رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 13:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المقدمة
تراب بلاد الرافدين ليس مجرد ذرات أرض عابرة ؛ وهو ليس كسائر الأتربة، فهو موطئ أقدام الإنسان الأول، ومهد الحضارات ، بل هو خزان للتجارب الإنسانية الكبرى والمعارك والحروب والانتصارات والثورات العظمى , ومسرح لولادة الملوك والأنبياء والفقهاء والعلماء والزعماء والبلغاء والقادة والثوار والاحرار ... ؛ هذه التربة عجنت بالدماء الزكية، وارتوت بدموع المظلومين وقيح الظالمين ، وشربت من عرق الفلاحين والجنود والكادحين والجلادين ... ؛ لذلك ظلّت الشخصية العراقية عصية على الترويض الكامل ، ومتحركة بين الأضداد: بين القوة والانكسار، بين الصبر والانفجار، بين الولاء والتمرّد.
نعم , يُعدّ العراق من أكثر الأوطان تعقيداً في بنيته الاجتماعية والسياسية والنفسية... ؛ فتربة الرافدين ليست مجرّد جغرافيا؛ بل هي ذاكرة حيّة عجنت بدماء الثائرين، وارتوت بعرق المزارعين، وحملت أنين المظلومين..., وعنفوان الرجال وكبرياء الكبار، حتى غدت لا تشبه بقعة أخرى في العالم، وأصبحت عبئاً ثقيلاً على الملوك والحكام على مرّ العصور ، تفتك بجبروتهم كما تفتك الرياح العاصفة بالهشيم ... ؛ وذراته ممزوجة بدماء الشهداء وأجساد العظماء، تحمل في عمقها أنين المقهورين وكبرياء الرافضين... ؛ لذلك لا تُشبه هذه الأرض أي بقعة أخرى، إذ طالما أرهقت الغزاة والطغاة ، واستعصت على الطغاة والمستبدين... ؛ لذا، فهي بقعة فريدة في تاريخ الإنسانية، أرّقت مضاجع الغزاة والأعداء على مرّ العصور، وأتعبتْ كلَّ حاكم طغى أو جار.
وقد انعكس هذا التاريخ الطويل على تكوين الشخصية العراقية التي بقيت عصيّة على التدجين الشامل، متأرجحة بين العصيان والطاعة , والتمرد والاستسلام , وبين المقاومة والخنوع ... .
لقد جرّبت الاحتلالات و السلطات والحكومات المتعاقبة على العراق شتى الوسائل في تعاملها مع هذه الشخصية... ؛ فبعضها سعى إلى استمالتها بالرموز والشعارات والوعود، وبعضها الآخر استند إلى القمع والبطش والتخويف، فيما لجأت سلطات أخرى إلى لعبة التوازن بين الترغيب والترهيب... ؛ لكن النتيجة النهائية كانت واحدة: لم تتمكن أي سلطة من أن تضمن خضوعاً دائماً أو ولاءً مطلقاً...!
* ملامح تكوين الشخصية العراقية
يرى علي الوردي أنّ الشخصية العراقية مزدوجة في طبيعتها: تجمع بين البداوة والحضارة، بين قيم الصحراء الصلبة وقيم المدينة المتسامحة، مما يولّد تناقضاً مستمراً في السلوك الاجتماعي والسياسي... ؛ كما يشير حنا بطاطو إلى أنّ التحولات الاجتماعية الكبرى، خصوصاً في القرن العشرين، شكّلت شخصية متوترة، سريعة الانفعال، تحمل إرثاً طويلاً من المظلومية والثورات .
وتُعد الشخصية العراقية من أعقد الشخصيات في العالم، فهي محصلة تراكمات تاريخية ضاربة في أعماق الحضارة، ونتاج صراع دائم بين قيم الرفعة والاستسلام، وبين حرية الروح وقيد السلطة... إنها شخصية ولدت من رحم بلاد الرافدين ( ( Mesopotamia، أرض الأنبياء والأئمة والملوك والعلماء، حيث تشبّعت تربتها بدماء الشهداء وعرق البُناة ودموع المظلومين.
