|
|
الانقلابات العسكرية في إفريقيا: بين الهيمنة والريع وفرصة الثورة الشعبية.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 16:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن النظر إلى الانقلابات العسكرية في إفريقيا خلال العقد الأخير، من مالي 2021 إلى غينيا، بوركينا فاسو، النيجر، الغابون، مدغشقر، وغينيا بيساو 2025، يتطلب قراءة متكاملة، تتجاوز مجرد وصف الأحداث إلى تحليل عميق للأنساق الطبقية، السياسية، الاقتصادية، والجيوسياسية التي تشكل المشهد الإفريقي اليوم. هذه الانقلابات ليست ظواهر عابرة أو "أزمات مؤقتة"، بل هي امتداد لتراكمات استعمارية، صراعات على الموارد، ضعف الدولة المدنية، وغياب المؤسسات الشعبية الحقيقية. في كل حالة من حالات الانقلاب، يظهر التناقض الأساسي: بين شعارات السيادة الوطنية والتحرر من النفوذ الأجنبي، وبين استمرار الهيمنة الاقتصادية والسياسية لنخبة محدودة على جماهير فقيرة ومهمشة. تاريخيا، عرف القارة الإفريقية أن النخب السياسية المدنية غالبا ما تتشكل عبر اتفاقات غير شفافة مع القوى الأجنبية، وتعمل على إعادة إنتاج الريع والاستغلال، بينما يظل الفقراء، العمال والفلاحون، خارج دائرة القرار السياسي والاقتصادي. الجيش، في هذا السياق، يظهر كقوة مزدوجة الوجهة: أداة قمع محتملة، ولكنه أيضا أداة تاريخية للتحرر إذا انحاز للشعوب، كما أظهرت تجربة بوركينا فاسو مع سانكارا، أو الحركة الشعبية لتحرير غينيا‑بيساو. هذه التجارب تثبت أن الجيش يمكن أن يكون وسيلة مؤقتة لتحرير الموارد الوطنية وإعادة السلطة للجماهير، لكن ذلك مشروط بالوعي الشعبي والتنظيم القاعدي. التحولات الجيوسياسية الأخيرة، من توجه بعض الانقلابات نحو الصين وروسيا بدل الاعتماد التقليدي على الغرب، تضيف بعدا مركبا لهذه الصورة. فهي تمنح النخبة العسكرية استقلالا أكبر عن الضغط الغربي، وتفتح المجال لإعادة ترتيب أولويات الدولة، لكنها في الوقت نفسه تزيد من مخاطر إعادة إنتاج الهيمنة الاقتصادية بصيغة جديدة، حيث تتحكم النخبة العسكرية والداعمين الجدد في الموارد بينما الجماهير تظل مهمشة. هذا التحول يعكس تناقضًا حادًا: على الورق، تظهر الانقلابات وكأنها تحررية، لكنها عمليا غالبا ما تخدم مصالح قوى محددة، داخلية وخارجية، وتعيد إنتاج الفقر والتهميش الشعبي. إن الانقلابات الحديثة ليست مجرد صراع على السلطة، بل معركة على مستقبل القارة بين الهيمنة والتحرر، بين الريع والعدالة، بين استغلال الفقراء وتمكينهم، بين السطوة الأجنبية والقدرة الشعبية على التحكم في الموارد والسيادة. إنها اختبار حقيقي لقدرة الشعوب على فرض إرادتها، وقدرة الجيش على أن يتحول من أداة قمع إلى أداة تمكين، وقدرة المؤسسات الشعبية القاعدية على إعادة توزيع السلطة والثروة لصالح الأغلبية الفقيرة. القراءة النقدية لهذه الانقلابات تكشف أن ما يحدث ليس فوضى عشوائية، بل مرحلة مفصلية في التاريخ الإفريقي الحديث، حيث تتقاطع التراكمات الاستعمارية، الصراعات الطبقية، ضعف الدولة المدنية، والتحولات الجيوسياسية العالمية لتشكل مزيجا معقدا من الفرص والمخاطر. كل انقلاب يحمل في طياته خطر إعادة إنتاج الريع، لكنه أيضا يوفر فرصة تاريخية للثورة الشعبية المشروطة: تحويل الجيش إلى أداة مؤقتة لتحرير الموارد الوطنية، خلق مؤسسات شعبية قاعدية قوية، وإعادة السلطة الاقتصادية والسياسية إلى الفئات الشعبية المهمشة. إن هذه المقدمة تمهد للنص الكامل، حيث ستتم محاولة تحليل كل انقلاب على حدة ، و لو بصفة شبه مختصرة وربطه بالسياق الطبقي والسياسي والاقتصادي، وفحص تحولات التحالفات الدولية، وإبراز دور العسكر كمحرك محتمل للثورة، والشروط المطلوبة لتحقيق تحول فعلي لمصالح الجماهير الشعبية. الهدف ليس مجرد وصف الانقلابات، بل فهم كيف يمكن تحويل هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية إلى فرصة لتحقيق العدالة الاجتماعية، تمكين الفقراء، واستعادة السيادة الشعبية على الأرض، بعيدا عن الهيمنة الأجنبية والريع الداخلي.
1. الانقلابات العسكرية: إعادة إنتاج الريع والهيمنة، وعالم مصالح النخبة.
