أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - شعاع على سيكولوجية الاشياء كتاب كامل















المزيد.....



شعاع على سيكولوجية الاشياء كتاب كامل


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 23:35
المحور: الادب والفن
    


شعاع على سيكولوجية الاشياء
قصائد
2025






ديوان ( شعاع على سيكولوجية الاشياء)
1
( غصن الياسمين)
رموه على الرصيف قرب قمامة
داسته الاقدام وعبث بازهاره الصغار
في انتظار قطيع ماعز يقضمه . .
كانت زهرتان بيضاوان قد تفتحتا فيه
الشارع مقفر بعد ضجة الطلاب العائدين
بحماية اباء او امهات
وكانت الشمس قد صدعتني ( شمس الباقلاء)
وحدي لان صاحبي تأخر ينتظرها
توقعته غصن برتقال اوتفاح
فمدينتي حجر بلا حدائق
بحثته لاتعرف عليه قبل ان اتناول وجبتي...
انقذته من التهميش وفقد الام وعريشته
لكن الازهار ستموت ببطء ،وستذبل الاوراق..
قال لي ( لو تركتني احتضر فاموت قرب القمامة..لان الجمال لا يتاقلم مع العمى، والارواح التي لاتكنز العطور).
2025
.......
2
( لحظتان)
تسارع الصائمين وهم يعودون من الاسواق قبيل اذان المغرب..
وتقافز الطلاب الصغار عائدين لبيوتهم...
عقودا اراقب المشهدين..
تلك اللهفة
تلك القطعة الزمنية
تلك الحالة العابرة
هي اقصى لحظات التحرر
ومثال ساطع للسعادة
ماذا لو ابّدت ؟!!
لكني تجاوزت ملاحقة المشهدين لعشر سنوات..
وقبل ايام شهدت عودة بنات صغيرات من المدرسة، مجهدات من الجوع وثقل الحقائب
بعضهن يسحنها بعربات يدوية
بعض منشغلات بتعديل حجاب ابيض
بعض يثرثرن
اخريات، يتمشين منفردات،صامتات.
فجأة تقف جواري خمسة صغيرات
تقودهن بدينة
فينشغلن بلعبة اصابع
تفرح الفائزة
ولا تتكدر الخاسرة
ستستقبلهن امهات بالصرخات
او بلحظات احتفالية
مع هذا ،سيبدأن بسرد ما شاهدن
من حكايا لا يلتقطها سوى الصغار
سيكون خط حرف ومعرفته انتصارا ونبع ابتهاج،
قبل ان يكتشفن النكبات
وان المعرفة لا تكفي وحدها
والايات لا تنقذ من الانحدار وليست دائما لجاما للرغبات
عندها سيتعكر طقسهن النفسي
وقد تتجمد الافراح.
او يتذوقن السعادة
2025
......
3
( حروب المستقبل)
في نهاية الزقاق
كان جيشان من الصغار يتقاتلان متواجهين
كلاهما رابض او ممدود خلف ساتر من الكارتون المقوى
تحمل علامات حلوى
في ايديهم بنادق من خشب
حينما مررت كانا يستخدمان المنجنيق
فيرميان بعضهما بالحجر،
كانا بغاية الفرح وهما يجسدان البطولة
نهرتهما كي اتفادى الاصابة
فانسحب احد الجيشين
بلا اصابات
بلا دمع على القتلى
ولن يفكروا بانشاء مقابر
ولم تكن هناك مدن منكوبة
ولا ثكالى سيصرفن ما تبقى من العمر بالنحيب..
وبلا ندبات في الارواح ستعلق للابد.
قال احد الجنود الصغار لعدوهم المنسحب
( الا تقاتلون)
( اكتفينا قال احدهم) ومضى يسحب رفاقه لكرة القدم.
هكذا ،ربما، ستكون حروب المستقبل،
قشعريرة عابرة
وانسحاب من الميدان لما هو اجدى واكثر تسلية.
2025
........
4
( غربة)
تستاجر عائلة بيتا متهالك
ليلا تتخمه من اسلاب اثاث
يغلق باب
على اسرار وصمت.
يظهر طفل مصفر صامت
ويعود بحلوى..
لا احد من جيران يسأل عنهم
ولا يرغبون بالتعرف على احد
بيت تابوت
بعد شهور تاتي سيارة حمل
وبلا ضجة
يرتحلون..
دون ان يتركوا بصمات.
تلك هي الغربة
في مرحلة تغتال اواصر
وتعمق رعب الخوف.
2025
.........










5
( الصقر والطريدة)
ببياضه الثلجي وهيبته بعينيه
القادحتين
بجناحية المرقطين بورق اسود
هل نظرت مخالبه
مغروزة بطير
يرتعش على الرمال
لا احد ينظر عينيه
تغور من نقرات الموت
هل تسمع صرخاته المدوية الخافتة
ولحظات احتضاره
وتجمده لحظة احساسه بالنهاية.
.......


6
( عالم سري)
في عالمه السري
حين تغرز الوحدة فيه مخالبها
يلوذ باكتشاف الجمال
بمهارة النجارين يعيدون الحياة لتحف حللها القدم
بمرممي لوحات المتاحف
ببذور ينضجها باصص ويتمتع بعطرها
واغصانها النحيلة
بقصص تعيد تشكيل الحياة خلقها كتاب عظماء
بابتكار فكاهة لا يستجيب لها احد
حيث يصوغ من التافهين مسخرة
بذوبان عينيها وهي ترتوي باول لمسة على صدر هائج
بذبابة تعاشر تسعين مرة بدقائق
بانسان غاية الكرم يمد يد التآزر في لحظة محرجة
بابتكار الف لعبة للتسلية
بمرح الصغار يبتكرون الحياة
بيد حانية لحظة ضعف
باكتشاف جزر وآلهة ومتاحف
والغور في بحار العلوم والفن
بمدن تلونها اوراق الاشجار
بالتوحد مع الانهار التي تصارع صخورها الامواج
بتدفق البهجات قبل ان تحنطها الرتابة
بابتكار لغة مرمزة
وهو ليس دائما يستقطبه الحزن
فهناك بسمة لطفل بهي تعادل العالم
تعلم اللاجدوي من الجدل والحوار
فاللغة مخادعة
وحين تشتد الازمات
وتغور المخالب
يتذكر اولئك العميان ومن اصيبوا بالشلل
من انهكهم الغدر والجحود
ودار العجزة
من افقدته الحرب جمال البصر
او سلبته ساقيه
او المدن العظيمة تتحول لركام
او من شوه وجهها عشيقها بالتيزاب او نحرها
عندها يراه الافضل وان خسائره بسيطة جدا..
يراهم فرحين لان الوهم تمكن منهم
يراهم ملوكا ينتظرون السحل اويختبئون بثياب النساء
توحد عن القطيع الغافل
تجنب الانزلاق مع الموج
رأى الاشياء بوضوح
تعلم اللا تصدمه الحقائق
ولم يغفل عن صديقه الوفي، الموت، الذي ينتظره ولا بد من اللقاء
تعلم ان القدر اقوى من التخطيط
وان النجاح ليس حليف الاصرار دائما
فتقبل خسائره بضمير مصفّى
فنجح في اخفاء الشمس عن عالمه السري.
.......



( جحود)
في الخمسينيات يبكر تحت مخالب البرد والهاجرة.
ينوء تحت اكياس الاسمنت ،
لحية مبيضة وكوفية وصمت,
سيعود لامراة نهابة حاقدة ماكرة،
الصغيرات العائدات من المدرسة
يبتكرن لعبا فردية او جماعية
يرسمن البهجة في الطريق
وفي زاوية مهملة
يصارع اكياس الاسمنت،منحنيا
تئن عظامه وتجالد
سيعود لامرأة خائنة
واولاد جاحدين
2
كان فرحا بهم
لهذا تحمل العرق والجحيم لاربعين سنة
عتال السفن هذا
يتذكر اولاده الستة
الذين اودعوه من اسبوع في دار العجزة.
3
هينة كل الطعنات على جسده
الا نصل من يد انسان اثير لديه
طعنة غادرة
.....




8
اكتشاف الجذور الافعوانية)
شجرة السدر تسلقناها صغارا
لم نصارعها بفأس فقد قيل لنا انها مقدسة
يمر عليها عمال البناء والصيادون والصغار
فيرمونها بالنعل والحجر
فتجيبهم بثمرها
او تعانقها الريح بقسوة
فتنثر كراتها الصفر على الاسفلت
وتحجز اكياس النايلون ورسائل العشاق والصخور الصغيرة واحزمة الحقائب البالية والعلب الصدئة..
مأوى للطيور والاعشاش
واغصانها مصائد للاسماك
وظل للفلاح بعد تدفق العرق
وتماثيل شجرية متخشبة بعد مواسم الجفاف
كل ضحى في طريقي الى المدرسة
الاولى كنت امر بها منحنية خارج جدار معمل ،كأنها تنتظرني
كأني الوحيد الذي اكتشفها
ايام الكورونا كنت اقصدها مع الاحفاد وهي مقزمة تختفي بين الاعشاب
نلتقط او نهزها فتجود...
في تلك الايام التي كنا نخشى فيها من الاقتراب لبعضنا.
بعد عشرات العقود اكتشفت جذورها الافعوانية الصلبة
تمتد في نهير صاف
حيث تحاصرها الاعشاب
ويسبح جوارها الحيوان الصدفي
في البستان المهجور.



