*البنية النفسية-الاجتماعية للشخصية العراقية
يشير علم النفس الاجتماعي إلى أنّ الشخصية العراقية تحمل سمات "الصبر الطويل" مقابل "الانفجار السريع"... ؛ و هذا التناقض يعكس إرثاً تراكمياً من القهر الممتزج بروح الكبرياء التاريخي... ؛ لذلك تبدو ردود فعل العراقي متطرفة: إمّا ثورة دامية أو صمت طويل... ؛ طيبة مفرطة تصل الى حد السذاجة او قسوة تقشعر لها الابدان .
* التشكيلة السيكوسياسية للمجتمع العراقي
وانطلاقاً من هذه الخصوصية الحضارية , وبحكم التجربة التاريخية والاختبار الاجتماعي والنفسي ، ينقسم سكان هذه الأرض - في الغالب الأعَمِّ - إلى ثلاثة أقسام رئيسة، تُشكّل معاً لوحةً معقدة للشخصية العراقية ؛ اذ تتأرج هذه الشخصية بين ثالوث التمرد والعصيان , والاستسلام والخنوع , والمصلحة والتقلب ... .
نعم , يمكن تقسيم أنماط الشخصية العراقية، في تفاعلها مع الحكومات والأنظمة والسلطات ، إلى ثلاث صور رئيسية , وهذه الصور تعكس التناقضات العميقة في الشخصية العراقية :
القسم الأول : ( الأشداء المقاومون أو صناع التحدّي أو العراقيون الأصيلون المتمردون أو صناديد التمرد وأصحاب الإرادة الفولاذية ؛ ما شئت فعبر ) و هم الثابتون الذين لا يعرفون الخوف، ولا يبالون بكثرة العسكر أو وحشية أدوات التعذيب... ؛ و هؤلاء كالفولاذ الذي لا تزيده النار إلا صلابة ولا كثرة الطرق الا قوة ، ولا تقوى عليه السلاسل ولا المعتقلات... ؛ فلو قُتلوا ألف مرة ثم عادوا إلى الحياة ، لعادوا كما كانوا، رافعين راية الرفض والتمرّد... , ولما بدّلوا مواقفهم ولا غيّروا انتماءهم ؛ و هذه الفئة تمثل روح العناد الرافديني المتوارث من ثورات العراقيين ضد الطغاة ، وانتفاضات المدن ضد الظلمة ، وهتافات الميادين في وجه الاستبداد... ؛ والشخصيات التي تنتمي لهذا القسم شخصيات مقاومة صلبة لا تعرف الجبن ولا تستكين للظلم... ؛ وهذه الشخصيات لا يكسرها القتل او الاعدام فضلا عن التعذيب والسجن ... ؛ ولا تُرهبها آلات التعذيب أو تهديدات الحكام... ؛ إنهم كالفولاذ الذي كلما زادت عليه النيران والطرق ازداد صلابة كما اسلفنا ... .
وهذا الصنف من العراقيين هم سرّ ثورات العراق عبر العصور وجذر الانتفاضات والعصيان والتمردات ، بدءا من الاضطرابات في المدن السومرية والاكدية والبابلية ؛ مرورا بالثورات ضد الخلفاء وحكام بني امية وبني العباس , وصولا الى معارضة ومقارعة المغول والتتار والاتراك العثمانيين ؛ وانتهاءا بثورات الفلاحين ضد الإقطاع، و ثورة العشرين، وانتفاضة عام 1991 الخالدة وغيرها ... .
ولا غرو في ذلك ؛ فقد ورث هذا الصنف عن أجدادهم البابليين والأشوريين عزّة النفس وشموخ الروح والكبرياء الرافديني والشموخ العراقي ... , وهم لا يعرفون الخوفَ جبلةً وطبيعةً , ويعشقون التحدي والمواجهة والحرب سجية وطبعا ؛ ويُمثلون الروحَ الأصيلة للعراق، التي تَعتبر الكرامةَ أغلى من الحياة ... ؛ فهذا الصنف كسيف مصقول كلما اشتدت عليه الضربات ازداد بريقاً وحدة... ؛ و هؤلاء هم الروح الحقيقية للعراق، والذين يحملون في داخلهم جينات التمرد ضد الظلم منذ ثورات العراقيين الأوائل ضد الطغاة.