الانقلابات العسكرية الحديثة في إفريقيا لا يمكن فهمها بمجرد مشهد سياسي سطحي، بل هي حلقات من مسلسل طويل لإعادة إنتاج الريع والهيمنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. هذه الانقلابات جاءت في سياق أزمات عميقة ومتعددة الأبعاد: انهيار الخدمات العامة، غياب العدالة الاجتماعية، تفشي الفساد، ضعف المؤسسات المدنية، تدهور البنية التحتية، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانهيار الأمل الشعبي في أي مشروع تنموي قادر على حماية الجماهير من الاستغلال والحرمان. في مالي، مايو 2021، كان الانقلاب العسكري يعلن كتحرر من النفوذ الفرنسي، واستعادة الدولة لمهامها السيادية. لكن التحليل الميداني والاقتصادي يظهر أن الجيش استولى على الموارد الطبيعية وفتحت أبواب التعاون مع الصين، بينما بقي الفلاحون، العمال، والفئات الشعبية خارج دائرة القرار والسيادة الاقتصادية. الانقلاب، بدل أن يكون مشروعا شعبيا حقيقيا، أصبح آلية لإعادة توزيع السلطة والريع بين نخبة عسكرية محدودة، دون أي أثر ملموس على الفقراء أو على الحد من هيمنة القوى الأجنبية. غينيا سبتمبر 2021، مثال آخر على كيفية تحويل شعارات التحرر إلى آليات لإعادة إنتاج الهيمنة: إسقاط ألفا كوندي جاء بعد احتجاجات شعبية على الفساد واستشراء سوء الإدارة، لكن الجيش الذي تولى السلطة بدأ السيطرة على الاقتصاد، والتحالفات الجديدة مع روسيا والصين أكدت أن شعار السيادة الوطنية لم يكن أكثر من واجهة سياسية، بينما النخبة العسكرية أصبحت تحكم موارد الدولة بعيدا عن أي رقابة شعبية. هذا يعكس التناقض الأساسي: رفع شعارات التحرر والسيادة، مع استمرار استبعاد الجماهير من القرار والموارد الاقتصادية، وهو تكرار نمط الهيمنة المستعمرية بصيغة محلية جديدة. بوركينا فاسو، التي شهدت انقلابين في 2022، تقدم درسا أكثر وضوحا: الانقلاب الأول أطاح بالحكومة المدنية، والانقلاب الثاني أطاح بالقائد العسكري الأول. هذه الدورة المتكررة تفضح هشاشة الدولة، وغياب أي مشروع شعبي حقيقي، وتحويل الجيش إلى نخبة ريعية تتحكم بالموارد والسلطة، بينما الجماهير تزداد حرمانًا. حتى النيجر والغابون في 2023، ومدغشقر وغينيا بيساو في 2025، تتكرر نفس الصياغة: الانقلابات تعلن كتحرر من النفوذ الغربي، لكنها عمليا تعيد إنتاج الريع، وتعيد توزيع السلطة الاقتصادية والسياسية بين قوى محددة، وتفتح الطريق للتحالفات مع الشرق (الصين وروسيا). هذه التحالفات الجديدة توفر للنخبة العسكرية رأس مال، دعما تقنيا واستثمارات مباشرة في النفط والمعادن والبنية التحتية، لكنها لا تغيّر الواقع المعيشي للفقراء، ولا تمنح الجماهير أي قدرة على التحكم في مصيرها الاقتصادي والسياسي. التحليل الطبقي لهذه الانقلابات يكشف حقيقة صارخة: السلطة العسكرية الجديدة غالبا ما تتحول إلى طبقة ريعية جديدة، تمارس الاستغلال الاجتماعي والاقتصادي، وتعيد إنتاج المنطق القديم للهيمنة، لكن تحت شعارات مختلفة. بينما يستمر الفقراء في الفقر، والعمال والفلاحون في تقديم قوتهم اليومي للنخبة العسكرية، التي تفتح أبواب الاقتصاد للاستثمارات الأجنبية الجديدة، من دون أي مشاركة حقيقية للجماهير في صنع القرار أو إدارة الموارد. هذا الواقع يطرح سؤالا جوهريا: هل الانقلابات العسكرية مجرد إعادة توزيع للسلطة بين نخبة ريعية جديدة، أم يمكن أن تتحول إلى آليات تحرير حقيقية؟ الإجابة لا تأتي من الشعارات، بل من مدى قدرة الجماهير على فرض مشروع شعبي قاعدي، ومستوى انحياز العسكر لمصالح الفقراء، وإمكانية بناء مؤسسات شعبية قادرة على التحكم في الموارد والقرار السياسي. الخبرة التاريخية تعلمنا أن الانقلابات التي لم تتجاوز هذا المستوى من الوعي الشعبي والتحرري غالبا ما تتحول إلى استبداد جديد، حيث الجيش يحكم من خلال الريع والتحالفات الاقتصادية، بينما الجماهير تظل خارج أي دائرة تأثير. بالمقابل، هناك حالات تاريخية حيث استطاع الجيش، رغم طبيعته المركبة والمتناقضة، أن يصبح أداة للتحرر إذا ارتبط بمشروع شعبي حقيقي، كما حدث مع بوركينا فاسو في عهد سانكارا، أو غينيا‑بيساو في مرحلة ما بعد الاستعمار، حيث تسلم المدنيون السلطة بعد نجاح فصائل عسكرية ثورية واعية.
2. العسكر: بين أداة قمع وأداة ثورة محتملة.
