أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - حين تُغتال الحقيقة: اغتيال صفاء المشهداني وفضيحة الخطاب الطائفي في العراق















المزيد.....

حين تُغتال الحقيقة: اغتيال صفاء المشهداني وفضيحة الخطاب الطائفي في العراق


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 15:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة: جريمة تتجاوز حدود القتل
لم تكن جريمة اغتيال صفاء المشهداني حدثاً جنائياً عابراً، بل لم تكن جريمة اغتيال صفاء المشهداني مجرّد حادثة أمنية في بلدٍ اعتاد سماع أصوات الرصاص و أنهكته الاضطرابات والازمات والاغتيالات والاعدامات والانتكاسات ... , بل تحوّلت إلى اختبار جديد لضمير السياسة والإعلام في العراق... ؛ فبينما كان الشارع العراقي يبحث عن الحقيقة ... ؛ تحولت الجريمة في ساعاتها الأولى إلى مادةٍ للتوظيف السياسي والإعلامي، إذ سارع بعض الساسة والإعلاميين المحسوبين على المكوّن السني إلى استثمارها لإثارة الرأي العام وتأجيج الانقسام الطائفي، عبر إلصاق التهمة – دون دليل – بأطراف شيعية أو بفصائل من الحشد الشعبي، في محاولة لاستثمار الحادثة ضمن خطاب “المظلومية السنية” المعتاد في مواسم التوتر السياسي والانتخابات .
تسييس المأساة: حين يتحول الدم إلى ورقة ضغط
منذ اللحظات الأولى لانتشار الخبر، انطلقت موجة من التصريحات والاتهامات عبر فضائيات ومنصات إعلامية محسوبة على الخطاب السني، تلمّح أو تصرّح بأن “الميليشيات الشيعية” أو “الحشد الشعبي” وراء الاغتيال... ؛ في محاولة لتوجيه الرأي العام نحو وجهة مسبقة تخدم أجنداتهم الحزبية المنكوسة والمذهبية المشبوهة.
لم يكن الهدف – كما بدا – الوصول إلى الحقيقة، بل تغذية رواية المظلومية التي تُستدعى في كل أزمة لتأجيج الشارع واستدرار التعاطف السياسي... ؛ وهكذا، تحولت الجريمة من قضية عدالة إلى مشهد تعبوي تُدار فيه المشاعر لا الوقائع، والكراهية لا القانون.
كان المشهد مألوفاً في بلدٍ اعتاد تحويل المآسي الإنسانية إلى أوراق ضغط سياسي، فالإعلام الموجّه وبعض الشخصيات السياسية وجدوا في الحادثة فرصة جديدة لإحياء خطاب “المظلومية الطائفية”، متجاهلين أن الدم العراقي واحد، وأن الاتهام المسبق دون بينة لا يخدم الضحية، بل يسيء إليها مرتين: مرة حين تُغتال جسداً، ومرة حين تُستغل ذكراها في سوق المزايدات الطائفية.
انكشاف الحقيقة وصمت الأبواق
لكن الحقيقة لا يمكن أن تُحبس طويلاً... ؛ فمع تقدّم التحقيقات الرسمية، اتضح أن الجناة ينتمون إلى المكوّن نفسه الذي حاول بعض ممثليه إلصاق التهمة بغيره والدفاع عن الضحية ، بل ومن أبناء المنطقة ذاتها؛ بل ومن عشيرة المشهداني نفسها ...!!
عندها خفتت الأصوات التي كانت تصرخ، وسكتت الفضائيات التي ملأت الفضاء ضجيجاً، وغابت البيانات التي كانت تُدين وتُطالب بالثأر... ؛ فجأةً، اختفى الخطاب التحريضي ، وتبخّرت الشعارات الطائفية ، وابتلع الجميع ألسنتهم كأنهم لم يكونوا جزءاً من حملة تضليلٍ منظمة... ؛ فتواروا عن الأنظار وكأن شيئاً لم يكن، وغابت بياناتهم النارية وخطاباتهم الجاهلية التي كانت تُطالب بالعدالة والكرامة والهوية واخذ الثأر .
إدانة مزدوجة: الجريمة والتوظيف
لقد عرّت هذه الحادثة ازدواجية الخطاب الطائفي الذي يهيمن على المشهد السياسي العراقي، إذ لم يكن الهدف من إثارة القضية هو البحث عن العدالة أو كشف الحقيقة، بل استغلال المأساة لإثارة النعرات وكسب التعاطف الشعبي والاصوات الانتخابية ... ؛ وعندما تهاوت الرواية التي رُوّجت، انهارت معها الأقنعة التي يرتديها بعض الإعلاميين والسياسيين ممن يعيشون على تغذية الانقسام، لا على خدمة الإنسان العراقي أيّاً كانت طائفته أو قوميته.
