أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض سعد - جشع محطات الوقود الأهليّة… حين يتحوّل «القليل» إلى منظومة فساد كبيرة














المزيد.....

جشع محطات الوقود الأهليّة… حين يتحوّل «القليل» إلى منظومة فساد كبيرة


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 10:41
المحور: قضايا ثقافية
    


تشكّل ممارسات بعض بل أغلب أصحاب محطات الوقود الأهليّة في العراق مثالًا واضحًا على كيفية تحوّل السلوكيات الصغيرة وغير المحسوبة إلى ظاهرة اجتماعية واقتصادية سلبية واسعة... ؛ تُنهك المواطن وتُكرّس ثقافة الفساد والانحراف ... ؛ فالقضية لم تعد مجرّد خمسُمئة دينار تُقتطع من كل سائق عند كل عمليّة تزوّد بالوقود، بل أصبحت ممارسة ممنهجة تستند إلى استغلال حاجة العمال، وتساهل المواطنين، وغياب الرقابة، وتطبيع السلوك الخاطئ باعتباره أمرًا اعتياديًا... .
أولًا: ظلم يتكرر عند كل «تفويلة»
رغم أن أصحاب المحطات الأهليّة يحققون أرباحًا كبيرة من بيع الوقود، إلا أنّ بعضهم يُجبر العمال ـ وهم غالبًا من ذوي الأجرة اليومية البسيطة التي لا تتجاوز 20 ألف دينار ـ على أخذ مبلغ ثابت من السائقين دون وجه حق، يُقدَّر بـ 500 دينار عند كل تزويد بالوقود ( تفويلة) .
ورغم أن المبلغ يبدو صغيرًا، إلا أن فرضه بالقوة ومن دون رضا السائق يجعله مبلغًا غير مشروع... ؛ كما أن اتخاذه عادة يومية يضاعف قيمته ليُصبح موردًا ضخمًا يصل إلى جيوب أصحاب المحطات، وليس إلى العمال الذين يتحملون مسؤوليته أمام الناس.
ثانيًا: المواطن محدود الدخل… الضحية الأكبر
أغلب السائقين في العراق من ذوي الدخل المحدود الذين يُرهقهم أي عبء مالي إضافي... ؛ والمبلغ المتكرر يوميًا، ومع كل تعبئة للوقود، يتحوّل إلى فاتورة ثقيلة تُضاف إلى معاناتهم... ؛ والأسوأ من ذلك أن هذا الاستقطاع يتم دون موافقة، ودون أي مبرر قانوني أو مهني... الخ .
ثالثًا: ظلم العامل واستغلال حاجته
المؤسف أن العامل لا يستفيد من هذه المبالغ، فهي لا تعدّ «إكرامية» تُقدَّم له برضا السائق، بل إتاوة مفروضة يُجبر على تحصيلها ونقلها إلى صاحب المحطة... ؛ وبهذا الشكل يتحوّل العامل من باحث عن لقمة عيش كريمة إلى طرفٍ يُكره على ممارسة فعل خاطئ، ويُحمَّل وزر سلوك ليس من اختياره... ؛ فإن اعترض، خسر عمله، وإن التزم بالأوامر أصبح شريكًا في ظلم الآخرين.
رابعًا: مخالفة قانونيّة تُشجّع على اتساع الفساد
هذا السلوك لا يضر المواطن فقط، بل يضرب المنظومة الأخلاقية والاقتصادية في المجتمع... ؛ فالسكوت عنه يشجع على انتشار ممارسات مشابهة، ويُحوّل استقطاع المال بغير حق إلى «عرف» متعارف عليه... ؛ وبذلك يصبح المجتمع أمام منظومة فساد صغيرة في شكلها… ؛ كبيرة في آثارها.
خامسًا: التطبيع مع الخطأ وتحويله إلى «حق»
الأخطر من كل ما سبق هو أن هذه الممارسات أصبحت مألوفة، حتى إن بعض العمال بات يرى أخذ هذه المبالغ أمرًا طبيعيًا ما دام الجميع يفعل ذلك... ؛ وهذا التطبيع يشكل خطرًا فكريًا وأخلاقيًا، لأنه يحوّل المال الحرام إلى سلوك مقبول، ويشجع الناس على السكوت عن التجاوزات.
سادسًا: ثقافة الاحتجاج بدل ثقافة الصمت
