أمين بن سعيد
(Amine Ben Said)
الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 14:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إسقاط المنظومة الدينية على الإلحاد لا ينتهي، بل تراه في كل مكان وزمان، ويظن فاعله -خصوصا إذا كان من أهل "الفلسفة" و "الفكر" مثلما يعتقد-، أنه "يفكر" و "يتساءل" و "واعي" و "من النخبة" ووو.. الحقيقة أنه -ومع احتراماتي- مجرد مخرّف لا يزال يتصارع مع الغول الذي أُخيف به عندما كان صغيرا.
يقول "المفكر" و "الفيلسوف" أن الملحد بجزمه ألا إله، يدّعي "حقا مطلقا"، ولا فرق بينه وبين المؤمن، فالاثنان فصلا الخطاب ولا شك في حقيقتيهما. ويزيد، دون خجل، أن "كلا" يقدم أدلته، والمسألة لم تُحسم منذ قرون ولن تُحسم في المستقبل: هذا الكلام، الذي يساوي بين صاحب الخرافة، المدّعي دون بيّنة، وبين من يطلب ليس الأدلة! بل دليلا واحدا أحدا، لا يمكن أن يتواصل قبوله؛ قد يُقبل ذلك ممن السيف على رقبته، لكن من غيره فلا: هذا العالم البائس المُغيب وراء ترهات الأديان والأيديولوجيات عليه أن يسمع وبوضوح أن كل معتقداته التي لا يشك فيها، ما هي إلا مجرد ترهات وخزعبلات لا قيمة لها في سوق العقل والدليل الموضوعي... هؤلاء "المفكرون" و "الفلاسفة" الذين يتصارعون مع الغول، عليهم وعلى المفتونين بهم أن يسمعوا أنه حتى الأطفال اليوم، فيهم من لا يخاف الغول، ومن يهزأ بالغول، وبكل من يتكلم عن الغول!
جواب ترهة الملحد الذي يدعي "حقا مطلقا" بسيط جدا، فالملحد لا يدّعي شيئا، لم يقل شيئا! لم يقل أنه "رب الفكر والعقل"! بل قال فقط: أعطوني دليلا على وجود هذا الإله؟! على المؤمن بدين، ومعه الربوبي وحتى اللاأدري، أن يعوا جيدا أن الملحد يتنازل كثيرا عندما يتكلم في المسألة أصلا! هذه التفاهة التي صوّرها السذج والمغيبون والانتهازيون على مرّ التاريخ، أنها "معضلة عظيمة" و "فلسفة" و "فكر"، وكل ومآربه في ذلك التصوير، هذه القصة عند الملحد مجرد غول لا يخشاه حتى الأطفال اليوم! تشبه القصة مليارات البشر يدّعون أن 1+1=70، ولا يريدون حتى أن يسمعوا، فهل عندما يهزأ الملحد بأوهامهم يصبح "صاحب حق مطلق" و "متعصبا" و "لا يحترم عظماء الفلاسفة والمفكرين"؟! ألا يخجل من نفسه مَن استنار فكره قليلا ويرعوي، والأصل تفاهات شوية بدو عبران وعربان بدائيين؟! فيا من لا تزال تؤمن بهذه التفاهة، مهما كانت ملّتك، لولا الضرورة ما كلمك أحد عن خرافاتك، ولبقيتَ مجرد موضوع تندر وسخرية وضحك، كأي نادرة تحصل في يوم الملحد! الضرورة أنك ومن مثلك تُغرقون المركب، وغصبا عن أصحاب العقول، سيكلمونك لتفهم قليلا ولتتقدم وتتطور، فترتقي، فتصير بشرا محترما، فلا تُغرق المركب!
منذ سنوات، شاهدت فيديو عن ظهورات العذراء في مصر، فضحكت، وتأسفت، ولعنت غباء البشر. اللعنة! لماذا لم تظهر لنا العذراء ولو مرة في تونس؟! عندنا أماكن جميلة يمكن أن تليق بجنابك يا سيدتنا! أم نحن من المغضوب علينا؟! أم ببساطة لأنه لا يوجد من يؤمن بهذه العذراء!! وقداستها لا تحضر إلا عند من يؤمنون بها!
