أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - ظاهرة الوقاحة في العراق: جذور نفسية وتموجات اجتماعية















المزيد.....

ظاهرة الوقاحة في العراق: جذور نفسية وتموجات اجتماعية


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 09:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تشكّل ظاهرة انتشار الوقاحة في المجتمع العراقي تحديًا أخلاقيًا واجتماعيًا عميقًا، له تداعياته الخطيرة على تماسك المجتمع وصحة أفراده النفسية... ؛ إنها ليست مجرد سلوكيات فردية عابرة، بل هي نتاج تشابك معقد لعوامل نفسية واجتماعية وتربوية تحتاج إلى تحليل دقيق.
**الأسباب النفسية والاجتماعية المؤسسة:
1. انهيار البنية التربوية: يُجمع العديد من المتابعين والخبراء وعلماء النفس ، على أن ضعف التربية داخل الأسرة وخارجها (المدرسة) هو المحرك الأساسي... ؛ فالتربية القائمة على العنف (الضرب في البيت والشارع والمدرسة)، كما يصفها البعض، تنتج أجيالاً "معقدة" تفتقر إلى التوازن النفسي والأخلاقي، فتعوض إحباطاتها بالوقاحة والعدوانية... ؛ فضلا عن ان غياب القدوة الحسنة وضعف غرس القيم كالاحترام والتعاطف يخلق فراغًا أخلاقيًا.
2. تفكك الأدوار الأسرية وتغييرها: يطرح البعض رأيًا مثيرًا للجدل (يحتاج إلى تحليل نقدي) يربط الوقاحة بـ غياب الوالدين، خاصة خروج الأم بكثافة لسوق العمل و"مزاحمة الرجل"، مما يؤدي – حسب هذا الرأي – إلى ضياع دور الأم "الطبيعي في التربية" وعدم قدرة الأب على تعويضه بشكل كامل، لينتج عن ذلك "ضياع جيل بكامله"... ؛ بغض النظر عن صحة التوصيف النمطي للأدوار، إلا أن غياب الرعاية الأسرية الواعية والمتوازنة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة أو غياب الوعي التربوي هو عامل حاسم.
3. تأثير الإعلام ووسائل التواصل: يساهم الإعلام (بمختلف أشكاله) في "كسر القيم" وفقًا للبعض ، من خلال تقديم نماذج سلبية من الانحلال وعدم الاحترام... ؛ و الأكثر خطورة هو دور منصات التواصل الاجتماعي، حيث تحولت من مجرد أدوات اتصال إلى بوتقة تنضج فيها "ثقافة الوقاحة" واقتحام الخصوصيات والتطاول، ثم تتسرب هذه الثقافة من العالم الافتراضي إلى "تعاملات الشارع وواقع الحياة"، لتصبح في نظر البعض "شجاعة وجرأة ونوعاً من الاحتساب والهيبة والقوة " وهي في الحقيقة دليل على فراغ وخواء .
4. الجهل وضعف الوعي: يُعد الجهل وتراجع دور مؤسسات التنشئة الفكرية والأخلاقية (كالمساجد التي أصبح دورها "محدودًا في إطار معين" كما يرى البعض، والمدارس التي تعاني أزماتها) عاملاً أساسيًا في غياب الفهم الصحيح للحدود بين الجرأة الإيجابية والوقاحة المذمومة.
5. البيئة المجتمعية المشحونة: يعاني العراق من عقود من الصراع والعنف وانعدام الاستقرار، مما يخلق بيئة من الإحباط الجماعي وفقدان الأمل، تنعكس على سلوك الأفراد... ؛ وقد وصف البعض المجتمع بأنه "مجتمع الغاب، لا يحترمك أحد فقط يمكن أن يخاف منك حسب قوتك ونفوذك وما عندك من مال، فالاحترام والأدب يعتبر ضعفا" في مثل هكذا مجتمعات وتجمعات وبيئات مريضة... ؛ و هذه البيئات المشوهة تغذي الأنانية والصراع من أجل البقاء بغض النظر عن الأدب.

