|
|
سقوط القيم في الصراع السياسي والانتخابي : قراءة في التحلل الأخلاقي والسياسي لمجتمعٍ مأزوم
رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 09:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مشهدٍ غريبٍ لا يليق بمدينةٍ كانت تُعرف يوماً بالبساطة والكرم والاحترام , والعادات والتقاليد الاصيلة ... ؛ لا يزال - المشهدُ - ينقشعُ أمام عيني، مُصوِّرًا مجموعةً من الفتيان واليافعين والشباب ، وقد احتشدوا بالقرب من أحد مراكز الاقتراع في مدينة الصدر، حيث تملأ القمامةُ الأرجاء... ؛ وقد أوقف أحدهم عربةَ "التيك توك" أمام المركز، وأخذوا يرددون معًا بصوتٍ عالٍ هتافًا ساخرًا: "هي هي مُخَبِّل!"، موجّهين إياه نحو كل مواطنٍ يدخل إلى المركز الانتخابي أو يخرج منه، بغضّ النظر عن عمره أو مكانته الاجتماعية. المشهد لم يكن مجرد سلوكٍ عابر أو حالةٍ فردية، بل يعكس تحولاً خطيراً في بنية الوعي الجمعي، وانحداراً في منظومة القيم التي كانت تميز أبناء هذه المدينة الشعبية العريقة...؛ فهذا السلوك لا يُمكن النظر إليه كحالة عابرة أو مزحة شبابية، بل هو عرضٌ صارخٌ لمرضٍ نفسيٍ واجتماعيٍ متفشٍّ في بنية الوعي الجمعي العراقي، ونتاج مباشر لتلوثٍ سياسيٍ طويل الأمد مسَّ القيم، والضمير، والوجدان ... ؛ بل حدث ما هو أدهى وأمرّ؛ إذ نقل أحد شهود العيان من المشاركين في عملية التصويت أن بعض الصبيان والشباب كانوا يرشِقون الناخبين بالعِصي بواسطة ( المصيادة ) ، وقد قَذَفوا امرأة ثلاثينية بحصوةٍ أصابتها في موضعٍ حرج ، وهم يضحكون… !! وغير ذلك من التصرفات اللا أخلاقية، فضلًا عن تهديد المواطنين، الأمر الذي استدعى تدخل قوات الشغب في قطاع 75 وغيره من المناطق الشعبية التي يتبع بعض سكانها تيارًا دينيًا وسياسيًا معارضًا للانتخابات الحالية. لقد عُرفت مدينة الصدر ــ كما يعرفها العراقيون ــ بأنها بيئة تحترم الجار وتبجل الكبير وتحتفي بالعشرة والقربى... ؛ غير أن هذه القيم أخذت تتآكل تدريجياً تحت وطأة التحزب الأعمى، والتوجيهات السياسية المنحرفة، والتدين المؤدلج الذي فرّغ الدين من روحه السامية وجوهره الإنساني وحوّله إلى سلاحٍ للطعن والتخوين والكراهية والتكفير ... ؛ فبات الشاب يتنمر على المرأة، والابن يسيء إلى والده، والجيران يتناحرون لأجل راية حزبية أو شعارٍ طائفي، حتى غدت الأخلاق القديمة ــ التي كانت تُعد عنوان الكرامة ــ غريبة في مدينتها...!! نعم , لقد كانت مدينة الصدر ـ كما يعرفها العراقيون ـ رمزاً للتكافل الشعبي، والاحترام، والغيرة الاجتماعية، ومأوى للفقراء والكادحين الذين تمسكوا رغم البؤس بالقيم النبيلة... ؛ لكن ما نراه اليوم من انحدارٍ في السلوك العام يعكس تصدعاً في البنية التربوية والاجتماعية للمدينة، نتيجة تراكماتٍ سياسية ودينية وحزبية شوّهت معنى الانتماء، وحوّلت المراهقين إلى أدواتٍ بيد جماعاتٍ مؤدلجة تغذي فيهم الغرور والعدوانية باسم الدين أو المقاومة أو الولاء أو العشيرة . ولم يشهد التاريخُ المعاصر انتهاكًا لهذه الأعراف والعادات والتقاليد إلا على أيدي زبانية الحرس القومي وعناصر حزب البعث الاجرامي ولكي