أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - لم يحن دورنا بعد!














المزيد.....

لم يحن دورنا بعد!


سيد كاظم القريشي

الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 06:54
المحور: الادب والفن
    


*لم يحن دورنا بعد!*
(قصة قصيرة)

سيد كاظم القريشي

جلسَ حامد في زاوية الصف، يحدّق في السبورة كمن يحدّق في سدٍّ منيع، كأن بينه وبينها جدارًا شفافًا لا يمكن اختراقه. كانت شفتا المعلمة تتحركان بسرعة، تُلقي كلمات فارسية متلاحقة، تخرج من فمها وتنتشر في في ثنايا الصف. كانت ملامحها جامدة، وإشارات يديها تفيض بالحزم، وكأنها تفرض على الهواء نفسه أن يخضع لقوانين لغتها.
كان بعض الطلاب يبتسمون، يجيبونها بحماسة، يضحكون أحيانًا. أما هو وصديقه علي، فكانا صامتين، كأنهما ليسا هنا، كأن مقعديهما لا يشغلهما سوى الفراغ.
كانت المدرسةُ منقسمةً إلى نصفين: نصفٌ يسمع ويفهم، ونصفٌ ينتظر دوره، وكأن الفهم امتياز لا يُمنح للجميع.
في المساء، كان الأب جالسًا على السجادة العتيقة في فناء البيت، يقلب بين يديه كتابًا جديدا، صفحاته بيضاء. يبدو أنه لم يخرج من المحفظة قط. كان المصباح الزيتي المتدلي من السقف يلقي ظلالًا طويلة على الجدران الطينية، فيما كان الليل يلفّ المكان بسكون ثقيل.
لمح حامد وهو يحدّق في الأرض، يتلاعب بفتات الخبز بين أصابعه، كأنما يفتت حيرته، يبعثرها في الهواء.
— "كيف كان يومك في المدرسة؟ ماذا تعلمت؟"
رفع حامد عينيه بتردد، حدّق في وجه أبيه، ثم قال بصوت خافت:
— "لم يحن دورنا بعد!"
قطّب الأب حاجبيه بدهشة، ألقى بالكتاب جانبًا، وأخذ يتأمل وجه ابنه الصغير:
— "لم يحن دوركم؟ ماذا تعني؟"
تنهد حامد، بحث عن تفسير لما حدث، لكن كلماته ترددت في صدره مثل صدى في وادٍ بعيد، ثم لم يجد سوى الحقيقة العارية:
— "المعلمة تشرح بالفارسية... والطلاب الفرس يجيبون... ونحن ننتظر."
ساد الصمت. صمتٌ يشبه الجدران العتيقة التي تحفظ بين شقوقها أنين السنين. ثم انفجر الأب ضاحكًا ضحكةً مريرةً، ضحكةً لا تشبه الفرح أبدًا، مسح على رأس ابنه برفق وقال: — "وهل سيحين؟"

قبل أسبوع، دخل حامد الصف لأول مرة، قلبه يخفق بحماس، وعيناه تلمعان بتوق لمعرفة العالم. كان يظنّ أن المدرسة مكانٌ للجميع، أن المعلمة ستخاطبهم بلغتهم، أن دفاتره ستمتلئ بكلمات يفهمها. لكنه لم يجد سوى لغة غريبة، حروفها غامضة كألغاز قديمة منقوشة على حجارة لا يعرف كيف يقرؤها.
حاول أن يفهم. كان يسترق السمع، يراقب حركة شفاه المعلمة، يحاول أن يكرر بعض الكلمات، لكنها كانت ثقيلة، جامدة، لا تتشكل في فمه كما ينبغي. كلما حاول نطقها، أحس كأنه يمضغ حصى صغيرة.
التفت إلى علي، وجده مثله، يحدّق في المنضدة بعيون شاردة، كأنما يبحث عن شيء ضائع بين أخاديد الخشب.

"أنتم لا تتكلمون الفارسية في البيت؟"
سألتهما المعلمة ذات يوم، كأنها تستغرب شيئًا غير مألوف، كأن لغتهم الأم خطيئة لم يكن ينبغي لها أن تولد.
ثم كرّرت المعلمة السؤال ببطء، مستعينةً بلغة الجسد كي يفهم حامد ما تقول. أبطأت حركة شفتيها، أشارت إلى فمها، ثم إلى أذنيها، كأنها تقول: تكلم... اسمع... قل شيئًا. لكن الكلمات ظلت حبيسة داخله، كعصفور صغير يخاف الطيران.
كانت كلماتها حادة كحد السكين، شطرت عالمهما إلى نصفين، نصف يُسمح له أن ينطق، ونصف يُحكم عليه بالصمت.
رفع علي عينيه بخجل وقال:
— "لا... نحن نتكلم مثل أمي وأبي...
هزّت رأسها وقالت ببرود، كأنها تصدر حكمًا لا يقبل الاستئناف:
— "يجب أن تتعلموا الفارسية بسرعة. هنا لا أحد سيفهمكم بالعربية."
في اليوم التالي، جلس حامد في مكانه، يراقب المعلمة، ينتظر أن يحنّ قلبها إليه. أن تلتفت إليه وأن تنطق كلمةً يفهمها. لكنه أدرك أن انتظاره قد يطول... قد يطول جدًا.

🔹🔹🔹



#سيد_كاظم_القريشي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا يسكب ضوءه القمر على الخيّين
- قصيدة نثرية
- لا تشرق الشمس علي ضريح سيد زكي (قصة قصيرة)
- شعر (صور فتوغرافية لحياة مابعد الحداثة)
- يأتي يوم الأحد بعد الثلاثاء (شعر)
- عبید الماء


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - لم يحن دورنا بعد!