أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي والنساء في الهامش السياسي لسلامٍ لا يأتي














المزيد.....

3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي والنساء في الهامش السياسي لسلامٍ لا يأتي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 22:15
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يُعيد اقتصاد الحرب السوداني تشكيل الأسرة لا بوصفها ضحية جانبية، بل كحقل إنتاج مركزي تتحمّل داخله النساء عبء إعادة إنتاج قوة العمل المدمرة. تتحول الأسرة تحت ضغط الانهيار إلى ورشة عمل غير مأجورة تمتص صدمات غياب الدولة وانهيار الخدمات، بينما تتكفّل النساء وحدهن بضمان استمرار الحياة اليومية في اقتصاد لا ينتج إلا الموت والندرة. لا ينشأ هذا التحول تلقائياً، بل هو سياسة طبقية واعية تعتمد عليها البرجوازية العسكرية كي تُلقي بتكاليف الأزمة على ظهر البروليتاريا المنزلية، فتتشكّل داخل الخيمة الواحدة شبكة رعاية مُنهَكة تُعيد إنتاج العمالة المستقبلية دون أن تُكلف النظام شيئاً. يتداعى المعيل الذكوري بالموت أو التجنيد أو الفرار، فتتحول المرأة إلى معيلة قسرية دون أن تتحرر من الدور المنزلي التقليدي، ما يؤدي إلى تكدّس طبقات من العمل اليومي تحوّلها إلى خادمة للنظام الطبقي تحت لافتة "واجب أسري" .

يشتد الاستغلال حين يُعاد بناء العلاقات الأسرية كشبكات أمان بديلة للدولة، إذ تُنجز الجدة والحفيدة والأم عمل رعاية جماعياً يضمن بقاء الأطفال ويقلل كلفة إعادة الإنتاج على الميليشيات. ويتحول كل احتياج أساسي إلى ساحة ابتزاز تُديرها السوق السوداء التي تحرسها الميليشيات، فتصبح المرأة مضطرة للتفاوض على الطعام، وعلى الخروج، وعلى الحياة نفسها، ما يجعل الأسرة خلية استغلال دائمة لا مجال داخلها للتوقف أو الاعتراض.

يتعمق الانقسام الطبقي داخل المجتمع النازح حين تتمكن بعض الأسر الميسورة من شراء حماية نسبية، بينما تغرق الأغلبية في اقتصاد الشحّ الذي يحول النساء إلى عاملات يوميات في أسواق هامشية لا تنتج سوى قهر جديد. ويتحوّل هذا الانقسام إلى أداة لقطع الطريق على التضامن الطبقي، فتُعاد صياغة الأسرة من جديد كجدار يفصل لا كجسر يربط، رغم أن جميع هذه العلاقات تبدو في ظاهرها علاقات حميمية.

داخل هذا الواقع، يصبح عمل المرأة غير المأجور المحرك الأعمق للحرب، لأنه ينتج يومياً ما يسمح للنظام الطفيلي بالاستمرار. لكن هذا الموقع نفسه يفتح إمكان المقاومة، فعندما يتحول العمل المنزلي من عبء فردي إلى وعي جمعي، تبدأ النساء بتشكيل خلايا تضامن قادرة على التفاوض لا بوصفها طلباً إحسانياً، بل كحق طبقي يُصادر يومياً. تنشأ داخل المخيمات شبكات عمل يومي تُعيد تنظيم الفضاء الاجتماعي من الأسفل، ما يجعل الأسرة تحت قيادة النساء نواة لبنية سياسية بديلة لا تحتاج إذناً من أحد لتتشكل.

لا يكتمل هذا الاستغلال داخل الأسرة إلا حين يُعاد إنتاجه في فضاء الدولة، إذ يتحول النسيان إلى سياسة حكم تُقصي النساء عن طاولات التفاوض التي تحدد مصير المجتمع الذي يعشن داخله. يتحرك النسيان هنا كأداة قمع ناعمة تُحوّل النساء إلى مجرد "قضية إنسانية" تُستعمل في الخطاب الدولي، بينما تُستبعد أصواتهن من هندسة المستقبل. تتحدث الاتفاقيات عن التنمية والاستقرار، لكنها تتجاهل اقتصاد الحرب الذي تصنعه أيدي النساء داخل الخيام.

وبهذا يُعاد إنتاج الفصل بين من يدفع ثمن الحرب ومن يصنع قرار السلام، فيتجلى النسيان كتكملة لاقتصاد الاستغلال المنزلي، لا كمرحلة منفصلة عنه. تحرس المؤسسات الدولية هذا الإقصاء حين تستقبل نخباً قابلة للتطويع، وتستبعد النساء اللاتي قدن لجان المقاومة وشبكات البقاء، لأن إدماجهن يعني بالضرورة الاعتراف أن الحرب صراع طبقي لا يمكن حسمه عبر صفقات فوقية.

