أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - حين تصبح الصورة نمطًا: الأهواز بين الكاميرا والواقع الغائب














المزيد.....

حين تصبح الصورة نمطًا: الأهواز بين الكاميرا والواقع الغائب


سيد كاظم القريشي

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 19:06
المحور: الادب والفن
    


*حين تصبح الصورة نمطًا: الأهواز بين الكاميرا والواقع الغائب*


في كل مرة نُشاهد فيها فيلمًا وثائقيًا عن الأهواز، لا يفوت المخرج أن يُظهر مشاهد الدلة والمنقلة، نار تشتعل تحت إبريق نحاسي، وهاون يدق البنّ، ورجل بلباس ريفي يعزف على الربابة أو يغني موالًا حزينًا، فيما يركض الأطفال حفاة على ضفاف نهر كارون، يلعبون حول الجاموس الذي يسبح ببطء في المياه العكرة. تتكرر هذه العناصر حتى تغدو مع الوقت قوالب جاهزة، وكأنها التعريف الرسمي للهوية الأهوازية في الوعي البصري والإعلامي العام.

لكن، هل هذه هي الأهواز حقًا؟ هل تختصر هذه المشاهد المتكررة تاريخًا طويلًا وثقافة متعددة الطبقات وأصواتًا حديثة تصرخ بصمت من قلب الواقع المعاصر؟

إن الصورة النمطية للأهواز التي يروّج لها بعض صناع الوثائقيات، لا تنبع من فراغ، بل من اختزال انتقائي مبني على نزعة فلكلورية استشراقية داخلية، تشبه ما كان يفعله الغرب بالشرق. وهي نزعة تضع المجتمع المحلي في قفص زجاجي للفرجة، لا لفهمه أو الإصغاء لصوته. يتم تصوير الأهواز كمتحف تراثي مفتوح، لا كواقع حيّ يتنفس، يتألم، ويحلم.

قد يكون تصوير الدلة والمنقلة والنار والجاموس مقبولًا في لحظات استعادة الذاكرة أو أرشفة التراث، ولكن الإشكال يكمن في أن هذه العناصر تتحول إلى صورة وحيدة تقريبًا، تفرض على المتلقي أن يتعامل مع الأهواز وكأنها قرية معزولة عن الزمن، لا تعرف المدينة ولا تعيش العصر.

في ظل هذه الرؤية، يختفي وجه الأهواز الحديث: لا أثر للفنان الأهوازي الذي يشتغل بالفيديو آرت، أو المسرحي الذي يقدّم عروضًا تجريبية في المسارح المتهالكة، ولا للشاعر الذي يكتب شعرًا وجوديًا بالعامية، ولا للمرأة التي تدرس وتُدرّس وتقاوم القيود المزدوجة، ولا للطلبة الذين يحلمون بالهجرة من ثقل الواقع. لا صوت في تلك الوثائقيات للقلق الجمعي الذي يسكن الفرد الأهوازي، ولا لصراعه الداخلي مع الهوية، ولا لتوتره بين الانتماء والتهميش، بين الجذر والإلغاء.

ينسى هؤلاء المخرجون أو يتناسون أن الحياة في الأهواز لا تتوقف عند "الهاون" بل تمتد إلى "الهارد ديسك"، إلى جيل جديد يتفاعل مع العالم من خلال التكنولوجيا، يكتب نصوصًا حداثية، يؤسس مسارح صغيرة، يطلق مبادرات بيئية، يدير صفحات فنية وأدبية على منصات التواصل، ويخوض معارك لغوية وثقافية من أجل الاعتراف والتمثيل.

ولعل من المحزن أن معظم هذه الوثائقيات تُعرض في مهرجانات خارج الإقليم، لتُقدم صورة أحادية تُستهلك ضمن سردية فقر وتخلف محببة للمشاهد "الفضولي"، الذي يرضيه أن يرى الآخر في صورة الفولكلور الدائم والبؤس الدافئ. فالأهوازي في هذه الأفلام هو دائمًا ذلك "الآخر الغريب"، القابع في ماضٍ لا ينتهي.

