علا مجد الدين عبد النور
كاتبة
(Ola Magdeldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 7819 - 2023 / 12 / 8 - 14:14
المحور:
الادب والفن
(الفرصة)
أنهت عملها كالمعتاد ومرت بروضة الأطفال لاصطحاب ابنها إلى البيت ، وفي طريق العودة لم يتوقف الصغير عن الحديث وسرد تفاصيل يومه المليء باللعب والغناء والتعلم ، لم تكن تستمع ولكنها سألته : يعني إنت إنبسطت النهاردة؟
إطمأنت من جوابه المؤكد لسعادته فتابعت شرودها حتى وصلا البيت .
عليها الاسراع في إعداد الطعام و مساعدة الصغير في حل فروضه ، والمرور على والدها في بيته لتتأكد من تناوله لأدويته ثم العودة لكتابة بعض تقارير العمل المتأخرة بالفعل عن تسليمها .
كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءاً حين قبلت صغيرها النائم وتوجهت إلى غرفة المكتب إستعداداً لإنهاء عملها ، أعدت كوباً من الشاي وأشعلت سيجارة إحتفالاً بإنتهاء يومها الطويل .
إتصال متكرر ولحوح دفعها للرد ، إنه ابن خالتها
محسن ، يتصل بها كل فترة للاطمئنان عليها وعلى الصغير ، لم يكن يتصل بها وبزوجها أبداً ولكن هذه الاتصالات تزايدت بعد حصولها على لقب الأرملة الشابة .
سألها بعد التحيات والسؤال عن الصغير , إن كانت تفكر في الزواج ثانيةً ، ثم تابع بخبث عن حاجة المرأة لوجود رجل في حياتها ، وهل هذه الحاجة ملحة كما عند الرجال ؟
أجابته بتحفظ أن غريزة الأمومة هي الغريزة المسيطرة على النساء بشكل أكبر ولذلك لا يفكرن في أي من هذه الأمور لو رزقن بأطفال .
انهت المكالمة بعجل ، وأطرقت تفكر فيم قال قريبها ، والذي سمح لنفسه أن يعرض عليها شيئاً كهذا وهو متزوج لمجرد أنها أرملة .
اعترفت لنفسها أنها تحتاج بالفعل إلى رجل في حياتها ، كتفاً تستند عليه وحضناً يحتويها بحماقتها وآلامها ، تشتاق إحساساً بالأمان ووهي تبيت ليلاً في بيت يحميه رجل .
ودت أن تخبر قريبها انها ربما لا تحتاج إلى الجنس بقدر ما تحتاج إلى رجل ، يحبها هي وابنها ، وألا يعتبر زواجه من أرملة تفضل منه .
وحتى لو عثرت عليه ، فكيف تقنع أهله و أهلها وعائلة زوجها السابق أنه من حقها أن تتزوج من جديد ، دون أن تفقد إبنها ، ومن دون الحكم عليها بأنها إمرأة فاجرة تسعى وراء الزواج بشهوانية .
( صورة )
منذ ست ساعات وهي تجوب الشوارع تحمل على كتفها كاميرا ثقيلة ، وتفتش عن لقطة مميزة تستحق الاقتناص ، لتكون الصورة الأروع التي ستعرض في حفل "اليوم العالمي للمرأة" ، قد تكون اي صورة مناسبة ، ولكن في يوم كهذا وفي حفل تحضره السيدة الأولى للبلاد ، كان عليها أن تلتقط صورة إستثنائية ، وفكرة أن تصور أم تحمل صغيرها أو سيدة تقود سيارة أجرة ، سيارة نقل كبيرة أو حتى جرار زراعي باتت فكرة مستهلكة ، لن تنال إعجاب أحد وبالأخص السيدة الأولى .
قررت أن توقف البحث قليلاً وأن تريح قدميها وظهرها ، وتتناول وجبة خفيفة تعينها على إستكمال مهمتها ، توجهت إلى مطعم صغير داخل موقف للحافلات ، وعلى الطاولة المتواضعة وضع النادل صحناً به شطائر من الفول والفلافل وكوباً من الشاي ، وبينما انهمكت في إفتراس طعامها ، تعالت الأصوات بوتيره توحي بأن خطب ما يحدث ، رأت رجل يسحب إمرأة مخرجاً إياها من سيارة أجرة وانهال عليها ضرباً بيديه وقدميه ، كان يصرخ : إلى أين تظنين نفسك ذاهبة ؟
وهي بضعف شديد يجيب بصوت عجزت عن سماعه ، ولكنها فهمت أن السيدة تصر على الرحيل ، كان الرجل يسحبها بقوة وكانت تقاوم بإصرار وكلما زادت مقاوة المرأة كانت ضربات الرجل تزداد قوة حتى أنه ارقدها أرضاً وراح يركلها بغل غريب .
