|
|
أبجدية السياسة_5_ الأحزاب السياسية
علا مجد الدين عبد النور
كاتبة
(Ola Magdeldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 00:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أن بدأ الإنسان يبحث عن طريقةٍ لتنظيم صوته داخل الجموع، وُلدت الحاجة إلى كيانٍ يجمع المتشابهين في الرؤى، ويوجّه اختلافاتهم نحو هدفٍ واحد. وهكذا، قبل أن يحمل العالم مصطلح "الحزب السياسي"، كانت هناك نواة أولى: جماعاتٌ تتكتل حول زعيم، قبيلةٌ تلتف خلف موقف، أو فصيلٌ يدافع عن مصلحة مشتركة. ومع تطور الدول الحديثة، تحولت هذه التكتلات إلى أحزاب سياسية؛ مؤسساتٌ تعكس نبض المجتمع، وتترجم تطلعاته إلى برامج وسياسات.
تعريف الحزب السياسي
يُعرّفه علماء السياسة بأنه "مجموعة منظمة من الأفراد تهدف لاكتساب السلطة السياسية وممارستها." ووفقًا لموسوعة بريتانيكا، فالحزب هو "جماعة منظمة تسعى للوصول إلى الحكم أو التأثير فيه."
أي أن الحزب ليس مجرد لافتة أو شعار؛ بل أداة لتنظيم الإرادة الجماعية وتحويلها إلى فعلٍ سياسي.
النشأة الأولى (ما قبل الأحزاب)
في المجتمعات القديمة لم تكن هناك أحزاب بالمعنى المعروف اليوم، بل ظهرت في شكل فصائل قبلية حول زعيم أو تكتلات ذات مصلحة مشتركة، فكانت هذه البذور الأولى التي مهدت لاحقًا لفكرة الحزب كتنظيم سياسي.
بداية النظام الحزبي
في القرن السابع عشر بدأت تظهر في البرلمان البريطاني فصائل تُناصر أفكارًا أو شخصيات معينة، لتصبح لاحقًا نواة نظام الحزبين.
وتُعد الولايات المتحدة من أوائل الدول التي نشأت فيها الأحزاب بمعناها الحديث. حيث ظهر أول حزبين في أواخر القرن الثامن عشر، وهما الحزب الفيدرالي بقيادة ألكسندر هاملتون، والذين يفضل حكومة مركزية قوية. والحزب الجمهوري الديمقراطي بقيادة توماس جيفرسون والذين دعا لسلطة أكبر للولايات. هذه الانقسامات الأيديولوجية وضعت الشكل الأساسي لنموذج الأحزاب الحديثة.
نشأة الأحزاب السياسية في مصر
كانت هناك محاولات لميلاد الأحزاب في مصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لكنها لم تكتمل بسبب الاحتلال البريطاني عام 1882.ولكن في عام 1907، ظهرت الحياة الحزبية المنظمة وهو العام الذي يُعتبر ميلادًا حقيقيًا للأحزاب الحديثة، فشهد هذا العام تأسيس أحزاب قوية كان هدفها مقاومة الاحتلال الانجليزي مثل: الحزب الوطني (مصطفى كامل) حزب الأمة (أحمد لطفي السيد) حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية (الشيخ علي يوسف) ،كما ظهرت أحزاب موالية للاحتلال البريطاني، مما يعكس تنوع الساحة السياسية آنذاك.
ماهو البرنامج الحزبي؟ البرنامج الحزبي هو وثيقة رسمية يضعها الحزب السياسي لتوضيح رؤيته في مختلف المجالات، مثل الاقتصاد والتعليم والصحة والدفاع، حيث يحدّد من خلالها أهدافه الرئيسية وسياساته المقترحة واستراتيجياته لتحقيقها. ويهدف هذا البرنامج إلى جذب دعم الناخبين، وتوضيح أولويات الحزب للجمهور، وتقديم خطة عمل واضحة لما ينوي تنفيذه عند وصوله إلى الحكم. وتتنوّع محتويات البرامج الحزبية بحسب توجهات كل حزب، فقد تشمل رؤى شاملة لبناء دولة حديثة قائمة على العدالة والمساواة كما في بعض التجارب المصرية مثل حزب مستقبل وطن، أو خططًا للتنمية الاقتصادية عبر الاستثمار في الصناعة والزراعة، أو مشاريع لتطوير التعليم، وتمكين الشباب، وتعزيز دولة القانون وحقوق الإنسان.