الجزء الثاني
قراءات نقدية









د.عادل جودة
غصن ياسمين
💔 قراءة في قصيدة "غصن الياسمين": مرثية الجمال الضائع
تُقدّم قصيدة "غصن الياسمين" للشاعر كاظم حسن سعيد مشهدًا شعريًا مكثفًا، يختزل في بضعة أسطر مرارة الواقع، ووحشية الإهمال، والمفارقة الحادة بين النقاء الطبيعي (الياسمين) والقسوة البشرية والمادية (القمامة والرصيف). إنها نصّ يتجاوز وصف حادثة عابرة ليصبح تأملاً في مصير الجمال والفن في عالم يتسارع نحو التهميش والعمى الروحي.
🌿 الرمزية والمشهد الافتتاحي: التناقض الصارخ
يُبنى النص على تناقض أساسي يضعه الشاعر مباشرة في السطر الأول: "رموه على الرصيف قرب قمامة". فالياسمين، رمز العطر، والنقاء، والروحانية، يُصبح نقيضًا له، مُلقىً بجوار القاذورات. هذا الإلقاء ليس مجرد فعل، بل هو حكم بالإعدام على كل ما هو رقيق وعذب. المشهد الافتتاحي يخلق فورًا إحساسًا بالشفقة والغضب:
* العدوان والتهميش: "داسته الأقدام وعبث بأزهاره الصغار" - هذا التعدي الثلاثي الأبعاد (الرمي، الدوس، العبث) يُشير إلى غياب الوعي والتقدير. المجتمع المار (الأقدام) والأجيال الصاعدة (الصغار) يتعاملان مع الجمال بوصفه شيئًا بلا قيمة.
* الانتظار المرير: "في انتظار قطيع ماعز يقضمه" - يرتقي المشهد إلى مستوى المأساة، حيث يُصبح المصير المحتوم للغصن هو التلاشي في فم بهيمة، في دلالة رمزية على انتصار الغريزة على الروح، والمادية على الجمال.
👤 صوت الشاعر المنقِذ ومأزق المدينة
يتحول الشاعر، بصفته الراوي، من مُشاهِد إلى منقِذ. يدخل إلى المشهد متأثراً بـ "شمس الباقلاء" التي "صدعته"، وهو تعبير يحمل دلالة الحرارة والضجر والوجبة الشعبية البسيطة، ليرسم صورة لمدينة قاسية، مادية، بلا روح: "فمدينتي حجر بلا حدائق".
هذا الاعتراف بالخواء الحضري يُفسِّر فعل الإنقاذ. فالشاعر، في بحثه عن "غصن برتقال أو تفاح" – رموز للثمار والحياة المريحة – يكتشف الياسمين، رمز الجمال المُهمَل. عملية البحث والإنقاذ "أنقذته من التهميش وفقد الأم وعريشته" هي محاولة لانتشال قطعة من الروح من براثن المادة، ومنحها "أماً" بديلة وعريشًا مجازيًا في ذاكرة الشاعر أو وعيه.
🥀 ذروة المأساة: حوار الجمال مع الموت
تصل القصيدة إلى ذروتها الفلسفية المؤثرة في الحوار الداخلي بين الشاعر والغصن. فالشاعر يعلم أن إنقاذه مؤقت: "لكن الأزهار ستموت ببطء، وستذبل الأوراق". هذا المصير الحتمي يُعيدنا إلى الفكرة المركزية: هل يُمكن للجمال المُقتلع أن يستمر؟
يأتي رد الغصن، المُمثّل لصوت الوعي والجمال المُنكَر، كالضربة القاضية في عمق النص: "فال لي ( لو تركتني احتضر فاموت قرب القمامة..لان الجمال لا يتأقلم مع العمى، والأرواح التي لا تكنز العطور)."
هذا القول يحمل تأويلاً مزدوجاً:
* رفض المساومة: يُفضّل الياسمين الموت الصريح بجوار القمامة على العيش ببطء في عالم لا يقدّره. إنه موت بشرف أو "احتضار" واعٍ، بدلاً من حياة "مُذعَنة" في بيئة غريبة.
* الاتهام الروحي: الجملة الأخيرة هي اتهام موجّه للبشرية:
* "الجمال لا يتأقلم مع العمى": العمى هنا هو العمى الروحي، عمى البصيرة، وعدم القدرة على رؤية أو شمّ الجمال.
* "الأرواح التي لا تكنز العطور": العطور هي الرموز، الفن، الذكريات الجميلة، والقيم. النص يلوم الأرواح الفارغة التي لا تحتفظ بالكنوز المعنوية، بل تهتم فقط بالعبث أو الدوس.
في الختام
يُحوّل كاظم حسن سعيد غصن ياسمين صغير إلى أيقونة فلسفية، مُرثاة للجمال المُرغَم على مواجهة القبح، ومناشدة للبصيرة في عالم يُفضّل الحجر على العطر. إنها قصيدة ترسم لوحة واقعية مؤلمة لكن بخطوط من الأمل المذبوح على عتبة الانتماء المفقود.
بقلم
د.عادل جوده/ العراق /كركوك

د.عادل جودة
غربة
إليكم قراءة أدبية تحليلية لنص (غربة) للكاتب كاظم حسن سعيد
بقلم د.عادل جوده/العراق/ كركوك
🚪 "غربة": تابوت الصمت والعبور الصامت
✨نص "غربة" للكاتب كاظم حسن سعيد هو ومضة سردية مكثفة، لا تتجاوز بضعة أسطر، لكنها تتكئ على قدرة هائلة في شحن المشهد بالدلالة والرمز، لترسم صورة للغربة لا بوصفها مجرد انتقال جغرافي، بل كحالة وجودية قاسية تفرض العزلة وتلغي الأثر. النص، بتاريخه الحديث (2025)، يشير إلى غربة معاصرة، ربما تكون نتاج ظروف قاهرة كالنزوح أو الهجرة القسرية، حيث تتكسر فيها روابط الإنسان بمحيطه.
💫المشهد الأول: البيت المتهالك والأثاث المسلوب
يبدأ النص بفعل "تستأجر"، وهو فعل عابر ومؤقت، يعكس هشاشة واستعجال العلاقة بالمكان. "البيت المتهالك" ليس مجرد سكن، بل هو رمز للانكسار والتهالك النفسي الذي يطابق حالة ساكنيه. تتبعه جملة تفتح باب التأويل على مصراعيه: "ليلاً تتخمه من أسلاب أثاث". الليل هنا ليس مجرد ظرف زمان، بل غطاء للعزلة والسرية، بينما كلمة "أسلاب" (أو أثاث مستعمل/منهوب) تحمل ثقل الخسارة والماضي المسلوب، موحية بأن العائلة تحمل معها بقايا حياة سابقة، لا تاريخاً جديداً.
🎬ثنائية الصمت والسر:
إغلاق الباب
"يغلق باب / على أسرار وصمت". هذه اللحظة هي محور النص. إغلاق الباب يصبح فعلاً دفاعياً وحاجزاً نفسياً. إنها بداية حياة داخلية، حيث يصبح الصمت لغة والأسرار خنادق تحمي ساكنيها. ظهور "طفل مصفر صامت / ويعود بحلوى" هو اللمحة الوحيدة للهشاشة والاحتياج البشري الطبيعي. الحلوى هي محاولة بائسة لبعث الحياة أو التعويض عن نقص ما، لكنّ لون الطفل "المصفر" يكسر وهج الحلوى، ليؤكد أن العزلة والضياع قد تسربا حتى إلى براءة الطفولة.
رمزية "بيت تابوت" والغياب القسري
أبرز ما يميز هذا الشكل من الغربة هو الانقطاع التام: "لا أحد من جيران يسأل عنهم / ولا يرغبون بالتعرف على أحد". هناك توافق ضمني بين الساكنين والمحيط على إبقاء المسافة، ما يحوّل الجوار إلى غرباء، والمدينة إلى مجرد فضاء للعبور. يبلغ التكثيف ذروته في العبارة الرمزية: "بيت تابوت". التابوت هو سكن مؤقت، لا يشير إلى الموت البيولوجي بالضرورة، بقدر ما يشير إلى موت اجتماعي، أو انعدام الوجود الفاعل، حيث يُدفن المرء حياً في محيطه.
يرحلون كما جاؤوا: "بلا ضجة / يرتحلون... دون أن يتركوا بصمات". هذا الرحيل الصامت هو جوهر الغربة القاسية التي يصورها سعيد. إنها تُجرّد الإنسان من أثره، وتجعل وجوده لا يمثل فارقاً، ليصبح مجرد ظل عابر.
💢خاتمة النص: الغربة اغتيال للأواصر
يختتم الكاتب قراءته لهذا المشهد بجملتين تلخصان رؤيته الفلسفية للغربة: "تلك هي الغربة / في مرحلة تغتال أواصر / وتعمق رعب الخوف". الغربة هنا ليست مسافة، بل حالة اغتيال: اغتيال الروابط الاجتماعية والأمان العاطفي. إنها ليست فترة استراحة أو بحث عن الذات، بل هي مرحلة تتغذى على رعب الخوف من المجهول ومن الانكشاف، مما يدفع الأفراد إلى الاختباء داخل "بيت تابوت"، يحيون ويموتون دون ضجيج.
نص "غربة" لكاظم حسن سعيد هو عمل فني مكثف، يستخدم لغة المشاهدة والتكثيف ليقدم نقداً ضمنياً لحالة اجتماعية معاصرة تتسم بالهشاشة، والانفصال، وتحويل الأفراد إلى أشباح بلا تاريخ أو أثر.