فزعت المصورة مما ترى ، حاولت أن تتدخل ولكن إحدى البائعات في الموقف نهرتها : لا تتدخلي ، إنها زوجته ولن يمنعه أحد .
إندفعت بين الرجل وزوجته ، إحتضنت السيدة ، وتلقت ضربتين بضهرها ، توقف الرجل وتدخل البعض ولكنها أصرت أن تحمي المسكينة وأن تحقق لها رغبتها الوحيدة في أن تستقل السيارة وترحل لأهلها .
وبعد شجار طويل ، اخرجت الكاميرا وإلتقطت الصورة لسيدة متورمه العين وشعر متطاير وبشفاه نازفة تبتسم ملوحة من شباك السيارة .
(المتعة الحرام )
كانت تتابع بقلق يد الطبيبه الممسكة بجهاز السونار الذي تحركه يميناً ويساراً حول بطنها المنتفخ ، منذ ساعتين وهي لا تشعر بحركة جنينها ، أسرعت إلى المشفى لتطمئن ، وجه الطبيبة لا ينذر بالخير .
الطبيبة : أنا لا اسمع نبض الجنين ، وهو لا يتحرك بالفعل ، أنت إمرأة مؤمنة .
إنهالت دموعها وقبل أن تسأل ، أمرت الطبيبة بإعداد غرفة العمليات ، وإبلاغ الجراح بالحالة ، يجب أن نخرج هذا الجنين .
كانوا يعدونها في غرفة العمليات ، لم تكن تشعر بشيء سوى بمراره فقد صغير إنتظرته لسبعه أشهر ، كانت تتوق شوقاً لضمه و مداعتبه وشم رائحته البريئة كالجنة ، لم يارب ؟ لم يتبقى سوى شهرين
لم تأخده بهذه السرعه من قبل حتى أن تراه ؟
دخل الطبيب ، رجل في العقد الخامس بلحية بيضاء طويلة ، نظر ما بين ساقيها ثم فزع مردداً : أستغفر الله العظيم ، تخدير كلي يا جماعة .
أفاقت في غرفتها بالمستشفى ، لقد تولى زوجها كل الاجراءات ، ألم رهيب يعتصرها من القلب ومن موضع الولادة ، أمضت يوم آخر في المشفى ببكاء صامت برغم كم المهدئات والمسكنات التي تناولتها .
وفي صباح اليوم التالي قابلتهم الطبيبة ، فحصت جرحها ووصفت لها بعض الأدوية الجديدة ، وقالت :
ستتناولين هذه الأدويه لمدة إسبوع ، ومن اليوم ستتناولين مانع الحمل لمده شهرين على الاقل حتى يستعيد الرحم عافيته ولا علاقة زوجية قبل إنقطاع دم النفاس ، هذا الغسول مهم لجرح الطهارة !!!!!!
صرخت بذهول : طهارة ؟ هل أجريتم لي عملية ختان ، ومن دون موافقتي ؟
الطبيبة ببرود : الدكتور محمود رأى أنك تحتاجينها وبعدين يا ستي دي سنة ، إنت هتكفري ولا ايه ؟
إرضي ربنا علشان حملك الجاي يكمل على خير !!!!!
أطاح زوجها بالطبيبة كالثور الهائج وإنطلق يبحث عن هذا الطبيب المجرم ، وانهال عليه ضرباً حتى تدخل الأمن ، وفي قسم الشرطة أنكر الطبيب فعلته ولم يكن مع الزوجين ما يثبت روايتهما .
وبعد إلحاح حرر الضابط للزوجين محضراً بروايتهما مراعاة لفاجعتهما بفقد الجنين ، مع إقرار من الزوج بعدم التعرض للطبيب مرة أخرى .
وبعد سنة
تتسلل الزوجة من السرير مغادرة غرفة نومها ، تأكدت من نوم زوجها وأحكمت غلق الباب ثم إنفجرت بالبكاء ، لم تعد تشعر مع زوجها بأي شيء ، لم يمت جنينها فقط ذلك اليوم ، لقد قتلوها معه ، لم تعد تشعر بأي متعة مع زوجها ولا تستطيع إمتاعه كما في السابق .
لقد جمدوا حرارة لقاءهما ، لقد فشلت حتى في أخذ ثأرها من ذلك الطبيب المجرم ، لم تجد محامياً واحداً على إستعداد لتبني قضيتها ، لم يكونوا مقتنعين بحقهما على الإعتراض من الأساس .
لا تزال تذكر ما قالته لها آخر محامية لجأت لها : "كيف اترافع عن الباطل ضد الحق ، كيف أقر حقك في متعة حرام ؟ بل من يجرؤ على مقاضاة رسول الله ؟!!!!
( تمت )
#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)
Ola_Magdeldeen#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