أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 4. فائض القيمة القذر – اقتصاد الجسد ومعسكرات العمل في منظومة السوق الأسود السودانية














المزيد.....

4. فائض القيمة القذر – اقتصاد الجسد ومعسكرات العمل في منظومة السوق الأسود السودانية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 10:21
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يتحول السوق الأسود في زمن الحرب السودانية إلى الشكل الأكثر اكتمالاً لسلطة البرجوازية العسكرية، إذ يُعاد بناء السيادة من خارج الدولة الرسمية عبر شبكة توزيع تتحكم في الغذاء والدواء والوقود، فتحوّل الحاجات الأساسية إلى أدوات خضوع طبقي مباشر. يعمل هذا الاقتصاد بوصفه جهاز دولة موازٍ لا يحتاج إلى مؤسسات ولا قانون، بل إلى السيطرة العنيفة على مسارات السلع، وإلى تحويل الندرة إلى بنية دائمة تسمح بانتزاع فائض القيمة من أفقر الفئات. تنشأ هذه البنية من داخل الانهيار نفسه، لأنها تعتمد على تفكيك السوق الرسمي وتفريغ القطاع العام من كل قدرة على تلبية الحاجات، بحيث يصبح المواطن مضطراً للرضوخ لشروط الميليشيات كي يبقى على قيد الحياة.

يتشكل داخل هذا الاقتصاد طبقة وسيطة من السماسرة والوكلاء، هم في الوقت نفسه مستفيدون ومستغلون، ويشكلون نموذجاً صارخاً للوعي الطبقي المتناقض. فهم يتلقون الحماية من الميليشيات مقابل تأمين المرور للبضائع، ويجمعون الأرباح عبر الرشوة وفرض الأسعار، بينما يتعرض الفقراء والمنتجون لأقصى درجات الاستغلال. وعي هذه الطبقة محدود ومجزأ: فهي تدرك موقعها كطرف قادر على الربح، لكنها لا تملك القدرة على تحدي النظام الطفيلي أو السيطرة على الاقتصاد بشكل مستقل، فتظل أدوات داخل دورة تراكم رأس المال الحربي. في الوقت ذاته، بعضهم يتحرك ضمن شبكات تضامن محلية محدودة، مستفيداً من علاقات القرابة أو الولاء، ما يخلق تناقضاً داخلياً: هم يستخرجون فائض القيمة من أقرانهم بينما يشاركون أحياناً في مقاومة جزئية لإضعاف سيطرة الميليشيات في مناطق محددة.

توسيع فكرة "التراكم البدائي العنيف" لا يمثل لحظة تاريخية منتهية، بل دورة إنتاجية يومية تتكرر عبر العنف الممنهج. ففي دارفور، تُظهر الشهادات كيف أن النهب المنظم للمحاصيل والمواشي يتزامن مع حالات الاغتصاب الجماعي داخل المخيمات، في حلقة مترابطة من التدمير الاقتصادي والاجتماعي. هنا يلتقي اقتصاد الجسد مباشرة مع منطق "معسكرات العمل" التي ناقشناها في المقال الثاني: فالنساء والرجال في المخيمات يتحولون إلى قوة عمل منزلية وحقول إنتاج مصغرة، حيث يُستخرج من جهدهم الجسدي والاجتماعي فائض قيمة مجاني يسد ثغرات الاقتصاد الحربي ويغطي كلفة انهيار الدولة، بينما يُستغل الجسد الأنثوي كسلعة في السوق الأسود ضمن نفس الدورة.

انهيار شبكات الرعاية الصحية يعمّق هذا الاقتصاد الطفيلي، فمع توقف نحو 70% من المرافق كما توثق تقارير الأمم المتحدة، تُفرض أسعار باهظة على الخدمات، ويُجبر الفقراء على البيع من ممتلكاتهم أو العمل في السوق الأسود لتغطية الحاجات الأساسية. شهادة نازحة من الفاشر توضح أن بيع بقرة العائلة مقابل مضاد حيوي لطفل مريض أصبح ممارسة يومية، حيث تتحول الصحة إلى امتياز طبقي يُدار بواسطة وكلاء مرتبطين بالميليشيات، وهو امتداد مباشر لمنطق السوق الأسود العام.