لامية عويسات
غصن ياسمين
الانقاذ فعل مقاومة روحية..قراءة نقدية
( يأتي النص كاعتراف حميم بين الإنسان والطبيعة، بين غصن ياسمين محطّم وإنسان يبحث عن أثر طريّ وسط صحراء الإسمنت.
هو نص يبوح به الأستاذ كاظم حسن سعيد عن الجمال حين يموت في المساحات العمياء، وعن تلك الرغبة الغريزية في إنقاذ شيء ناعم من طاحونة القسوة اليومية.
هنا لا يتكلم الغصن بوصفه نباتا، بل بوصفه استعارة للروح:
روح تُلقى على الرصيف وتُدهس… وتظل مع ذلك تحاول أن تفوح.
يفتتحه بلقطة درامية صادمة:
قوله "رموه على الرصيف قرب قمامة
داسته الأقدام… في انتظار قطيع ماعز يقضمه"
إنها سردية السقوط:
غصن ياسمين رمز الطهر والرائحة والبياض يُلقى بين بقايا العالم.
هنا يشتغل الكاتب على مفارقة حادّة بين:
الجمال الطري
البيئة العمياء
وكأن الياسمين لم يسقط صدفة، بل لأن العالم لم يعد قادرًا على الاحتفال بالجمال
ثم يرسم المشهد الحضري كفضاء للخوية العاطفية:
في: الشارع "مقفر" "صدعتني الشمس" "مدينتي حجر بلا حدائق"
هذا رسم لمدينة لا مكان فيها لشيء حيّ، مدينة مكوّنة من:
حجر
حرّ
صمت
رتابة معدنية
هذا يذكرنا بعبارة سارتر: "المدينة التي لا ترى الأشجار، تُصاب أرواح ساكنيها بالتجفيف البطيء". كن النص لا يصرّح، بل يترك الصورة ذاتها تشرح الجفاف.
عندما يقول الكاتب:أنقذته من التهميش وفقد الأم والعريشة" فهو لا ينقذ الياسمين فحسب؛ إنه يحاول إنقاذ نفسه من الإحساس باليأس.
الإنقاذ هنا ليس فعلا ماديا فقط، بل فعل مقاومة روحية، كأنه يقول: "أريد أن أؤمن أن شيئًا يمكن إنقاذه" هذا يتناغم مع ما نقوله دائما:
"النص الجميل يبحث عن مساحات العزاء داخل الخراب"
ثم بانسيابية جميلة جعل الكاتب أ.كاظم خاتمة النص قلبه النابض ، يقول: "لو تركتني احتضر… لأن الجمال لا يتأقلم مع العمى، والأرواح التي لا تكنز العطور" هذه الجملة ليست مجرد تشخيص شاعر للطبيعة؛ إنها صرخة فلسفية عن:
هشاشة الجمال
عجز العالم عن رؤيته
موت الأرواح التي لا تلتقط العطر
هنا يصبح الياسمين مجازا للإنسان الذي لا ينسجم مع الابتذال.
تمامًا كما قال محمود درويش:
"الجمال جريمة في المدن الرمادية
الرؤية الوجودية للنص، صنعها الجمال ككيان لا يحتمل القبح فالياسمين يموت ببطء لأنه:
خارج عريشته
خارج سياقه
خارج المكان الذي يسمح لروحه بأن تنبض
وكأن النص يعيد إنتاج فكرة كامو:
"ما لا يجد مكانه في العالم… يتلاشى"
الجمال هنا ليس قيمة أخلاقية، بل حالة وجودية تحتاج إلى بيئة تتنفس فيها.
ثم نقف أمام إنسان يرى ما لا يراه الآخرون، فالسارد هو الوحيد الذي توقّف عند الغصن.
الآخرون مرّوا.
لم يروا.
لم يهتموا.
هنا يستدعي النص مفهوما وجوديا عميقا:
ليس كل الناس يمتلكون حسّ الالتقاط
وليس كل الأرواح “تكنز العطور”
بعضهم عميان حتى لو كانت زهرة بيضاء تلمس أقدامهم
نأتي إلى اللغة ذلك القالب الذي يدهشنا به دائما وجمالياتها مع كاظم حسن سعيد الكاتب العراقي، الذي اعتمدها اقتصادية مشحونة
فالجملة قصيرة لكنها عالية الكثافة:
"مدينتي حجر بلا حدائق"
"بحثته لأتعرف عليه"
"قال لي…"
كل جملة في لوحته طعنة ناعمة في قلب المدينة.
كمزيج بين اللغة المحكية والصورة الشعرية:
"شمس الباقلاء" مثال ممتع على لغة صادقة من البيئة،
تعمل في النص بوصفها:
ملمسا محليا
واقعية تشدّ الصورة إلى الأرض
في مقابل:
الياسمين
العطور
الأم والعريشة
هذا المزج بين "التراب" و"الرائحة" يجعل النص أكثر تجذرا وقوة.
ثم قدرته على التوليف بين المشهد الواقعي والدلالة الفلسفية.
في لغة مكثفة بلا ادّعاء، صافية وبسيطة وعميقة
صورة الياسمين التي تتحوّل من نبات إلى "كائن متألم".
البناء الهادئ الذي يقود إلى الخاتمة بوصفها انفجارًا دلاليا.
حضور الحسّ الإنساني الرقيق خلف السرد، كلها نقاط قوة دعمت المشهدية في نصه وجمال اللغة فيه
ليس النص عن غصن ياسمين
بل عن الروح حين تجد نفسها بيضاء في عالم رمادي.
إنه نصّ يضع القارئ أمام سؤال وجودي مؤلم:
هل يبقى الجمال حيًا إذا كانت الأرواح لا ترى… ولا تشم… ولا تحس؟
أم أن مصيره أن يموت قرب القمامة مهما حاول أحد إنقاذه؟
هذه الوقفة السريعة ليست إلا إضاءة خافتة، لأن النصّ نفسه يفوح بما يكفي من العطر كي يكتب عنه أكثر.)
لامية عويسات
:
د.عادل جودة
لحظتان
لحظتان": سحر العابر والبحث عن السعادة المفقودة ...
قراءة أدبية تحليلية للنص، مع التركيز على جمالياته الفنية والفكرية.
✒️د.عادل جوده/ العراق/ كركوك
🖋️ "لحظتان": سحر العابر والبحث عن السعادة المفقودة في نص كاظم حسن سعيد
يأخذنا الكاتب كاظم حسن سعيد في نصه العميق والمكثف "لحظتان" إلى رحلة استرجاعية وتأملية، يمزج فيها ماضي ذاكرة تتشبث بلحظات السعادة الصافية، بحاضر يراقب فيه امتداد هذه اللحظات في جيل جديد. النص ليس مجرد خاطرة، بل هو مشهدية فلسفية تُسائل جوهر التحرر والسعادة، وتختزل دورة الحياة الإنسانية من البراءة الصاخبة إلى اكتشاف النكبات.
🕰️ التناغم الزمني والتباين العاطفي
يبدأ النص باستحضار مشهدين زمنيّين شديدي الخصوصية، يمثلان قمة اللهفة والاندفاع: "تسارع الصائمين وهم يعودون من الأسواق قبيل أذان المغرب"، و"تقافز الطلاب الصغار عائدين لبيوتهم". يختار الكاتب لحظات الذروة، حيث ينتهي زمن الانتظار ويبدأ زمن الوصال، متجاوزاً بذلك مفهوم العودة إلى مجرد فعل فيزيائي ليصبح لحظة تحرّر قصوى. هذا التحرر ليس من قيد جسدي، بل تحرر من قيد الزمن ذاته، حيث تتجمد القطعة الزمنية في حالة "عابرة" هي في الوقت ذاته "أقصى لحظات التحرر" و "مثال ساطع للسعادة". السؤال البلاغي والفلسفي "ماذا لو أبّدت؟!!" هو مفتاح النص الذي يشي بحسرة عميقة على فناء هذه البراءة.
بعد عقد من التجاهل والمفارقة ("لكني تجاوزت ملاحقة المشهدين لعشر سنوات")، يجد الكاتب نفسه أمام مشهد موازٍ ولكنه مختلف في تفاصيله؛ مشهد "عودة بنات صغيرات من المدرسة". هنا يبدأ التباين: فبدل "التقافز" ثمة "إجهاد من الجوع وثقل الحقائب"، وبدل اللهفة العارمة ثمة صور أكثر واقعية: السحب بالعربات اليدوية، الانشغال بتعديل الحجاب، الثرثرة، والصمت الانفرادي.
🎭 لعبة الأصابع: مسرح البراءة الأخير
يبلغ المشهد الجديد ذروته حين تتوقف خمس صغيرات وتبدأن بلعبة الأصابع. هذه اللحظة، العفوية والمفاجئة، هي بمثابة إحياء سحري للحظة التحرر القديمة. في لعبة الأصابع البسيطة، يجد الكاتب تجسيداً لتعريف جديد للسعادة المؤقتة: "تفرح الفائزة ولا تتكدر الخاسرة". هذا هو جوهر البراءة، تقبّل اللحظة دون تراكم لنتائجها أو تبعات مستقبلية، وقدرتها على خلق طقس نفسي داخلي يتجاوز السياق الخارجي المتمثل بـ"استقبال الأمهات بالصرخات" أو "بلحظات احتفالية".
💡 النبوءة الأليمة: وعي الانكسار
يختتم النص بومضة ذات طابع نبوئي مؤلم، تنتقل بالقارئ من زمن المراقبة إلى زمن المصير. الكاتب يدرك أن لحظات الفرح هذه لن تدوم طويلاً، وأن هذه "الثرثرة" و "سرد الحكايا" ستتوقف حتماً عند عتبة الوعي القاسي. الانتصار الأولي في "خط حرف ومعرفته"، الذي هو "نبع ابتهاج" للصغار، سرعان ما سيتحول إلى وعي بالقصور والنقص: "قبل أن يكتشفن النكبات وأن المعرفة لا تكفي وحدها".
هنا يرتفع النص إلى مستوى الفكر الفلسفي والاجتماعي، فالمعرفة التي كانت مصدراً للانتصار تصبح مفتاحاً لـ "اكتشاف النكبات". كما أن المرجعيات الروحية نفسها تتزعزع أمام سيل الحياة: "والآيات لا تنقذ من الانحدار وليست دائماً لجاما للرغبات". هذه الجملة تضع ثقلاً وجودياً على كاهل الطفولة المغادرة، محذرة من التعكر الحتمي لـ "طقسهن النفسي" وتجمد الأفراح، أو – في أقصى حالات التفاؤل الحذر – تذوق السعادة.
🌟 الخلاصة الفنية
إن نص كاظم حسن سعيد هو إضاءة بارعة على الوجود الإنساني في مراحله الانتقالية. يستخدم الكاتب لغة رشيقة ومكثفة، تستند إلى المشاهد اليومية البسيطة لتعبر عن قضايا كبرى. عبر "لحظتان" يُثبت سعيد أن السعادة الحقيقية هي حالة عابرة من التحرر اللامشروط، تكمن في المسافة الفاصلة بين قيد (السوق، الدراسة) ووجهة (البيت)، قبل أن تتدخل الذاكرة، وقبل أن يفسد الوعي جمال اللحظة. إنه صرخة أدبية تائهة بين الرغبة في "تأبيد" البراءة والإدراك المؤلم لحتمية زوالها.
د عادل جودة