القسم الثاني : ( الخاضعون المستكينون أو صناع الاستسلام أو المنكسرون المستسلمون أو ضحايا القهر والاستسلام ... ؛ ما شئت فعبر ) و هم المسالمون إلى حد الاستكانة , والسلميون إلى درجة الضعف والجبن ، الذين اعتادوا الخضوع والتأقلم مع القهر، حتى صار الصمت عندهم وسيلة نجاة... ؛ غير أن هذه الفئة ليست نتاجاً طبيعياً للتربة العراقية؛ بل هي صناعة طويلة من الفقر المزمن، والحرمان الاجتماعي، وتربية الخوف الممنهج عبر أجيال ... ؛ و هذه الفئة وجدت في كل المجتمعات، لكن وجودها في العراق يظل شاذاً قياساً على تاريخ الرافدين المليء بالتمرد والثورات ؛ واغلب هؤلاء من اصول اجنبية وجذور غير عراقية عريقة او من العراقيين الاصلاء الذين اختلطوا بتلك الفئات المهاجرة الى العراق ... ؛ وهذ الشخصية المستكينة يصفها بعض الباحثين بأنها نتاج "تربية الخوف"، حيث يصبح الصمت وسيلة للبقاء... ؛ ومع ذلك، فهي أقل تمثيلاً للطبيعة العراقية العامة.
وهم الذين سلّموا أمرهم للسلطة، فصاروا مسالمين إلى حد الجبن، خاضعين إلى درجة الذل. غير أن هذه الفئة تُعد استثناءً في البيئة العراقية كما اسلفنا ، إذ أن تربة الرافدين لا تُنبت الضعف بطبيعتها... , ولا تشجّع على نموّ مثل هذه البذور، ولا تُنتج مثل هذه الشخصيات إلا تحت وطأة ظروف استثنائية ؛ إنما أفرزتهم ظروف القهر المزمن، والحرمان المتراكم، فضلاً عن ظروف الفقر والعوز - كلّها عوامل أدّت إلى بروز هذه الفئة التي لا تختلف عن نظيراتها في معظم المجتمعات ... ؛ وتربية الخوف الممنهجة، حتى بات الصمت والتقية والخوف لديهم وسيلة بقاء... ؛ و هؤلاء أشبه بما وُجد في بقية المجتمعات من فئات مسحوقة تخشى بطش الحكومات، ومن هنا قيل: الناس على دين ملوكها... ؛ فهم ضحايا القهر المزمن والاستبداد المتواصل ... ؛ أولئك الذين سحقتهم آلة الظلم حتى استكانوا واستسلموا... ؛ إنهم يعيشون على هامش الحياة، خائفين يترقبون، يدفعون الثمن غالياً في كل مرة تحتد فيها الأزمات... ؛ وجودهم ليس طبيعياً في بيئة العراق الأصلية، بل هو تشوّه ناتج عن سياسة منهجية لتحطيم الإنسان وإفراغه من كرامته.
القسم الثالث: ( الرماديون المتذبذبون أو صناع المصلحة أو المتحولون والمتقلبون أو المتأرجحون الانتهازيون ... ؛ ما شئت فعبر ) وهذه الفئة هي الكتلة الأكبر في المجتمع ، وهم المتأرجحون بين القوة والضعف، بين الجرأة والخوف , بين الشجاعة والجبن ... ؛ يقفون في المنطقة الرمادية، يترقبون ميزان القوى: فإن اشتدت قبضة السلطة انحازوا إلى الصمت والانسحاب، وإن ضعفت أو تراجعت تجرؤوا عليها واستهزأوا بها... ؛ هؤلاء هم جمهور الانفعالات السريعة، الذين يشكّلون مادة حيوية للحكومات إن استطاعت كسبهم، وخطراً داهماً عليها إن استهانت بهم وضغطت عليهم ... ؛ وهذه الفئة كثيراً ما شكّلت قاعدة الشرعية المؤقتة للحكومات والسلطات , فهي الفئة الأكبر عدداً والأوسع حضوراً والأقوى أثراً في الحياة السياسية والاجتماعية ، والتي تعيش في المنطقة الوسطى بين التحدي والخضوع , بين الطاعة والعصيان ... ؛ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء... ؛ يتأرجحون بين الثورة والاستسلام وفقاً لموازين القوى... ؛ إن رأى الخطر مال إلى القسم الثاني مستكيناً، وإن شاهد ضعفاً في السلطات والحكومات تجرّأ عليها واستهان بها , إنهم لا يثبتون على موقف، بل يراقبون موازين القوى ليحددوا اتجاههم. هم كالنباتات المتسلقة، تلتف حول الأقوى وتتجه نحو الضوء. هؤلاء يمثلون قاعدة الهرم الاجتماعي المتحركة التي تحدد في النهاية اتجاه الصراع , كما اسلفنا .