يتوسع السوق الأسود إلى الريف والمدن على حد سواء، فيحول المناطق الزراعية إلى مخازن للمواد الخام، فتنهب المحاصيل، وتفرض الضرائب، وتُقيّد حركة المدخلات الزراعية. يتحول المزارع إلى عامل مستلب داخل أرضه، بينما تتراكم الثروة في أيدي قلة من الميليشيات والسماسرة، بما يتوافق مع وصف ماركس لـ"التراكم البدائي للعنف". المدن نفسها تتحول إلى فضاء تلتقي فيه شبكات السمسرة والاحتكار مع الولاءات المسلحة، فتتضح العلاقة العضوية بين العنف الاقتصادي والسيطرة العسكرية، والهيمنة الطبقية التي تضمن استمرار فائض القيمة على حساب الأغلبية.

لكن المقاومة تنبثق من قلب هذا الخراب. لجان المقاومة مثل لجنة مقاومة جبل مرة وشبكة التضامن النسائي في دارفور، بالإضافة إلى التعاونيات الزراعية في مناطق النيل الأزرق، تمثل مسارات بديلة لإعادة توزيع السلع والموارد بعيداً عن الميليشيات. هذه اللجان ليست ظاهرة جديدة، بل هي تطوير وتنظيم لشبكات الصمود التلقائية التي نشأت في المخيمات، حيث تتحول المقاومة اليومية إلى تنظيم سياسي واعٍ. المبادرات تُعيد إنتاج اقتصاد من الأسفل، حيث يتخذ العمل الجماعي شكل تنظيم سياسي واعٍ، ويُحول شبكات الدعم الاجتماعي في المخيمات إلى خلايا مقاومة فعلية، مرتبطة ارتباطاً عضوياً بكل من "معسكرات العمل" و"اقتصاد الجسد" التي أشرنا إليها.

يتضح في النهاية أن السوق الأسود ليس مجرد تشويه للحرب، بل بنيتها الاقتصادية الأساسية. وهزيمته لا تتحقق عبر التنظيم الإداري أو الإصلاح القانوني، بل عبر تفكيك الطبقة الطفيلية التي تتغذى منه، واستبدال اقتصاد النهب باقتصاد إنتاج فعلي يربط نضال المنتجين في الحقول والمصانع بنضال النساء ضد تحويل أجسادهن إلى سلعة. يقول لينين إن "الثورة هي سلطة من لا يملكون على من يملكون"، وفي السودان لن تتجسد هذه السلطة إلا حين يفرض المنتجون والشباب والنساء شروطهم على توزيع الثروة ومعنى الدولة. كما كتب ماركس في "رأس المال" عن تحويل كل شيء إلى سلعة، فنرى اليوم كيف تتحول الحرب إلى آلة لتحويل الحياة والكرامة والجسد البشري إلى مواد خام للتراكم الطفيلي. مقاومة هذا التحويل تتطلب تنظيمًا طبقيًا واعيًا، لا مجرد شجب أخلاقي.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي وال ...
- 2. المخيمات كآلة طبقية: إعادة تشكيل البروليتاريا المقهورة في ...
- خرائط القهر: العنف البنيوي ضد المرأة في الاقتصاد السياسي للح ...
- 10. الآفاق الطبقية ومعنى الانتصار — من الإصلاح إلى التغيير ا ...
- 9. دينامية الشارع كرافعة تاريخية — صناعة الزمن الثوري
- ٨. معارك السياسات الملموسة: اختبار الصراع الطبقي في ال ...
- 7. التناقض داخل التحالف التقدمي: بين إدارة النظام وتفكيكه
- 6. الشارع العمالي مقابل برجوازية العقار - معركة الحيازة والو ...
- ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية
- 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...
- 3. من الفعل الشعبي إلى السلطة الموازية
- 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية ...
- الاقتصاد المقاوم: المقاطعة كأداة للتحول الثوري في السودان 1
- أسئلة بلا طبقة


المزيد.....




- تونس تدعو لتمكين المرأة في صنع السلام بإفريقيا
- العراق: نحو 90% من الطالبات الجامعيات لم يبلغن عن تعرضهن لجر ...
- تيك توكر قتل زوجته ناديا شهاب وانتحر في لبنان
- الصحة والنقل في أفق التحرر الاقتصادي والاجتماعي للمرأة العام ...
- حقوق المرأة السورية في عهد أحمد الشرع: ما الذي تغيّر؟
- المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها
- مجلس حكماء المسلمين يحتفي بالمرأة ضمن فعاليات معرض العراق ال ...
- تيك توكر قتل زوجته وانتحر في الضاحية الجنوبية للبنان
- أطفال/طفلات غزيون/ات يولدون/ن بتشوهات خلقية نادرة بسبب الحرب ...
- العاملات الأجنبيات في العراق في مواجهة شتى أنواع العنف والان ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 4. فائض القيمة القذر – اقتصاد الجسد ومعسكرات العمل في منظومة السوق الأسود السودانية