6. النماذج السيئة (خاصة السياسية): يتفق كثيرون على أن الوقاحة صفة بارزة لدى بعض الكبار والشخصيات ، وخاصة السياسيين... ؛ نماذج القيادة "التافهة والسطحية" التي "تسعى للمصالح الخاصة واللذة" وهذه الشخصيات تقدم قدوة سيئة تنعكس على سلوك العامة... ؛ فعندما يرى الصغير الكبير يتصرف بوقاحة وعدم احترام، يتعلم أن هذه هي الطريقة المقبولة للتعامل.
**مظاهر الوقاحة وتداعياتها على المجتمع:

* انتشارها: لم تعد الظاهرة حكرًا على فئة عمرية أو جنسية محددة... ؛ فهي موجودة بين الصغار والكبار، الذكور والإناث، وإن كانت بعض الدراسات تشير إلى أنها عند الذكور أكثر وتتجلى في "تعذيب الحيوانات، التحرش، الكلام النابي، عدم احترام الكبار ... الخ ".
* التمييز بين الجرأة والوقاحة: تكمن المشكلة في الخلط بين الجرأة الإيجابية والوقاحة... ؛ فالجرأة هي الدفاع عن الرأي والمبادئ بثقة وعقلانية ومراعاة للآخر... ؛ أما الوقاحة فهي "الجرأة مع عدم الاحترام" كما يعرفها البعض ، أو "قول أو عمل هجومي" يسيء للآخر... ؛ فهي تعني تجاوز لحدود الأدب واللياقة الاجتماعية المقبولة.
** أنماط الشخصية الوقحة (من منظور نفسي):
* الوقح الخفي: يبدو طبيعيًا لكنه يتحول للوقاحة والأنانية تحت الضغط أو لتحقيق مصلحة (كقطع الطابور).
* الوقح المريض: شخص غير آمن، يبحث عن تأكيد ذاته عبر إذلال الآخرين (كالتحرش لإثبات الجاذبية).
* الوقح المتعالي: تربى على الغرور وعدم احترام الآخر، يعتبر الوقاحة أسلوب حياة.
** التداعيات:
* تفكك النسيج الاجتماعي: تآكل الثقة بين الأفراد، وانتشار العداء والجفاء بدل التعاون والاحترام المتبادل.
* العنف: الوقاحة غالبًا ما تكون مقدمة أو مرافقة للعنف اللفظي والجسدي، وتخلق حلقة مفرغة ("العنف يجلب المزيد من العنف").
* الأذى النفسي: الشعور بالإهانة، انعدام الأمن، القلق، وانخفاض احترام الذات لدى الضحايا.
* تشويه صورة الجيل: يخلق جيلًا يفتقر إلى الذوق والأخلاق، يصعب عليه الاندماج الإيجابي محليًا أو دوليًا (كما أشار أحدهم إلى ارتياحه عند مغادرة العراق بسبب تفشي هذه الظاهرة ).
* تطبيع السلوك السلبي: تحول الوقاحة من سلوك مرفوض إلى أمر شائع ومتسامح معه، بل وقد يُلبس ثوب "الشجاعة" أو "الاحتساب" زورًا.
**سيكولوجية التعامل مع الوقاحة وآفاق الحل:
1. البدء من الأسرة: تعزيز التربية القائمة على الحوار والاحترام المتبادل، وليس العنف... ؛ وتعليم الأطفال الحدود بين الجرأة والوقاحة، واحترام خصوصياتهم... ؛ و دور الأب والأم المتوازن والواعي هو حجر الزاوية.
2. إصلاح المؤسسات التعليمية والدينية: تفعيل دور المدرسة والمسجد في غرس القيم والأخلاق وبناء الشخصية المتزنة، بعيدًا عن التلقين العقيم أو العنف.
3. القدوة الحسنة: ضرورة أن يلتزم الكبار، وخاصة من في مواقع تأثير (سياسيين، إعلاميين، معلمين)، بسلوكيات محترمة.
4. كيفية التعامل الفردي مع الوقح :
* عدم التمثيل (عدم الرد أحيانًا): "أفضل طريقة للرد على الجاهلين... سَلاماً" ( كما اكد ذلك كتاب القرآن الكريم )... ؛ فالتجاهل يمكن أن يكون سلاحًا فعالاً يحرم الوقح من التفاعل الذي يسعى إليه.
* التحكم في النفس وعدم الانجرار: تجنب الرد بالمثل بالعنف أو الوقاحة... ؛ "فالعنف قد يجلب المزيد من العنف".
* المواجهة الهادئة والحازمة: في بعض المواقف، يمكن التعبير عن الرفض للسلوك الوقح بوضوح وثبات ("أعتقد أن هذا تصرف وقح، لماذا تتعامل معي بهذه الطريقة؟").
* الموضوعية: محاولة فهم الدافع (إحباط، يوم سيء؟) دون تبرير السلوك.
* اللطف والحكمة (حين يكون مناسبًا): "مقاتلة الوقاحة باللطف" قد تزيل فتيل الموقف وتشجع على تعديل السلوك.