بسام العمري حروب مستقبل
قراءة في نص( حروب مستقبل)
الكاتب كاظم حسن سعيد، إن نصك "حروب المستقبل" يفتح أمام القارئ نافذة تأملية في طبيعة الحرب وآثارها على النفوس البشرية، ويبرز براعة أدبية في تصوير المشهد اليومي العابر الذي يحمل دلالات فلسفية واجتماعية عميقة. تكمن أهمية هذا النص الأدبية في قدرته على الجمع بين بساطة الحدث وعمق المعنى، بين الطفولة والوعي البشري، وبين اللعب والجدية، ليطرح تصوراً مستقبلياً لحياة ربما تكون أكثر رحمة وإنسانية، حتى في أشد مظاهر الصراع.
حين أمعنت النظر في النص، بدا لي أن المشهد الافتتاحي في نهاية الزقاق يصور جيشان من الصغار يتقاتلان متواجهين، كل منهما رابض أو ممدود خلف ساتر من الكارتون المقوى، يحمل علامات حلوى في أيديهم بنادق من خشب. المشهد حيّ ومفصل، وكأن القارئ يشاهد الأطفال من قرب، يتفحص حركاتهم ويمر بجانبهم لحظة استخدام المنجنيق الذي يرميان به بعضهما بالحجر، وهما في غاية الفرح، يجسدان البطولة في عالمهما المصغّر. هذا التصوير يجعل الحرب، في ظاهرها، مجرد لعبة، ويجعلنا نتساءل عن حدود الواقع والمجاز في تصورك للأحداث.
تنبثق من هذا المشهد رمزية عميقة، فالطفلان يمثلان الحروب المستقبلية، لكن دون عنف حقيقي، وبنادقهم الخشبية ومنجنيقهم الصغير يحملان إيحاءً بأن الصراع قد يتحول إلى مجرد منافسة سطحية، أو وسيلة للمتعة. هذه الرمزية تتكامل مع السخرية الدقيقة التي تتخلل النص، خاصة عندما تختتم بأن حروب المستقبل ربما تكون مجرد قشعريرة عابرة، وانسحاب من الميدان لما هو أجدى وأكثر تسلية، ما يعكس نقداً ضمنياً للطبيعة المأساوية للحروب التقليدية.
كما يطرح النص بعداً نفسياً واجتماعياً مهماً، إذ يظهر أن الأطفال غير مثقلين بوعي الخسارة أو القتل، فالانسحاب يتم بلا إصابات، بلا دمع على القتلى، دون التفكير في مقابر أو مدن منكوبة، ولا ندبات في الأرواح ستعلق للأبد. هذا التصوير يدعونا إلى التفكير في إمكانية تطور البشرية نحو صراعات أقل ألماً، أو على الأقل، نحو وعي مختلف للحرب وتأثيرها النفسي.
المكان والزمن في النص يعكسان طابعاً فلسفياً، فالزقاق البسيط الذي يحتضن هذه المعركة الطفولية يقابله تصوّرك المستقبلي للحرب، ليخلق تبايناً بين الواقع البسيط والخيال العميق. وفي اللحظة التي يقرر فيها أحد الأطفال الاكتفاء والانصراف لمتابعة لعبة كرة القدم، يتحول النص إلى تأمل صامت في أولويات البشر، حيث تصبح المتعة والتسلية أكثر جاذبية من الانتصار أو القتال، في نقد غير مباشر لطبيعة الصراع البشري.
إن نصك، أيها الكاتب، يقدّم لنا صورةً فريدة عن الحروب المستقبلية، صورة تتجاوز الفظائع التقليدية، وتربط بين الطفولة، البراءة، والفلسفة الإنسانية. من خلال السرد التصويري، الرمزية، المفارقة، والتحليل النفسي والاجتماعي، ينجح النص في أن يكون تجربة أدبية متكاملة، تحمل القارئ بين الواقع والخيال، بين العبث والجدية، وبين الفرح والدرس العميق الذي يطرحه عن مستقبل الإنسانية.
محمد بسام العمري
(حروب المستقبل)
في نهاية الزقاق
كان جيشان من الصغار يتقاتلان متواجهين
كلاهما رابض او ممدود خلف ساتر من الكارتون المقوى
تحمل علامات حلوى
في ايديهم بنادق من خشب
حينما مررت كانا يستخدمان المنجنيق
فيرميان بعضهما بالحجر،
كانا بغاية الفرح وهما يجسدان البطولة
نهرتهما كي اتفادى الاصابة
فانسحب احد الجيشين
بلا اصابات
بلا دمع على القتلى
ولن يفكروا بانشاء مقابر
ولم تكن هناك مدن منكوبة
ولا ثكالى سيصرفن ما تبقى من العمر بالنحيب..
وبلا ندبات في الارواح ستعلق للابد.
قال احد الجنود الصغار لعدوهم المنسحب
( الا تقاتلون)
( اكتفينا قال احدهم) ومضى يسحب رفاقه لكرة القدم.
هكذا ،ربما، ستكون حروب المستقبل،
قشعريرة عابرة
وانسحاب من الميدان لما هو اجدى واكثر تسلية.