في قلب الانقلابات الأفريقية الحديثة يكمن تناقض مركزي: المؤسسة العسكرية، على الرغم من ارتباطها غالبا بالقمع والحفاظ على مصالح النخب، تمتلك في الوقت نفسه قدرة تاريخية على أن تصبح شرارة تحررية إذا انحازت إلى مصالح الفقراء والمستضعفين. العسكر ليس مجرد كتلة موحدة تعمل وفق خط واحد، بل هو فضاء مركب تتصارع فيه مصالح متباينة: بين القادة الذين يسعون لتكريس الهيمنة، وبين ضباط أو جنود يحملون وعيا سياسيا يمكن أن ينشقوا عن منطق الريع، وينفتحوا على مشروع شعبي ثوري. التاريخ الأفريقي يقدم أمثلة واضحة على ذلك: توماس سانكارا في بوركينا فاسو لم يكتف بإسقاط النظام القديم، بل حاول إعادة بناء الدولة على أسس شعبية قاعدية من خلال الإصلاح الزراعي، التعليم العام، الصحة المجانية، وتمكين الشباب والنساء، مع الحفاظ على استقلال القرار الوطني بعيدا عن النفوذ الفرنسي. كذلك، أميلكار كابرال في غينيا‑بيساو استخدم القوة العسكرية المنظمة كأداة لتحرير الشعب، ليس فقط من الاستعمار المباشر، بل أيضا من الهياكل الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تخدم النخب المحلية المتواطئة مع القوى الأجنبية. الدرس المهم لليسار الجذري هنا: الجيش ليس عدوا مطلقا ولا صديقا مطلقا، بل قوة مركبة يمكن أن تتحول إلى أداة تحرر أو أداة قمع. في الانقلابات الحديثة، يظهر أن غالبية الجيش تنحاز إلى الريع والنخب، مع التركيز على المصالح الاقتصادية للجنرالات والسيطرة على الموارد الطبيعية، بينما الجماهير الفقيرة تبقى مهمشة. لكن داخل المؤسسة العسكرية نفسها توجد إمكانية لتكوين شقوق ثورية صغيرة: ضباط أو مجموعات ضباط يمكن أن ينخرطوا في مشاريع قاعدية، جماهيرية، وتحررية إذا توفرت لهم الظروف المناسبة ودعم الجماهير. الشرط الأساسي هو أن تنحاز القوة العسكرية لمشروع شعبي حقيقي. السلطة، حين تستولي عليها مؤسسة مسلحة، معرضة دائما للتحول إلى بيروقراطية مستبدة إذا غابت عنها الشرعية الشعبية والتنظيم القاعدي. الثورة الحقيقية تتطلب أن يعمل الجيش ليس كمالك للسلطة، بل كجسر يمكّن الجماهير والقيادات المدنية الثورية من الوصول إلى الحكم وتنظيم المجتمع على أسس عادلة. التجارب التاريخية توضح ذلك بجلاء: سانكارا لم يسع لحكم عسكري دائم، بل لبناء مؤسسات شعبية قوية؛ الحركة الشعبية لتحرير غينيا‑بيساو سلّمت السلطة لمدنيين بعد نجاح النضال ضد المستعمر والنخبة المحلية؛ الحركات الثورية في أمريكا اللاتينية أظهرت أن الجيش، إذا انحاز للشعب، يمكن أن يكون أداة للتحرر، وليس غاية الحكم. لكن هذا المسار ليس مضمونا. الانقلابات الأفريقية الحديثة أظهرت أن غالبية الجيش تنحاز إلى الريع والنخب، مع التركيز على المصالح الاقتصادية للجنرالات، والسيطرة على الموارد الطبيعية، وتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد، بينما الجماهير الفقيرة تبقى مهمشة. لذلك، قراءة يسارية جذريّة تحذر: العسكر كأداة ثورة محتملة ليس هو الواقع الحالي في معظم الانقلابات، لكنه الاحتمال الذي يمكن استثماره إذا توفرت إرادة شعبية قاعدية حقيقية، ومعارضة اجتماعية منظمة، وتخطيط استراتيجي للسلطة المدنية بعد الانقلاب. هنا يظهر التحدي المركزي: كيف يمكن تحويل قوة مسلحة غالبا ما تعمل لحماية الريع والهيمنة إلى أداة للتمكين الشعبي والتحرر الاقتصادي والاجتماعي؟ الإجابة تتطلب شروطًا ثلاثة أساسية: الانحياز الفعلي للفقراء والجماهير المستضعفة، بحيث تصبح مصالحهم محور القرار، وليس مصالح النخبة أو القوى الأجنبية. بناء مؤسسات شعبية قاعدية (لجان، مجالس، نقابات) تشارك مباشرة في القرار السياسي والاقتصادي، لضمان أن الانقلاب لا يتحول إلى مجرد إعادة توزيع السلطة بين نخبة جديدة. تسليم السلطة في نهاية المطاف إلى قيادات مدنية ثورية منتخبة شعبيا وقاعديا، بحيث تتحول القوة العسكرية من غاية إلى وسيلة، وتصبح الجسر الذي ينقل الشعب من الهيمنة القديمة إلى مشروع شعبي حقيقي. إذا تحقق ذلك، يمكن للعسكر أن يصبح قوة شرارة تحررية، بدل أن يكون مجرد أداة قمع أو أداة لتغيير أدوات الهيمنة فقط. الانقلابات حينها لن تكون مجرد حلقات متكررة في مسلسل الاستبداد الدولي والمحلي، بل فرصة حقيقية لإعادة بناء الدولة على أسس شعبية وقاعدية، وتحويل شعار التحرر الوطني إلى واقع ملموس يخدم الجماهير ويعيد توزيع السلطة والثروة بطريقة عادلة.