ننصف، فإن هذا الوصف لا ينطبق على كل منتمٍ للبعث آنذاك، فكثيرون منهم حافظوا على قيم الاحترام والتقدير... ؛ لكنّ المؤسف، وبشكلٍ يبعث على الأسى، أن هذا الخُلُق الدنيء قد انتقل كالعدوى إلى بعض أتباع التيارات والأحزاب السياسية الاسلامية الحالية، ممن يفتقرون إلى الوعي والأدب والخلق الرفيع . إن هذا الانحراف في السلوك الاجتماعي ليس سوى انعكاسٍ مباشرٍ لأزمةٍ أعمق، هي أزمة الوعي السياسي والديني التي غذّتها الأحزاب والتيارات قبل عام 2003 وبعده ... ؛ فهذه القوى، بدل أن تبني جيلاً يؤمن بالحوار والتنوع واحترام الآخر، صنعت جيلاً مشحوناً بالتعصب والانقسام، يُقاد بالشعار لا بالفكر، وبالعاطفة لا بالعقل، حتى صارت الطاعة للحزب أو التيار أهم من احترام الأم أو الجار أو الوطن. الخطورة لا تكمن فقط في السلوك الظاهري لتلك الفئة من الشباب والصبيان والاطفال ، بل في ما يكمن خلفه من تراكماتٍ نفسية واجتماعية... ؛ فجيلٌ نشأ على الانتماء الحزبي المنغلق والتعصب الديني والمذهبي الاعمى قبل الانتماء الإنساني والوطني ، وعلى الولاء للرمز قبل الولاء للقيم، هو جيلٌ مفرغ من المعنى، يشعر بالتفوق الزائف على الآخرين ويبحث عن ذاته في إهانة المختلف ومقاطعة الاخر ... ؛ إن هذا الشعور بالتفوق المضلل هو أحد تجليات "عقدة النقص الجمعي" التي تُولد حين يغيب القدوة الحقيقية ويحلّ محلها القائد الصنمي أو الزعيم المعصوم حزبياً او المحاط بهالة دينية مقدسة . نعم , لقد وصل الأمر ببعض الأفراد المُؤدْلَجين إلى درجة أن يصيروا أعداءً لأمهاتهم وآبائهم وإخوتهم، فما بالكم بالجار والقريب والزميل ؟! لقد روّجت الشعارات الحزبية والخطابات الطائفية الهجينة للكراهية والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة والحي الواحد والعشيرة الواحدة والمكون الواحد والمجتمع الواحد ، وهي شعارات لا تمتّ بصلةٍ إلى القيم الإسلامية السمحة، ولا إلى العادات والتقاليد العراقية الأصيلة. لقد تحولت بعض الأحزاب الدينية والسياسية إلى مدارس لتخريب الأخلاق العامة، فهي لا تُربي أفرادها على مكارم الأخلاق بل على لغة العداء والفرز، فصار الخطاب الطائفي هو المرجعية، والعنف هو وسيلة التعبير، والتشهير هو أداة الإقناع... ؛ بل امتدت هذه الثقافة إلى الفضاء الإلكتروني، حيث جيوش من المأجورين تهاجم من يشارك أو يختلف أو ينتقد، في محاولةٍ لتكميم العقول كما تُكمم الأفواه. إن استمرار هذه الظواهر السلبية دون مواجهةٍ جادة يعني انهيار البنية الأخلاقية للمجتمع العراقي، وتقويض ما تبقى من التجربة الديمقراطية الوليدة... ؛ فحين يفقد المواطن احترامه للآخر، تنتهي الديمقراطية قبل أن تبدأ، ويتحول الاقتراع إلى ساحة صراعٍ غرائزي بدل أن يكون ميداناً للتعبير الحر... ؛ ومن هنا تأتي مسؤولية الدولة والنخب والمثقفين والمؤسسات الدينية المستقلة ومنظمات المجتمع المدني في إعادة بناء الوعي، عبر تشريعاتٍ رادعة وسلوكياتٍ تربوية وتعليمية تزرع في الشباب احترام الإنسان قبل الحزب، والوطن قبل المذهب. ويبقى السؤال المُلِحّ: من أعطى لهؤلاء الحق، بل ومن أمرهم بالتطاول على الناس والسخرية من