إن السكوت عن الحق يساهم في تضخيم الظلم، ولهذا فإن تنبيه العامل أو صاحب المحطة ـ بلطف وبأسلوب راقٍ ـ واجب أخلاقي... ؛ فمن حق المواطن أن يحصل على كمية الوقود التي يدفع ثمنها كاملة، ومن حق العامل أن يعمل دون أن يُجبر على مخالفة القانون، ومن حق المجتمع أن يحافظ على قيمه الاقتصادية والأخلاقية.
خاتمة
إن ظاهرة الاستقطاع غير المشروع في محطات الوقود الأهليّة ليست مجرد قضية «500 دينار»، بل هي قضية عدالة وحقوق وثقافة مجتمعية يجب إصلاحها... ؛ فالمبالغ الصغيرة حين تُجمع من آلاف السائقين يوميًا تُصبح مورداً كبيرًا من المال الحرام، وتساهم في إضعاف ثقة المواطن بالمؤسسات والخدمات.
وإيقاف هذه الممارسات يتطلب وعيًا شعبيًا، ورقابة حكومية، ومسؤولية أخلاقية من أصحاب المحطات، حتى يعود التعامل في هذه المرافق الحيوية إلى مساره الصحيح، القائم على احترام القانون وحفظ حقوق الناس.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضياع… حين تغترب النفس عن ذاتها وتصبح الحياة بلا بوصلة
- العوامل الصانعة للوعي الجمعي والثقافة العامة : بين القيادة و ...
- حين يتحول المجرم إلى وجيه .. والمجتمع إلى شريك في الجريمة..! ...
- ما بعد الفناء النووي: الإنسان حين يحترق بعقله
- سرقات في ظلال القانون — حين تتخفّى اللصوصية بثياب الفضيلة
- مقاربة سياسية لما بعد الانتخابات العراقية 2025: بين توازن ال ...
- العراق بين مطر السياسة وجفاف الرافدين ... قراءة في العقل الت ...
- سقوط القيم في الصراع السياسي والانتخابي : قراءة في التحلل ال ...
- جمر التوازن تحت مطر الفوضى والتشويش: محاولة للوجود والاتزان ...
- زعامة الفقاعات وساسة الاعلانات واللقاءات : حين يتحوّل الترشّ ...
- تداعيات المرحلة الانتقالية: استغلال الطفولة وتقويض الديمقراط ...
- العراق وسوريا بعد سقوط دمشق: تشريح التوترات الأمنية والطائفي ...
- المسافة الآمنة: فنّ وضع الحدود في العلاقات الإنسانية
- مقولة وتعليق/ 62/ الحرية ثمرة العقل المستنير
- مقولة وتعليق / 61 / التعليم والذكاء: ثنائية الزيف والحقيقة ف ...
- دور الصداقة ومنازل القلوب
- بين المعرفة والوعي: اغتراب الذات في عصر المعلومات
- ثقافة السلبية في المجتمع العراقي: بين الوعي الجمعي والتوجيه ...
- هواجس الإيمان: سيرة ذاتية في عشق المجهول
- بغداد تُستباح بهدوء... العمالة الأجنبية كحصان طروادة جديد


المزيد.....




- قُتل فيها الرجل الثاني لحزب الله.. إليكم ما نعلمه عن قصف إسر ...
- 10 وصايا مهمة لمكافحة التجسس
- الثورة المهدية.. يوم أقام -المهدي المنتظر- دولة في السودان
- سكة حديد بغداد برلين.. خط كاد يربط أوروبا بالخليج العربي
- قتلى في هجوم على مقر لشرطة الحدود الباكستانية
- رئيس لبنان يُعلّق على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الرجل ...
- باكستان: هجوم مسلح في بيشاور يوقع ثلاثة قتلى داخل مقر للقوات ...
- ما مصير اتفاقية بريتوريا للسلام في إثيوبيا؟
- خطوط الإمداد بكردفان معركة كسر العظم بين الجيش والدعم السريع ...
- كيف أعادت الفراشات الحياة البرية إلى أرض قاحلة؟


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض سعد - جشع محطات الوقود الأهليّة… حين يتحوّل «القليل» إلى منظومة فساد كبيرة