أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد موكرياني - الحكم الوراثي في التاريخ الإسلامي وانعكاساته على الأنظمة العربية المعاصرة















المزيد.....

الحكم الوراثي في التاريخ الإسلامي وانعكاساته على الأنظمة العربية المعاصرة


احمد موكرياني

الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 16:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شهد التاريخ الإسلامي أول تحوّل جوهري من نظام الشورى إلى نظام الحكم الوراثي في عهد معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية. ولم يكن هذا النمط من الحكم ابتكارًا جديدًا من قِبَل معاوية، بل جاء متأثرًا بالنظام السياسي السائد في بلاد الشام آنذاك، ولا سيما النموذجين الروماني والبيزنطي، اللذين قاما على الملكية الوراثية. وبحكم العلاقة الوثيقة لقريش عمومًا، وبني أمية خصوصًا، بالتجارة مع الشام، وما رافق ذلك من احتكاك إداري وسياسي وثقافي، تأثر معاوية بتلك النماذج في إدارة الحكم.
وقبل هذا التحول، كان اختيار الخليفة يتم عبر التشاور بين كبار الصحابة وأهل الحل والعقد، وهو ما منح نظام الحكم آنذاك شرعية دينية وسياسية مستندة إلى مبدأ الشورى. غير أن معاوية، بعد استقرار الأمر له، تخلى عن النظام الحكم الإسلامي واتجه إلى تولية ابنه يزيد من بعده، ليصبح انتقال السلطة قائمًا على أساس وراثي.
وقد شكّل هذا التحول نقطة فاصلة في تاريخ الحكم الإسلامي، إذ أدى عمليًا إلى تهميش مبدأ الشورى لصالح الملكية الوراثية، وفتح الباب أمام احتكار السلطة داخل الأسرة الحاكمة، وكان لذلك آثار عميقة في البنية السياسية والاجتماعية للأمة، وأسهم في نشوء الانقسام والفرقة بين المسلمين، وهي تداعيات ما زالت آثارها ماثلة إلى اليوم. كما استُغلت هذه المرحلة لاحقًا من قِبَل بعض القوى السياسية والدينية، التي اتخذت من الدين وسيلة للتكسب السياسي والتحكم بالمجتمع، بدلًا من الالتزام بروحه وقيمه الأخلاقية.
مساوئ الحكم الأموي والعباسي والعثماني:
أدى اعتماد الحكم الوراثي في الدولتين الأموية والعباسية، ومن بعدهما الدولة العثمانية، إلى بروز العديد من السلبيات السياسية والاجتماعية:
• الدولة الأموية: اتسمت المرحلة بكثرة النزاعات الداخلية والصراعات على السلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة، ما أثر سلباً على استقرار الدولة وفعالية مؤسساتها.
• الدولة العباسية: ورثت العباسية نموذج الوراثة، فشهدت صراعات دموية بين أبناء الخلفاء، وتدخلات خارجية في تعيين الحكام، ما أدى إلى إضعاف مكانة الدولة وتفككها التدريجي.
• الدولة العثمانية: اعتمدت نظام الحكم الوراثي بصورة مؤسسية صارمة، الأمر الذي أدى إلى نشوء صراعات داخلية على السلطة، شملت حالات اقتتال بين أفراد الأسرة الحاكمة وعمليات تصفية سياسية لضمان استمرارية الحكم.
o أسهم هذا النهج في تراجع الكفاءة الإدارية للدولة نتيجة تهميش الكفاءات لصالح الانتماء الأسري، وهو ما شكّل أحد العوامل التي ساهمت في إضعاف بنية الدولة وانهيار الخلافة الإسلامية لاحقًا، وظهور أنظمة حكم قومية في مرحلة ما بعد الخلافة.

أثر الحكم الوراثي بشكل مباشر على تدهور المجتمعات الإسلامية عبر عدة مظاهر:
• احتكار السلطة ضمن دائرة ضيقة من أفراد الأسرة الحاكمة، ما أدى إلى غياب التنافسية السياسية.
• تغييب الكفاءات والمؤهلات لصالح الوراثة، مما أضعف الأداء الإداري والقيادي.
• ضعف المؤسسات السياسية والإدارية، حيث غابت آليات الرقابة والمساءلة، وانحصر القرار في يد الحاكم وأسرته.
• انتشار الفساد والمحسوبية نتيجة غياب الشفافية والمساءلة.

لا تزال العديد من الأنظمة العربية المعاصرة تتبنى النموذج الوراثي بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ نجد انتقال السلطة داخل الأسر الحاكمة في الدول الخليجية والدول الملكية العربية، وتوريث الحكم للأبناء في الجمهوريات. هذا التشابه التاريخي يعكس استمرار تأثير النموذج الوراثي، حيث يتم تهميش المشاركة السياسية الحقيقية لصالح استقرار السلطة في يد الأسرة الحاكمة، ما يؤدي إلى تكرار مظاهر الضعف السياسي والاجتماعي التي شهدتها الدول الإسلامية السابقة.
أفرز استمرار النموذج الوراثي نتائج سلبية طويلة المدى على المجتمعات العربية، أبرزها:
• ضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية نتيجة غياب سياسات الاستدامة والمساءلة.
• هجرة العقول والكفاءات إلى الخارج بسبب تضييق فرص المشاركة والتميّز.
• عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، والصراع على الحكم داخل العائلة المالكة، واندلاع الاحتجاجات والمطالبات بالإصلاح.
• تراجع مكانة الدول العربية على الساحة الدولية بسبب استمرار الأنظمة غير الديمقراطية.

