أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - بائعة الخضار (قصة قصيرة)














المزيد.....

بائعة الخضار (قصة قصيرة)


سيد كاظم القريشي

الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 12:37
المحور: الادب والفن
    


بائعة الخضار
(قصة قصيرة)

✍🏻 سيد كاظم القريشي

لم يكن مساري المعتاد إلى البيت يمرّ بالطريق الساحلي الملتف حول شهرك برق فالچنيبة، لكنني في ذلك اليوم كنت أتدرّب على قيادة سيارة رباعية الدفع، فأحببت الخروج عن الطرق المألوفة. عند منحنى واسع، لاحت لي بسطة خضروات تحت مظلّة ممزّقة. خطر في بالي ما طلبته زوجتي صباحًا، فخففت السرعة وتوقفت.

كانت امرأة في أوائل الأربعينيات تجلس خلف أكوام الخضار. وجهها هادئ، ساكن، كأن الزمن اعتاد المرور أمامها من دون أن يلوّح. لم تلتفت إليّ حين حيّيتها، فقد كان بصرها غارقًا في كتاب سميك بين يديها. وحين اقتربت أكثر، قرأت العنوان على الغلاف البالي: الأخوة كارامازوف.

بادرتها مستغربًا:
«تقرئين دوستويفسكي؟»

أغلقت الكتاب بإصبع وضعته بين الصفحات، ثم رفعت رأسها نظرة قصيرة.
قالت ببساطة:
«منذ أيام المدرسة وأنا أقرأ.»

ناولَتْني الخضروات وهي تضيف بصوت خافت:
«لم أُكمل تعليمي. تركتُ المدرسة في الصف الخامس، ثم تزوجت مبكرًا. أنجبتُ، وانشغلتُ بما تنشغل به النساء. لكن القراءة… هذه لم أتخلَّ عنها. كنتُ أنا وشقيقتي نشتري الكتب المستعملة من السوق، ونقرأ كل ما يقع في أيدينا.»

لم تكن كلماتها تحمل أي شكوى، بل كانت صريحة كحقيقة لا تحتاج تزيينًا. دفعتُ لها ثمن الخضروات. أخذت المبلغ بعد لحظة صمت، ثم عادت إلى كتابها، كأن وجودي كان فقرة عابرة بين فصلين.

في المساء، ظلّ حضورها يطوف في ذهني بطريقة غريبة؛ امرأة تبيع الخضروات على طريق شبه مهجور، لكنها تقرأ رواية تحتاج صبرًا ورغبة ووقتًا لم يُتح لها يومًا.

في اليوم التالي، مررت بالطريق نفسه. لم تكن هناك ضرورة لذلك، سوى رغبة مبهمة في إعادة النظر إلى المشهد.
وجدت البسطة مكانها، لكن الكرسي كان فارغًا. وعلى الطاولة رأيت الكتاب، مفتوحًا، وقد وُضع حجر صغير فوق طرفي صفحته كي يمنعهما من الانغلاق.

انتظرت دقائق لم أعرف عددها. ثم ظهرت المرأة من خلف البسطة تحمل صندوقًا من الخضار. ابتسمت حين رأتني.

قالت:
«تريد شيئًا؟»

قلت:
«لا. فقط مررت من هنا.»

نظرت إلى الكتاب المفتوح، ثم إليّ، وقالت:
«القراءة لا تحتاج مكان محدد. هي المكان كلّه.»

ثم جلست ترتّب الخضروات، وعادت إلى صفحتها، إلى العالم الذي لا يراه المارّة غالبًا.

غادرتُ وأنا أشعر بأن الطريق الساحلي، بكل انحناءاته، لم يعد مجرد طريق. صار علامة صغيرة على أن الأرواح قد تجد ما يثبتها في أماكن لا يلتفت إليها أحد.

🔹🔹🔹



#سيد_كاظم_القريشي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث في مساء رمادي (قصة قصيرة)
- بين العابر و السراج المطفأ
- حين تكلم النسيان (قصة قصيرة)
- معشوقة على ضفاف الوهم: حكاية صدرية صفراء (قصة قصيرة)
- حين تتدحرج اللحظات من الحلم
- *ظلّ الجسر* (قصة قصيرة)
- حين تصبح الصورة نمطًا: الأهواز بين الكاميرا والواقع الغائب
- المسرح بين الجوائز والوعي الجمعي: أي مسرح يُنبت شعباً مثقفاً ...
- النقد الأدبي والفني في الأهواز: سؤال الغياب وجدلية التراكم و ...
- أغنية الطين الأخيرة (قصة قصيرة)
- حين ابتسمت المراثي (قصة قصيرة)
- طائر الشقراق ( قصة قصيرة)
- منفى الأساطير (قصة قصيرة)
- انت
- لم يحن دورنا بعد!
- لا يسكب ضوءه القمر على الخيّين
- قصيدة نثرية
- لا تشرق الشمس علي ضريح سيد زكي (قصة قصيرة)
- شعر (صور فتوغرافية لحياة مابعد الحداثة)
- يأتي يوم الأحد بعد الثلاثاء (شعر)


المزيد.....




- لوحة ذاتية للفنانة المكسيكية فريدا كاهلو تُباع بأكثر من 50 م ...
- مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق
- مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق
- الذكرى الـ11 لرحيل الفنانة اللبنانية صباح..قصص من وراء الكوا ...
- مهرجان المقالح الشعري يضيء -غبش- صنعاء غدا
- الكويت تجذب السياحة الثقافية وتسعى لإدراج جزيرة فيلكا تراثا ...
- قناطر: لا أحبُّ الغناء العراقي .. لكن
- القضاء المصري يحكم بعرض فيلم -الملحد-
- النسيان على الشاشة.. كيف صوّرت السينما مرض ألزهايمر؟
- وفاة فنان عراقي في أستراليا


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - بائعة الخضار (قصة قصيرة)