نعم لقد كشفت هذه الحادثة عن وجهين من الجريمة: الأول ماديّ، تمثّل في اغتيال إنسان بريء؛ والثاني معنويّ، تمثّل في اغتيال الحقيقة وتزييف الوعي العام.
فالتحريض الطائفي، حين يتخذ من المآسي وقوداً، لا يقلّ خطراً عن الرصاص الذي يُطلق على الأبرياء... ؛ بل إن الإعلام الذي يُضلّل الناس باسم “الهوية” و”الانتماء” يرتكب جريمة ضد الذاكرة الجماعية للأمة العراقية ، لأنه يزرع في النفوس انقساماً أعمق من الجرح ذاته.
الإعلام الطائفي: صناعة الكراهية وتدوير الأزمات
تُظهر هذه الواقعة كيف أصبح الإعلام العراقي – في بعض مساحاته – أداة سياسية لا وسيلة توعوية... ؛ فبدلاً من أداء دوره في التحقق والتقصي، صار كثير من الإعلاميين أشبه بجنودٍ في معارك الطوائف.
يستثمرون المآسي، يصنعون بطولات وهمية، ويُعيدون إنتاج خطاب الخوف والكراهية الذي يحافظ على نفوذهم... ؛ وهكذا، تواصل القنوات الممولة تأجيج الانقسام، فيما يتآكل الحسّ الوطني ويضيع صوت الحقيقة وسط العواصف المفتعلة.
نعم هذه الحادثة لم تفضح الجناة فقط، بل فضحت قبلهم آلية التفكير الطائفي التي ما زالت تحكم جزءاً واسعاً من الطبقة السياسية والإعلامية في العراق... ؛ فهناك من لا يرى في الأحداث سوى فرصة لإعادة إنتاج خطاب “نحن” و”هم”، وتغذية الانقسام بين أبناء البلد الواحد. وحين تنكشف الحقيقة، يتوارى هؤلاء خلف شعارات أخرى، ليعودوا في مناسبة جديدة بخطاب جديد، يحمل الاسم نفسه والمضمون ذاته: الكراهية... ؛ فحين يتحول الإعلام إلى سلاحٍ بيد دعاة الفتنة والتكفير والطائفية، يفقد المجتمع ثقته بكل ما يُقال ويُنشر... ؛ وعندما يتورط الساسة في استغلال المآسي لأغراض انتخابية أو مناطقية أو سياسية مشبوهة، يُفقد الوطن آخر ما تبقى له من تماسك أخلاقي.
الطائفية السياسية: قناع للفشل الوطني
تؤكد تجربة العراق خلال العقدين الماضيين أن الطائفية لم تعد قضية دينية بقدر ما صارت تكتيكاً سياسياً، يُستخدم لتغطية العجز عن بناء دولة المواطنة.
فعندما يعجز السياسي عن تقديم مشروعٍ تنموي أو وطني، يلجأ إلى إثارة العصبيات المذهبية لاستعادة شرعيته... ؛ وهكذا تتكرّر المآسي، ويتحوّل كل اغتيال أو حادثة إلى مناسبة لإحياء خطاب "نحن المظلومون" و"هم الجناة"، في دوّامة لا تنتهي من الاتهامات المتبادلة.
نعم لقد أثبتت هذه الحادثة أن الطائفية في العراق لم تعد فكرة دينية بقدر ما أصبحت أداة سياسية، يُستخدم فيها الدين والمذهب وقوداً لمعارك النفوذ والمصالح... ؛ وأن ما يُسمّى “الخطاب الطائفي” ليس إلا ستاراً يخفي وراءه فشلاً ذريعاً في بناء دولة المواطنة والعدالة... ؛ فكلما فقد الساسة شرعيتهم ، لجؤوا إلى تحريك الغرائز المذهبية لإعادة الاصطفاف حولهم، حتى وإن كان الثمن دماء الأبرياء وتشويه الحقيقة.
خاتمة: صوت الوطن أعلى من ضجيج الطوائف
إن اغتيال صفاء المشهداني جريمة مدانة بكل المقاييس، ولكن الأخطر منها هو محاولة تحويلها إلى أداة طائفية تُعمّق الجرح العراقي المفتوح منذ سنوات بل عقود طويلة ... ؛ لقد كشفت الحادثة هشاشة الضمير الجمعي لدى كثير من المتصدّرين للمشهد الإعلامي والسياسي ، الذين يتحدثون باسم “المكوّن السني ” لا باسم الوطن، ويقيسون المأساة بميزان الانتماء المذهبي لا بميزان العدالة والإنسانية.
إن ما يحتاجه العراق اليوم ليس مزيداً من التحريض والاتهام، بل شجاعة في مواجهة الذات، والاعتراف بأن الكذب الإعلامي والاصطفاف الطائفي هما جريمتان لا تقلّان خطراً عن جريمة القتل نفسها. فحين تُغتال الحقيقة، يُغتال معها الوطن.