* سياسات السلطات والحكومات والاحتلالات وأساليب الإخضاع والترويض
اعتمدت السلطات والحكومات في بلاد الرافدين عبر التاريخ على أساليب متنوعة في التعامل مع هذه الأنماط والاصناف والفئات العراقية :
*القمع الدموي: كما فعل المجرم الاجنبي الحجاج الثقفي في العصر الأموي، و المجرم الهجين صدام في العصر الحديث ؛ وغيرهما .
*الاستمالة والاحتواء: عبر الرموز والشعارات وشراء الولاءات، كما فعلت بعض الحكومات الملكية و غيرها .
*سياسة العصا والجزرة: مزيج من الترهيب والترغيب، لكنه غالباً ما كان هشاً أمام موجات السخط الشعبي كما فعلت بعض الاحتلالات والسلطات والحكومات ... .
*** استحالة الإخضاع الشامل والتدجين الشامل
غير أنّ التجربة التاريخية تثبت أنّ أي سلطة لم تنجح في إخضاع الشخصية العراقية بشكل كامل؛ فكل طاغية واجه في النهاية تمرّداً صريحاً أو رفضاً صامتاً يتراكم حتى الانفجار.
فالسلطات والحكومات في العراق و على مر التاريخ حاولت تدجين هذه الأقسام والاصناف البشرية جميعاً... ؛ فقد استند بعض الحكام إلى فظاظة الحديد والنار كما فعل الحجاج أو صدام، بينما جرب آخرون سياسة الاحتواء والشراء كما فعلت أنظمة أخرى... ؛ غير أن التاريخ يشهد أن كل طاغية سقط في النهاية على يد هذه الشخصية المتمردة أو بفعل تراكم رفضها الصامت... ؛ فلا صدّق من قال إن العراقيين قد رُوّضوا يوماً، ولا صحّ ادعاء من رأى في القهر أداة ناجعة لإخضاعهم.
إن سرّ الشخصية العراقية يكمن في ازدواجيتها بين الصبر الطويل والقدرة على الانفجار، وبين القبول الظاهري بالواقع والتمرّد الكامن في الأعماق... ؛ وهذا ما جعل العراق عبر تاريخه بلداً عصيّاً على الاستقرار السطحي، لكنه غنياً بالطاقات الإنسانية والفكرية التي ترفض الذوبان في قوالب الحكام أو السلطات والاحتلالات .
لقد حاول الحكام عبر التاريخ تدجين العراقيين وإخضاعهم، لكنهم فشلوا جميعاً... ؛ فمن استند إلى القمع الدموي، انتهى إلى مصير محتوم رغم البطش... ؛ ومن حاول استمالتهم بالشعارات والولاءات، وجد ولاءً مؤقتاً سرعان ما انقلب إلى سخط... ؛ فالوقائع تكذّب كل من يزعم أن الشخصية العراقية أُخضعت بالكامل، إذ لم يقر قرار للطغاة حتى شربوا كأس المنون.