3. التحولات الجيوسياسية: الانقلابات بين الشرق والغرب.
الانقلابات العسكرية الحديثة في إفريقيا ليست ظواهر محلية معزولة، بل هي جزء من صراع جيوسياسي عالمي على الموارد والنفوذ. منذ نهاية الاستعمار المباشر، كانت الولايات المتحدة وأوروبا تمارس نفوذها من خلال الاستثمارات، الشركات متعددة الجنسيات، والمساعدات التنموية التي غالبا ما كانت أدوات ضغط سياسي واقتصادي. ومع الانقلابات الأخيرة، شهدنا تحولا ملحوظا للوجهة الاقتصادية والسياسية من الغرب نحو الصين وروسيا. في مالي وغينيا وبوركينا فاسو، لم يعد الجيش الجديد يسعى فقط إلى طرد النفوذ الفرنسي التقليدي، بل بدأ فتح قنوات مباشرة مع الصين وروسيا. هذه التحالفات الجديدة توفر: دعما ماليا، معدات عسكرية متطورة، استثمارات في البنية التحتية، نفط ومعادن، دون ربط هذه المساعدات بشروط ديمقراطية صارمة، كما كان يحدث مع الغرب. على الورق، هذا يبدو كتحرر حقيقي، لكنه عمليا غالبا ما يكون نقلا للهيمنة إلى شكل جديد، حيث تتحكم نخبة عسكرية محدودة في الموارد والشعب يظل مهمشا. التحليل الطبقي يكشف أن هذه التحولات تكرّس التفاوت الاجتماعي: النخبة العسكرية والمستثمرون الجدد يجنون فوائد التعاون مع الشرق، بينما العمال والفلاحون لا يزالون محرومين من التحكم في الثروات الطبيعية لبلادهم، ويقدمون قوتهم اليومي للمؤسسات الاقتصادية الجديدة. الانقلابات، بدل أن تكون أداة لتحرير الجماهير، تتحول إلى أداة إعادة توزيع الريع بطريقة تخدم مصالح العسكر والنخبة الاقتصادية المحلية والدولية، مع استمرار الاستغلال الشعبي تحت شعارات السيادة والتحرر الوطني. ومع ذلك، يمكن رؤية الجانب الآخر: تحولات الوجهة نحو الشرق توفر فرصة استراتيجية للشعوب والفصائل الثورية. فغياب الشروط الديمقراطية الصارمة من الصين وروسيا يخلق فراغا سياسيا يمكن أن تستغله الجماهير لبناء مؤسسات قاعدية مستقلة عن النفوذ الخارجي المباشر، وهو ما لم يكن ممكنا في ظل الهيمنة الغربية التقليدية، حيث كان كل تمرد شعبي يختطف بسرعة من قبل المؤسسات الدولية و"الضغط الدبلوماسي". هنا يظهر البعد المزدوج للانقلابات: على الرغم من أنها غالبا تعيد إنتاج الريع، فإن التحولات الجيوسياسية توفر، نظريا، فرصة للعسكر والفاعلين الشعبيين لخلق مساحات للتحرر الوطني الحقيقي.
4. الانقلابات كفرص ثورية مشروطة: العسكر والجماهير.
إن الانقلابات الأخيرة تؤكد أن هذه الإمكانية محدودة ومشروطة. كل انقلاب، سواء في النيجر 2023، الغابون 2023، مدغشقر 2025، أو غينيا بيساو 2025، يعيد رسم خريطة القوى الداخلية والخارجية: الجيش يتولى السلطة، النخبة المدنية غالبا ما تهمش، التحالفات الدولية تتغير، والشعارات الوطنية تظل مجرد واجهة. لكن قراءة يسارية جذريّة تتيح النظر إلى الانقلابات كـفرص مشروطة لتحويل القوة العسكرية من أداة قمع إلى أداة تمكين شعبي، إذا انطبقت شروط محددة: انحياز العسكر لمصالح الجماهير: لا يكفي رفع شعارات السيادة الوطنية، بل يجب أن يترجم الانحياز إلى سياسات فعلية: إعادة توزيع الأراضي، دعم الإنتاج المحلي، توفير الخدمات الأساسية، ورفع القيود الاقتصادية عن الفقراء. بناء مؤسسات قاعدية شعبية: لجان محلية، مجالس عمالية وفلاحية، تجمعات شبابية نسائية، كلها أدوات تتيح مشاركة الجماهير في القرار السياسي والاقتصادي، وتضمن أن السلطة الجديدة لا تتحول إلى مجرد إعادة توزيع بين نخبة عسكرية جديدة. إطار زمني واضح لتسليم السلطة المدنية: العسكر، مهما كانت نواياه، لا يمكن أن يكون غاية الحكم. التحدي الثوري يكمن في تحويل القوة العسكرية إلى جسر يربط بين الثورة الشعبية والحكم المدني الثوري، بحيث يصبح الجيش أداة لتمكين الشعب، لا أداة للحفاظ على الريع والهيمنة. الدرس التاريخي يقدم إشارات قوية: سانكارا في بوركينا فاسو، الحركة الشعبية لتحرير غينيا‑بيساو، والثورات في أمريكا اللاتينية، كلها حالات أظهرت أن الجيش، عند انحيازه للشعب، يمكن أن يصبح شرارة تحررية. الانقلابات الحديثة توفر الفرصة نفسها، لكنها تتطلب وعيا شعبيا ومؤسسات قاعدية منظمة، وإلا فإنها تتحول تلقائيا إلى استبداد ريعي جديد، مع تحالفات جديدة، وشعارات زائفة عن السيادة والاستقلال. في سياق التحولات نحو الصين وروسيا، يصبح هذا التحدي أكثر حدة: التحالفات مع الشرق تمنح النخبة العسكرية موارد واستقلالا عن الضغط الديمقراطي الغربي، لكنها تجعل الجماهير أكثر هشاشة إذا لم تتشكل مؤسسات قاعدية قوية تستطيع مقاومة الهيمنة الداخلية والخارجية. الفرصة الثورية تكمن في استثمار هذا الفراغ السياسي لإنشاء مشروع شعبي حقيقي، بعيدا عن الريع ونفوذ النخبة الجديدة، وتحويل شعار التحرر إلى واقع ملموس يخدم مصالح الفقراء والجماهير.