لماذا تظهر الأحزاب السياسية؟
يُفسّر علماء السياسة ظهور الأحزاب بثلاثة أسباب رئيسية :1. الانقسامات الاجتماعية تنشأ الأحزاب من اختلافات موجودة مسبقًا في المجتمع، دينية، طبقية، عرقية، اجتماعية وتحوّل هذه الانقسامات إلى تنافس سياسي منظم.
2. الحوافز الفردية والجماعية وجود حزب يساعد على التقليل من التنافس الشخصي الضار بين الأفراد وتحسين فرص النجاح الانتخابي وتوحيد مواقف النواب داخل البرلمان.
3. الأحزاب كمرشد نفسي للناخبين
الأحزاب تُبسّط على المواطن اتخاذ القرار. بدلًا من تقييم كل مرشح على حدة، تكفي معرفة موقف الحزب وبرنامجه.
أنواع الأحزاب السياسية
أولًا: حسب الهيكل التنظيمي
أحزاب الكادر (النخبة): أعضاء قليلون، تركيز على القيادة.
الأحزاب الجماهيرية: تعتمد على قاعدة واسعة من الأعضاء.
أحزاب الكارتل: مزيج من خصائص الكادر والجماهير.
الأحزاب المتخصصة: تركز على قضايا محددة (بيئة – دين – قومية).
ثانيًا: حسب الأيديولوجية
1. الأحزاب المحافظة
أحزاب تَميل إلى الحفاظ على التقاليد والقيم الاجتماعية الراسخة، وتفضّل التغيير التدريجي وتثبيت الاستقرار السياسي.
2. الأحزاب الليبرالية
أحزاب تُعلي من شأن الحرية الفردية، وتدعم الحقوق المدنية، وتؤمن بضرورة تقليل تدخل الدولة في حياة الأفراد.
3. الأحزاب الاشتراكية
أحزاب تركّز على العدالة الاجتماعية، وتدعو إلى دور أكبر للدولة في توزيع الثروة وتوفير الخدمات الأساسية لجميع المواطنين.
4. الأحزاب القومية
أحزاب تُقدّم الهوية الوطنية ووحدة الدولة على ما سواهما، وتركّز على حماية الثقافة والحدود والمصالح القومية.
5. الأحزاب الإسلامية
أحزاب تعتمد المرجعية الإسلامية في رؤيتها السياسية، وتسعى لأن تكون الشريعة إطارًا عامًا للتشريع والحكم.
6. الأحزاب الليبرتارية
أحزاب تؤمن بأقصى درجات الحرية الفردية، وتدعو إلى تقليص دور الدولة إلى حدّه الأدنى في الاقتصاد والمجتمع.
دور الأحزاب في النظام السياسي
الأحزاب هي "جهاز العصَب السياسي" للدولة الحديثة، وتلعب دورًا مركزيًا في الحياة الديمقراطية، سواء كانت داخل السلطة أو خارجها. فعندما توجد الأحزاب في موقع الحكم، تتولّى مسؤوليات أساسية، أبرزها المساهمة في رسم السياسات داخل البرلمان وتحديد اتجاهات العمل التشريعي. كما تقوم بـ اقتراح القوانين التي تعبّر عن رؤيتها وبرامجها، وتشارك في تشكيل الحكومات وصياغة أجندتها التنفيذية. وعند وصولها إلى الحكم، تصبح مطالبة بتنفيذ البرامج التي قدّمتها للناخبين، حتى تتحوّل الوعود الانتخابية إلى واقع ملموس.
أمّا حين تكون الأحزاب في موقع المعارضة، فإن دورها لا يقلّ أهمية. فهي تعمل على مراقبة الحكومة وانتقاد أدائها، وتكشف الأخطاء وتقدّم بدائل واقعية للسياسات القائمة. وتساهم المعارضة الفعّالة في تشكيل رأي عام ضاغط يوازن بين السلطات، وتؤدي دور الحارس الذي يحمي الديمقراطية من التفرد والاستبداد، عبر ضمان استمرار النقاش العام وفتح المجال أمام تعدد الأصوات.