كلما سمعت كلاما عن الإله، يذهب تفكيري مباشرة إلى صور السعودية ومكة في خمسينيات القرن الماضي، أي خيمتان وكلب وحمار وناقة!! تعرف تلك الصور؟ هل رأيت أولئك البشر كيف كانوا؟! ثم أتخيل محمد وصعاليكه كيف كانوا!! الله، هذا "الفكر"! تلك "الفلسفة"!! أصلها ذلك البدوي القمل الذي كان قضيبه يقوده! ثم مِن محمد، أتخيل أولئك البدو العبرانيين، سذاجتهم، بداوتهم، إرهابهم، حقدهم وكراهيتهم لكل من عرفوا ممن تجاوزوهم حضارة وفكرا وتمدنا بالكثير الكثير! أولئك الرعاع البدائيون هم أصحاب الفكرة، وتلك الفكرة الخزعبلية، كانت عزاءهم ومتنفس جهلهم وتفاهتهم وعُقدهم! هل تعرف إسرائيل الذي تصارع مع الرب وغلبه يا من تقول أن فكرة الإله "فكر" و"فلسفة"؟ صعلوك عبراني غلب الرب حتى فرّ مذعورا منه! وتلك القصة التي أكيد ستضحك منها، هي أصل هذا "الفكر" المزعوم وتلك "الفلسفة" المزعومة التي لا نزال ومنذ قرون نشمئز من سماعها ونتساءل وأفواهنا مفتوحة أمتارا: لماذا لا يخجل هؤلاء البشر من ترديد هذه الخزعبلة؟!!
كائنا من كان، الذي سيقول بهذه الخزعبلة، أو يهول من شأنها، أو يتشكك في خزعبليتها، وإن كان عنده خمسين نوبل! كائنا من كان، هو مجرد يعقوب يصارع الرب، مجرد جبريل يخنق محمد ويقول له اِنْـ... ما تشاء من النساء واقطع ما تشاء من الرؤوس! في هذا العالم العبراني الكاذب، لم يكفنا ما نُعانيه من الإسلام ليصبح دعاة المسيحية عندنا "تنويريين"!! بكلمة ننسف عشرات القرون وآلاف الكتب والأسماء: الإله ماركة دينية مسجلة، بسقوط الدين يسقط الإله! انتهينا! وإياك أن تغتر بلف من لف ودوران من دار، وإن كان أعظم الفلاسفة أو عنده خمسين نوبل! أنتَ، هم! أولئك "العظماء"، من أين سمعوا بفكرة الإله؟ اكتشفوها وحدهم؟! من "تأملاتهم" العظيمة يعني؟! أم حُقنوا بها من الجهلة المغيبين الذين أنجبوهم، مثلما حدث معك، معي ومع كل بشر منذ بداية ظهور الفكرة وإلى اليوم؟!
عندما "تشذ" في الكثير، وتكون من أولئك الذين تكلمتُ عنهم في مقالات سابقة، أحيانا تأتيك حالات لا خيار أمامك إلا إما تنفجر وإما تضحك وإما تسكت... عادتي الضحك، لكني هنا ألعب دور المنفجر، والأمر حقا يستحق، اقلهن! ليسمع من يظنون هذه الخزعبلة "شيئا"، ليسمعوا حقيقتها، وليعوا جيدا تلك الحقيقة التي أعدتُها مرارا: مجرد خزعبلة لا أكثر ولا أقل! كغيرها من الخزعبلات التي خُدع بها البشر وشوّهت تفكيرهم ووجودهم، كخزعبلة عروبة "العرب" المزيفين، كخزعبلة الهولوكوست، كخزعبلة صراع اليسار واليمين وغيرها من الثنائيات، كخزعبلة التلقيح الذي أنقذ البشرية: نعم قلتُ التلقيح حاف ولم أقل حقن الكوفيد! كخزعبلة البشر سيشعلون الأرض (البرد هذه الأيام لا يعني لك شيئا؟ ألا ينسف الأكذوبة؟)، كخزعبلة فلسطين قضية الأمة، كخزعبلة "نحن التوانسة أرقى من غيرنا من -العرب-" إلخ إلخ.....!!