5. الانقلابات الأخيرة: النيجر، الغابون، مدغشقر وغينيا بيساو ، إعادة رسم المشهد السياسي والاقتصادي.
الانقلابات الأخيرة في النيجر (26 جويلية 2023)، الغابون (30 أوت 2023)، مدغشقر (أكتوبر 2025)، وغينيا بيساو (26 نوفمبر 2025) ليست مجرد أحداث عابرة على الخارطة السياسية الأفريقية، بل تعكس تراكمات تاريخية عميقة للصراع الطبقي، الهيمنة الاقتصادية، والفساد السياسي المستشري. هذه الانقلابات تظهر كيف أن المؤسسات المدنية غالبا ما تكون عاجزة عن حماية مصالح الفئات الشعبية، بينما النخب العسكرية تتحكم في الموارد والسياسة وفق مصالحها الخاصة، وهو ما يكرس هيمنة جديدة بدلًا من تحقيق التحرر المزعوم. في النيجر، استحوذ الجيش على السلطة بحجة حماية السيادة الوطنية، لكن في الواقع كان الانقلاب فرصة لإعادة توزيع الموارد الطبيعية مثل اليورانيوم والنفط بين نخبة محددة، مع استمرار استبعاد العمال والفلاحين من التحكم في ثرواتهم. وفي الوقت نفسه، بدأ فتح قنوات مباشرة للتعاون مع الصين وروسيا، مما أتاح للنخبة العسكرية موارد وتمويلا مستقلا عن الضغوط الغربية التقليدية، لكنه لم ينعكس بأي شكل ملموس على حياة الجماهير الفقيرة. الغابون شهدت نفس النمط: الانقلاب جاء بعد انتخابات مشكوك في نزاهتها، وارتكز على السيطرة على الموارد النفطية، وتحرير الدولة من الضغوط الفرنسية التقليدية. ولكن التحليل الطبقي يكشف أن الريع الاقتصادي لم يتم توزيعه بطريقة تخدم الأغلبية، بل ظل محصورًا بين النخبة العسكرية والمستثمرين الجدد. هنا يظهر التناقض الكلاسيكي: رفع شعارات السيادة الوطنية والتحرر، مقابل استمرار الفقر والتهميش. مدغشقر وغينيا بيساو تقدمان بعدا إضافيا: هشاشة الدولة المدنية تجعل الانقلابات أكثر تواترا، وتزيد من سيطرة الجيش على السياسة والاقتصاد، بينما الفئات الشعبية تبقى محرومة من المشاركة في اتخاذ القرار. ومع ذلك، يوفر هذا الواقع أيضا فراغا استراتيجيا يمكن أن يستغله الشعب والجيش الواعي لإنشاء مؤسسات قاعدية قوية، وإعادة توزيع السلطة بشكل أكثر عدلاً. التجارب التاريخية تؤكد أن الجيش يمكن أن يكون أداة للتمكين الشعبي، وليس غاية في حد ذاته، إذا انحاز لمصالح الفقراء، كما حدث مع بوركينا فاسو في عهد سانكارا أو مع الحركة الشعبية لتحرير غينيا‑بيساو بعد الاستقلال. الدرس هنا مزدوج: من جهة، الانقلابات غالبا ما تكرس إعادة إنتاج الريع والهيمنة الاقتصادية والسياسية؛ ومن جهة أخرى، توفر الظروف الاستثنائية التي تنشأ عن الفوضى السياسية والتحولات الدولية، فرصة تاريخية لتحويل الجيش إلى أداة تحررية مؤقتة، إذا رافقته إرادة شعبية قاعدية قوية ومؤسسات جماهيرية منظمة.
6. الثورة المشروطة: الجيش والجماهير كقوة تحررية.
