أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 6. النسوية البرجوازية – تمثيل الزائفات ونسيان الطبقة في خطاب السلام السوداني














المزيد.....

6. النسوية البرجوازية – تمثيل الزائفات ونسيان الطبقة في خطاب السلام السوداني


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 13:10
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تتحول "مشاركة المرأة" في مسارات السلام السودانية إلى أداة طبقية تخفي التهميش الحقيقي للنساء العاملات والفلاحات، بينما تكرس هيمنة نخبة نسوية برجوازية تتبنى خطاباً منفصلاً عن الواقع الطبقي للحرب. تُستدعى هذه النخبة إلى طاولات التفاوض والمؤتمرات الدولية لا كمنتجات لحراك جماهيري، بل كـ "خبيرات" و"ممثلات" يقدمن صورة مزيفة عن "المرأة السودانية"، بينما تُقصى النساء اللواتي ينتجن الحياة اليومية في المخيمات والحقول. هذا التحول ليس خطأ تنظيمياً، بل هو وظيفة طبقية للبرجوازية العسكرية والإمبريالية، التي تبحث عن شركاء قادرين على إدارة النظام القائم بلغة "المساواة الجندرية"، دون المساس باقتصاد الحرب أو علاقات الملكية.

تعمل النسوية البرجوازية عبر فصل "قضايا المرأة" عن الصراع الطبقي. فبدلاً من ربط العنف الجنسي باقتصاد النهب، كما وضحنا في المقالين الأول والرابع، تُختزل هذه القضية إلى مشكلة "حماية" تحتاج إلى قوانين ومؤسسات، دون مساءلة النظام الاقتصادي الذي ينتج العنف. وبدلاً من ربط عمل النساء غير المأجور في المخيمات، كما حللنا في المقالين الثاني والثالث، بالاستغلال الرأسمالي، يُقدم هذا العمل كمظهر من مظاهر "الصمود" و"التكيف"، يُمكن تدعيمه بمشاريع صغيرة لا تغير البنية. هذا الفصل هو أداة إيديولوجية تخدم البرجوازية العسكرية، لأنها تحوّل المطالب الجذرية إلى إصلاحات إدارية، وتُبقي النساء الفقيرات خارج دائرة القرار.

يُظهر تمثيل النساء في مفاوضات السلام هذه الآلية بوضوح. فالمشاركات غالباً ما ينتمين إلى النخبة الحضرية، المتعلمة في الغرب، العاملات في المنظمات الدولية أو الحكومية. خطابهن يتحدث عن "الكوتا" و"التوازن الجندري" و"التمكين الاقتصادي"، لكنه يتجنب الحديث عن تفكيك اقتصاد الحرب، أو توزيع الثروة، أو محاسبة الميليشيات على النهب والعنف الجنسي. هذا الخطاب مقبول دولياً لأنه لا يهدد المصالح الاقتصادية، ومقبول محلياً من البرجوازية العسكرية لأنه يُقدم لها شركاء جدداً في إدارة الدولة ما بعد الحرب، دون تغيير جوهرها الطبقي.

تقوم هذه النسوية البرجوازية على استعارة اللغة الثورية لتجريدها من محتواها الطبقي. فكلمات مثل "التمكين" و"المقاومة" و"العدالة" تُفرغ من معناها الجذري وتحول إلى شعارات في مشاريع تمويلية. النساء اللواتي ناضلن في لجان المقاومة خلال الانتفاضة، واللواتي ينظمن شبكات التضامن في المخيمات اليوم، يُستبعدن لأن خطابهن يتحدى التسوية الطبقية، ولأن مطالبهن المباشرة (إعادة الأراضي المصادرة، محاكمة المجرمين، توفير الخدمات مجاناً) تهدد مصالح النخب. وهكذا تُصنع "نسوية رسمية" تكون امتداداً للدولة وليس تحدياً لها.

يخدم هذا النموذج المصالح الإمبريالية أيضاً. فالمنظمات الدولية والجهات المانحة تفضل التعامل مع "شريكات" يتحدثن بلغة "المشاريع" و"المؤشرات" و"النواتج"، ويمكن إدراجهن في خطط "إعادة الإعمار" التي تحول الأزمة إلى سوق استثمارات جديدة. تُموَّل مؤتمرات "المرأة والسلام والأمن" وتُنتج تقارير تُترجم إلى لغات أجنبية، بينما تُهمَّش التجارب الحية للنساء في دارفور وكردفان. هذه استعارة جديدة تُدار من مراكز القوى الرأسمالية، حيث تُصبح معاناة النساء السودانيات مادة لصناعة "الخبرة" و"الاستشارات"، بينما تبقى النساء أنفسهن بدون خبز أو دواء.

تتجلى كارثية هذا النموذج في كيفية تعامله مع العنف الجنسي. فبدلاً من ربطه بالسياق الاقتصادي والعسكري، كما فعلنا في التحليل السابق، يُختزل إلى "انتهاك لحقوق الإنسان" يحتاج إلى "آليات إبلاغ" و"دعم نفسي". هذا التبسيط يفصل الجريمة عن المجرم، ويحول الانتباه عن الميليشيات التي تمارس العنف كسياسة منهجية، إلى "المجتمع" و"الثقافة" و"الأعراف". النخبة النسوية البرجوازية تتحدث عن "مكافحة الوصمة" و"دعم الناجيات"، لكنها لا تتحدث عن مصادرة أسلحة الميليشيات أو تدمير اقتصاد الحرب، لأن ذلك يمس مصالح الطبقة التي تمثلها وتحتمي بها.