ويكشف هذا الإقصاء أن النخبة ذاتها التي صنعت الخراب تعيد إنتاج نفسها داخل استحقاقات ما بعد الحرب، بينما يُعاد إسكات النساء اللاتي دفعن كلفة البقاء. يتجلى النسيان أيضاً حين يحتفي الخطاب الثوري بشجاعة النساء في ساحات الانتفاضة، ثم يتجاهلهن عند إعادة هندسة المرحلة الانتقالية، فتعود البنية الأبوية إلى الحياة من جديد داخل القوى التي تزعم السعي إلى التغيير.

وتتجسد هذه المفارقة حين تُختزل النساء في رموز ثورية تُرفع في المظاهرات، بينما يُعاد إبعادهن عن الفضاء السياسي الحقيقي، فتصبح الثورة منقوصة لأنها تغفل مركز إعادة الإنتاج الاجتماعي. ويؤدي هذا التجاهل إلى تكريس بنية طبقية منعزلة تُدار فيها السياسة فوق حياة من يصنعونها، ما يجعل النسيان امتداداً مباشراً لاستغلال العمل المنزلي الذي يُنتج المجتمع يومياً.

تتخلق المقاومة حين تفهم النساء أن موقعهن داخل الأسرة هو الموقع ذاته الذي يُقصين بسببه من السياسة، فيحوّلن هذا الموقع إلى قوة مضادة قادرة على تعطيل منطق النسيان. وتبدأ هذه المقاومة من تحويل شبكات الرعاية إلى شبكات وعي، ومن نقل الخبرة اليومية من مجال البقاء إلى مجال الصراع، فتصبح الأسرة خلية سياسية، ويصبح العمل المنزلي غير المأجور شرطاً لإنتاج وعي طبقي قادِر على اختراق حدود الدولة والميليشيا معاً.

وعندما تطالب النساء بحصص عادلة، وبخدمات أساسية، وبتمثيل سياسي، فإنهن لا يطلبن امتيازات بل يعلنّ أن البنّية التي أنتجت الاستغلال داخل الأسرة هي نفسها التي تنتج النسيان على مستوى الدولة. وتتكشف الخلاصة الطبقية حين نفهم أن تحرر النساء داخل الأسرة وتحول النسيان إلى سياسة حكم هما وجهان لبنية واحدة تُدير الحرب من الأعلى وتعيد إنتاجها في الأسفل.

ويظل هذا التشابك هو ما يجعل تحرر المرأة جزءاً من تحرر الطبقة العاملة كلها، لأن عمل النساء المنزلي هو الأساس الذي يُبنى عليه اقتصاد الحرب والاقتصاد السياسي للسلام المؤجل. وتذكرنا روزا لوكسمبورغ بأن حرية العمال لا تكون إلا بحرية جميع العمال، ما يعني أن حرية النساء داخل الأسرة لا تنفصل عن حرية الطبقات المقهورة في وجه البرجوازية العسكرية.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2. المخيمات كآلة طبقية: إعادة تشكيل البروليتاريا المقهورة في ...
- خرائط القهر: العنف البنيوي ضد المرأة في الاقتصاد السياسي للح ...
- 10. الآفاق الطبقية ومعنى الانتصار — من الإصلاح إلى التغيير ا ...
- 9. دينامية الشارع كرافعة تاريخية — صناعة الزمن الثوري
- ٨. معارك السياسات الملموسة: اختبار الصراع الطبقي في ال ...
- 7. التناقض داخل التحالف التقدمي: بين إدارة النظام وتفكيكه
- 6. الشارع العمالي مقابل برجوازية العقار - معركة الحيازة والو ...
- ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية
- 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...
- 3. من الفعل الشعبي إلى السلطة الموازية
- 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية ...
- الاقتصاد المقاوم: المقاطعة كأداة للتحول الثوري في السودان 1
- أسئلة بلا طبقة
- 14. التنظيم الثوري وبناء الحزب الجديد: من النظرية إلى الممار ...


المزيد.....




-  فلسفة القانون الموحد لمناهضة العنف ضد النساء نسخة 2025
- نصائح مهمة للوقاية من داء السكري لدى النساء بعد انقطاع الطمث ...
- الأمم المتحدة: سياسات طالبان تُقصي عمل الأفغانيات داخل مكاتب ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 57 ألف أسرة في غزة تُعيلها نساء
- تحالف نساء كردستان يطالب ببرلمان فاعل وقوانين تحمي الناجيات ...
- اليمن: تصاعد الانتهاكات ضدّ النساء ولجنة التحقيق تطالب بالمح ...
- تحقيق: فيلق أفريقيا الروسي متهم بالاغتصاب وقطع رؤوس المدنيين ...
- ورقة مفاهيمية حول قانون العنف الموحد ضد المرأة 2017
- شبكة أطباء السودان: توثق 19 حالة اغتصاب خلال النزوح من الفاش ...
- مؤشر المساواة الأوروبي 2025: هل يعكس حلول فرنسا في المرتبة ا ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي والنساء في الهامش السياسي لسلامٍ لا يأتي