ملاحظة ربما احدهما توفر اعلاه
لامية عويسات
حروب المستقبل ومشهدان رؤى نقدية عميقة.
( تمكنت الكاتبة لامية عويسات من التوغل عميقا بالنصين، كاشفة ما وراء سطورهما من اثارة للدهشة وثيمات فلسفية..ولقد وجدتني بعد سبع سنوات من الانقطاع اقلص الزمن بين انبثاق فكرة شعرية وانجازها قصيدة،ولعل السبب في ذلك ليس طول زمن الاختمار بل نضوج الادوات التي طورتها الادوات السردية..فخلال تلك السنوات السبع التي لم اكتب فيها قصيدة ولم اقلق لاني هجرت الشعر ،فانجزت 3 روايات ومجموعتين قصصيتين وعشرات الكتب ،نضجت ادوات فنية ساعدت في التسارع بين شرارة الفكرة وكتابتها شعرا..ما ادى لاصدار دواوين عدة تميزت بالموضوعية بفترة قياسية..كاظم حسن سعيد / العراق/ 2025)
ثمة لحظة لا تحتاج إلى صراخ من المؤرخين ولا مقصلة للزمن كي تعلن انقلابها؛ لحظة صغيرة متوارية عند آخر الزقاق، لكنها تحمل خرائط المستقبل كلّه.
هناك؛ حيث يتربّص الغبار بالحجارة، ويشيخ الكارتون على الأرصفة تنهض محاكاة بديلة للحرب، يكشفها الاستاذ كاظم حسن سعيد في نصه بذكاء شعري ورؤية لا تخفى عنها مسارب الروح.
إن نصّ «حروب المستقبل» لا يروي مشهدا عابرا من لعب الصغار، بل يفتح الكوّة على فلسفة جديدة للعنف:
كيف ينتقل البشر من شهوة الدم إلى بساطة الانسحاب؟
كيف يعلّمنا الأطفال ما فشلت فيه إمبراطوريات كاملة؟
وكيف يصبح اللعب لا الحرب هو معيار الشجاعة؟
هذه الأسئلة تنبثق من نسيج النص نفسه، من هدوء لغته ومن الطريقة التي يعامل بها الكاتب حدثا صغيرا بوصفه نبوءة كونية.
في بناءه المشهدي، يتحوّل الزقاق إلى مختبر للإنسان
حيث افتتح الكاتب نصّه بمشهد شديد الاقتصاد لكنه واضح المعالم: حين قال "جيشان من الصغار يتقاتلان متواجهين… خلف ساتر من الكارتون… في أيديهم بنادق من خشب"
إنه لا يصف أطفالا؛ بل يصنع نسخة مبسّطة من جيوش الإنسانية، كأنهم ظلال مصغّرة لما ستصير إليه الأمم إن اختارت العقل بدل الدم.
وهنا تتبدّى جمالية الاستعاضة: الكارتون بدل الساتر الترابي
الخشب بدل الحديد
الحجر بدل القذائف.
كأن الكاتب يهتف بدهشة خافتة:
كل الحرب؛ في أصلها لعبة سيئة الاختراع!
هذه المشاهد ليست مجرد وصف؛ إنها بنية رمزية تشيد العالم على هيئة سؤال.
ثم ينزع بنا إلى المفارقة حيث الحرب التي لا تقتل أحدا!
فكانت أقوى ما في النص تلك التناقضات التي يمسك بها الكاتب بإحكام:
"بلا إصابات… بلا دمع على القتلى… لن يفكروا بإنشاء مقابر"
هذه المفارقة ليست تقنية جمالية فقط؛ إنها نقضٌ عميق لفلسفة الحرب: فالحرب في الموروث كما يقول ابن خلدون "أعظم ما يحتاج الناس إليه لدفع بعضهم عن بعض"
لكن الكاتب يعيد صياغة هذا المبدأ: في أن العنف ليس ضرورة بل عادة.
والقتال ليس مصيرا، بل خيارا يمكن إيقافه بنهي عابر من عابر سبيل.
إنها إعادة كتابة للتاريخ، لا من أعلى برج عاجي بل من عمق الزقاق.
الرؤية الوجودية؛ حيث اللعب ضد القدر: في اللحظة التي ينسحب فيها أحد الجيشين، بعد تحذير بسيط ينقلب النص:
يقول أ.كاظم حسن "قال أحد الجنود الصغار لعدوهم المنسحب: ألا تقاتلون؟ قال: اكتفينا"
هذه الجملة بمنطوقها الهادئ تفعل ما لم تفعله بيانات الأمم المتحدة:
إنها تسحب المشروعية الوجودية من الحرب.
إذ ليست الشجاعة في الإصرار على القتل، بل في القدرة على قول: نكتفي.
وهنا يقترب النص من تأملات "كامو" في أن "الإنسان المتمرّد" حين يقول إن التمرّد الحقيقي هو رفض العبث لا الانغماس فيه.
فالطفل في النص يمارس تمرّدا صامتا:
يرفض العبث، وينسحب إلى لعبة أخرى "أكثر جدوى وأكثر تسلية"
هذه ليست سذاجة طفولية؛ إنها حدس وجودي: أن العالم يمكن إعادة اختراعه ببساطة.
اللغة في نصه؛ سلسة سلاسة الماء وقسوة الفكرة، اعتمدت ثلاث سمات واضحة:
الانسيابية: فكانت الجمل متلاحقة، بلا نتوءات بلا استعراض، لكنها محمّلة بالإيحاء، مثل ماء يسيل على حجر، يلمّع ولا يصرخ.
الشاعرية المختبئة في النثر: إذ لاحظ كيف يزرع الكاتب صورا دقيقة باحتيال أنيق كأنها تنتمي لقصيدة: "علامات حلوى على السواتر"
"لا ثكالى… بلا ندبات في الأرواح"
"انسحاب لما هو أجدى وأكثر تسلية"
هذه الصور خلقت ما يسميه "فاليري" "المعنى الموجي" للكلمات أي ذلك المعنى الذي لا يقال بل نشعر به
اقتصاد اللغة البارع والتعبير: إذ لا تجد في النص كلمة زائدة، كل جملة تشبه حجرا يُلقى في بئر عميقة.
ومن منظور تداولي، النص لا يحكي فقط؛ بل يربي
يفكر
ويجادل.
إنه يقدّم اقتراحا للعالم: مستقبل الحروب لن يكون دمويا بل لحظيا:
لا خنادق
لا شهداء
ولا أوطان تُيتّم.
فالأطفال بحسب صاحب النص سيقررون أن الملعب أهمّ من المعركة.
بهذا يصبح النص بيانا مضادا للعنف
لكن دون الشعارات؛
بل برؤية أكثر رهافة:
الحرب ستصبح بلا معنى حين يكتشف اللاعبون لعبة أفضل.
حين كتب الأستاذ كاظم حسن سعيد نصه أعلن نهاية عصر الدم: إن "حروب المستقبل" ليس مجرد سرد عن أطفال، بل هو وثيقة شعرية تحاول إعادة صياغة المصير الإنساني.
النص يحمل ما يشبه التوقيع الأخير على عهد قديم: " لن تكون الحرب قدرا أبديا"
سيأتي زمن تقاتل فيه الشعوب دقائق ثم تنسحب، لا طاعة لجنرال، ولا صراخ لحدود، بل نزوع طفولي نحو اللعب والفرح.
إنه وبإبداع نص يضمر إيمانا عميقا بأن العالم لا يُصلحه الحكماء، بل الأطفال حين يقررون أن المتعة أجمل من الموت.
..........
يكتب النص من منطقة حسّاسة تقع بين نوستالجيا الطفولة وحدس الزوال؛ بين لحظتين تبدوان بسيطتين لكنهما تتّسعان لتغدو كلٌّ منهما عدسة كاشفة لمعنى الإنسان وهو يعبر الزمن، وكأن النصّ يقدّم درسا هادئا في الفلسفة: لحظة عابرة قد تُعادل كونا كاملا من الدلالات، وأن ما يبدو "تفصيلا يوميا صغيرا" ليس إلا نافذة على ما نسمّيه بـ"الجوهر الخفي للحياة اليومية"
النصّ يشتغل على جمالية الالتقاط: التقاط الحركة الصغيرة، اللهفة العابرة، البنت التي تشدّ حجابها الأبيض، والطفلة التي تربح لعبة أصابع؛ ليثبت أنّ الشعر موجود في الحشود الصغيرة لا في الملاحم.
النص بني على لحظتين:
لحظة الصائمين قبل المغرب
ولحظة الصغار عند انتهاء الدوام المدرسي
هاتان اللحظتان تتكرران في ذاكرة السارد "عقودا"، وهذه الاستمرارية تمنحهما قيمة طقسية لا لحظية فقط، لكن النص ينقلب فجأة نحو دهشة جديدة: لحظة وصف البنات الصغيرات، وكأن الزمن لا يعيد نفسه، بل يتحوّل ويتجدّد ويتقشّر.
هذه البنية تجعل النص أقرب إلى ما يسمّيه النقد البنيوي بـ "التكرار المتحوّل": الشيء نفسه لا يعود نفسه أبدا لأن الإنسان الذي يراه لم يعد ذاته.
كما انه اعتمد جمالية اللقطة حين تقدم النص ككاميرا:
قوله: "يتقافز الطلاب"
"بعضهن يسحنها بعربات"
"بعض منشغلات بتعديل حجاب أبيض"
"يقفن جواري خمس صغيرات"
كلها لقطات سينمائية تكوّن مشهدا شديد الحيوية، لكنه مشهد مشحون بما هو أكبر من الحركة: إنه مشهد يحمل الخلفية العاطفية والثقافية والاجتماعية كاملة، دون تصريح مباشر.
هذا ما يجعل النص يندرج ضمن أسلوب الاقتصاد الجمالي الذي يميّز نصوص الاستاذ كاظم حسن سعيد عادة: صورة صغيرة تحمل معنى كبيرا.
النص يقدّم "التحرّر" كمعنى وجودي في أبسط صور الحياة: حيث الصائم يركض نحو الفطر
الطفل يركض نحو البيت
هذه ليست لهفة جسد فقط، بل رغبة فطرية في العودة إلى الأمان، هنا يشتغل النص على ما يسميه "هايدغر" الوجود اليومي: تلك اللحظات التي تبدو بلا معنى، لكنها تحمل جوهر الإنسان.
تندرج صورة "البداية قبل الفساد" في الطفلات الخمس، حين يصف الكاتب لعبة الأصابع:
الفائزة تفرح
الخاسرة لا تتكدّر
في جملة عظيمة، تشير إلى لحظة ما قبل الولادة الأخلاقية، ما قبل أن يعلّم العالم الأطفال معنى الإحباط والحسد والخسارة الكبرى.
هنا يتحوّل النص من وصف مشهدي إلى تأمّل وجودي في البراءة الأولى، قبل أن "تتجمد الأفراح" كما يقول.
ثم يقول النص:
"وسيكشفن أنّ المعرفة لا تكفي وحدها وأن الآيات لا تنقذ من الانحدار". كخروج صريح إلى فضاء فلسفي وجودي ثقيل، حيث المعرفة ليست خلاصا بل اختبارا، النص هنا يلتقي مع مقولات أدونيس والمعري والوجوديين جميعا: تحت ظل أن المعرفة لا تنجي، بل تفتح أبواب القلق.
النص يعري اجتماعيا: هشاشة الأسرة (صرخات الأمهات)
ثقل المدرسة
ضيق الشوارع
أعباء الطفولة
لكنّ النقد ليس احتجاجا مباشرا، بل يأتي عبر المشهد ذاته بوصفه حجة.
---
ثم يشتغل على البعد النفسي في انتقالات دقيقة:
اللهفة_ الفرح _ السعادة
ثم: المعرفة _ النكبات _ تجمّد الأفراح
هذه الحركة النفسية تعكس مسار الإنسان نفسه: من اللعب إلى الوعي، ومن الوعي إلى القلق.
كالعادة متميز بلغة بسيطة لكنها عميقة
كل جملة مشحونة بإيحاء يتجاوز ظاهرها.
إيقاع هادئ، غير متعمد كما في: "عقودا أراقب المشهدين" و "هي أقصى لحظات التحرر"
كما اعتمد صورا ذات بساطة خاطفة
"حجاب أبيض"
"حقائب ثقيلة"
"لعبة أصابع"
صور بصرية لا تُبنى للتزيين، بل لإيقاظ الذاكرة المشتركة.
أما عن نقاط القوة وما تميز به فكان العمق التأويلي خلف بساطة المشهد.
التماهي بين السرد والتأمل دون أي كسر.
بنية مشاهدية رشيقة قادرة على حمل معنى ثقيل.
حضور الإنسان ككائن هش ومتغيّر.
قدرة النص على تحويل اليوميّ إلى حقل دلالي شاسع.
في حين كانت بعض الجمل يمكن شدّها أكثر لتكون أكثر تكثيفا كالفقرة الأخيرة من نصه.
وكذا الانتقال من اللحظتين الأولى والثانية إلى مشهد البنات بدا مفاجئا قليلا ما خلق بعض الربكة، ويمكن للكاتب ربطه عبر جملة وصل تتّسق مع إيقاع النص.
رغم ذلك النص في جوهره ليس "لحظتين" بل هو زمن كامل يُختصر في لحظة.
لحظة تنبعث فيها الحياة في أقصى درجاتها، قبل أن تهجم المعرفة وتشيخ البساطة ويثقل الوعي.
إنه نصّ يلمس ما هو أعمق من الحدث: يلمس البرهة التي يستعيد فيها الإنسان معنى وجوده.
لامية عويسات.