إذا كانت النقاط السابقة أوضحت كيف تعيد الانقلابات إنتاج الريع والهيمنة، فإن النقطة الأساسية الآن هي الفرصة الثورية المشروطة التي يمكن استثمارها لتحويل الانقلابات إلى مشاريع تحرير حقيقية. هذه الثورة المحتملة ليست تلقائية، بل مرتبطة بعدة شروط سياسية، اجتماعية، واقتصادية: الانحياز الجوهري لمصالح الفقراء والجماهير الشعبية: أي انقلاب يرفع شعارات السيادة الوطنية دون سياسات ملموسة للفقراء سيكرر دورة الريع القديمة. الانحياز الحقيقي يعني إعادة توزيع الأراضي، دعم الإنتاج المحلي، توفير التعليم والصحة المجانية، وضمان قدرة الجماهير على المشاركة في اتخاذ القرار الاقتصادي والسياسي. بناء مؤسسات شعبية قاعدية قوية: لجان محلية، مجالس عمالية وفلاحية، جمعيات شبابية نسائية، كلها أدوات أساسية لضمان المشاركة الشعبية، ومراقبة توزيع الموارد، ومنع تحوّل الانقلاب إلى إعادة إنتاج للنخبة العسكرية الجديدة. المؤسسات القاعدية تمنح الجماهير سلطة فعلية على الثروات والقرار السياسي، وتخلق توازنًا حقيقيًا مع السلطة العسكرية. تسليم السلطة إلى قيادة مدنية ثورية في الوقت المناسب: الجيش، مهما كانت نواياه، لا يمكن أن يكون غاية الحكم النهائية. الفارق بين الانقلاب كأداة قمع وبين الانقلاب كفرصة ثورية يكمن في تحويل القوة العسكرية من غاية إلى وسيلة، لإيصال الشعب إلى الحكم المدني القاعدي المستقل. استثمار الفراغ الجيوسياسي لصالح الثورة الشعبية: التحولات الأخيرة نحو الصين وروسيا توفر استقلالا عن الضغوط الغربية، لكن دون تدخل شعبي واع ستظل الجماهير مستبعدة. الفراغ السياسي يسمح للجيش والشعب الواعي ببناء مشروع شعبي مستقل، قادر على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، وتحويل الموارد الوطنية إلى أداة للعدالة الاجتماعية وليس للريع والنفوذ الأجنبي. الدرس التاريخي واضح: الثورة لا تتحقق بمجرد الانقلاب العسكري، بل بتحالف واع بين الجيش المنحاز للشعب والمؤسسات القاعدية الشعبية المنظمة. سانكارا، كابرال، والثورات الشعبية في أمريكا اللاتينية، جميعها أظهرت أن الجيش يمكن أن يكون أداة للتحرر إذا انحاز لمصالح الجماهير، وأن الانقلابات التي لا تتجاوز هذا المستوى ستعيد إنتاج دورة الاستبداد الريعي، مع تغيير وجوه النخبة فقط. في كل الانقلابات الأخيرة، يظهر التناقض الجوهري بين شعارات التحرر والواقع المعيشي للفقراء، والتحدي المركزي للثورة هو إجبار الجيش على أن يصبح أداة تمكين للشعب لا مجرد أداة لتغيير أدوات الهيمنة. الفرصة الثورية موجودة، لكنها مشروطة: إرادة شعبية، مؤسسات قاعدية، وانحياز العسكر لمصالح الجماهير، لتتحول الانقلابات من إعادة إنتاج للهيمنة إلى شرارة تحرر شعبي حقيقي ومستدام.
7. الانقلابات العسكرية كأداة ثورية محتملة: الجيش والفقراء بين الهيمنة والتحرر.
لفهم الانقلابات الحديثة في إفريقيا: إذ يجب النظر إليها ليس فقط كأحداث سياسية مفصولة، بل كجزء من دورة تاريخية معقدة للصراع الطبقي، إعادة إنتاج الريع، والتحولات الجيوسياسية العالمية. الجيش، الذي غالبا ما ينظر إليه على أنه أداة قمع، يمكن أن يصبح في ظروف معينة وسيلة لتحقيق مطالب الجماهير الفقيرة، إذا التقى بالوعي الشعبي والتنظيم القاعدي. التجارب التاريخية تعلمنا أن الجيش في إفريقيا لم يكن مجرد قوة قهر، بل أحيانا كان محرّكا للتغيير الاجتماعي: مثال بوركينا فاسو زمن سانكارا، حيث استخدم الجيش للقيام بإصلاحات جذرية في توزيع الأراضي، دعم الإنتاج المحلي، تعزيز التعليم والصحة، وربط السلطة بالقاعدة الشعبية. هذه التجربة تُظهر أن الانقلاب العسكري يمكن أن يكون شرارة تحررية مشروطة، لا مجرد استيلاء على السلطة. في الانقلابات الأخيرة، من مالي وغينيا إلى بوركينا فاسو، النيجر، الغابون، مدغشقر وغينيا بيساو، تظهر الديناميكية نفسها: الجيش يستولي على السلطة تحت شعارات السيادة الوطنية والتحرر من النفوذ الغربي، بينما الجماهير الفقيرة غالبا ما تبقى خارج دائرة القرار. لكن التحليل الطبقي يكشف أن الجيش لديه القدرة على أن يكون أداة لتمكين الفقراء، إذا توافرت ثلاثة شروط: -الوعي الشعبي والتحرك القاعدي: الجماهير، وخاصة العمال والفلاحين، يجب أن يكونوا قادرين على فرض مطالبهم على الجيش. بدون ضغط شعبي منظم، فإن أي انقلاب يتحول بسرعة إلى إعادة