هنا يكمن الخطر: حينما تتحول الكاميرا من وسيلة استكشاف إلى أداة تقييد، ومن مرآة إلى مرجعية مشوهة. وحينما يصبح الفنان الوثائقي مجرد صائد مشاهد استهلاكية، بدل أن يكون وسيطًا أمينًا ينقل الواقع بكل تعقيداته وطبقاته وظلاله.

إن المطلوب اليوم من صناع الوثائقيات الذين يتناولون الشأن الأهوازي أن يتحلوا بمسؤولية معرفية وأخلاقية تجاه هذا المجتمع. أن يسألوا أنفسهم: لمن نصوّر؟ ولماذا؟ وما الذي نغفله عمدًا أو جهلًا؟ أن يتجاوزوا الصورة السهلة نحو التعمق في التجربة البشرية لهذا المكان، بكل ما فيها من تناقضات، من حداثة وتراث، من قهر وتمرّد، من فقد وحنين.

نحن بحاجة إلى أفلام تُنصت لا تُحدّق، تُنقل لا تُجمّل، تُفكّر لا تُكرّر. نحتاج إلى عدسة ترى ما بعد الواجهة: ترى العاطلين في المقاهي لا فقط الرعاة في الأهوار، ترى المثقف المهمّش لا فقط الفولكلور المتكرر، ترى أسئلة الهوية لا فقط أجوبة التراث. لأن الأهواز ليست ديكورًا بل دراما حقيقية، وليست لوحات تراثية بل حياة تفيض بالرؤى والأفكار.

ختامًا، إن مقاومة الصورة النمطية ليست رفضًا للتراث بل دفاع عن الحق في الوجود الكامل، المتنوع، الحقيقي. فحينما يُختصر مجتمع ما في رموز ثابتة، يُحكم عليه بالموت البطيء تحت ركام الكليشيهات. وآن الأوان أن ينهض المخرج الوثائقي من سباته البصري، وأن يجرؤ على كسر العدسة، لصالح مرآة أكثر صدقًا وعدلًا. مرآة يرى فيها الأهوازي نفسه بكل ما هو عليه: إنسان متعدد الأبعاد، لا شخصية من كرتون.


🔹🔹🔹



#سيد_كاظم_القريشي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح بين الجوائز والوعي الجمعي: أي مسرح يُنبت شعباً مثقفاً ...
- النقد الأدبي والفني في الأهواز: سؤال الغياب وجدلية التراكم و ...
- أغنية الطين الأخيرة (قصة قصيرة)
- حين ابتسمت المراثي (قصة قصيرة)
- طائر الشقراق ( قصة قصيرة)
- منفى الأساطير (قصة قصيرة)
- انت
- لم يحن دورنا بعد!
- لا يسكب ضوءه القمر على الخيّين
- قصيدة نثرية
- لا تشرق الشمس علي ضريح سيد زكي (قصة قصيرة)
- شعر (صور فتوغرافية لحياة مابعد الحداثة)
- يأتي يوم الأحد بعد الثلاثاء (شعر)
- عبید الماء


المزيد.....




- اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام ...
- -القسطنطينية- يفتتح الدورة السابعة لمهرجان -بايلوت- الروسي ( ...
- بيان رسمي بعد نزاع بين ملحن مصري وحسين الجسمي
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- مايك تايسون يتلقى عرضا مغريا للعودة إلى الحلبة ومواجهة أحد أ ...
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- فنانة وإعلامية مصرية شهيرة تعلن الصلح مع طبيب تجميل شوه وجهه ...
- الكتابة في زمن الحرب.. هكذا يقاوم مبدعو غزة الموت والجوع
- أداة غوغل الجديدة للذكاء الاصطناعي: هل تهدد مستقبل المهن الإ ...
- نغوغي وا ثيونغو.. أديب أفريقيا الذي خلع الحداثة الاستعمارية ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - حين تصبح الصورة نمطًا: الأهواز بين الكاميرا والواقع الغائب