يتباين وضع الأحزاب في الدول العربية بين دول تمتلك أحزابًا قوية تمثل المجتمع، وأخرى تعاني من ضعف حزبي أو من هيمنة الحزب الواحد. وتعترض الأحزاب في كثير من الدول تحديات مثل التشرذم، والصراعات الداخلية، وضعف التمثيل البرلماني رغم كثرتها.
ويتأثر المشهد الحزبي بعدة عوامل؛ أبرزها طبيعة النظام السياسي الذي قد يسمح بتعدد الأحزاب أو يفرض حزبًا واحدًا، إضافة إلى التحالفات التي تلجأ إليها الأحزاب لتعزيز نفوذها، وما يرافق ذلك من تعقيدات. كما يُضعف غياب التماسك الداخلي قدرة الأحزاب على معالجة الخلافات، بينما يؤدي التركيز على القضايا الكبرى وإهمال ملفات التنمية إلى تقليص تأثيرها الفعلي.
وتواجه الأحزاب العربية تحديات واضحة مثل ضعف التمثيل البرلماني، والاعتماد على شخصيات فردية، وازدياد الاستقطاب والانقسامات، فضلًا عن غياب البنية المؤسسية التي تمكّنها من أداء دور سياسي فعّال.
الخاتمة
الأحزاب السياسية ليست مجرد كيانات تتنافس على السلطة؛ إنها محاولة بشرية لتنظيم الفوضى السياسية وإعطاء شكّل واضح لإرادة الناس. تتغير الأحزاب، وقد تضعف أو تقوى، لكن الحاجة إليها لا تختفي. فبدون أحزاب قوية—في الحكم أو المعارضة—لا يمكن لأي نظام سياسي أن يكون ديمقراطيًا أو مستقرًا. إن فهم الأحزاب هو خطوة أولى لفهم كيفية عمل الدولة… وكيف يمكن للمواطن أن يشارك في تشكيل مصيره.
#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)
Ola_Magdeldeen#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية الدينية بين المستحيل والممكن..
-
أبجدية السياسة (4): مجلس الشيوخ
-
-حين يصبح التفكير تهمة.. أزمة حرية الاعتقاد في مصر”
-
أربعة وثلاثون عامًا من اللاجدوى
-
أبجديّة السياسة (3): -مجلس النواب-
-
حرب المال والبلطجة من أجل عيون المواطن!!
-
أبجدية السياسة ....-الحياة السياسية-
-
لن يرضى عنك المتأسلمون حتى تتبع ملتهم!!
-
أبجديّة السياسة: لماذا يجب أن نفهم السياسة؟
-
بين الجهل و التجهيل ,,متى ننضج ديمقراطياً؟!
-
ولنا في الخيال حب ...حين تلمع الاغنية ويبهت الفيلم!!
-
الخروج من اللعبة_ الأخيرة
-
المرأة المصرية وحقوقها السياسية_ سيدات السلطة2
-
المرأه المصريه و حقوقها السياسيه_ (سيدات السلطة)
-
المرأة المصرية وحقوقها السياسية (2)
-
الخروج من اللعبة (5)
-
بين استعراض الإيمان واستعراض الجسد… مصر تدفع ثمن التريند
-
المرأة المصرية وحقوقها السياسية
-
انتخبوني وستجدون ما يسركم! - الجزء الثالث والاخير
-
انتخبوني وستجدون ما يسركم! (الجزء الثاني)
المزيد.....
-
ترامب يعلن اتفاق سلام -تاريخي- بين الكونغو ورواندا
-
إرشاد أوروبي جديد يغيّر قواعد اللجوء السوري… فمن سيبقى مؤهلا
...
-
بعد ثلاثة أسابيع من إطلاق سراحه... الأكاديمية الفرنسية تكرّم
...
-
قرار أممي يطالب روسيا بإعادة الأطفال الأوكرانيين المرحلين
-
نيويورك تايمز: إطلاق النار بواشنطن قلب حياة الأفغان بأميركا
...
-
غموض وتضارب في كيفية مقتل أبو شباب
-
اتفاق سلام بين حكومة إقليم أمهرة وفانو الشعبية بإثيوبيا
-
عشرات القتلى بينهم أطفال في هجوم الدعم السريع على جنوب كردفا
...
-
وفد أممي يصل إلى سوريا ويلتقي الشرع في دمشق
-
من يقف خلف مقتل العميل ياسر أبو شباب في رفح؟
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|