أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق/ 62/ الحرية ثمرة العقل المستنير














المزيد.....

مقولة وتعليق/ 62/ الحرية ثمرة العقل المستنير


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 10:01
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قال الدكتور علي شريعتي : «لا حرية دون وعي، ولا وعي دون معرفة».
هذه المقولة تبدو للوهلة الأولى بسيطة التركيب، لكنها في عمقها أشبه بسلسلة فلسفية مترابطة الحلقات؛ تبدأ من المعرفة كأصل وجذر، يتفرع عنها الوعي كجذع، ثم تنمو الحرية كثمار ناضجة على شجرة راسخة في أرض الفكر.
نعم بهذه العبارة الفاصلة نكون أمام سلسلة مترابطة تشكّل شريان الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية... ؛ تبدأ بالمعرفة باعتبارها الجذر الأول، يتفرع عنها الوعي كجذع صلب، ثم تزهر الحرية كثمرة ناضجة، فلا يمكن للحرية أن تولد في فراغ، ولا أن تقوم على جهل أو وعي زائف... ؛ فالمعرفة هنا ليست مجرد حشو معلومات أو تكديس محفوظات، بل هي الفهم العميق للذات وللعالم، وامتلاك أدوات التفكير النقدي والتحليل والاستنتاج... ؛ فإذا استنارت العقول بالمعرفة تشكّل الوعي، وهو المرحلة التي يتحول فيها الإدراك الفردي إلى رؤية نقدية جماعية تعي الواقع وتدرك تناقضاته وتكشف زيف مسلّماته.... ؛ ومن رحم هذا الوعي تنبثق الحرية، لا بوصفها شعاراً أجوف أو مطلباً سياسياً عابراً، بل باعتبارها قدرة إنسانية على التحرر من الاستلاب؛ من الجهل، ومن الخوف، ومن عبودية القوى المستبدة... ؛ فالحرية لا تُمنح من فوق ولا تُشترى من سوق السياسة، بل تُنتزع انتزاعاً عندما يكون المجتمع قد استكمل شروطها في المعرفة والوعي والإرادة.
إن أي حديث عن الحرية بمعزل عن المعرفة، لا يعدو كونه شعارًا أجوف، أو راية مرفوعة على أرض قاحلة لا تنبت شيئًا... ؛ فالتاريخ يخبرنا أن كل الثورات الكبرى لم تُولد من فراغ، بل سبقتها عصور تنوير أشعلت عقول الناس بالعلم والفكر، حتى صاروا قادرين على كسر قيودهم... ؛ في المقابل، فإن المجتمعات التي حُرمت من المعرفة، عاشت رهينة الأوهام، مقيدة بالخرافة، حتى وإن تغنت بالحرية ورفعت شعاراتها.
في علم النفس السياسي، يُعرّف الوعي بأنه القدرة على إدراك البُنى الخفية التي تشكّل الواقع : القوى المتحكمة، المصالح المستترة، الآليات غير المرئية التي تسير المجتمع... ؛ وبذلك نفهم أن الحرية ليست مجرد غياب للسلاسل والقيود الخارجية ، بل هي بالأساس تحرر داخلي يبدأ من العقل... ؛ فالإنسان الجاهل قد يظن نفسه حرًّا، لأنه يتحرك بلا قيد ظاهر، لكنه في الحقيقة يسير وفق ما تمليه عليه الدعاية، أو ما تفرضه العادات، أو ما يرسخه الخوف من المجهول... .
شريعتي أراد أن يضع أمامنا معادلة وجودية خطيرة: لا وعي بلا معرفة، ولا حرية بلا وعي... ؛ أي أن القراءة والتفكير والتساؤل ليست ترفًا أو هواية مثقفين، بل هي شرط النجاة من العبودية الفكرية والاجتماعية... ؛ فمن لا يعرف لا يعي، ومن لا يعي لا يملك حريته، حتى وإن ظن العكس.
إن مأساة الإنسان العربي – والعراقي خصوصاً – أنه كثيراً ما يرفع راية الحرية قبل أن يؤسس لبنيانها المعرفي والتوعوي ، فيسقط في فخ الفوضى أو الاستبداد المقنّع... ؛ لذلك فإن كل مشروع نهضوي حقيقي لا بد أن يبدأ من إصلاح العقل وتحرير الوعي قبل أي محاولة لإقامة أنظمة سياسية أو اجتماعية جديدة.
إن مقولة شريعتي ليست مجرد جملة نظرية، بل هي خريطة طريق للخلاص:
المعرفة هي المفتاح.
الوعي هو البوابة.
الحرية هي الغاية.
وبغير هذا التسلسل، ستظل الحرية شعاراً معلّقاً في فضاء الشعارات، لا حقيقة مجسّدة في حياة الناس.
إن هذه المقولة الفكرية تجعلنا نعيد النظر في واقعنا العربي والعراقي اليوم: فهل نمتلك المعرفة التي تولد الوعي؟
وهل نملك الوعي الذي يثمر الحرية؟
أم أننا نكتفي بالشعارات، بينما تبقى جذور المعرفة ضامرة، وثمار الحرية معلقة في الهواء بلا أرض تنمو فيها؟



