|
|
طوفان الأقصى 789 - إعدامات ميدانية في الضفة الغربية: صفقة ترامب ل“السلام” في التطبيق العملي
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 09:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
4 ديسمبر 2025
منذ السطور الأولى لمقال الصحفي والكاتب الأمريكي البارز أندريه ديمون في موقع WSWS بتاريخ 29 نوفمبر المنصرم، يدفعنا الكاتب إلى قلب مشهد يبدو أقرب إلى كابوس سياسي – أخلاقي، حيث تتحوّل «صفقة السلام» إلى بنية قتل منهجي، وتصبح «التهدئة» غطاءً لضمّ تدريجي، و«الشرعية الدولية» مجرّد ختم يضفي لمسة قانونية على واقع إستعماري جديد. من هذه الزاوية، تغدو الحادثة التي يصفها النص—إعدام فلسطينيَّين أعزلين أمام عدسات التلفزيون—مدخلاً مكثّفاً لقراءة أكبر: قراءة عن عالمٍ فقد آخر ما تبقّى من معايير الردع الأخلاقي، وترك فلسطين مكشوفة لهيمنة عارية لا تحتاج حتى إلى ذرائع.
أولاً: جريمة على الهواء… وإعلان نهاية الوهم الأخلاقي
يبدأ النص بوصف جريمة لا تحتاج إلى تفسيرات إضافية. الجثتان الممدّدتان على الأرض، القمصان المرفوعة لإثبات خلوّ الأجساد من السلاح، نظرات الإستسلام، ثم «وابل من طلقات البنادق الآلية». مشهد لا يحتمل التأويل، ولذلك جاء تعليق المتحدث باسم الأمم المتحدة جيريمي لورانس بمفردات حادّة: «عملية قتل وقحة… إعدام خارج نطاق القانون». لكن الأهم هو الجملة التي أصبحت مرآة للواقع الإسرائيلي: «الجنود قرّروا إطلاق النار وقتلهم فوراً… رغم أن الجميع رأى أنهم لا يشكّلون أي تهديد» – شاي بارنس، منظمة بتسيلم. هنا يصبح السؤال ليس: لماذا أُعدموا؟ بل: لماذا لم يتوقّع أحد أنّهم لن يُعدموا؟
ثانياً: بن غفير… اللغة العارية للدولة العارية
حين يخرج وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ليقول بلا تلعثم: «المقاتلون تصرّفوا كما يُتوقع منهم… الإرهابيون يجب أن يموتوا» فهو لا يعبر عن رأي سياسي، بل يضع حجر الأساس لأيديولوجيا جديدة: قتلٌ بلا محاكمات، بإعتباره ممارسة «طبيعية» للدولة العبرية. في سياق كهذا، لا تبدو عمليات الإعدام، ولا المقابر الجماعية في غزة (حيث عُثر عام 2024 على قرابة 300 جثة مكبّلة قرب مستشفى ناصر)، مجرد تجاوزات فردية؛ إنها لبنة في بنية «السيادة عبر الموت» التي يعمل اليمين الإسرائيلي على إرسائها في كل من غزة والضفة.
ثالثاً: حين يتحوّل «السلام» إلى تفويض مفتوح للقتل
النص يذهب أبعد من الحادثة، ليكشف المفارقة المركزية: أنّ الجريمة جرت بعد توقيع صفقة السلام التي روّج لها ترامب بإعتبارها «السلام الحقيقي الأول في الشرق الأوسط منذ 3000 عام». هناك مفردتان مفتاحيتان نقل عنهما المقال: 1. «لقد أصبح لدينا الآن لأول مرة سلام في الشرق الأوسط» — ترامب 2. «أقدّر كل الجهود نحو تحقيق السلام» — زهران ممداني لكن كما يعلّق الكاتب بسخرية لاذعة، فإن هذا «السلام» لم يكن سوى: «عمل تمكيني للإبادة عبر كامل فلسطين» صفقة السلام، إذن، لم توقف الحرب، بل حرّرت يد إسرائيل للإنتقال إلى المرحلة التالية: ضمّ غزة، ثم قضم الضفة، ثم تجريد المشروع الوطني الفلسطيني من أي مضمون.