نادية الابراهيمي
"اكتشاف الجذور الأفعوانية"
في هذه القصيدة يتحدث الشاعر عن زمن كامل يسكن الذاكرة!!! شجرة السدر عند كاظم حسن سعيد ليست مجرد كائن نباتي، إنها كائن حكيم، شاهق، متوارث، وراسخ مثل ذاكرة قرية كاملة.
منذ السطر الأول يُدخلنا الشاعر في علاقة طفولية معها؛ تسلّق بلا صراع، ومهابة من فأس لم يُرفع عليها لأنها "مقدّسة". هذا البعد المقدّس يُحوّل السدر إلى منبر للبراءة الأولى.
شجرة لا تُعاتِب ولا تُعاقِب… بل تجود دائما، حتى على من آذاها!!
وتلك المفارقة تشبه الإنسان الذي يألف الأذى لكنه يصرّ على العطاء رغم الخدوش.
تتقطّع الصورة بين مواسم العنف ومواسم الكرم:
النعل، الحجر، الريح التي تعصف، كلّها تهزّ الشجرة، لكنها لا تتخلّى عن كراتها الصفراء.وكأن الشاعر يقول:
هناك كائنات خُلقت كي تبقى كريمة حتى في القسوة.
ثم تتسع الصورة:
السدر مأوى للطيور، مصيدة للأسماك، ظلّ للفلاح، وشيخ متخشّب بعد الجفاف.
كائن يجمع الأدوار المتناقضة: الحياة والفناء، الندى والجفاف، العطاء والامتحان.
وفي رحلة الشاعر الصباحيّة تظهر السدر كأنها كائن ينتظره وحده.
المشهد طفوليّ لكنه يفيض بنبرة قدرية:كأن الشجرة تعرف طريقه، أو تعرفه شخصيا.
هنا يمنحها الشاعر وعيا خاصا، وكأنه لم يكن يمرّ عليها… بل كانت هي تمرّ في داخله.
وفي زمن الكورونا حين صار البشر يخافون بعضهم، يعود إلى السدر.
شجرة لتخفيف العزلة.
شجرة تطمئن. شجرة يعود لها بحفدته ليقتطف منها ما عجز عن اقتطافه من البشر.
كأنها ملجأ حين يصبح العالم كلّه غريبا.
ثم تأتي لحظة الاكتشاف الحقيقي:
الجذور الأفعوانية التي وجدها بعد عقود.
جذور متعرجة، صلبة، تمتد في ماء صاف، تحاصرها الأعشاب…
مشهد يكشف أن الشجرة رغم كل ما مرّ عليها من رياح ومن أذية بشرية، كانت متشبّثة سرا بعمقها، شديدة القوّة من حيث لا يراها أحد.
هذه الجذور هي القلب الذي يصمت طوال العمر ثم يُكتشَف.
إنه اكتشاف الذات، لا الجذور فقط.
اكتشاف أن ما يحمينا ليس ما في الأعلى من أغصان،إنما ما في الأسفل من أسرار ممتدة في الماء.
وكل ذلك في بستان مهجور…
وكأن الحياة تقول له:
أنت لا تكتشف الأشياء إلا حين تفرّ منك الحشود.
هذه القصيدة ليست عن السدر، هي عن الإنسان الذي يشيخ ولا يفقد براءته، ويُؤذى ولا يفقد كرمه، ويغرق في الصمت لكنه يملك جذورا من نور وماء.
إنها قصيدة عنّا…
عن كل ما نخبّئه تحت تراب العمر،
عن جذور صلبة لا يراها أحد
لكنها وحدها تمنعنا من السقوط.
...........












نادية الابراهيمي
نادية السري
قراءة لقصيدة "عالم سري" للأستاذ كاظم حسن سعيد
هذا نصّ يحتاج قراءة تتقدّم إليه كما يتقدّم الضوء إلى غرفة مغلقة منذ زمن، لا لتقتحمها إنّما لتُظهر طبقات الغبار التي كانت تخفي اللمعان!
يكتب الأستاذ كاظم عالما يقوم على الشقوق التي تتسرّب منها روحه. عالم سري لكنّه ليس عالم الهاربين، بل عالم من تعلّم أن ينجو دون أن يتنكّر لجرحه. الوحدة فيه ليست جدارا، بل مخلبا يضغط على القلب ليذكّره بأن الحياة لا تُستعاد إلا حين ننقّب في نواتها الصلبة عن لحظة جمال صغيرة، دقيقة، هشّة، لكنها قادرة على حمل يوم كامل.
يمضي الكاتب في اكتشاف هذا الجمال كما يمضي النجار في ترميم الخشب العتيق ليعيد إليه حكمة الزمن. يشبه حفّاري الضوء في المتاحف، أولئك الذين ينقذون ذاكرة الألوان من موتها البطيء، ويشبه الأطفال حين يبتكرون الحياة من لعبة مكسورة، فيضحكون لأن الخيال وحده يرمّم ما يتعذّر على الواقع إصلاحه.
في نصّه.. تتحوّل التفاصيل الصغيرة إلى كواكب: بذرة يراقب نموّها، لمسة تهزّ صدرا هائجا، ذبابة تعاشر تسعين مرة في دقائق، كرم إنسانيّ يظهر في لحظة حياء، فكرة مضحكة لا يضحك لها أحد… كل ذلك يصبح جزءا من صلصال هذا العالم السري، عالم يُدار بالسخرية التي تعيد ترتيب الفوضى، وبالدهشة التي تجعل حتى العبث قابلا للتحمّل.
يذكّرنا الكاتب بأن الجمال بوصلة لا زينة . وأنّ المدن حين تتلوّن بأوراق الأشجار، والأنهار حين تصارع صخورها الأمواج، فإنها تعلّم الإنسان أن يتدفّق قبل أن يحنّطه الروتين. وأن يبتكر لغة خاصة مرمّزة يتكلّم بها مع نفسه عندما يتعب من اللغة الكبيرة المخادعة التي تضلّل أكثر مما تُفهم.
ومع أن ظلال الحزن تتردّد في النص، إلا أنّه لا يقدّم نفسه أسيرا لها. يفلت منها حين يرى بسمة طفل تعادل العالم، وحين يتذكّر أن الجدل عقيم، وأنّ الحقائق لا تستحق دائما صدمة؛ فالتدرّب على التقبّل نوع من الحكمة، وحكمة من عرف أنّ الوجود لا يساوي ما نخسره، بل ما نتعلّمه من خساراتنا.
ثم تأتي مقاطع الوجع الأكبر.. حين يقف الكاتب أمام الذين انكسرت أجسادهم أو الذين شوّهتهم الحرب، أو المدن التي تحوّلت إلى ركام، أو النساء اللواتي دفعن ثمن الحبّ بطعنات لا تنسى. هنا يصبح العالم السريّ ملجأً، لا هروبا.
مرآة يرى فيها الكاتب أن خسارته الصغيرة — مهما آلمته — ليست نهاية الكون وأن الألم حين يقاس بآلام الآخرين يتواضع ويهدأ.
في لحظة ما.. يرفع النصّ الستار عن حقيقة دامغة: كلنا ننتظر الموت مهما حاولنا إبعاده. وكلّ قدر أقوى من تخطيطنا، وكلّ نجاح لا يضمنه الإصرار وحده. هنا تتجلّى نبرة النضج: ليس استسلاما بل تسليما نبيلا، كأن الكاتب يقف على حافة الطريق ويرى المشهد كاملا لأول مرة.
وهكذا يصبح العالم السريّ ليس مكانا للاختباء إنّما مكانا للصفاء. مساحة يستطيع الكاتب فيها أن يخفي الشمس حين تكون ساطعة حدّ الأذى، ويكشفها حين يحتاج دفأها.
إنها كتابة تتحرّك بين الفرح والوجع، بين السخرية والعمق، بين العبث والحكمة، وتخرج من كل ذلك بضمير مصفّى… نصّ يليق أن يكون في كتاب لأنّه ليس مجرّد بوح، بل تمرين على الحياة كما هي: ناقصة، جميلة، موجوعة، ومع ذلك… قابلة دوما للتشكّل من جديد.
نص مذهل ..
...................