توزيع الريع بين نخبة عسكرية جديدة، بغض النظر عن شعارات التحرر الوطني. -المؤسسات القاعدية الشعبية: لجان محلية، مجالس عمالية وفلاحية، جمعيات شبابية نسائية، كلها أدوات حيوية لخلق توازن بين الجيش والشعب. هذه المؤسسات تضمن أن السلطة لا تحتكر من قبل النخبة العسكرية، وأن الموارد الوطنية تستخدم لتحقيق مصالح الجماهير، لا مصالح الرأسمال الدولي أو النخبة المحلية. -إطار زمني واضح للسلطة المدنية: الانقلابات التي تتحول إلى حكم دائم للجيش غالبًا ما تعيد إنتاج دورة الاستبداد الريعي. الجيش، مهما كانت نواياه، يجب أن يكون جسرًا نحو حكم مدني ثوري قادر على تمكين الشعب، وليس غاية في حد ذاته. -التحولات الجيوسياسية الأخيرة تضيف بعدا مهما: التحول نحو الصين وروسيا يقلل من ضغوط الغرب على الانقلابات، ويزيد من استقلالية الجيش. لكن هذا الاستقلال يشكل سيفا ذا حدين: فهو يمنح الجيش حرية في التحرك، لكنه يضاعف المخاطر على الجماهير إذا لم يتم بناء مؤسسات قاعدية قوية. الفرصة الثورية تكمن في استثمار هذه الاستقلالية لتأسيس سلطة شعبية حقيقية، بعيدًا عن الريع والنفوذ الخارجي. -في المقابل، يجب الانتباه إلى الجانب المظلم لهذه الانقلابات: كل انقلاب يحمل في طياته مخاطر الانزلاق نحو استبداد ريعي جديد، حيث يسيطر الجيش على الدولة والاقتصاد، بينما الفقراء يزدادون حرمانا. التحولات نحو الشرق قد تعيد إنتاج نفس الدورة، ولكن بواجهة جديدة، حيث تتحكم النخبة العسكرية الجديدة بالموارد، وتستخدم الدعم الصيني أو الروسي لتعزيز سلطتها، دون تغيير ملموس في حياة الجماهير. الدرس المركزي هو أن الانقلابات ليست نهاية الصراع، بل بداية مرحلة حرجة ومفتوحة: يمكن أن تتحول إلى أداة للحرية الاجتماعية والاقتصادية، أو إلى دورة جديدة للهيمنة والريع، حسب طبيعة التحالف بين الجيش والجماهير الشعبية، وقوة المؤسسات القاعدية، ومدى استثمار الفراغ السياسي الناتج عن التحولات الجيوسياسية. الجيش قد يصبح جسرا للتحرر أو عقبة أمامه، والقرار النهائي يبقى بيد الجماهير المنظمة والقادرة على فرض إرادتها.
خاتمة: الانقلابات العسكرية في إفريقيا ، بين إعادة إنتاج الريع وفرصة الثورة الشعبية.
الانقلابات العسكرية في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة ليست مجرد أحداث سياسية عابرة، بل مرآة عميقة تعكس تراكمات تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية، وصراعا طبقيا مستمرا بين النخبة والكتلة الشعبية، بين الريع والعدالة، بين الهيمنة والتحرر. من مالي 2021 إلى غينيا، بوركينا فاسو، النيجر، الغابون، مدغشقر، وغينيا بيساو 2025، يظهر نمط ثابت: الجيوش تتدخل تحت شعارات السيادة الوطنية والتحرر من النفوذ الغربي، لكنها غالبا ما تعيد إنتاج الريع، وتعيد توزيع السلطة بين نخبة محدودة، بينما الجماهير الفقيرة تبقى خارج دائرة القرار والسيادة الاقتصادية والسياسية. لكن التحليل العميق يكشف أن هذه الانقلابات تحمل في طياتها فرصة تاريخية نادرة، مشروطة، للتحول إلى أداة ثورية حقيقية. الفرصة تكمن في قدرة الجماهير على فرض إرادتها، وفي وعي الجيش المنحاز للفقراء، وفي بناء مؤسسات قاعدية شعبية قوية، تستطيع تحويل السلطة العسكرية من أداة للهيمنة إلى جسر نحو الحرية الاجتماعية والسياسية. هذه الفرصة ليست تلقائية، بل مشروطة بشروط واضحة: الانحياز لمصالح الفقراء، المؤسسات الشعبية القادرة على المشاركة والسيطرة، إطار زمني لتسليم السلطة المدنية، واستثمار الفراغ السياسي الناتج عن التحولات الجيوسياسية الجديدة. التحولات الأخيرة نحو الصين وروسيا تشكل بعدا مزدوجا: من جهة، تقلل من ضغوط الغرب وتمنح الجيش استقلالية أكبر، ومن جهة أخرى، تضاعف خطر إعادة إنتاج الهيمنة بصيغة جديدة، حيث تصبح النخبة العسكرية ريعية بدعم شرق أجنبي جديد، دون أن يتحسن وضع الجماهير الفقيرة. هذا الواقع يعكس تناقضا حادا: الانقلابات تقدم واجهة تحرر، لكنها غالبا ما تصنع تكرارا للهيمنة القديمة بوجوه جديدة. لكن التاريخ والوعي الشعبي يقدمان درسا: الثورة ليست نتيجة الانقلاب العسكري بحد ذاته، بل نتيجة تحالف واع بين الجيش والجماهير الشعبية المنظمة، وبين إرادة الشعب في التحكم في موارده وثرواته واستقلال قراره السياسي. تجربة بوركينا فاسو مع سانكارا، الحركة الشعبية لتحرير