رابعاً: مجلس الأمن… الشرعية الدولية في غرفة العناية الفائقة
في 17 تشرين الثاني، صوّت مجلس الأمن لصالح الترحيب بـ«إعلان ترامب للسلام الدائم والإزدهار»، بينما إمتنعت روسيا والصين. يصف كريغ موخيبر هذا المشهد بعبارة صادمة: «لم يمتلك أي عضو في المجلس الشجاعة أو الإحترام للقانون الدولي ليصوّت ضد هذا العمل الإستعماري الأمريكي – الإسرائيلي» وهنا يضع المقال إصبعه على الجرح العميق: النظام الدولي لم يعد عاجزاً فقط؛ بل بات شريكاً فعلياً في تكريس الوقائع الإستعمارية الجديدة. فالشرعية لم تعد معياراً. الشرعية أصبحت أداة.
خامساً: من «الممر الإنساني» إلى «المستعمرة» – الهندسة الهادئة للضم
يرصد المقال سلسلة تطورات تؤكد أن إسرائيل تتصرف وكأنها في «اليوم الأول» من مشروع ضم شامل: •توسع إستيطاني يقطع أوصال الضفة إلى نصفين. •مشروع قانون ينص على «تطبيق سيادة وقوانين إسرائيل على جميع المناطق الإستيطانية في الضفة». •مضاعفة العنف الإستيطاني بحيث تم تشريد عشرات الآلاف من الفلسطينيين. •سيطرة إسرائيل على أكثر من نصف قطاع غزة بحكم «إتفاق السلام». التحليل هنا يسلط الضوء على تحول جوهري: لم تعد إسرائيل تدير الإحتلال؛ بل تعيد تصميم الجغرافيا السياسية لفلسطين بالكامل.
سادساً: واشنطن – من بايدن إلى ترامب… وإستمرارية المشروع الإمبراطوري
النص يشير إلى حقيقة خطيرة جرّبت المنطقة مراراً تجاهلها: أن التحولات بين الإدارات الأمريكية ليست إنتقالاً بين رؤيتين؛ بل بين مرحلتين داخل رؤية واحدة. فالصفقة التي أطلقها بايدن—ثم إكتملت «بلا حياء» تحت إدارة ترامب—تعكس وحدة إستراتيجية بين الحزبين: •إدارة بايدن أعطت الضوء الأخضر للإبادة. •إدارة ترامب منحتها الهيكل القانوني. المقال يسمي هذا الواقع بوضوح: «وحدة الحزبين تجسدت في المشهد الكاريكاتوري لإبتسامة ممداني خلف ترامب»
سابعاً: ما وراء فلسطين… الخريطة الكبرى للحرب الإمبراطورية
مرة أخرى، يربط الكاتب بين غزة والضفة ولبنان وسوريا وإيران، مؤكداً أن: «الإبادة في فلسطين جزء من حرب إمبريالية أوسع تمتد عبر الشرق الأوسط فلسطين إلى اليمن إلى إيران إلى آسيا – الهادئ» ويضيف الكاتب قائلاً: فلسطين ليست جزيرة؛ بل محور مركزي في منظومة السيطرة الغربية ومحور الإرتباك العالمي.
ثامناً: من يوقف الآلة؟
يختتم الكاتب بخلاصة لا تؤمن بالحلول الوسط: «إيقاف آلة الإبادة لا يتم عبر الأنظمة العربية ولا عبر الأحزاب البرجوازية ولا عبر المؤسسات الدولية، بل عبر تعبئة الطبقة العاملة العالمية». ورغم أن هذا الطرح يحمل طابعاً ماركسياً أممياً متشدداً، إلا أنه يعكس جوهر الحقيقة: أنّ العالم الذي سمح بحدوث كل ذلك، بالصمت أو الشراكة، هو عالم لا يمكن تغيير موازينه إلا بقوة إجتماعية هائلة، عابرة للحدود، وقادرة على مواجهة الإمبراطوريات.