لكن المقاومة الحقيقية تأتي من الأسفل. ففي المخيمات والمناطق الريفية، تبني النساء أشكالاً تنظيمية ترفض هذا النموذج. مجموعات مثل "نساء دارفور للعدالة" لا تطالب فقط بمحاكمة المجرمين، بل تربط العدالة بإعادة الأراضي والموارد. لجان المقاومة في الأحياء الشعبية لا تطالب فقط بـ "تمثيل النساء"، بل تطالب بتغيير نظام الحكم. التعاونيات النسوية في الريف لا تطلب "قروضاً صغيرة"، بل تطالب بإصلاح زراعي يعيد الأرض لمن يزرعها. هذه الحركات تُعيد ربط النسوية بالطبقة، وتذكرنا أن تحرر المرأة لا يكون إلا بتحرر جميع المقهورين من نير الرأسمالية والعسكرة.

النسوية البرجوازية هي عدو داخل الحركة النسوية، لأنها تقدم تحرر النساء كمسألة شكلية (تمثيل، كوتا، لغة) بينما تحافظ على البنى الطبقية التي تنتج القمع. مهمة الحركة النسوية الطبقية هي فضح هذه الوظيفة الطبقية، وبناء تحالفات مع النساء العاملات والفلاحات، ورفض أي تسوية تفصل بين تحرر المرأة وتحطيم النظام الرأسمالي العسكري. كما كتبت المناضلة الماركسية كلارا زيتكين: "لا يمكن فصل نضال المرأة العاملة من أجل تحررها عن النضال العام للبروليتاريا". في السودان اليوم، هذه الحقيقة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى: فإما نسوية طبقية تقود معركة التحرر الكبرى، وإما نسوية برجوازية تُزيّن قيود النظام الجديد.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5. ايديولوجيا النيوليبرالية والجسد: تبرير القمع البنيوي في س ...
- 4. فائض القيمة القذر – اقتصاد الجسد ومعسكرات العمل في منظومة ...
- 3. النسيان كإعادة إنتاج: الأسرة بوصفها موقع استغلال طبقي وال ...
- 2. المخيمات كآلة طبقية: إعادة تشكيل البروليتاريا المقهورة في ...
- خرائط القهر: العنف البنيوي ضد المرأة في الاقتصاد السياسي للح ...
- 10. الآفاق الطبقية ومعنى الانتصار — من الإصلاح إلى التغيير ا ...
- 9. دينامية الشارع كرافعة تاريخية — صناعة الزمن الثوري
- ٨. معارك السياسات الملموسة: اختبار الصراع الطبقي في ال ...
- 7. التناقض داخل التحالف التقدمي: بين إدارة النظام وتفكيكه
- 6. الشارع العمالي مقابل برجوازية العقار - معركة الحيازة والو ...
- ٥. السلطة المحلية كجهاز طبقي – تشريح دولة البلدية
- 4. الزمن السياسي: ساعة الرمل الانتخابية
- 3. حدود الانتصار الرمزي: فوز ممداني بين احتواء الدولة وإمكان ...
- 2. دكتاتورية المؤسسات: عمدة نيويورك في خدمة رأس المال
- ممداني وعوائق التحوّل في نيويورك: جدل الممكن والمستحيل
- 6. إمكانيات وتحديات نموذج المقاطعة الشاملة في مشروع التغيير
- 5. الديالكتيك الثوري: التفاعل الجدلي بين تفكيك القديم وبناء ...
- 4. العصيان الشامل: من الفعل الأخلاقي إلى الإضراب السياسي وبد ...
- 3. من الفعل الشعبي إلى السلطة الموازية
- 2. صناعة الأزمة: المقاطعة الشاملة كأداة تفكيك الدولة الطبقية ...


المزيد.....




- صحفي فلسطيني يقدم شهادة مروعة حول تعرضه للاغتصاب في سجون الا ...
- البرلمان العربي يشارك في ورشة عمل إقليمية حول تطوير قوانين ا ...
- وزيرة الصحة الألمانية: الأمراض النسائية لم تحظ بما يكفي من ا ...
- “مــاما جابت نونو” تردد قناة طيور الجنة 2025 على نايل سات وع ...
- كيف يهدد تشويه صورة الرجل الأسرة؟
- 7 خطوات نحو عام أهدأ.. كيف تعيد المرأة شحن ذاتها مع بداية ال ...
- في ذكرى الزهراء( ع ).. المرأة اللبنانية ترفع راية المقاومة ...
- -أحد معبدي الشمس المعروفين في مصر القديمة-.. اكتشاف بقايا مع ...
- إيران: إخلاء سبيل امرأة بعد إلغاء حكم الإعدام الصادر بحقها ل ...
- تركيا ـ توقيف 5 مشتبه بهم بالتحرش والاعتداء الجنسي على متدرب ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حسب الرسول الطيب - 6. النسوية البرجوازية – تمثيل الزائفات ونسيان الطبقة في خطاب السلام السوداني