المشاركين في الانتخابات، دون مراعاةٍ لحرمة السن أو صلة القرابة أو حقوق الجوار؟! فإن كان الأمر صادرًا عن توجيهٍ مباشر من هذه الأحزاب أو الجماعات الدينية، بحيث يأمرون بقطع الأرحام وإهانة الجيران وتجاوز الصغار على الكبار، فلا خيرَ البتة في مثل هذه التنظيمات المشبوهة، المنحرفة عن منهج الإسلام الحقيقي وعن سيرة آل البيت الكرام، الذين اشتهروا بمكارم الأخلاق... ؛ وإن كانت هذه التصرفات عفويةً وتلقائية، فهي دليلٌ دامغ على إهمال القيادات السياسية والدينية لمسؤوليتها في تربية أتباعها وتنشئتهم على القيم الفاضلة والأخلاق الكريمة التي يدّعون الانتماء إليها. *التحليل النفسي: من الناحية النفسية، فإن هذه التصرفات تعبّر عن اضطرابٍ جمعي في الشخصية العراقية الناشئة، التي عاشت بعد 2003 صراعاً بين الانفتاح المفاجئ على الحرية وبين غياب التربية على المسؤولية... ؛ فالشاب الذي يسخر من مواطنٍ يشارك في الانتخابات ليس بالضرورة متمرداً على الديمقراطية، بقدر ما هو ضحيةٌ لفقدان القدوة وتشتت الهوية. لقد تربّى هذا الجيل في بيئةٍ مزدوجة: من جهة، خطابات دينية متشددة تزرع الخوف لا الوعي، ومن جهة أخرى، فوضى سياسية وإعلامية تغذي مشاعر الكراهية والانقسام... ؛ ونتيجة لهذا التناقض، تولدت لديه ما يمكن تسميته بـ"عقدة العجز المقموع"، وهي حالة نفسية تدفع الفرد إلى تعويض شعوره بالضعف الداخلي من خلال التنمر على الآخرين وإهانتهم... ؛ فالاستهزاء بالآخر هنا ليس تعبيراً عن قوة، بل عن خوفٍ دفينٍ من اللاجدوى والفراغ والمعنى المفقود. كما أن ظاهرة التنمر الجماعي أمام مراكز الاقتراع تحمل بعداً نفسياً آخر هو ميكانيزم الإسقاط؛ إذ يُسقط هؤلاء الشباب فشلهم وإحباطهم وشعورهم بالعجز على من يمثل لهم "النظام" أو "السلطة" ؛ أو الذي يسعى الى دولة يسود فيها القانون والنظام والانضباط والحريات ، فيتحول الناخب البسيط إلى هدفٍ رمزيٍ يُفرّغ فيه الغضب الجمعي... ؛ إنهم يهاجمون المواطن لأنه الوحيد الذي ما زال يجرؤ على الأمل، بينما هم غارقون في قناعةٍ بأن لا شيء يتغير. *هشاشة الهوية والبحث عن الانتماء و يمكن فهم سلوك هؤلاء الشباب من خلال عدة زوايا نفسية: • التعويض عن الإحساس بالدونية: حيث يتحول الشاب المهمش إلى مهاجمة من يفترض أنهم "أفضل منه" بالمشاركة في العملية السياسية . • التماهي مع القوي: يجد الشاب في الجماعة الحزبية بديلاً عن الهوية الهشة، فيتبنى عدوانيتها كمصدر للقوة . • الاستلاب الثقافي: حيث يفقد الشاب ايمانه بالمرجعيات التقليدية والقيم والعادات والتقاليد الاجتماعية دون أن يجد بديلاً متوازناً . • الشرعية الأخلاقية المستعارة: يشعر بأن أفعاله مبررة لأنها "في سبيل المذهب" أو "الحزب" . *التحليل الاجتماعي: اجتماعياً، هذه الظاهرة ليست إلا ثمرةً مُرّة لانحلال منظومة القيم التقليدية، واندثار سلطة الأسرة والمدرسة والجار، وصعود سلطة الحزب والتيار والزعيم... ؛ فحين يصبح الانتماء السياسي والديني بديلاً عن الانتماء الإنساني والوطني ، تنهار الحدود الأخلاقية التي كانت تضبط العلاقات الاجتماعية. لقد ساهم التحزب والطائفية في تفكيك النسيج