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقولة وتعليق / 61 / التعليم والذكاء: ثنائية الزيف والحقيقة ف ...
- دور الصداقة ومنازل القلوب
- بين المعرفة والوعي: اغتراب الذات في عصر المعلومات
- ثقافة السلبية في المجتمع العراقي: بين الوعي الجمعي والتوجيه ...
- هواجس الإيمان: سيرة ذاتية في عشق المجهول
- بغداد تُستباح بهدوء... العمالة الأجنبية كحصان طروادة جديد
- أطفال داعش المنسيون: تداعيات جهاد النكاح والمستقبل المجهول
- الصديق الذي يشبه الدواء... حين يصبح الإنسان علاجًا للإنسان
- الإنسان المرهق... حين يمشي العالم محمولًا على أكتاف الأرواح ...
- تشريح البيئة الملوثة بالسموم الاجتماعية والامراض والعقد النف ...
- تجنيس الغرباء في العراق: أزمة هوية وطنية أم فوضى إنسانية مقن ...
- فلسفة اللحظة الضائعة: حين يبتلع الزمن ملامحنا
- الجنوب العراقي بين مطرقة السادية وسندان المازوخية : قراءة سو ...
- الخيانة كمرضٍ نفسيّ وعقدةٍ اجتماعية
- عندما يتحول الفضاء الرقمي والاعلام إلى ميدان صراع و حين يتكل ...
- المسرحية السياسية في العراق: وجوه تتبدل... والمأساة واحدة
- حين يتكرر المشهد: تكالب الأقليات السياسية على الأغلبية العرا ...
- حين تُغتال الحقيقة: اغتيال صفاء المشهداني وفضيحة الخطاب الطا ...
- حين يتنفس الحزن من رئة الوجود
- الشاب العراقي… أحلامٌ تذبل في سوق العمل الموحش


المزيد.....




- السودان- مفوض أممي: الفاشر تشهد فظائع مروعة والأطفال يموتون ...
- الكنيست يقر القراءة الأولى لمشروع قانون يُجيز إغلاق وسائل ال ...
- إسبانيا: تعرّض ضابطيْ شرطة لضربٍ وحشي أدّى لكسرٍ في الأسنان ...
- تقرير أممي: 70 ألف شخص نزحوا يوميا العقد الماضي بسبب الكوارث ...
- أمنستي تدعو نيجيريا لتبرئة 9 نشطاء أعدمتهم قبل 30 عاما
- سوريا توقع إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدو ...
- أول تصريح لترامب عن أحمد الشرع بعد لقاء البيت الأبيض
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -نعمل مع تل أبيب على التفاهم مع دمشق-.. ترامب: نريد سوريا نا ...
- لقاء تاريخي بواشنطن .. ترامب يستقبل الشرع وسط تحولات سياسية ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق/ 62/ الحرية ثمرة العقل المستنير