غينيا‑بيساو، والثورات الشعبية في أمريكا اللاتينية، جميعها تثبت أن الجيش يمكن أن يكون أداة للتحرر الاجتماعي، إذا انحاز لمصالح الفقراء، وكان مرتبطا بمؤسسات شعبية قاعدية قوية، قادرة على ضمان العدالة الاجتماعية والسياسية. اليوم، أمام الانقلابات الحديثة، أمام التحولات نحو الشرق، أمام هشاشة الدولة المدنية، تتاح فرصة فريدة لإعادة بناء السلطة بطريقة شعوبية حقيقية، لإعادة توزيع الموارد، لإدخال الجماهير في قلب القرار، ولتحويل شعارات التحرر الوطني إلى واقع ملموس يخدم مصالح الفقراء والعمال والفلاحين والشباب والنساء. هذه الفرصة، إذا ما أُهملت، ستتحول الانقلابات إلى دورة جديدة للهيمنة والريع، لكنها إذا استُغلت، يمكن أن تصبح شرارة ثورة شعبية حقيقية، تستعيد الكرامة والقدرة على التحكم في مصير الشعوب الإفريقية. الدرس النهائي يكمن في إدراك أن الانقلابات ليست نهاية الصراع، بل مرحلة حاسمة ومفتوحة، بين هيمنة قديمة متجددة وفرصة ثورية مشروطة. التاريخ، التجارب السابقة، والتحولات الجيوسياسية، كلها تشير إلى أن المستقبل ليس محددا: إما أن تستمر دورة الريع والهيمنة، أو أن تتحول هذه الانقلابات إلى أداة للتحرر الاجتماعي والسياسي، لصالح الجماهير الشعبية، ولخلق إفريقيا حرة مستقلة، قادرة على تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية. في هذا الإطار، تصبح الانقلابات العسكرية الحديثة اختبارا حقيقيا للقدرة الشعبية على فرض إرادتها، ولإعادة تعريف مفهوم السيادة الوطنية من مجرد شعار إلى ممارسة يومية، تضع الفقراء والعمال والفلاحين في قلب السلطة، وتحوّل الجيش من أداة قمع إلى أداة تمكين حقيقية. هذه هي الرؤية الثورية الكبرى: تحويل التناقض بين الريع والتحرر إلى فرص لصنع تاريخ جديد، حيث تصبح الجماهير الفقيرة فاعلة في كتابة مستقبلها، بعيدا عن الهيمنة الغربية أو الشرقية، بعيدا عن الريع، وداخل مؤسسات قاعدية قوية، قادرة على ضمان العدالة والمساواة والكرامة.
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفعل الثوري والبيئة: حين يصبح الدفاع عن الأرض جزء من معركة
...
-
القطاع والضفة بين معماريّة الخراب ومخطّطات الاقتلاع: جغرافيا
...
-
الحرية والحريات في صراع الهيمنة: الشيوعية والنضال من أجل الإ
...
-
تونس الآن الآن ..
-
فنزويلا في قلب الصراع العالمي
-
الحرية والمواطنة في مواجهة آلة القمع وبناء جدار الخوف... قرا
...
-
قراءة في أحزاب اليسار الكلاسيكية، واليسار الثوري الحديث، وال
...
-
أمريكا اللاتينية: المكسيك وكولومبيا وفنزويلا والبرازيل بين ا
...
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
-
بعد غزة… الضفة الغربية على صفيح النار: التهجير القسري والاست
...
-
الدّولة البوليسية المعاصرة
-
من مانهاتن إلى القصبة: حين تتكلم الأزمات بلغتين
-
السّرياليّة والسّرياليّة الثوريّة. من الحلم إلى التمرّد: في
...
-
النضال البيئي بين العفوية والتنظّم في تونس: الواقع والآفاق.
-
بين تاريخ الوصاية وإغراءات «الإعمار»: ما يقترَح اليوم ليس مج
...
-
مشروع قانون المالية لسنة 2026: بين الوهم الاجتماعي وتكريس ال
...
-
الديني و الماركسي في خندق المقاومة وحدود الالتقاء: من طهران
...
-
اتفاق شرم الشيخ: عودة الانتداب بثوب أمريكي – قراءة في مشروع
...
-
غزة والمقاومة: غنيمة التّاريخ وبوصلة الأحرار
-
من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر
المزيد.....
-
زي -سانتا- يكتسح شوارع ميخندورف الألمانية في سباق عيد الميلا
...
-
تسرب مياه في اللوفر يلحق ضررا بمئات من أعمال مكتبة الآثار ال
...
-
حافة حرب آتية لا محالة
-
منتدى الدوحة يستعرض حال سوريا بين قسوة الواقع وآمال المستقبل
...
-
غزة مباشر.. استسلام عشرات المسلحين لحماس ونتنياهو يؤكد قرب ا
...
-
الكيان الصهيوني ومشروع تقسيم السودان
-
رئيس بنين? ?يعلن إحباط محاولة انقلاب ومنظمة -إيكواس- تتدخل
-
زيلينسكي: -محادثات السلام- مع واشنطن -بنّاءة- لكنها -صعبة-
-
هونغ كونغ تنتخب نوابها في ظل تدابير مشددة بعد أزمة الحريق ال
...
-
-الفيروس المجهول-.. مصر تكشف تفاصيل -الحالة الوبائية-
المزيد.....
-
قراءة في تاريخ الاسلام المبكر
/ محمد جعفر ال عيسى
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
المزيد.....
|