أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - المسرح بين الجوائز والوعي الجمعي: أي مسرح يُنبت شعباً مثقفاً؟














المزيد.....

المسرح بين الجوائز والوعي الجمعي: أي مسرح يُنبت شعباً مثقفاً؟


سيد كاظم القريشي

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 08:16
المحور: الادب والفن
    


يقولون: "أعطني مسرحاً، أعطك شعباً مثقفاً".
لكن، حين نستدعي هذه المقولة الباذخة في معناها، لا بد أن نتوقف لحظة لنسأل: أيّ مسرح يُقصد هنا؟ أهو ذاك الذي يُعرض على خشبات المسارح العامة، بحضور جمهور متنوّع يضم أطياف المجتمع، أم ذاك الذي يُعرض في المهرجانات أمام جمهور من المسرحيين أنفسهم؟ وأي تأثير نرجوه من مسرح لا يخرج من دائرة صناع الفن إلى ساحات الناس وأسئلتهم وهمومهم اليومية؟

المفارقة أنّنا اليوم، في كثير من البلدان، نشهد نشاطاً مسرحياً كثيفاً في المهرجانات، بعضها دولية وأخرى محلية، تتزاحم فيها العروض وتتنافس الفرق على الجوائز والألقاب. لكن حين ننظر إلى المسارح العامة، إلى الفضاءات التي كان يُفترض أن تكون جسراً بين الفنان والمجتمع، نجدها إما مغلقة، أو شبه خالية، أو محجوزة لفئة ضيقة من المتابعين. فهل يمكن لمسرح معزول أن يصنع وعياً جمعياً؟ وهل الجوائز وحدها كافية لصناعة مسرحيين فاعلين في الساحة؟

إنّ المسرح في جوهره ليس حدثاً فنياً فحسب، بل هو حدث اجتماعي. هو فنّ يحمل في داخله بذرة التغيير، والتحريض، والسؤال، والصدمة، والحوار. هو لقاء حيّ بين الممثل والجمهور، بين اللحظة والوعي. لذلك، فإنّ اختزال النشاط المسرحي في المهرجانات ــ مهما كانت راقية ــ لا يكفي ليؤدي المسرح دوره كمحرّك للوعي الجمعي. فالمهرجانات، في أفضل حالاتها، مناسبات للاحتفاء وتبادل الخبرات، لكنها لا تعوّض الغياب عن المسارح اليومية وعن الجمهور الحقيقي الذي لا يقرأ "بيانات العروض"، بل يعيش الأسئلة التي من المفترض أن يطرحها المسرح.

إنّ المسرحي الفاعل لا يُقاس بعدد الجوائز التي حصدها، بل بقدرته على أن يكون صوتاً ومرآة لمجتمعه. المسرحي الذي يكتب ويخرج ويمثّل وعينه على الجائزة، قد يصنع عرضاً فنياً متقناً، لكنه قد يخسر انغماسه في قضايا الناس. أما المسرحي الذي يشتبك مع الواقع، الذي يجرؤ على طرح المسكوت عنه، الذي يُقلق النظام الثقافي السائد، فإنه يسهم فعلاً في صناعة مجتمع أكثر وعياً، حتى وإن لم يحصد الأوسمة.

لقد تحوّل المسرح، في بعض الأوساط، إلى لعبة نخبوية تُمارس داخل جدران مغلقة، بلغات مشفّرة، وتقنيات مبهرة، لكنها بلا أثر اجتماعي. وقد نجد في بعض هذه الأعمال سحراً فنياً حقيقياً، لكنّها تظل عالقة في دائرة الانبهار المتبادل بين الفنانين أنفسهم. وهذا، في حد ذاته، لا يصنع شعباً مثقفاً، بل ربما يكرّس العزلة بين الثقافة والناس.

ومن جهة أخرى، لا يعني ذلك أنّ كلّ مسرح جماهيري هو بالضرورة واعٍ أو مؤثّر. فالمسرح السطحي، الترفيهي البحت، قد يجتذب الجمهور لكنه لا يحرّك الوعي. المطلوب إذن هو التوازن الدقيق: مسرح يخاطب الناس دون أن يسايرهم، يرفع وعيهم دون أن يستخفّ بعقولهم، ويثير الأسئلة لا الضحك الفارغ.

المسرح الذي نريده هو ذاك الذي يخرج من قاعات المهرجانات إلى ساحات المدن، إلى المدارس، إلى القرى، إلى السجون والمستشفيات، إلى الأمكنة التي تُخزّن الألم والمعاناة والأمل. هو المسرح الذي لا يكتفي بالزينة الفنية، بل يبحث عن أثره في نظرات الجمهور، في لحظات الصمت بعد العرض، في النقاشات التي يثيرها.

إنّ مقولة "أعطني مسرحاً، أعطك شعباً مثقفاً" لا تتحقق في ظلّ مهرجانات مغلقة، بل حين يكون المسرح مشروعاً يومياً، متاحاً، متنوعاً، صادقاً، ومخلصاً لقضاياه. نحتاج إلى مسرحيين يتنازلون قليلاً عن بريق الجوائز لصالح نار السؤال، ويختارون خشبة الحياة بدلاً من منصة التكريم.

في الختام، لعلّنا نقول: المسرح لا يُقاس بعدد الجوائز، بل بقدرته على أن يكون مرآةً ناطقةً للناس، وأداة تغيير لا أداة تزيين. فليكن المسرح جسراً، لا متحفاً، وليكن فعلاً يومياً لا مناسبة موسمية. بذلك فقط، نمنح المقولة معناها، ونزرع في الأرض بذرة شعب مثقف.



#سيد_كاظم_القريشي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد الأدبي والفني في الأهواز: سؤال الغياب وجدلية التراكم و ...
- أغنية الطين الأخيرة (قصة قصيرة)
- حين ابتسمت المراثي (قصة قصيرة)
- طائر الشقراق ( قصة قصيرة)
- منفى الأساطير (قصة قصيرة)
- انت
- لم يحن دورنا بعد!
- لا يسكب ضوءه القمر على الخيّين
- قصيدة نثرية
- لا تشرق الشمس علي ضريح سيد زكي (قصة قصيرة)
- شعر (صور فتوغرافية لحياة مابعد الحداثة)
- يأتي يوم الأحد بعد الثلاثاء (شعر)
- عبید الماء


المزيد.....




- جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
- -غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال ...
- الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس ...
- المخرج التونسي محمد علي النهدي يخوض -معركة الحياة- في -الجول ...
- سقوط الرواية الطائفية في جريمة زيدل بحمص.. ما الحقيقة؟
- منى زكي تعلّق على الآراء المتباينة حول الإعلان الترويجي لفيل ...
- ما المشاكل الفنية التي تواجهها شركة إيرباص؟
- المغرب : مهرجان مراكش الدولي للسينما يستهل فعالياته في نسخته ...
- تكريم مستحق لراوية المغربية في خامس أيام مهرجان مراكش
- -فاطنة.. امرأة اسمها رشيد- في عرضه الأول بمهرجان الفيلم في م ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيد كاظم القريشي - المسرح بين الجوائز والوعي الجمعي: أي مسرح يُنبت شعباً مثقفاً؟