لامية عويسات

في زمن يضطرم فيه الخارج بضجيج لا يتركه وحده، يظهر النصّ كبيت صغير لا يصدح إلا بصوت الروح «عالم سري» ليس خارطة هروب بل هو مختبر نفس تصنع ذاتها من ركام العدم نص غايته تعليمنا كيف تصنع الوحدة جمالها الخاص، وكيف يتحوّل الفراغ إلى ورشة لصناعة المعنى.
في تميز معتاد اختار الاستاذ كاظم حسن سعيد الانسيابية في البنية اللغوية والإيقاع كأداة للبناء المعنوي، فتكرار الباء الافتتاحيّة «بمهارة النجارين… بمرممي لوحات المتاحف… ببذور… بقصص…» لم تكن زخرفة بل آلية نسق لغوي تصنع انسيابا تراكميا كما تكرار الحرف الأداة يؤدي وظيفة مزدوجة:
الاولى إيقاعية: في خلقه لحنا سرديا شعريا يوحد الجمل متوالية كأنها لحن واحد.
دلاليا كل عنصرٍ
يبدأ بـ "بـ" يضيف طبقة جديدة من المعنى؛ فالذات لا تكتفي بفعل واحد بل تعيد تشكيل الحياة عبر مهن وعلامات.
نعتمد قول الكاتب "بمهارة النجارين يعيدون الحياة لتحف حللها القدم" فهي صورة تقوم بعملين في آن: إعادة البناء المادي وكذا إعادة البناء النفسي.
إلى جانب ذلك، تتكرّر الأنماط التصويرية: الأنسنة و التضادّات: "فرح/حزن، بَهَج/رتابة" فتصنع نسيجا لغويا متناغما ومشدودا نحو مركزية واحدة: والتي هي الخلق كاستجابة للعزلة.
النص في صوره الشعرية المميزة له استعان بالاستعارة الممدودة والمجاز الحسي، فلم تكتفي الصور بوصف الشيء بل تبنيه:
الوحدة كمخلب: استعارة تجسد الوحدة كحيوان مفترس، ما منحنا كقارئ إحساسا فعليا بالخطر الداخلي.
ثم البهجة قبل أن تُحنّطها الرتابة: صورة تعبيرية تؤسس لوعي ضدّي؛ البهجة هنا لحظة فاعلة يجب اقتناصها قبل أن يُقيم النظام الضاغط طقوسه.
هذا النوع من الصور لا يطلب من القارئ فكّ شيفرة جامدة، بل دعوته إلى تجربة المشهد كما في الشعر الجيد.
النص بامتياز امتلك بنية وجودية واضحة: المواجهة مع العدم يقابله فعل الخلق.
الفرد لا ينتظر المعنى بل يَخلقه، والبطل في "عالم سري" لا يقول: "انتظروني لأحيا"؛ بل: "أصنع حياتي"
وكتصالح مع المصير: نجد مقولة النص الأخيرة "النجاح ليس حليف الإصرار دائما… فنجح عن إخفاء الشمس عن عالمه السري" قراءة وجودية ذات طابع متصالح: فالفعل الإنساني يصبح طقسا لإنقاذ الذات لا ضمانا لتغيير العالم.
هنا؛ الخلاص ليس بالثقوب الكبرى (الثورة-التحوّل الاجتماعي) بل في التفاصيل اليومية: ترميم لوحة، بذرة في أصيص، حكاية تُنقذ إنسانا من الانطفاء.
في بعدها الاجتماعي؛ أصر الكاتب على ألا يشتغل في معزل عن الواقع؛ بل قدم قائمة من الشواهد على المأساة العامة: العميان، المصابون، دار العجزة، ضحايا التيزاب، المدن المهدمة..
هذه السردية الإشارية تحول "العالم السري" من قصر خاص إلى مرآة أخلاقية:
رسالة: حين ينهار العالم الخارجي، تبقى مسؤولية فردية هنا فعل إنساني بسيط قادر على صوغ إنسانية بديلة.
النقد الاجتماعي هنا لم يكن مباشرا بالخطبة، بل عبر المقارنة المؤلمة: خسائرنا "بسيطة جدا" أمام خراب الآخرين، فالنص يدفع القارئ نحو تأمّل ذا بعد أخلاقي.
النص بلغة الكاتب الصادقة يعلن: أن "اللغة مخادعة" لكنّ هذا الاعتراف لا يقود إلى الصمت، بل إلى صوغ لغة بديلة:
رموز داخلية، استعارات خاصة، صمتٌ متأمل.
اللغة الجديدة المخيّرة تمنح صاحبها حدودا لِ"المأمن"؛ عالمه السري يصبح موقفا دفاعيا وجماليا في آن واحد.
هذا التبادل بين الاعتراف بالنقائص اللغوية واللجوء لصوغ خاص وازي خطوات نظرية عن الكتابة التي تخلق واقعها: موت المؤلِّف / إنتاج المعنى.
النص ينجح لأنّه لا يستقرّ عند قطب وحيد: فهو متأرجح بين سواد وجوديّ وبريق إنساني، تكرار لقطات الفرح "بسمة طفل" أمام صور الخراب يصنع تباينا يجعل العمل متوازنا وواقعيا في آن.
اتباعا لمنهجية أستاذي زين المعبدي التي تُعطي للألفاظ الصغيرة وقعا دلاليا كأنها خيوط تربط النص بالمتلقي نرى في «عالم سري»:
كلمة «بذور» تُشير إلى الميلاد والإماتة في آن واحد
«تحفٌ حلّلها القدم» تحكي تاريخا مكسورا يُرمّم الآن.
«إخفاء الشمس» يصلح رمزا للخصوصية لكنّه يمثل أيضا إنكفاء سياسيا/أخلاقيا: اختيار البقاء داخل مأمن للجمال بدل مقاومة العنف بالعلن.
ك نموذج إنساني: يرسم أ. كاظم حسن سعيد لوحة تشير إلى:
كيف يبني فردٌ حياته داخل خراب كوني؟
ثم تعيد تعريف الفنّ: فالفن ليس ترفا؛ إنما فعل نجاة.
وأن الأخلاق المحافظة على الجمال: كون صون البهجة في زمن الخراب عمل مقاوم أخلاقيّ.
ثم يأتي على مقاربة لغوية جديدة ظاهرة: فاللغة تُستخدم هنا كأداة بناء لا مجرد ناقل.
الأستاذ كاظم حسن سعيد في رائعته "عالم سري" يعلّمنا أن نقاوم بلسان آخر؛ أن نعيد أحياء الذكريات، أن نزرع بذرة في أصيص صغير، وأن نؤمن بأنّ الفرح القليل قادر على مقاومة طغيان الصمت في النهاية، النصّ يقدّم برهانا رقيقا: ليس بالضرورة أن تُعيد العالم لتُنقذ نفسك؛ يكفي أن تصنع في داخلك عالما يستحق الحماية.

......










