أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - مكابرة دنزل واشنطن على السنين والثراء














المزيد.....

مكابرة دنزل واشنطن على السنين والثراء


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


في فيلمه الجديد “من أعلى إلى أسفل” بدا دنزل واشنطن كمن يكابر على عمره. أكبر ممّا رسخ في ذاكرتنا عن ذاك الفتى الأسمر. أخلاقي أيضًا عندما يفرّط بثروته من أجل إنقاذ ابن سائقه وصديقه المسلم. لكنّ أداءه بدا هذه المرة أحادي النغمة مقارنة بما اعتدناه منه.
الفيلم الذي أخرجه سبايك لي وُصف بأنه عمل مثير للجدل ومخيّب أيضًا. آخرون رأوه محاولة جريئة لإعادة قراءة كلاسيكيات السينما اليابانية بعدسة أميركية. فالقصة مأخوذة من رواية “فدية الملك” لإد ماكبين. وقد سبق أن قدّمها أكيرا كوروساوا في فيلم شهير، إضافة إلى مسلسل تلفزيوني.
لكن لماذا يعودون لتمثيلها اليوم؟ ربما لأن الاستقطاب الأخلاقي السام صار أكثر حدّة ممّا كان عليه بالأمس.
واشنطن يؤدي دور ديفيد كينغ، قطب صناعة الموسيقى الذي يستهدفه مخطط خطف وابتزاز. يجد نفسه أمام معضلة بين إنقاذ حياته المهنية أو مواجهة الحقيقة. لكنه يفتقر أحيانًا إلى العمق النفسي الذي ميّز أعماله السابقة مع سبايك لي.
القصة تنطلق من خطف ابن صديق كينغ، الرجل المسلم المتواضع. الخاطف يطلب فدية قدرها مليون ونصف مليون دولار. إما أن يدفع المبلغ للخاطف ويخسر علامته التجارية، أو ينقذ شركة التسجيلات الموسيقية ويدمّر رابطة عائلية.
هنا يقف البطل أمام السؤال: هل يفرّط بهذا المبلغ لإنقاذ طفل ليس ابنه؟ القرار يأتي سريعًا. يدفع الفدية. مشهد يضعه أمام ذاته قبل المجتمع.
ما أثارني كمشاهد عربي هو الأغنية التي انتهى بها الفيلم وتحمل اسمه، بصوت المغنية سولا. نهاية في رمز أغنية. قوة صوت تعبيري. لكنها تكشف أيضًا الذائقة السمعية لصانع النجوم. بل أكثر: حساسيته العالية للأصوات، لدرجة أنه يكتشف الخاطف من صوته.
سبايك لي كمحلل مخضرمٌ للأثرياء والفقراء، أراد إعادة قراءة كوروساوا من منظور أميركي، حيث تتحول قضية الخطف إلى مرآة لصناعة الموسيقى الحديثة وما فيها من فساد وابتزاز وصراع على السلطة. هنا تكمن قوة الفيلم: ربط أزمة فردية بسياق اجتماعي واسع.
هكذا يضعنا دنزل واشنطن أمام سؤال أخلاقي صادم: هل يمكن لثري أن يفرّط بمليون ونصف مليون دولار لإنقاذ ابن صديقه المسلم؟
المشهد الذي يصلّي فيه الأب في شقة صديقه المسيحي بعد سماع قرار دفع الفدية، يختصر دهشة الإنسان أمام موقف يتجاوز المال والدين.
الموسيقى هنا ليست خلفية. بل قوة روحية تدفع البطل إلى التضحية. وفي المقابل، يكشف الخاطف الشاب، المتولّع بالراب منذ طفولته، الوجه الآخر للفن حين يتحول الحلم إلى جريمة. بين ثريّ يفيض بالإنسانية وخاطف غارق في الوهم، يرسم سبايك لي تناقض الإنسان الأبدي.
المشهد الأكثر تأثيرًا هو صلاة والد الطفل في شقة صديقه الثري. ليس مجرد فعل ديني، بل امتنان ودهشة من موقف نادر: ثري مسيحي يضع إنسانيته فوق ثروته. هنا ينفتح سؤال آخر: هل الأثرياء قادرون فعلًا على هذا القدر من الحس الإنساني؟ أم أن الموسيقى، التي تحكم حياة البطل، هي التي تدفعه إلى الأخلاق؟
الفيلم يقدّم الموسيقى كلغة عاطفية لا كخلفية. لغة تهذّب الإنسان وتدفعه نحو الخير. لكنّه يقدّم الوجه الآخر أيضًا عبر شخصية الخاطف الشاب روكي. حلم الشهرة يتحول إلى وهم. الوهم يتحول إلى جريمة. هكذا تتجلى ثنائية الفن: قوة للخير والشر معًا.
هذا التناقض هو قلب الفيلم. كيف يمكن للفن أن يرفع إنسانًا ويهوي بآخر؟ كيف يصبح الثراء وسيلة لإنقاذ حياة وأداة للهيمنة أيضًا؟ وكيف يظل الإنسان إنسانًا رغم المال والسلطة؟
فيلم “من أعلى إلى أسفل” يطرح الأسئلة من دون إجابات جاهزة. يترك المشاهد أمام صورتين: ثري يفرّط بمليون ونصف مليون دولار لإنقاذ صبي، وشاب فقير يحوّل حلمه بالموسيقى إلى خطف. وبينهما مرآة تكشف هشاشة الإنسان.
أداء دنزل واشنطن هنا مختلف. ليس زعيمًا ولا مناضلًا. بل ثريّ يكتشف أن إنسانيته أثمن من ثروته. جيفري رايت يقدّم دور الأب المسلم بعمق، خصوصًا في مشهد الصلاة. أما روكي فيجسّد المسافة بين الحلم والهاوية.
“من أعلى إلى أسفل” ليس فيلمًا عن الخطف فقط، بل عن الإنسان في مواجهة ذاته، عن القوة التي تمنحها الموسيقى، وعن الأسئلة التي نطرحها نحن أيضًا: المال، الدين، الفن، والإنسانية.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يملك الإعلام العراقي؟ الجواب سهل!
- الملهم غوارديولا.. أخلاقي عندما يتعلق الأمر بفلسطين
- إحسان الإمام يعيد نبض القلوب
- عفيفة إسكندر وشهد الراوي
- المعادل الطائفي في العراق
- الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش
- زمن النسيان العام
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية


المزيد.....




- -سماء بلا أرض- للتونسية اريج السحيري يتوج بالنجمة الذهبية لم ...
- جدة تشهد افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان البحر الاحمر السينمائ ...
- الأونروا تطالب بترجمة التأييد الدولي والسياسي لها إلى دعم حق ...
- أفراد من عائلة أم كلثوم يشيدون بفيلم -الست- بعد عرض خاص بمصر ...
- شاهد.. ماذا يعني استحواذ نتفليكس على وارنر بروذرز أحد أشهر ا ...
- حين كانت طرابلس الفيحاء هواءَ القاهرة
- زيد ديراني: رحلة فنان بين الفن والشهرة والذات
- نتفليكس تستحوذ على أعمال -وارنر براذرز- السينمائية ومنصات ال ...
- لورنس فيشبورن وحديث في مراكش عن روح السينما و-ماتريكس-
- انطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي تحت شعار -في حب السينما ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - مكابرة دنزل واشنطن على السنين والثراء