نعم , إن سرّ هذه الشخصية يكمن في جدليتها الداخلية: فهي بين صبر طويل وانفجار عنيف، بين خضوع ظاهري وتمرّد دفين، بين التكيّف المرحلي والرفض العميق... ؛ وهذا ما جعلها عصيّة على التدجين التام، ودفعت الحكومات المتعاقبة إلى دوامة لا تنتهي من البطش والاسترضاء... ؛ فالعراقي قد يسكت دهراً، لكنه حين يثور يكون ثورانه كالإعصار لا يُبقي ولا يذر... ؛ فالوقائع تشهد أن لا سلطان استطاع أن يروض العراقيين ترويضاً تاماً أو يضمن ولاءهم المطلق، مهما بالغ في الترهيب أو الترغيب... ؛ ومن يراهن على تدجينها كلياً، فالتاريخ والوقائع تكذّب دعواه، كما كذّبت من قبل أوهام كل الطغاة الذين ابتلعهم تراب الرافدين، بعد أن ظنوا أنهم خالدون.
وكلّ من يراهن على صدق دعواه بالاستشهاد بحكام مثل زياد بن أبيه أو الحجاج بن يوسف الثقفي أو صدام ، فإن الأحداث تثبت زيف ادعاءاتهم... ؛ فبرغم سطوة البطش وشدة القمع، لم يقرّ لهؤلاء المستبدين قرار، حتى ذاقوا كأس المنون، وبقيت الشخصية العراقية صامدةً تتحدى الظلم وتنتظر لحظة التحرر... .
إن هذه التشكيلة النفسية-الاجتماعية المعقدة تجعل من العراق بلداً عصيّاً على الاحتواء والهيمنة، تثور فيه الأرض ومن عليها عندما تطغى سلطة أو تجور حكومة، مؤكدةً أن إرادة الحياة في تراب الرافدين أقوى من كل محاولات القهر والإذلال.
*** الخلاصة : السلطة والمواطن .. علاقة صراعية دائمة
لطالما حاولت الحكومات والسلطات المتعاقبة في العراق، بمناهج مختلفة، كسر شوكة الشخصية العراقية الأصيلة وتدجينها... ؛ فقد استخدمت في ذلك أساليب القمع الممنهج، والإذلال المتعمد، وتفكيك النسيج الاجتماعي، وخلق الولاءات المصطنعة... ؛ لكنها فشلت في النهاية، لأن جذور التمرد في الشخصية العراقية أعمق من أن تصل إليها أيادي المفسدين والمنكوسين والحاقدين والمحتلين والمستكبرين .
لقد برهنت التجربة التاريخية أن العراقي قد يُكسر جسدياً لكن إرادته لا تُقهر، وقد يُهزم عسكرياً لكن روح المقاومة فيه لا تموت... ؛ وما انتفاضات الشعب العراقي المتلاحقة عبر التاريخ إلا دليل على أن شرارة الحرية لا تنطفئ في أعماق هذه الشخصية الرافدينية الأصيلة.
الشخصية العراقية ليست كتلة صماء يسهل ترويضها، بل هي مزيج معقد من الثبات والتذبذب، من الجرأة والخوف، من الاستكانة والتمرّد... ؛ وكل سلطة تراهن على تدجينها بشكل دائم تجد نفسها في النهاية أمام مفاجآت لا تخطر على البال... ؛ و العراق سيبقى بلد الشخصيات المتناقضة، لكنه في الوقت نفسه بلد الطاقات المتفجرة التي ترفض الذوبان في قوالب الحكام والطغاة ... .
نعم , اقولها مرارا وتكرارا : يخطئ من يظن أن بالإمكان إخضاع العراقيين تماماً، فالتاريخ يشهد أن أعتى الطغاة - من الحجاج بن يوسف إلى صدام بن صبحة - فشلوا في كسر الإرادة العراقية... ؛ لقد ذهبوا إلى مزبلة التاريخ، وبقيت الشخصية العراقية صامدة كالنخيل، تنتظر كل مرة أن تثمر حرية وكرامة وعزّة... ؛ فالعراقي الحقيقي كالنهر، قد يجف في بعض الأحيان، لكنه لا يموت، فهو ينتظر الموسم ليعود جارياً من جديد، حاملاً في تياره كل معاني الحياة والخلود.
........................................................
المراجع والهوامش
علي الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، بغداد: مطبعة الأهلية، 1965.
Hanna Batatu, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements of Iraq, Princeton University Press, 1978.
فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع المدني في العراق، بيروت: المركز العربي للأبحاث، 2012.
إبراهيم الحيدري، النقد الاجتماعي عند علي الوردي، بيروت: دار الساقي، 1998.
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