الاجتماعي للمدن العراقية، إذ لم يعد الجار جاراً، بل ممثلاً لحزبٍ أو تيارٍ أو مرجعية دينية وسياسية وعشائرية... ؛ ومع هذا التحلل، فقد المجتمع العراقي "نظامه القيمي الضابط" الذي كان يمنح الأفراد شعوراً بالمسؤولية المتبادلة... ؛ فالتنمر هنا ليس سوى انعكاسٍ لغياب الضابط الجمعي، حيث تآكل مفهوم الاحترام المتبادل، وانهارت هيبة الكبار، وصار المراهق يرى في سلوكه العدواني وسيلةً لإثبات الذات في محيطٍ مرتبك. نعم , من الناحية السوسيولوجية، فيمكن القول إنّ ما نشهده هو تفكك في رأس المال الاجتماعي، أي فقدان الثقة والتضامن بين أفراد المجتمع... ؛ فالأحزاب والطوائف والجماعات السياسية والدينية نجحت في إعادة تشكيل الهويات الجزئية على حساب الهوية الوطنية والنزعة الانسانية ، فصار الولاء للحزب هو معيار الأخلاق، والانتماء إلى التيار هو معيار الفضيلة... ؛ ومن هنا، نشأت لغة جديدة في الشارع العراقي قائمة على الاستهزاء، والتخوين، والنبز، والعنف اللفظي، وهي لغة تُعبّر عن مجتمعاتٍ فقدت الإحساس بالتماسك والتضامن والتكاتف والوحدة والاواصر المشتركة . *تفكك البنى التقليدية واستبدالها تمثل هذه الظاهرة علامة على تحول خطير في البنية الاجتماعية. فالأحياء الشعبية التي كانت تحافظ على تماسكها عبر قيم "احترام الجار" و"توقير الكبير" تشهد الآن انهياراً لهذه الركائز تحت وطأة ثلاثة عوامل: 1. استبدال الولاءات: حيث حلت الولاءات الحزبية والطائفية محل الروابط المجتمعية التقليدية. 2. تفكيك السلطة الأبوية: لم يعد الأب أو كبير العائلة هو المصدر الوحيد للتوجيه والقيم . 3. الاستقطاب المكاني: تحولت الأحياء إلى معاقل حزبية، فصارت الجغرافيا انعكاساً للانقسام السياسي .
*التحليل السياسي والنفسي المشترك: سياسياً، هذه الظاهرة تُظهر كيف فشلت القوى الحاكمة في بناء مواطنٍ ناضج، لأنها انشغلت بتكريس الولاء بدلاً من بناء الوعي... ؛ إن الشاب الذي يهاجم من يشارك في الانتخابات لم يتعلم أن الديمقراطية هي حرية، بل تعلم أن السياسة صراعٌ بين "نحن" و"هم"، وأن الاختلاف خيانة، وأن المشاركة في الانتخابات فعلٌ غير وطني ما لم يكن تحت راية الحزب الذي ينتمي إليه. ونفسياً، يتحول هذا الفهم المشوه إلى شعورٍ جمعي بالعنف الرمزي، حيث يرى الفرد أن ممارسة العدوان هي شكل من أشكال الانتماء، وأن الإساءة للآخر هي إثباتٌ للهوية... ؛ وهكذا تتحول الديمقراطية إلى ساحةٍ للانفعالات البدائية، بدل أن تكون ميداناً للنقاش الحر والمسؤول. *لماذا تنتشر في الأحياء الفقيرة تحديداً؟ تكون هذه الظاهرة أكثر حدة في الأحياء المهمشة والشعبية والفقيرة لعدة أسباب: 1. الاقتصاد السياسي للفقر: تستغل الأحزاب الحاجة المادية، فتحول الفقراء إلى وقود للصراعات . 2. البيئة الحاضنة للشعبوية : الخطابات الشعبوية التي تقدم تفسيرات مبسطة للمشكلات المعقدة تجد آذاناً صاغية في هذه الأحياء. 3. انعدام البدائل: غياب المؤسسات الثقافية والفكرية والرياضية ومنظمات المجتمع المدني يترك الشباب فريسة للاستقطاب الحزبي والديني . 4. الإحباط المتراكم: يصبح العنف السياسي لغة للاحتجاج على التهميش المزمن .