نعم إن اغتيال صفاء المشهداني لم يكن اغتيالاً لشخصٍ فحسب، بل اختباراً لضمير وطنٍ بأكمله... ؛ لقد أثبتت الحادثة أن العدالة لا تُبنى على الكراهية، وأن الحقيقة لا تُصان إلا حين نتجاوز الانتماء الضيق نحو وعيٍ وطني جامع.
فمن يقتل إنساناً باسم المذهب يقتل العراق، ومن يضلّل الناس باسم الطائفة يسرق مستقبلهم.
ولعلّ أصدق ما يمكن أن يقال في هذا المقام:إن من يبتلع لسانه عند ظهور الحقيقة، قد قال بكل صمته ما يدينه أكثر من كل كلامه.
إن ما يحتاجه العراق اليوم ليس من يصرخ “الشيعة فعلوا” أو “السنة ظلموا”، بل من يقول: “كفى… الإنسان هو الضحية”... ؛ فدم صفاء المشهداني، كما دماء كل العراقيين، لا يُقاس بالمذهب ولا يُختصر بالانتماء ... ؛ فالعدالة لا تعرف طائفة، والإنسانية لا تنتمي لحزب.
وسوف تبقى هذه الحادثة درساً مريراً في كيف يمكن لحقيقةٍ واحدة أن تهدم إمبراطورية من الأكاذيب... ؛ لقد سقطت الرواية المزوّرة، وسقط معها جزء من القناع الذي يتخفّى وراءه إعلام طائفي مأجور وساسة يعيشون على صناعة الكراهية... ؛ أما العراق، فسيبقى بحاجة إلى من يُعيد إليه لغة العقل، لا لغة الدم، وإلى من يؤمن أن الوطن أكبر من الطائفة، وأبقى من كل الأصوات التي تحاول تمزيقه باسمها.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يتنفس الحزن من رئة الوجود
- الشاب العراقي… أحلامٌ تذبل في سوق العمل الموحش
- مراجعات ضرورية حول الضربة الإسرائيلية المرتقبة ضد العراق
- الخونة الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا
- السذاجة السياسية وخطر الحاشية الجاهلة
- الشخصية العراقية بين التمرد والاستكانة: قراءة في جدلية السلط ...
- حركة الإسلام السياسي الشيعي في العراق من المقاومة إلى السلطة ...
- براغماتية الإيراني ومثالية العراقي – قضية أمير الموسوي أنموذ ...
- الخائن الدوني : جرح الأمة النازف وطعنة الظهر التي لا تندمل
- الصلاة كفعل حب… قراءة فلسفية في نص زوربا واستلهامه لبناء عال ...
- ظاهرة الوقاحة في العراق: جذور نفسية وتموجات اجتماعية
- ايام الزمن الاغبر / الحلقة السادسة / الفلافل بين حقيقة الجوع ...
- العوائل المعروفة والاسر المشهورة بين شرف الانتساب وأرث الماض ...
- الشيعة وإيران: بين الاستقواء السياسي والتحول الاجتماعي بعد ا ...
- بين العراق وتجارب الأمم الأخرى – لماذا انتصرت بعض الشعوب وفش ...
- الهند والعراق: تشابه ظاهري وتباين جوهري في إدارة التعددية وا ...
- قضية الصبي علي: دموع تهز الرأي العام وتكشف خلل النظام الإصلا ...
- التيه الوجودي: مقاربة نفسية واجتماعية لاستعادة البوصلة
- ثنائية الدين والوطن - الازدواجية المقدَّسة: تناقض الأصوليات ...
- الدعاية الانتخابية بين الفوضى والتبذير وعشوائية الرسالة وتنا ...


المزيد.....




- بعد تصريحه عن السعودية.. سموتريتش يُعرب عن -أسفه-: -لم يكن م ...
- -لا ملوك، تعني لا ملوك- – مقال في نيويورك تايمز
- حكومة ستارمر تحت الضغط.. أكثر من 36 ألف مهاجر وصلوا إلى بريط ...
- جندي درزي يقاضي ضابطًا إسرائيليًا بعد نعته بـ-إرهابي من النخ ...
- -إسرائيل ستفقد دعمنا إذا ضمّت الضفة-.. ترامب متفائل بانضمام ...
- القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف ثالثة بحق بشار الأسد
- ?ابس : هل سيتمكن - جرير والفرزدق- من حل الأزمة البيئية ؟
- رغم مناخها البارد جدا.. طلائع البعوض تصل إلى إيسلندا
- حرب الزيتون.. ارتفاع وتيرة هجوم المستوطنين الإسرائيليين على ...
- الكنيست يقر مناقشة مشروع قانون لضم إسرائيل الضفة الغربية وفا ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - حين تُغتال الحقيقة: اغتيال صفاء المشهداني وفضيحة الخطاب الطائفي في العراق