أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - حديث في مساء رمادي (قصة قصيرة)














المزيد.....

حديث في مساء رمادي (قصة قصيرة)


سيد كاظم القريشي

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 12:14
المحور: الادب والفن
    


*حديث في مساء رمادي*
(قصة قصيرة)

✍🏻 سيد كاظم القريشي

جلسَ سامي في المقهى المطلّ على الطريق الساحلي، أمامه فنجان قهوةٍ باردة لم يذق منها شيئاً. كانت الكراسي الخشبية خاليةً إلا من صدى المطر المتقطّع على المظلّات. رفع هاتفه، ضغط على اسمها: ليلى.
ظهر آخر تواصلٍ بينهما قبل خمسة أيّام. كتب رسالة قصيرة ثمّ مسحها. أرسل أخرى:
ـ ما عدتُ أذهب إلى دروس اللغة الفرنسيّة.
لم ينتظر جواباً. أراح رأسه على كفّه ونظر عبر الزجاج إلى الشارع الغارق بالضباب.

جاءه الردّ بعد قليل:
ـ كما تشاء، افعل ما يجعلك مرتاحاً. لا أحد يُجبرك على ما لا تحبّ.
كتب:
ـ أودّ أن أجلس خلف كليّة الآداب وأبكي كثيراً."
سألته:
ـ تبكي على ماذا؟"
كتب:
ـ لا أدري."
ثمّ أضاف:
ـ الفلاسفة يقولون لا شيء يقينيّ في هذا العالم، ولا جواب كامل لأيّ سؤال.

ردّت:
ـ أنت تُعقّد كلّ شيء يا سامي."
لم يُجب. مرّت لحظة صمت طويلة. ثمّ كتبت له:
ـ تقول لي إنّ لي حريّة الاختيار، ثمّ تغضب إن قلت رأيي. ماذا بك؟ أتعيش حالة عشقٍ أم حزنٍ مصطنع؟"

ابتسم سامي لنفسه. كانت كلمتها "حزنٍ مصطنع" تُشبه صفعةً ناعمة.
كتب:
ـ أنا آسف يا ليلى، لا تغضبي.
فأجابته بعد برهة:
ـ لستُ غاضبة. أنت فقط إنسان عاطفيّ أكثر من اللازم. هذه طبيعتك.
قال:
ـ أعتذر مجدّداً."

لكنّها كتبت له مطوّلاً هذه المرّة، كلمات متلاحقة كأنّها كانت تؤجّل قولها منذ زمن:
ـ اسمع يا سامي. الحياة ليست لطيفة. أن تتنفّس لا يعني أنّك بخير. لا تدعها تُسقطك أرضاً. قاتل، حتّى مع نفسك، حتّى مع من تُحبّ ولا تقدر على إنقاذه. لا تسمح للعالم أن يرى حزنك. ابنِ حياتك على شخصيّتك أنت، لا على الآخرين. لا أحد يدوم.

تنهّد سامي وهو يقرأ الرسالة مراراً. كتب لها أخيراً:
ـ تكتبين عن لسان حكيم… هذا يُخيفني."
سألته:
ـ ممّ تخاف؟ من الرحيل؟
ثمّ تابعت قبل أن يجيب:
ـ أنا لا أرحل. نحن صديقان، أليس كذلك؟ لستُ مثل فارس الذي كان يقول: ابقي مع سامي، ثمّ غادر هو."

ضحك سامي بصوتٍ خافت، فالتفتَ إليه النادل. كتب:
ـ فداكِ روحي يا ليلى، لا أستطيع أن أفقدك.
أجابته بهدوء:
ـ ومن قال إنّك ستفقدني؟ أنت تُؤلّف القصص وحدك.

توقّف عن الكتابة لحظة، ثمّ قال:
ـ أموت كلّ يوم ألف مرّة."
ردّت:
ـ تتصرف كفتى في السادسة عشرة.
كتب كلمة واحدة:
ـ آسف.
ثمّ جاءت رسالتها الأخيرة قبل أن تصمت:
ـ إن أردت أن تموت، فليكن موتك من أجلك فقط، لا تُظهر ضعفك هكذا.

أطفأ الهاتف ووضعه على الطاولة. المطر اشتدّ، وانعكست الأضواء على الزجاج مثل خطوط دموعٍ طويلة. فكر في كلامها، في المرّات الكثيرة التي تحدّثا فيها عن الكتب، عن الحياة، وعن فارس الذي غاب منذ أشهر ولم يترك سوى ظلّه.

فتح سامي الهاتف من جديد.
ـ الجامعة ستفتح يوم الإثنين؟
جاء الجواب سريعاً:
ـ نعم، تفتح.
قال:
ـ منذ ذلك اليوم لم يرسل لي رسالة، مضت خمسة أيّام.
ـ وأنا أيضاً."
ـ أرسلت له صوراً، ولم يرَها. حذفتها.
ـ تصرف جيّد.
ـ لكنه يدخل الواتساب كلّ يوم.
ـ دعه وشأنه، يا سامي."
تردّد قليلاً قبل أن يكتب:
ـ أعطيته كلّ شيء… فكري، نفسي، حتّى ما لم أقله لأحد.
ـ أنا أيضاً حذفت منشوراً له، ذاك الذي وضعتُ فيه صورتي مع سارة يوم عيد ميلاده.