خاتمة: فلسطين كمرآة مكبّرة لحقيقة القرن الواحد والعشرين
بهذا المعنى، لا يتعامل المقال مع إعدام شابين فلسطينيين بإعتباره حدثاً معزولاً؛ بل كنافذة تكشف ثلاث حقائق صادمة: 1. أن الإحتلال إنتقل من إدارة السكان إلى التخلص منهم. 2. أن النظام الدولي لم يعد متواطئاً فحسب، بل مشاركاً. 3. أن «السلام» الأمريكي بات إسماً حركياً لإعادة هندسة المنطقة تحت منطق الإخضاع الكامل. في عالم كهذا، تصبح فلسطين—كما كانت دائماً—أكثر من قضية سياسية: تصبح مرآة كاشفة لوحشية النظام الدولي، ولمدى هشاشة القيم التي يتغنى بها العالم الغربي. وكلما ظهر مشهد مثل ذلك المشهد في جنين—إعدام على الهواء—تذكّرنا العدسات بأن الدم الفلسطيني لم يعد يسيل في الظل، بل في وضح النهار، بلا خوف من عين العالم… لأن العالم نفسه قد قرر أن لا يرى. ***** هوامش
1) أندريه ديمون (Andre Damon) هو صحفي وكاتب أمريكي بارز في موقع World Socialist Web Site، متخصص في التحليل السياسي والاقتصادي من منظور ماركسي نقدي، وله سلسلة من التحقيقات التي تكشف دور الإمبريالية الأمريكية في النزاعات الدولية. يُعرف بأسلوبه الحاد في تفكيك الخطاب الرسمي والإعلامي، وبتركيزه على قضايا الحرب، الطبقة العاملة، وانتهاكات حقوق الإنسان.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألكسندر دوغين - العقل الإنساني كصدى لذكائه المصطنع: أطروحة ح
...
-
طوفان الأقصى 788 - الشرق الأوسط: صدى أكتوبر
-
ألكسندر دوغين - مفتاح النصر… في الداخل أولًا: حول الحرب واله
...
-
طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أ
...
-
طوفان الأقصى 786 - في المسألة الكردية: تنازع النفوذ بين الأح
...
-
ألكسندر دوغين - «خطة السلام ذات النقاط الثماني والعشرين… تُغ
...
-
طوفان الأقصى 785 - السعودية في موقع الحليف الأول؟ قراءة في ا
...
-
طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها
-
طوفان الأقصى 783 - ألمانيا تفتح أبوابها لحميرٍ من غزة… وتغلق
...
-
خطة ترامب للسلام في أوكرانيا - ملف خاص - الجزء 6
-
طوفان الأقصى 782 - أحمد الشرع بين السرديات الروسية والتركية
...
-
خطة ترامب للسلام في أوكرانيا – ملف خاص – الجزء 5
-
طوفان الأقصى 781 - ترامب – إبن سلمان: تحالف القوة والمال… وص
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 4
-
طوفان الأقصى 780 - غزة… والولايات المتحدة… وإسرائيل: حين تصط
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص -3
-
طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح ا
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 2
-
طوفان الأقصى 778 – العراق بعد الإنتخابات – صراع النفوذ وتواز
...
-
خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 1
المزيد.....
-
زعيم كوريا الشمالية وابنته يحضران الذكرى الثمانين لتأسيس الق
...
-
راكون مخمور يثير الفوضى في متجر كحول بفيرجينيا.. شاهد ما حدث
...
-
هكذا تدخل 100 طن من المخدرات أوروبا سنويا
-
ماذا يعني تولي ترامب ملف إنهاء الحرب في السودان بنفسه؟
-
ظنّها لعبة.. مسيّرة في منزل مواطن بمولدوفا تستنفر الشرطة
-
الاستعلامات المصرية: مصر متمسكة بفتح معبر رفح من الجانبين
-
مادورو: أجريت مكالمة -ودية- مع ترامب.. وأهلا بالدبلوماسية
-
فيديو لانفجار مرعب.. تحطم مقاتلة أميركية ونجاة الطيار
-
أول محادثات مباشرة بين إسرائيل ولبنان منذ عقود.. ماذا جرى؟
-
تحقيق للبنتاغون: هيغسيث عرّض جنودا أميركيين للخطر
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|