* الحماية والحدود: وضع حدود واضحة وتجنب الشخص الوقح المزمن إذا فشلت كل المحاولات لحماية الصحة النفسية.
5. دور الإعلام ووسائل التواصل: تحمل مسؤولية تقديم محتوى يعزز القيم الإيجابية والاحترام، ومحاربة خطاب الكراهية والتطاول.
**الخاتمة:
ظاهرة الوقاحة في العراق هي مرآة تعكس أزمات أعمق في التربية والأسرة والمجتمع والحكم... ؛ و جذورها نفسية (إحباط، عدم أمان، تشوهات تربوية) واجتماعية (فقر، عنف، انهيار قيمي، غياب القدوة)... ؛ و تداعياتها تهدد استقرار المجتمع وسعادة أفراده... ؛ و المواجهة تتطلب جهدًا متكاملًا يبدأ بإصلاح المنظومة التربوية في البيت والمدرسة، وتعزيز قيم الاحترام والتسامح، وتوفير بيئة مستقرة تشجع على السلوك الحضاري... ؛ فالحل ليس في العودة إلى أساليب قمعية (كالضرب أو طريقة "الكتاتيب" العتيقة حصرًا)، بل في بناء إنسان واعٍ بذاته ومجتمعه، قادر على التمييز بين الجرأة البناءة التي تكسر الجمود والوقاحة الهدامة التي تكسر القلوب وتمزق النسيج الاجتماعي... ؛ إن إعادة "إلقاء القطار على سكته"، كما عبر البعض ، تتطلب إرادة جماعية ورؤية واضحة تستثمر في الإنسان والأخلاق قبل أي شيء آخر.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايام الزمن الاغبر / الحلقة السادسة / الفلافل بين حقيقة الجوع ...
- العوائل المعروفة والاسر المشهورة بين شرف الانتساب وأرث الماض ...
- الشيعة وإيران: بين الاستقواء السياسي والتحول الاجتماعي بعد ا ...
- بين العراق وتجارب الأمم الأخرى – لماذا انتصرت بعض الشعوب وفش ...
- الهند والعراق: تشابه ظاهري وتباين جوهري في إدارة التعددية وا ...
- قضية الصبي علي: دموع تهز الرأي العام وتكشف خلل النظام الإصلا ...
- التيه الوجودي: مقاربة نفسية واجتماعية لاستعادة البوصلة
- ثنائية الدين والوطن - الازدواجية المقدَّسة: تناقض الأصوليات ...
- الدعاية الانتخابية بين الفوضى والتبذير وعشوائية الرسالة وتنا ...
- الترابط المذهبي والاستلاب السياسي: تحليل ظاهرة التأثير الإير ...
- العراق واستقرار الأغلبية الأصيلة: معادلة الأمن الوطني وحقيقة ...
- سوريا بين طمس الهوية وهيمنة العقل الصحراوي والتكفيري
- الخيانة في العراق … الدونية المتوارثة
- الوقاحة… الوجه العاري لانهيار القيم
- مشروع الهوية الرافدينية : نحو تأصيل وطني يتجاوز الطائفة والع ...
- مفارقات ومقارنات بين سقوط البعث العراقي والبعث السوري (4)
- لا تعارض في البين : هوية الاغلبية في طول الهوية الوطنية لا ف ...
- مصير الأغلبية بين ثنائية الدونية والشعارات والبرامج الطوباوي ...
- جنوب العراق :أرض الثروة والإهمال ... المحطات السياسية والاقت ...
- فشل الإعلام الحكومي في معركة الوعي: العراق بين عجز الداخل وه ...


المزيد.....




- هكذا وصف رئيس وزراء باكستان ترامب بعد الاجتماع معه في البيت ...
- الكلاب تدفع الضرائب.. قرار جديد في مدينة إيطالية يثير الجدل ...
- غازي حمد القيادي بحماس يتحدث عن نجاته من محاولة الاغتيال الإ ...
- اليوم الـ721 من حرب غزة: قصف إسرائيلي لا يهدأ وترامب يتحدّث ...
- تواصل عمليات الإنقاذ في تايوان عقب فيضانات إعصار راغاسا
- توني بلير يعود من بوابة غزة: -خطة انتقالية- بمباركة أميركية ...
- تحليل: الاقتراض الخارجي للسعودية.. بين الضرورة والتحديات
- حجم -ذا لاين- يتقلص .. هل انهار مشروع ولي عهد السعودية؟
- ترامب يتعهد بمنع إسرائيل من ضم الضفة الغربية وعباس مستعد للع ...
- عاجل | سرايا القدس-كتيبة جنين: سرية اليامون أوقعت قوة مشاة إ ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - ظاهرة الوقاحة في العراق: جذور نفسية وتموجات اجتماعية