الطبقة في خطاب ...
- 5. ايديولوجيا النيوليبرالية والجسد: تبرير القمع البنيوي في س ...
- 4. فائض القيمة القذر – اقتصاد الجسد ومعسكرات العمل في منظومة ...
- 3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي وال ...
- 2. المخيمات كآلة طبقية: إعادة تشكيل البروليتاريا المقهورة في ...
- خرائط القهر: العنف البنيوي ضد المرأة في الاقتصاد السياسي للح ...
- 10. الآفاق الطبقية ومعنى الانتصار — من الإصلاح إلى التغيير ا ...
- 9. دينامية الشارع كرافعة تاريخية — صناعة الزمن الثوري
- ٨. معارك السياسات الملموسة: اختبار الصراع الطبقي في ال ...
- 7. التناقض داخل التحالف التقدمي: بين إدارة النظام وتفكيكه
- 6. الشارع العمالي مقابل برجوازية العقار - معركة الحيازة والو ...
- ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية
- 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...


المزيد.....




- في السودان مسيرات تستهد النساء والأطفال/ات والمستشفيات
- نجلة عماد تُصنّف الأولى عالميا في بارلمبيات تنس الطاولة
- فتاة (بلبيس) اغتصبها وحاول اقتلاع عينيها حتى لاتتعرف إليه
- عنصر أمن يعتدي جنسياً على 12 طفل/ـة في مدرسة النيل
- تقدم لطلب يدها.. امرأة تتزوج -رجلًا- صنعته بـChatGPT
- الخيمة البيضاء والسجادة الحمراء.. تقاليد مستحدثة ترهق المقبل ...
- البرد القارس يقتل 17 فلسطينيًا/ة بينهم/ن 4 أطفال/ن في غزة
- شاهد.. أمنستي تدين -بشكل قاطع- سحب مسؤول هندي حجاب امرأة مسل ...
- المفوضية الأممية لحقوق الإنسان: العنف الجنسي يتصاعد بشكل مفز ...
- تقرير حقوقي: الاحتلال الإسرائيلي قتل 60 صحافيًا/ة في غزة خلا ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 8. الإعلام الدولي والصور النمطية – تحويل المعاناة إلى سلعة إخبارية واستعمارية