أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علا مجد الدين عبد النور - مدينة بلا آلهه -الجزء الثاني














المزيد.....

مدينة بلا آلهه -الجزء الثاني


علا مجد الدين عبد النور
كاتبة

(Ola Magdeldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 11:53
المحور: الادب والفن
    


القوة القديمة

عادت ماريا إلى مجموعة "النباشين"، وانهمكت في أعمال النبش والتنقيب بحثًا عن شيءٍ يستحق المقايضة ببعض الطعام.
بجهدٍ كبير حاولت إخفاء الفرح والحيرة عن ملامحها، شيئًا لم تنجح في إخفائه عن صديقيها "ديجا" و"موسى".
اقتربا منها بهدوء وسألتها ديجا:
– مالك يا ماريا؟ حصل حاجة؟
نفت ماريا:
– موضوع شاغلني، هقولكم عليه بعدين... مفيش حاجة خطيرة.

وفي المساء اجتمع الأصدقاء على أنقاض أحد المباني. أطلعتهم ماريا على الصندوق والكتابين، وكيف أنه ببيعهما قد يحصلون على فرصة كبيرة للسفر والانتقال للعيش في واحدة من المدن الغنية حيث الحياة الرغدة والطعام الوفير.

كان موسى يقلب الصفحات بيدين مرتجفتين وقال:
– الكلمات مألوفة وغريبة في آنٍ واحد.
ثم تابع:
– نحن نعرف أن من يمتلك هذه الكتب سيمتلك سلطةً لا تُقاس. لكن أي سلطة تلك؟ أن تعيد الإيمان؟ أن تتحكم في مصائر البشر؟ أم أن تشعل حربًا من أجله؟
عقبت ديجا:
– إيه التشاؤم ده؟! الكتب دي هتخلينا أغنياء، تساعدنا نسافر ونتعلم ونعيش في مدينة جديدة... الحياة الحقيقية يا موسى!

استمر النقاش بين الأصدقاء، وانتهى بأن تحفظ ماريا الكتابين حتى يخلصوا إلى قرار نهائي.

في الليالي التالية، لم تعرف ماريا النوم.
أحيانًا كانت تضع الكتابين بجوارها على السرير وتنظر إليهما طويلًا، وأحيانًا تشعر بخوفٍ غامضٍ منهما، فتخفيهما تحت الأرض. كانت تمشي بين الخرائب كمن يحمل سرًّا أكبر من قلبه.


"القوة القديمة قد تكون مدمرة إذا أطلقت بلا وعي."



بدأت أخبار العثور على نسخ الكتب المقدسة تنتشر، ولم يكن أحد يعرف كيف تسرب الخبر. لكن المدينة التي كانت صامتة بدأت تهمس.
البعض رأى في الكتب فرصة للخلاص من الفراغ، والآخرون اعتبروها خطرًا يعيدهم إلى عصور الظلام.
انقسم الناس بين من يريد “استعادة المعنى” ومن يخاف من “عودة الحروب”.

في السوق، رأت ماريا عجوزًا تحدث المارّة عن بني إسرائيل، شعب الله المختار، وتقول: "لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا، أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. لَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ أَكْثَرُ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، احْتَجَّ بِكُمْ الرَّبُّ وَاخْتَارَكُمْ، بَلْ لأَنَّكُمُ الأَقَلُّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. بَلْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ يُحِبُّكُمْ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَ الْقَسَمَ الَّذِي أَخْلَفَ لِآبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعَبُودِيَّةِ".

كانت كلماتها تتردد بين الحطام والهواء المحمّل بالرماد، كأنها دعوة قديمة خرجت من زمنٍ آخر لتستيقظ من جديد.
تأملت ماريا الوجوه المرهقة حولها، بعضهم أنصت بخشوع، وبعضهم بسخرية خافتة، لكنها هي فقط شعرت بالخطر يتسلل من بين الحروف.