*استراتيجيات المعالجة: مقاربة متعددة المستويات *على المستوى المجتمعي: • إحياء مؤسسات "الارشاد الاجتماعي والنفسي " و" منظمات المجتمع المدني والمنظمات الانسانية الفاعلة " كوساطة مجتمعية . • برامج التوعية التي تفكك الخطاب الشعبوي وتعزز المواطنة . • إشراك الشباب في مشاريع خدمية تطوعية تعيد بناء الروابط المجتمعية . *على المستوى الحكومي: • تطوير تشريعات رادعة للعنف السياسي مع التركيز على الجانب الوقائي . • دعم الاقتصاد المحلي في هذه المناطق لتحقيق عدالة توزيعية . • إنشاء مراكز شبابية ثقافية كبديل عن التجييش الحزبي والديني . *على المستوى التربوي: • إدماج قيم الحوار والتسامح في المناهج الدراسية والقنوات الاعلامية . • برامج تأهيلية للشباب المستقطب، تركز على بناء الهوية الوطنية . • تدريب الأئمة والخطباء على خطاب الاعتدال والتعايش السلمي . النتائج والتداعيات: استمرار مثل هذه المظاهر يعني المزيد من التشظي والانقسام داخل المجتمع العراقي، ومزيداً من فقدان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة... ؛ كما يؤدي إلى تآكل القيم التربوية والنفسية التي تشكل أساس العيش المشترك، ويفتح الباب أمام عودة الدكتاتورية بأشكالٍ جديدة، عبر خلق بيئةٍ تكره الحرية وتخاف من الرأي المختلف. إن الديمقراطية لا تُبنى بالصناديق وحدها، بل تُبنى بالعقول التي تضع في داخلها ضميراً حياً... ؛ ولا مستقبل لبلدٍ يُهان فيه الكبير ويُسخر من المشارك في اختيار مصيره، لأن من يضحك اليوم على الناخب الحر، قد يبكي غداً على وطنٍ فقد حريته تحت أقدام الجهل والتعصب والاجرام والارهاب والدكتاتورية والتسلط العائلي او الفئوي . وهذا كله يستدعي، وبأقصى سرعة، تحرّك النخب الوطنية والهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني العراقية لتشريع قوانين رادعة وصارمة، تضمن حماية المواطن وهو يؤدي واجبه الانتخابي، وتُحاسب كل من يتعدى عليه أو يحاول ترهيبه... ؛ فالحفاظ على الحريات العامة وتقوية الديمقراطية الناشئة مسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل أو المساومة. *الخلاصة: ما يحدث في الشارع العراقي اليوم ليس مجرد انحرافٍ أخلاقي، بل انهيارٌ قيمي ناتج عن غياب القدوة، واستبدال الوعي بالولاء، والإنسانية بالشعار... ؛ ولن تعود القيم إلى مكانها الطبيعي ما لم تُفصل السياسة عن العصبية، والدين عن التجارة، وتُعاد للإنسان هيبته بوصفه الغاية لا الوسيلة. نعم , إن ما يجري في شوارعنا ومراكز اقتراعنا ليس مجرد انحرافٍ أخلاقي، بل مأساةٌ نفسية واجتماعية تُنذر بموت الضمير الجمعي إذا لم تُواجه بمنهجٍ وطني وتربوي وإعلامي جديد... ؛ اذ ينبغي إعادة الاعتبار للتربية الأخلاقية لا بوصفها مادة دراسية، بل كمنظومةٍ وجودية تعيد للإنسان العراقي ثقته بذاته وبوطنه وهويته ... ؛ فلا ديمقراطية بلا أخلاق، ولا حرية بلا وعي، ولا وطن بلا احترامٍ متبادل... ؛ إن الإصلاح يبدأ من النفس، ومن تربية جيلٍ يؤمن أن الكلمة الطيبة أبلغ من الصراخ، وأن المشاركة ليست جنوناً، بل مسؤولية تجاه المستقبل. إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب الاعتراف بأنها ليست مجرد انحراف أخلاقي، بل هي نتاج لاختلالات هيكلية في توزيع السلطة والثروة والفرص... ؛ فالعدالة الوطنية - التي تضمن حصول كل حي على حقه في التنمية والتمثيل - هي الضمانة الحقيقية لاستعادة النسيج الاجتماعي وبناء ديمقراطية حقيقية تتسع للجميع.
