أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - التيه الوجودي: مقاربة نفسية واجتماعية لاستعادة البوصلة














المزيد.....

التيه الوجودي: مقاربة نفسية واجتماعية لاستعادة البوصلة


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 15:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


التيه ليس مرضاً طارئاً أو لحظة عابرة، بل حالة وجودية عميقة تنبع من تصدّع العلاقة بين الإنسان وذاته، ومن غياب التصور الواضح لمعنى الحياة أو الاتجاه الذي ينبغي أن يسلكه الفرد... ؛ هذا الشعور، الذي بات سمةً مشتركة لجيل كامل، لا يقتصر على مرحلة عمرية أو تجربة بعينها، بل يتسلل إلى نفوس الكثيرين، مهما تفاوتت خلفياتهم وظروفهم.
نراه في السؤال الذي يتكرر كثيراً: "كيف أتخلص من شعوري بالضياع؟" وهو سؤال يكشف في جوهره عن حاجة داخلية ملحّة للثبات، للانتماء، للمعنى.
ففي زمن تكثر فيه الخيارات وتتشعب فيه المسارات، يتبدد التركيز، ويضعف عمل البوصلة، وتتفاقم الحيرة... ؛ يعيش الفرد وكأنه واقف على هواءٍ، يخشى السقوط في كل لحظة، ويرتبك أمام قرارات الحياة، حتى أبسطها.
لكن، كيف يمكننا قراءة هذا الشعور قراءة تنموية نفسية واجتماعية تساعد على استيعابه بدل الفرار منه؟ وكيف يمكننا تفكيك أسبابه دون تهويل أو تقليل؟
أولاً: ما هو شعور الضياع؟
الضياع ليس مجرد حالة ذهنية، بل انعكاسٌ لتصدّع داخلي في إدراك الذات وهويتها ورؤيتها المستقبلية... ؛ إنه شعور بالفراغ والتشتت، وتبلد الرغبة، وغياب الوضوح في الاتجاه أو الهدف... ؛ وهو، في عمقه، قد يكون مؤشراً على نمو داخلي غير مكتمل، أو على حاجةٍ غير ملبّاة في بعدٍ نفسي أو معرفي أو اجتماعي.
هذا الشعور طبيعي تماماً، يختبره كثيرون ؛ خصوصاً في فترات التحوّل كمرحلة المراهقة، أو ما بعد التخرج، أو عند تغيّر المسارات الحياتية... ؛ إنه جزء من الوعي المتزايد بالذات، ومن الرغبة في الانتقال من "العيش على الهامش" إلى حياة تحمل معنى وغاية.
ثانياً: لماذا نشعر بالضياع؟
يمكن تلخيص أسباب الشعور بالضياع في عدة أبعاد:
البعد النفسي: هشاشة الهوية، ضعف التقدير الذاتي، انعدام الرؤية الشخصية، أو تجارب صادمة لم تُعالَج بعد.
البعد الاجتماعي: ضغوط المجتمع، توقعات الأهل، المقارنة بالآخرين، وتأثيرات وسائل التواصل التي تعكس واقعاً زائفاً عن النجاح والسعادة.
البعد التنموي: غياب المهارات الحياتية، كالتخطيط، واتخاذ القرار، وإدارة الوقت، والقدرة على ضبط العادات.
البعد الوجودي: غياب الأسئلة الكبرى عن الحياة والموت والهدف والمعنى، أو تجاهلها خوفاً من الجواب.
ثالثاً: كيف نتعامل مع هذا الشعور؟
1. التقبل دون استسلام
الخطوة الأولى في طريق التعافي هي الاعتراف بالمشكلة وتقبل الشعور دون تهويل أو إنكار... ؛ فالشعور بالضياع لا يعني أنك فاشل، بل أنك بدأت تتساءل... ؛ وهذا أول خيط من خيوط الوعي.
2. الهدوء وسط الضجيج
نعيش في عالم صاخب، مليء بالمشتتات... ؛ ولكي نسمع صوتنا الداخلي، علينا أن نتعلّم فنّ العزلة المؤقتة... ؛ ليس الهروب من الناس، بل الالتفات إلى الذات دون وسطاء... ؛ فكل إجابة حقيقية تبدأ من الصمت، من التأمل، من التوقف عن السعي خلف توقعات الآخرين.
3. السؤال الجوهري: من أنا؟
ابدأ من هذا السؤال البسيط العميق... ؛ من أنت؟ ما الذي تريده فعلاً، لا ما قيل لك أنك يجب أن تريده؟
اكتب، تأمل، تحدّث مع مرشد، اقرأ في الفلسفة والتنمية، لكن لا تهرب من السؤال... ؛ فالذي يعرف ماذا يريد، يضع قدمه على بداية الطريق.
4. روتين يومي مليء بالمعنى
حياتك اليوم هي تراكم عاداتك بالأمس... ؛ غيّر عاداتك، تتغير رؤيتك... ؛ قلل من الاستهلاك الرقمي، وأضف أنشطة تغذي روحك: المشي، القراءة، التعلّم، التأمل، الكتابة، الرياضة... ؛ كل عادة إيجابية، هي لبنة في بناء الاتزان النفسي.
5. تخلَّ عن دور الضحية
اللعب بدور الضحية يمنحنا راحة مؤقتة، لكنه يمنعنا من التقدم... ؛ لا أحد مسؤول عن حياتك سواك... ؛ لا تسمح للظروف أن تصوغ مصيرك... ؛ سامح ماضيك، لكن لا تَسْكنه.