كلمة أخيرة:
• نلاحظ أن العديد من الحكّام الذين وصلوا إلى السلطة عبر الوراثة في بعض الدول العربية يفتقرون إلى الثقة باستمرارية بقائهم في الحكم، خوفا من ثورة الشعوب او من اقصاء من قبل أعضاء في العائلة المالكة كما حدث في السعودية وقطر وأبو ظبي وعمان، وهو ما ينعكس في سلوكهم المالي والاستثماري. إذ يلجأ كثير منهم إلى نقل واستثمار أموال طائلة جُمعت بطرق غير مشروعة، سواء بشكل مباشر أو عبر احتكار الأنشطة التجارية والاستثمار في العقارات والشركات والسندات المالية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، تحسبًا لاحتمال الإطاحة بهم من مواقع السلطة، كما حدث في تجارب تاريخية معروفة في مصر، والعراق، وليبيا، وإيران.
o ويُعدّ سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي مثالًا قريبًا ومؤثرًا في هذا السياق، حتى الولايات المتحدة الأمريكية، حليفته آنذاك، امتنعت عن استقباله بعد سقوط حكمه، قبل أن يستقبله الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
o وفي العصر الحديث، أصبح بالإمكان تتبّع حجم هذه الاستثمارات الخارجية للعائلات الحاكمة وبعض القيادات والوزراء والمسؤولين المتورطين في الفساد بسهولة، من خلال قواعد البيانات المفتوحة ومحركات البحث والمنصات المالية الدولية.
• ولا تقتصر هذه الظاهرة على الأنظمة الملكية والمشيخات الخليجية وحدها، بل تمتد إلى أنظمة جمهورية والحكم ذات طابع عائلي أو طائفي أو قومي.
o ففي الحالة التركية، تُثار على نطاق واسع مزاعم إعلامية وقضائية بشأن الأنشطة التجارية لبلال أردوغان، نجل الرئيس رجب طيب أردوغان، بما في ذلك امتلاكه أو إدارته حصصًا في شركات في قطاع الشحن، من بينها ما يُتداول إعلاميًا عن شركة BMZ كما تشير تقارير صحفية إلى وجود تحقيقات واتهامات سابقة بالفساد داخل تركيا وفي بعض الدول الأوروبية، إلا أن هذه القضايا لم تُفضِ إلى إدانات قضائية نهائية حتى تاريخه، بعد تدخلات سياسية شملت إقالة أو نقل قضاة ومدّعين كانوا ينظرون في بعض تلك الملفات، وفق ما أوردته مصادر إعلامية معارضة ومنظمات رقابية.



#احمد_موكرياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابحثوا عن الدجاجة بين حكمة الماضي وتحديات الحاضر في إقليم كر ...
- علامات قيام القيامة في القرآن الكريم والروايات المسيحية والي ...
- كيف يمكن لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني تطبيق رؤيته في -ال ...
- المقدر والمكتوب
- وجهة نظر حول الانتخابات الجارية في العراق هذا العام
- كيف يمكن إيقاف الحرب بين روسيا والغرب في أوكرانيا
- حملة نتن ياهو في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وحملة الأنفال ...
- هل بالإمكان تأسيس نظام ديمقراطي حر ومستقل في العراق؟
- لماذا انتقد ترامب الطاقة الخضراء اي تطوير أوربا للطاقة الكهر ...
- هل يمكن لدولة إسرائيل البقاء بدون حماية الولايات المتحدة الأ ...
- البعد القرآني في تطور الرياضيات والذكاء الاصطناعي من -كتاب م ...
- دراسة في أهمية التعددية وتقبل الآخر في بناء الدول الحديثة
- توريث الحكم وهيمنة العائلات
- كذبة إسرائيل الكبرى
- المقارنة بين نتن ياهو وهتلر؟
- العالم يفتقد قيادات حكيمة وعاقلة
- هل سيفي أردوغان بوعوده بعد إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه ...
- فلسطين تنزف، وفزعةً من عشائر البدو في سوريا والعراق ضد دروز ...
- متى تستفيق شعوبنا؟
- حوّلت السعودية والإمارات وقطر وشركة توتال الفرنسية اليمن الس ...


المزيد.....




- حرب السودان.. أوروبا بين دعم الإغاثة واحتواء تهديد الإخوان
- الجالية اليهودية بعد هجوم سيدني: لم نتلقَّ تحذيرا من إسرائيل ...
- تمر الذكرى الـ38 لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية حماس
- حادث إطلاق نار يستهدف محتفلين يهود عند شاطئ بونداي في سيدني ...
- أستراليا تعلن حصيلة جديدة لضحايا الهجوم -الإرهابي- على الجال ...
- 12قتلى بهجوم على حفل يهودي في مدينة سيدني
- بالصور.. رصاص يحوّل عيدا يهوديا إلى ساحة رعب في سيدني
- مقتل 12 شخصا في إطلاق نار على محتفلين بعيد يهودي بأستراليا
- تغريدة لليهود.. رئيس وزراء بريطانيا -في مأزق- بعد هجوم سيدني ...
- أكبر من البيت الأبيض.. ألق نظرة داخل مركز الحضارة الإسلامية ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد موكرياني - الحكم الوراثي في التاريخ الإسلامي وانعكاساته على الأنظمة العربية المعاصرة