أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علا مجد الدين عبد النور - الخروج من اللعبة_ الأخيرة














المزيد.....

الخروج من اللعبة_ الأخيرة


علا مجد الدين عبد النور
كاتبة

(Ola Magdeldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 22:42
المحور: الادب والفن
    


لم يكن أحد يتوقع أن يبدأ كل شيء بنقطة ماء.
صباح بارد، والسماء الممتلئة بالغيوم كانت تبدو وكأنها تتردّد قبل أن تبكي، ثم أخيرًا أرسلت أول خيط… خفيفًا، متردّدًا، لكنه كان كافيًا.
كافيًا ليوقف القرار.
وكافيًا لينقذ الطفل.

كانت مريم أول من تحركت. لم تنتظر الشيخ محمد ولا الرجال المتحلقين حول الطفل الملفوف في قطعة قماش باهتة. اقتربت بثبات، وضعت يدها فوق جسده الصغير وقالت بصوت حاولت أن تجعله هادئًا:

"ربنا بعت المطر علشان نراجع اللي بنعمله… ده روح، ومش هنحمله ذنب ابويه."

أربك حضورها الجميع، لكنها كانت تعرف تمامًا أنها لا تطلب إذنًا من أحد.
نظر الشيخ محمد إلى السماء ثم إلى عينيها، ولأول مرة بدا وكأنه يرى ما تراه هي.
قال ببطء:
"لو هيفضل… يبقى إحنا كلنا مسؤولين عنه."

وهكذا بدأ كل شيء.

منذ تلك اللحظة، لم يعد موسى طفلًا مجهولًا.
صار ابنًا للمخيمين… أو الجسر الذي ربطهما بعد سنوات من القطيعة.

كان ياسر أكثرهم التصاقًا به. لم يقل يومًا لماذا، ولم يعرف أحد السر الذي يحمله، لكنه كان يجلس إلى جوار الطفل كل ليلة، يراقبه وهو ينام كأنه يخاف أن يتبخر فجأة إن أغمض عينيه.
ومع الوقت، صار واضحًا أن الطفل لم يمنحه فقط سببًا للحياة… بل نجاة من ذنب كان سيلاحقه طالما حيا .

كبر موسى ، تغيّر شكل الحياة حوله .
ضحكته كانت أول صوت يعلو فوق أصوات الجدال المتصلّبة بين المخيمين، وأول سبب يجعل امرأة من المخيم الشرقي تطهو طعاماً للرجال في المخيم الغربي، أو يجعل رجالاً يزورون مخيم النساء للقيام ببعض الإصلاحات أو البناء.
كان حضوره كافيًا ليذيب الجليد الذي تراكم في القلوب.

لم يكن الاحتفال بعيد ميلاده الأول مجرد مناسبة… كان إعلانًا.
تأكيدًا أن الحياة تعرف طريقها مهما طال الخراب.

نُصبت طاولة خشبية بسيطة في منتصف الأرض الفاصلة بين المخيمين.
علّقت أشرطة ورقية بألوان باهتة لكنها مبهجة، حتى الرجال الذين تجنبوا النظر إلى النساء لسنوات، وقفوا يساعدوهن ويضحكون وهم يشعلون النار لخبز العشاء.

والمطر يهطل برقة تحمل خيراً ولا تطفئ ناراً ، كأنه يبارك المشهد.
وقفت مريم تحمل موسى على كتفها، والطفل يمد يده للسماء كأنه يعرف أنها صديقته الأولى.
اقترب الشيخ محمد منها وقال وهو يتابع الطفل بعين صافية لأول مرة:
"شايفة يا مريم؟ الولد ده رجّع الروح للمكان."
ابتسمت ومسحت قطرات المطر عن وجه الصغير:
"هو اللي علمنا نخرج من اللعبة… اللعبة اللي حبستنا سنين."
توقف المطر فعلا صوت الغناء ، وقف الشيخ محمد إلى جوار مريم، وموسى نائمٌ على كتفها.

الشيخ بصوت خافت:
"مريم… الولد ده ماينفعش يكبر لوحده. الخير مش لازم يبقى طفل واحد… يمكن محتاج إخوات. يمكن محتاج قلوب تانية تتفتح… وأبواب ماكنّاش متخيلين إنها تتفتح تاني."

نظرت إليه مريم بدهشة رقيقة، فتابع وهو يحدّق في العتمة التي صارت أقل قسوة:

"يمكن جه الوقت… نخرج فيه من اللعبة كلها
نسيب الخوف، ونرجع نحب زي زمان.
فضحك موسى وهو نائم ضحكة عالية تحمل موافقة ملائكية ، ابتسم الشيخ، وقال وهو ينظر إلى مريم وإلى الطفل :
"خلّينا نرجّع الدنيا زي ما كانت… ونزرع خير يشبه موسى."
ابتسمت مريم ونظرت إلى الرجال والنساء المحتفلين حول نار وكأنها تنظر إلى الغد .

تمت



#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)       Ola_Magdeldeen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة المصرية وحقوقها السياسية_ سيدات السلطة2
- المرأه المصريه و حقوقها السياسيه_ (سيدات السلطة)
- المرأة المصرية وحقوقها السياسية (2)
- الخروج من اللعبة (5)
- بين استعراض الإيمان واستعراض الجسد… مصر تدفع ثمن التريند
- المرأة المصرية وحقوقها السياسية
- انتخبوني وستجدون ما يسركم! - الجزء الثالث والاخير
- انتخبوني وستجدون ما يسركم! (الجزء الثاني)
- -انتخبوني وستجدون ما يسركم-
- مدينة بلا آلهه _ الجزء السادس و الأخير
- مدينة بلا آلهه - الفصل الخامس
- مدينة بلا آلهه _ الجزء الرابع
- مدينة بلا آلهه - الجزء الثالث
- مدينة بلا آلهه -الجزء الثاني
- مدينة بلا آلهة
- اول مفاوض في التاريخ
- حسني مبارك المغتال تاريخياً
- لماذا نكتب ؟
- إلحاد بدون تكوين
- هكذا يحتفلون باليوم العالمي للمرأة


المزيد.....




- موسم الدرعية يطلق برنامج -هَل القصور- في حيّ الطريف
- المدينة والضوء الداخلي: تأملات في شعر مروان ياسين الدليمي
- مكان لا يشبهنا كثيراً
- لقطات تكشف عن مشاهد القتال في فيلم -خالد بن الوليد- المرتقب ...
- طهران تشهد عرضاً موسيقياً فخماً من مسرحية أوليفر تويست + فيد ...
- يحيى الفخراني يفتتح -أيام قرطاج المسرحية- بعرض -الملك لير-
- ألمانيا تعيد كنوزا إثيوبية بعد قرن
- محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
- فلسطين تتصدر المشهد في مهرجان الدوحة السينمائي 2025.. 97 فيل ...
- رسائل وأمنيات مخبّأة في قلب بروكسل تركها بناة المدينة


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علا مجد الدين عبد النور - الخروج من اللعبة_ الأخيرة