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمر التوازن تحت مطر الفوضى والتشويش: محاولة للوجود والاتزان
...
-
زعامة الفقاعات وساسة الاعلانات واللقاءات : حين يتحوّل الترشّ
...
-
تداعيات المرحلة الانتقالية: استغلال الطفولة وتقويض الديمقراط
...
-
العراق وسوريا بعد سقوط دمشق: تشريح التوترات الأمنية والطائفي
...
-
المسافة الآمنة: فنّ وضع الحدود في العلاقات الإنسانية
-
مقولة وتعليق/ 62/ الحرية ثمرة العقل المستنير
-
مقولة وتعليق / 61 / التعليم والذكاء: ثنائية الزيف والحقيقة ف
...
-
دور الصداقة ومنازل القلوب
-
بين المعرفة والوعي: اغتراب الذات في عصر المعلومات
-
ثقافة السلبية في المجتمع العراقي: بين الوعي الجمعي والتوجيه
...
-
هواجس الإيمان: سيرة ذاتية في عشق المجهول
-
بغداد تُستباح بهدوء... العمالة الأجنبية كحصان طروادة جديد
-
أطفال داعش المنسيون: تداعيات جهاد النكاح والمستقبل المجهول
-
الصديق الذي يشبه الدواء... حين يصبح الإنسان علاجًا للإنسان
-
الإنسان المرهق... حين يمشي العالم محمولًا على أكتاف الأرواح
...
-
تشريح البيئة الملوثة بالسموم الاجتماعية والامراض والعقد النف
...
-
تجنيس الغرباء في العراق: أزمة هوية وطنية أم فوضى إنسانية مقن
...
-
فلسفة اللحظة الضائعة: حين يبتلع الزمن ملامحنا
-
الجنوب العراقي بين مطرقة السادية وسندان المازوخية : قراءة سو
...
-
الخيانة كمرضٍ نفسيّ وعقدةٍ اجتماعية
المزيد.....
-
-مش خرابة بيوت-.. حلا شيحة تدعم دينا الشربيني وتوجهت برسالة
...
-
من هو قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، الذي حصل على
...
-
إندونيسيا تستعد لإرسال قوات لضمان تحقيق الاستقرار في غزة
-
مشروع قرار أمريكي لإنشاء قوة دولية في غزة
-
المكسيك: عشرات الجرحى أغلبهم من الشرطة في احتجاجات ضد السياس
...
-
لبنان يعتزم تقديم شكوى ضد إسرائيل بتهمة بناء جدار على أراضيه
...
-
ما فرص نجاح مبادرة الرباعية حول السودان في ظل التصعيد الميدا
...
-
شاهد.. لأول مرة علم فلسطين يرفرف على سارية كالغاري الكندية
-
-كوب 30-.. احتجاجات للمطالبة بالعدالة المناخية وحماية الكوكب
...
-
رامافوزا يقود حملة تنظيف جوهانسبرغ قبيل قمة الـ 20
المزيد.....
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|