6. ابحث عن إلهام واقعي
القدوة ليست شخصاً مثالياً لا يخطئ، بل شخص يمكن أن تتعلم منه... ؛ تابع من يلهمك، لا لتقلّده، بل لتفهم كيف شق طريقه في عالم معقّد... ؛ استمع للبودكاست، تابع تجارب من سبقوك، اقرأ السير الذاتية.
7. نمّ مهاراتك
المهارات تعطيك الثقة، وتفتح أمامك الأبواب... ؛ تعلّم مهارة جديدة كل شهر، ولو بسيطة: لغة، كتابة، برمجة، تفاوض، إدارة، مهارات تواصل... ؛ كل مهارة هي طوبة في بناء شخصيتك.
8. اكتسب المعرفة
المعرفة ليست ترفاً، بل ضوء... ؛ كلما قرأت، كلما ازدادت وضوحاً أمامك خارطة الحياة... ؛ اقرأ في علم النفس، الفلسفة، الرواية، الدين، الاقتصاد، وتعلّم من الحياة ومن الناس.
رابعاً: الضياع قد يكون نعمة
أحياناً، يحتاج الإنسان إلى أن يضيع ليجد الطريق... ؛ ففي لحظات التشتت، تنشأ الأسئلة، وتبدأ محاولات البحث عن الذات... ؛ قالضياع قد يكون الفسحة التي تمنحنا فرصة إعادة اكتشاف أنفسنا بعد أن عشنا طويلاً في قوالب الآخرين.
تروي إحدى التجارب الشخصية كيف أمضى صاحبها عاماً كاملاً بعد التخرج في عزلة اختيارية، قرأ، كتب، تأمل، تطوّع، وخرج من التجربة وقد اتخذ قراراً جريئاً بتغيير مساره المهني من الهندسة إلى الأدب... ؛ عامٌ اعتبره البعض انتحاراً وظيفياً، لكنه كان، في حقيقته، لحظة ولادة جديدة.
خامساً: ختامٌ بنبرة رجاء
أنت لا تحتاج إلى سيرة حياة مدهشة حتى تشعر أنك وجدت نفسك... ؛ أحياناً يكفي أن تكون راضياً، صادقاً مع ذاتك، محاطاً بأشخاص يحبونك دون شروط، وأن تمشي ولو خطوة واحدة كل يوم باتجاهٍ تحبه... ؛ إنّ التيه ليس عدواً، بل دافعاً... ؛ والألم ليس نهاية، بل بداية وعي.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية الدين والوطن - الازدواجية المقدَّسة: تناقض الأصوليات ...
- الدعاية الانتخابية بين الفوضى والتبذير وعشوائية الرسالة وتنا ...
- الترابط المذهبي والاستلاب السياسي: تحليل ظاهرة التأثير الإير ...
- العراق واستقرار الأغلبية الأصيلة: معادلة الأمن الوطني وحقيقة ...
- سوريا بين طمس الهوية وهيمنة العقل الصحراوي والتكفيري
- الخيانة في العراق … الدونية المتوارثة
- الوقاحة… الوجه العاري لانهيار القيم
- مشروع الهوية الرافدينية : نحو تأصيل وطني يتجاوز الطائفة والع ...
- مفارقات ومقارنات بين سقوط البعث العراقي والبعث السوري (4)
- لا تعارض في البين : هوية الاغلبية في طول الهوية الوطنية لا ف ...
- مصير الأغلبية بين ثنائية الدونية والشعارات والبرامج الطوباوي ...
- جنوب العراق :أرض الثروة والإهمال ... المحطات السياسية والاقت ...
- فشل الإعلام الحكومي في معركة الوعي: العراق بين عجز الداخل وه ...
- وادي حوران بين النصر الأمني والرسائل الاستراتيجية
- حملات إزالة التجاوزات في العراق: لعبة انتخابية أم صراع على ا ...
- صرخة في مشهد: الزوار العراقيون بين قدسية المكان وسرقة الكرام ...
- أوكسجين الشفاه
- مفارقات ومقارنات بين سقوط البعث العراقي والبعث السوري (3)
- نزع سلاح الشيعة... حين يصبح الحشد عقبة أمام مشروع التفكيك
- مافيا الأراضي في العراق: عندما يتحالف السلاح والفساد ضد الوط ...


المزيد.....




- أحدثت صراخًا ورعبًا.. عاصفة تُسبب انهيارات طينية في كاليفورن ...
- نظام صوتي ذكي ثلاثي الأبعاد لعشاق الألعاب الإلكترونية
- عشرات القتلى في قصف للدعم السريع على مسجد بمخيم للنازحين بدا ...
- نتنياهو يتهم بن غفير بتسريب تفاصيل حول زيارات الصليب الأحمر ...
- بعد وساطة قطرية.. طالبان تعلن إفراجها عن زوجين بريطانيين كان ...
- واشنطن توقف الدعم.. ومالاوي تدفع الثمن
- أفغانستان: طالبان تفرج عن زوجين بريطانيين بعد نحو 8 أشهر من ...
- ابنة رئيس الكاميرون تدعو لعدم التصويت لوالدها في الرئاسيات
- عاجل | غارة إسرائيلية تستهدف محيط بلدة أنصار جنوبي لبنان
- سياسة -إغلاق الأبواب-.. كيف تغيرت قوانين الهجرة إلى روسيا وم ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - التيه الوجودي: مقاربة نفسية واجتماعية لاستعادة البوصلة