وبينما عادت إلى مخيمها، لم تغب تلك الكلمات عن ذهنها.
جلست بجوار والدها الذي كان يصلح أدوات صدئة، فحدثها عن عظمة الكرازة وتعريف الشعب بكلمة الرب، وقال لها:
– أتعرفين يا ماريا؟ لو وجدتُ الكتاب المقدس سأصبح بلا شك خادماً للرب. لم يتبقَّ لنا من هذا الكتاب سوى آية واحدة أحفظها منذ صغري:
"فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس..."
ثم تابع بحماسٍ متقد:
– نحن يا ماريا أبناء الرب الموكلون بنشر كلمته وقيادة هذا الشعب من الخطاة. نحن أحق بالملك من غيرنا!

استمعت إليه صامتة، وشعرت أن قلبها يضيق كلما ازداد حماسه.
كانت الكلمات نفسها التي سمعتها في السوق تتكرر الآن بصوت أبيها، لكن وقعها صار أثقل.
حين أنهى حديثه، نهضت دون أن تنبس بكلمة، وانصرفت تحمل بين ضلوعها خوفًا لم تعرف له اسمًا.

في طريقها، كان الليل قد بدأ يهبط على المدينة، يكسوها بسكونٍ كاذب.
توجهت إلى بيت ديجا، صديقة العمر، علّها تجد في الحديث معها بعض السلام.
استقبلتها ديجا بمرحها المعهود، وضحكتها التي تقطع العتمة، وتحدثتا طويلًا.

صارحتها ماريا بما يعتريها من خوف، فطمأنتها قائلة:
– إنتِ مش لازم تشيلي السر ده لوحدك ولا تحملي نفسك مسؤولية هداية الناس أو ضلالهم. سلمي الكتب لرئيس المدينة، وهو يتحمل المسؤولية.
ثم تابعت:
– أمي تشعر أن النباشين هم من عثروا على الكتب، ومن وقتها تناديني "خديجة"...
وأرتْها ورقة كتبت عليها آية قديمة ورثتها عن جدتها، تقول فيها: (كنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ۝ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ۝ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) .
رفعت ماريا نظرها إليها، وهمست في نفسها:

> "القوة القديمة قد تكون مدمرة إذا أطلقت بلا وعي."



يتبع...



#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)       Ola_Magdeldeen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينة بلا آلهة
- اول مفاوض في التاريخ
- حسني مبارك المغتال تاريخياً
- لماذا نكتب ؟
- إلحاد بدون تكوين
- هكذا يحتفلون باليوم العالمي للمرأة
- تعالوا إلي يا جميع المتعبين (2)
- ( تعالوا إلي يا جميع المتعبين )(1)
- هلاوس في عنبر العقلاء(٨)
- هل يحتفل العالم بميلاد شخصية أسطورية ؟!
- وقت مناسب
- هلاوس في عنبر العقلاء ..(ليلة رأس السنة)
- صفحات نسوية مشرقة في سجل العام الأسوأ على المرأة العربية 202 ...
- في وداع العام الأسوأ للمرأة العربية 2023
- من أجل فشل زيكو !!
- عنف يتصاعد بعد 512 يوم من مناهضة العنف ضد النساء!!!
- حواء المكرمة -أحياناً-
- هلاوس في عنبر العقلاء (قسم النساء)
- هلاوس في عنبر العقلاء (٧)
- هلاوس في عنبر العقلاء (٦)


المزيد.....




- إقبال كبير من الشباب الأتراك على تعلم اللغة الألمانية
- حي الأمين.. نغمة الوفاء في سيمفونية دمشق
- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- مشاهدة الأعمال الفنية في المعارض يساعد على تخفيف التوتر
- تل أبيب تنشر فيلم وثائقي عن أنقاض مبنى عسكري دمره صاروخ إيرا ...
- قراءة في نقد ساري حنفي لمفارقات الحرية المعاصرة
- ليبيريا.. -ساحل الفُلفل- وموسيقى الهيبكو


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علا مجد الدين عبد النور - مدينة بلا آلهه -الجزء الثاني