دكتور عادل جودة

قراءة أدبية تحليلية لقصيدة "عالم سري" للشاعر كاظم حسن سعيد
بقلم د.عادل جوده/ العراق/ كركوك..
تنساب قصيدة "عالم سري" للشاعر كاظم حسن سعيد كنهرٍ خفيٍّ عميق، يعكس رحلة النفس في مواجهة وحشة العالم الخارجي وعزلة الذات. هي ليست مجرد نص، بل هي خريطة روحية لعالم داخلي غني ومُكتفٍ بذاته، يتخذ من "الوحدة" نقطة انطلاق لا للانهيار، بل للاكتشاف والارتقاء. يعتمد الشاعر أسلوباً متدفقاً، يجمع بين اللقطات الشعرية المكثفة والفلسفة المتأملة، ليقدم رؤية عميقة عن معنى الجمال، الفكاهة، والتعامل مع فجائع الحياة.
🔍 تحليل البنية الفكرية والجمالية
١ ـ الهروب الإيجابي والاكتشاف الجمالي
يبدأ النص بتحديد دوافع هذا العالم: "حين تغرز الوحدة فيه مخالبها / يلوذ باكتشاف الجمال." هذا اللجوء ليس انسحاباً سلبياً، بل هو انغماس في "فعل الخلق والإحياء". ينتقل الشاعر ببراعة بين مظاهر الجمال التي يكتشفها:
* جمال الترميم والإصلاح: يرمز له بـ "مهارة النجارين يعيدون الحياة لتحف حللها القدم" و "مرممي لوحات المتاحف". هذا يجسد محاولة الذات لترميم ما أفسده الزمن أو العالم الخارجي.
* جمال النماء والحياة الهادئة: يتجلى في "ببذور ينضجها باصص ويتمتع بعطرها". هنا، الجمال مرتبط بالصبر والانتظار ومتابعة النمو البطيء والمجرد من الضجيج.
* جمال الأدب والفكر: "بقصص تعيد تشكيل الحياة خلقها كتاب عظماء"، وهي استعارة للقراءة كأداة لإعادة بناء الرؤية والفهم.
٢ـ الفكاهة والغرابة كملاذ
يُقدم الشاعر جانباً أكثر غرابة وأصالة في مواجهة الوحدة: "بابتكار فكاهة لا يستجيب لها احد / حيث يصوغ من التافهين مسخرة". هذه الفكاهة هي فكاهة "الذات العارفة"، التي لا تنتظر تفاعلاً خارجياً، بل تستمد وجودها من قدرتها على تحليل وتفكيك سخافات الواقع والناس. إنها فكاهة نخبوية، خاصة بمن "يرى الأشياء بوضوح".
كما تتجلى الحياة في تناقضاتها الصارخة، التي يكتشفها هذا "العالم السري":
* التناقض بين الشهواني والآني:
مثل "ذبابة تعاشر تسعين مرة بدقائق"، في مقابل عاطفة بشرية عميقة كـ "ذوبان عينيها وهي ترتوي باول لمسة على صدر هائج". هذا الكشف عن تسارع الحياة البيولوجية مقابل عمق التجربة الإنسانية.
* الكرم والتآزر:
"بانسان غاية الكرم يمد يد التآزر في لحظة محرجة"، وهي لقطات إنسانية نادرة يقتنصها هذا العالم من فوضى الحياة.
٣ـ التسامي بالمعرفة والوحدة مع الطبيعة
يتعمق اللجوء إلى الاكتشاف في مجالات أوسع: "باكتشاف جزر وآلهة ومتاحف / والغور في بحار العلوم والفن". هذه هي ذروة الهروب الذهني؛ حيث تصبح المعرفة والفن أدوات لامتلاك عوالم بديلة. كما يتحقق "التوحد مع الأنهار"، في محاكاة روحية لتدفق الحياة وصراعها الأبدي: "التي تصارع صخورها الأمواج".
هنا يظهر الميزان العاطفي للشاعر: "وهو ليس دائما يستقطبه الحزن / فهناك بسمة لطفل بهي تعادل العالم". هذه نقطة مفصلية، تؤكد أن هذا العالم السري ليس سجناً للكآبة، بل هو مركز لـ "الوزن الحقيقي" للأشياء.
٤ـ فلسفة القبول والتواضع أمام القدر
يصل النص إلى عمقه الفلسفي عند الحديث عن "اللاجدوى من الجدل والحوار / فاللغة مخادعة". هي إشارة إلى أن الحقيقة الداخلية لهذا العالم لا يمكن أن تُنقل أو تُفهم عبر أدوات التواصل العادية؛ لذا، يُفضل "التوحد عن القطيع الغافل".
يأتي الاختبار الحقيقي لثبات هذا العالم حين تشتد الأزمات: "وحين تشتد الازمات / وتغور المخالب". هنا، لا يلجأ إلى الاكتشافات السطحية، بل إلى مقارنة ذاته بمن هم أكثر معاناة:
* ضحايا المرض والقدر: العميان والمصابون بالشلل.
* ضحايا الغدر والشيخوخة: من أنهكهم "الغدر والجحود" و "دار العجزة".
* ضحايا الحرب والعنف: "من افقدته الحرب جمال البصر" أو "المدن العظيمة تتحول لركام"، وحتى ضحايا العنف العاطفي "من شوه وجهها عشيقها بالتيزاب أو نحرها".
هذه المقارنة القاسية هي أداة لتصفية الضمير، فـ "عندها يراه الأفضل وان خسائره بسيطة جدا". هذا هو جوهر فلسفة "عالم سري": قبول الخسارة والتعاسة الشخصية كجزء بسيط من معاناة الوجود الكبرى.
5. المصالحة مع الموت والقدر
تنتهي القصيدة بنبرة هادئة ومُتصالحَة، تعكس نضج التجربة:
(("ولم يغفل عن صديقه الوفي، الموت، الذي ينتظره ولا بد من اللقاء"))
هذه النظرة للموت كـ "صديق وفي" هي ذروة الطمأنينة النفسية، فالموت هو الضامن الوحيد لوقف هذا الصراع. ثم تأتي الحكمة الأعمق: "تعلم ان القدر اقوى من التخطيط / وان النجاح ليس حليف الاصرار دائما".
لقد وصل الشاعر إلى حالة من القبول المُصَفَّى: "فتقبل خسائره بضمير مصفّى".
🌟 الخلاصة الفنية
إن قصيدة "عالم سري" هي قصيدة "الوعي المُعَلَّق". هي احتفاء بالعزلة كمصدر للقوة، وإدانة مُبطَّنة للسطحية الجماعية. ينجح الشاعر كاظم حسن سعيد ببراعة في استخدام لغة فصحى راقية ومكثفة لتشييد بناء فكري متكامل، ينتهي بنجاح الذات في حماية كينونتها الجمالية والروحية من ابتذال الواقع.
(( "فنجح في إخفاء الشمس عن عالمه السري."))
هذا السطر الختامي يحمل معنيين متناقضين ولكنهما متكاملان:
قد يعني نجاحه في حجب ضوء الشمس (رمز الوضوح والحقيقة الخارجية) لحماية الظلال المعقدة لعالمه..
أو قد يعني أنه نجح في حجب حزن عالمه عن الآخرين، مُظهِراً لهم وجهه المُتصالح. هي قصيدة تستحق أن تُقرأ مراراً، لعمقها الفلسفي وصدقها الإنساني.
..........................



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضاءة على العالم السري
- ملحمة العلاقة بين الانسان والعالم السري
- العالم السري
- اكتشاف الجذور الافعوانية قصيدة
- جحود قصيدة
- غربة قصيدة
- الانقاذ فعل مقاومة روحية..قراءة نقدية
- خسائر حنظلية كتاب كامل
- غصن الياسمين قصيدة
- حروب المستقبل ومشهدان رؤى نقدية عميقة
- لحظتان ، سحر العابر والبحث عن السعادة المفقودة
- لحظتان قصيدة
- مصيدة الوجوم كتاب كامل
- حروب المستقبل قصيدة
- المشانق والذاكرة
- خطوات الى المدرسة قصيدة
- لوحات لمشانق قصيدة
- في محل الحلاقة قصيدة
- قراءة نقدية للدكتور عادل جودة
- اغتيال بستان قصيدة


المزيد.....




- 2025 بين الخوف والإثارة.. أبرز أفلام الرعب لهذا العام
- -سيتضح كل شيء في الوقت المناسب-.. هل تيموثي شالاميه هو مغني ...
- أهلًا بكم في المسرحية الإعلامية الكبرى
- الأفلام الفائزة بجوائز الدورة الـ5 من مهرجان -البحر الأحمر ا ...
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم أنتوني هوبكنز وإدريس إل ...
- الفيلم الكوري -مجنونة جدا-.. لعنة منتصف الليل تكشف الحقائق ا ...
- صورة لغوريلا مرحة تفوز بمسابقة التصوير الكوميدي للحياة البري ...
- حفل ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي.. حضور عالمي وتصاميم ...
- -رسالة اللاغفران-.. جحيم المثقف العربي وتكسير أصنام الثقافة ...
- مصر: مبادرة حكومية لعلاج كبار الفنانين على نفقة الدولة


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - شعاع على سيكولوجية الاشياء كتاب كامل