كتب:
ـ جيد فعلتِ. لا بأس، ربما يحاول أن يُثبت أنه لم يعُد بحاجة إلينا."
ردّت:
ـ هو لا يعرف ما يفعل. اتركه، سامي. اذهب وارتَح قليلاً. لديّ دراسة في المساء
قال:
ـ اذهبي يا عزيزتي
وأغلق الهاتف هذه المرة نهائياً.

عاد سامي إلى بيته مشياً. الشارع موحل، والهواء رطب. في الطريق، توقّف أمام واجهة مكتبة صغيرة. كانت هناك لافتة مكتوب عليها: قصص من أمريكا اللاتينيّة. تذكّر أنّها هي من تحدّثت عن تلك المجموعة، يوم قالت له إنّ القصص تُعلّم المرء كيف يرى نفسه في الآخرين.
دخل المكتبة واشترى نسخة.

في المساء، جلس في غرفته يقرأ. كانت القصة الأولى عن رجلٍ يكتب رسائل لا يرسلها أبداً. شعر أنّ الكاتب يراقبه من بين السطور. أطفأ المصباح وتمدّد على السرير.
من خلال النافذة، كانت أنوار المدينة البعيدة تشبه نيراناً صغيرة تشتعل في الضباب.
تذكّر قولها: "قاتل، حتّى مع نفسك."
شعر أنّه يريد أن يصدّقها.

أمسك الهاتف مجدّداً. كتب:
ـ أقرأ الآن. القصة تتحدّث عن رجلٍ يُشبهني قليلاً
لم يصله ردّ.
ربّما كانت تدرس كما قالت.
ربّما غفت.
أو ربّما فقط لم تردّ.
ترك الهاتف إلى جواره. أغمض عينيه.

في الحلم، رأى نفسه خلف كليّة الآداب. كانت الأوراق تتساقط على الممرّات، وكان يجلس على الدرج، يبكي بلا صوت. لم يكن يعرف على من أو على ماذا. فقط كان يشعر أنّه فقد شيئاً لا يُسمّى.

حين استيقظ، كان الضوء الرماديّ قد بدأ يملأ الغرفة. سمع صوت الأذان البعيد يمتزج بصوت المطر الخفيف.
مدّ يده إلى الهاتف. لا رسائل جديدة.
فتح نافذة صغيرة تطلّ على الشارع. امرأةٌ تمرّ تحت المظلّة، ورجلٌ يحمل كيس خبزٍ ساخن، وطفلٌ يركض خلفهما.
أحسّ أنّ العالم مستمرّ رغم كلّ شيء.

جلس إلى الطاولة وبدأ يكتب في دفترٍ قديم:
ـ يبدو أنّ كلّ حديثٍ بين رجلٍ وامرأة هو محاولة لتفسير الغياب.
ثمّ أضاف سطراً آخر:
ـ لكن الغياب لا يُفسَّر، يُعاش فقط.

أغلق الدفتر، وأشعل الراديو الصغير. كانت أغنية قديمة لفيروز تتسلّل في الغرفة:
"رجعت الشتوية..."

ابتسم بلا سبب.
فكّر أنّه ربما سيذهب إلى الجامعة الإثنين، وربما يجلس خلف كليّة الآداب، لكنّه هذه المرّة لن يبكي.
ربّما فقط سيجلس، ينظر إلى الشجر العاري، ويتذكّر أنّ كلّ الأشياء تبدأ من الصمت، وأنّ الحبّ أحياناً لا يحتاج إلى بقاءٍ كي يُصبح حقيقيّاً.


🔹🔹🔹



#سيد_كاظم_القريشي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين العابر و السراج المطفأ
- حين تكلم النسيان (قصة قصيرة)
- معشوقة على ضفاف الوهم: حكاية صدرية صفراء (قصة قصيرة)
- حين تتدحرج اللحظات من الحلم
- *ظلّ الجسر* (قصة قصيرة)
- حين تصبح الصورة نمطًا: الأهواز بين الكاميرا والواقع الغائب
- المسرح بين الجوائز والوعي الجمعي: أي مسرح يُنبت شعباً مثقفاً ...
- النقد الأدبي والفني في الأهواز: سؤال الغياب وجدلية التراكم و ...
- أغنية الطين الأخيرة (قصة قصيرة)
- حين ابتسمت المراثي (قصة قصيرة)
- طائر الشقراق ( قصة قصيرة)
- منفى الأساطير (قصة قصيرة)
- انت
- لم يحن دورنا بعد!
- لا يسكب ضوءه القمر على الخيّين
- قصيدة نثرية
- لا تشرق الشمس علي ضريح سيد زكي (قصة قصيرة)
- شعر (صور فتوغرافية لحياة مابعد الحداثة)
- يأتي يوم الأحد بعد الثلاثاء (شعر)
- عبید الماء


المزيد.....




- لماذا تراجع نفوذ مصر القديمة رغم آلاف السنين من التفوق الحضا ...
- موريتانيا تطلق الدورة الأولى لمعرض نواكشوط الدولي للكتاب
- انطلاق الدورة الرابعة من أيام السينما الفلسطينية في كولونيا ...
- سطو اللوفر يغلق أبواب المتحف الأكبر وإيطاليا تستعين بالذكاء ...
- فساتين جريئة تسرق الأضواء على السجادة الحمراء بمهرجان الجونة ...
- ورشة برام الله تناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار ...
- أسماء أحياء جوبا ذاكرة نابضة تعكس تاريخ جنوب السودان وصراعات ...
- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - حديث في مساء رمادي (قصة قصيرة)