ما علاقة الذي قيل بالوطنية؟ أتكلم عن وطن "إلحادي" يعني؟! هنا، عظمة مفتاح الإلحاد مرة أخرى، ومجددا: قلت سابقا أن للوطن حدودا، وهذا بعكس أرض الله الإسلامية أو إسرائيل الكبرى اليهودية. وعند تلك الحدود يجب غربلة كل شيء قبل السماح له بالدخول! الإلحاد مفتاح عظيم وأيضا "غربال" عظيم: ولا يمكن أن يكون وطن دون أن يقف على الحدود! الله خزعبلة، لكن الشعوب ونخبها تعتقد بها، واعتقادها يفرض عليها الولاء لغير أوطانها بل ولأعداء تلك الأوطان! هذه معضلة يجب التأمل فيها جيدا، فمن جهة عندك من يوالي الملالي أو الإخوان أو الوهابية ودولهم، ومن الأخرى عندك عصر يفرض عليك حرية المعتقد والضمير؟
نسبة من المسيحيين في المنطقة المقدسة كاثوليك ويتبعون بابا الفاتيكان، لكن الفاتيكان ليس إيطاليا، وإيطاليا اليوم ليست الإمبراطورية المقدسة القديمة. الفرق بين المسلمين والمسيحيين عندنا، أن ولاء المسلمين لا يزال لإمبراطوريات بعكس المسيحيين: المسيحية هُزمت وقُلّمت مخالبها بعكس الإسلام الذي لم يحدث فيه ذلك... لن تقع حروب بين البروتستانت والكاثوليك اليوم، لكنها ستقع حتما بين السنة والشيعة! بروتستانت الغرب لا يتبعون ألمانيا اليوم، بعكس شيعة اليوم الذين قطعا سيتبعون ملالي إيران! حرية المعتقد أرساها الغربيون بعد القضاء على سلطة المسيحية، وليس قبل والمسيحية تحكم، ووصل الغربيون إلى ذلك بعد الصدام والحرب مع المسيحية وجلاوزتها، وهذا ما يمنعه عصرنا ومُخرّفوه وانتهازيوه مع الإسلام، ولذلك سنبقى متخلفين أبدا! ولن نعرف لا علمانية ولا ديمقراطية ولا حرية معتقد حقيقية! وإلى الأبد سنسمع بقوانين ازدراء الأديان أو الإسلام للدقة! ولا قيمة لفلتة هنا وهناك ولا تأثير جذري، كفلتة قيس سعيّد بحذف بند الإسلام دين الدولة من الدستور: هل الكلام الذي يُقال هنا، يجيز التطبيع مع الدين ويعطي مشروعية لمن يقولون أنهم "يساريون"؟ قطعا لا! بل يسحب البساط من تحت أقدامهم! فأغلب هؤلاء أولا مؤمنون، وثانيا سذج وجبناء ولا يتعظون!
لن نتقدم بعلمانية مشوهة ومزيفة، علمانية "الأديان السماوية" و "مكافحة الإلحاد" السيسية الأزهرية الأرثودوكسية، ولا بخلطة إبراهيم الإسرائيلية العربية، ولا بعلمانية فرنسا اليهودية الماسونية، ولا بعلمانية أمريكا اليهودية الماسونية البروتستانتية، بل بوطنية حقيقية لا يكون فيها "الدين لله والوطن للجميع" بل "الدين، الله، الأيديولوجيا، الفلسفة، الفكر، العلم... كل شيء للوطن، والوطن لكل أبنائه"! المقولة الأولى التي يتشدق بها الجميع، مقولة بائسة يقولها طرفان: الأول ذمي ضعيف يريد مكانا مع الوحش الإسلامي الحاكم، الثاني من يحكم الغرب اليوم متناسيا أنه لم يتقدم إلا عندما كسر أنف الله وانتزع منه السلطة والحكم! ثم ألا تلاحظ التناقض؟ فكيف يكون الوطن للجميع إذا كان الدين لله وهذا الله يأمر المتدينين بما ينسف الوطن والوطنية والمواطنة؟ تأمل جيدا، ستجد أنك كمن يقول أن كل الأديان دعت إلى العدالة والإخاء! أي -واعذرني- كلام لا يقوله إلا عامي جاهل أو انتهازي حاكم... أيضا، الدين لله تؤصل لخزعبلتين: هناك إله وهو من أرسل الأديان! لا نقول بذلك، بل بأن الأديان صنعتْ وادعتْ إلها أرسلها، هذه الأديان بشرية الصنع وهدفها السيطرة، ولذلك لا يمكن أن تكون لله بل للوطن! فبقولك أنها لله تطلق لها ولأتباعها عنان التبعية لخارج وغير الوطن (العرب الوهابية الإخوانجية/ ملالي إيران/ الأتراك الإخوانجية)، أما بقولي أنها يجب أن تكون هي وألّاهُها للوطن أمنع ذلك وأغلق باب التبعية والعمالة: ما قيل عن الدين، ينطبق على كل الأيديولوجيات والفلسفات، الجميع يجب أن يُكسر أنفه تحت لواء الوطنية: لا ولاء لا للسوفيات ولا للألمان ولا للأمريكان، كلها إمبرياليات تطلب عبيدا ساجدين وببغاوات مرددين، فلتسقط كل الإمبرياليات! كلها دون استثناء! وأولها تلك التي تظنها الشعوب ونخبها "قضايا وطنية"! والمقصود الإمبريالية العروبية الفلسطينية!
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
Amine_Ben_Said#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