أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الخونة الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا














المزيد.....

الخونة الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 10:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن أخطر ما يواجه الأوطان والمجتمعات ليس العدو الظاهر للعيان، ولا الغزو الذي يطرق الأبواب بسلاحه وجنوده، بل ذلك العدو المستتر، المتخفي بين صفوف الناس، يلبس لباسهم، ويتكلم بلسانهم، ويتشبه بهيئتهم، غير أنه يختلف عنهم في جوهره وسريرته وانتمائه. هذا العدو الخفي هو الخائن، الذي يبيع ضميره وقيمه ووطنيته في سوق المصالح الضيقة أو لأجهزة الاستخبارات الأجنبية، فيتحول إلى أداة لهدم بنيان الأمة من الداخل.
لقد علمتنا التجارب التاريخية أن الخيانة ليست مجرد فعل فردي أو نزوة عابرة، بل هي منظومة متكاملة تتغذى على ضعف النفوس وتكاثر الأزمات، وتستثمر في هشاشة المجتمعات وانقسامها. فالخائن ينشأ حين يفقد الإيمان بالانتماء، ويستبدل الولاء للوطن بولاء آخر، خارجي أو شخصي. وما يضاعف خطورته أنه لا يأتي في هيئة دخيلٍ غريب، بل يظهر بيننا كأحد أفرادنا، مما يصعب تمييزه أو دفع خطره في بداياته.
ومن أبلغ ما يمكن أن يُجسد هذا المعنى، تلك القصة الرمزية:
‏أراد الذئب أن يعلّم صغيره درساً في الحياة وفن العيش، فاصطحبه إلى قطيع من الأغنام وقال له: "لحوم هذه الأغنام لذيذة"، ثم أشار إلى راعي الغنم قائلاً محذراً: "عصا هذا الرجل مؤلمة، فانتبه أن تقترب منه." وحين لمح الذئب الصغير كلباً يحرس القطيع، قال بدهشة: "هذا يشبهنا يا أبي." فأجابه الذئب الكبير بعمق: "اهرب يا ولدي حين ترى هذا الكائن، لأن كل ما عانيناه في حياتنا كان سببه أولئك الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا."
هذه القصة تختزل مأساة الشعوب حين تتعرض للخيانة الداخلية. فالخونة ليسوا غرباء يأتون بملامح واضحة العداء، بل يندسون في الصفوف، يشبهوننا في المظهر لكنهم يختلفون في الجوهر. إنهم أبناء البيئة نفسها لكن بقلوب مسمومة، يحملون وجوهاً مألوفة لكن بضمائر ملوثة، فيتحولون إلى جسور يعبر عليها الأعداء لاحتلال الأوطان أو تفكيك المجتمعات.
على المستوى السياسي، كان الخونة دوماً الأداة التي سهلت للأجنبي غزوه وهيمنته، من جواسيس الاحتلال البريطاني في القرن الماضي وقبله مرتزقة وخدم الاحتلال العثماني ، إلى العملاء من ازلام النظام البائد الذين فتحوا الأبواب أمام الغزو الأميركي، وصولاً إلى من يبرر اليوم التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون الوطن، طمعاً في سلطة أو منفعة ... .
وعلى المستوى الاجتماعي، يشكل هؤلاء معول هدم للنسيج المجتمعي، إذ يشيعون الشك بين الناس، وينقلون الأخبار الكاذبة، ويزرعون الانقسام، حتى يصبح المجتمع فريسة سهلة أمام أي مشروع خارجي... ؛ فهم يعملون على نزع الثقة بين المواطن والدولة، وبين المواطن وأخيه، لتنهار الروابط التي تصون كيان الأمة العراقية .
أما على المستوى النفسي، فإن الخائن يعيش انفصاماً وجودياً، فهو يشبه قومه من الخارج لكنه يحمل هوية مستعارة من الداخل، هوية مفككة لا تعترف بالجذور ولا تستند إلى تاريخ. إن الخيانة في جوهرها ليست مجرد صفقة أو بيع سر، بل هي مرض نفسي عميق قوامه الشعور بالنقص، والهروب من الذات، ومحاولة استبدال الانتماء الحقيقي بانتماء زائف يمنحه شعوراً مؤقتاً بالقوة.
إن المجتمعات لا تنهزم إلا حين يكثر فيها الخونة، لأن الخارج مهما بلغ من قوة، لا يستطيع اختراق الداخل دون أدوات من أبنائه... ؛ وما يجعل خطرهم مضاعفاً أنهم يبدون في صورة المصلحين والوجهاء والناصحين، بينما في الحقيقة هم يحملون خنجراً في الظلام.
لذلك، فإن أول خطوة لحماية الأوطان هي وعي الشعوب بخطر الخيانة الداخلية، وأن تدرك أن أخطر أعدائها ليس من يأتي من وراء الحدود، بل من يعيش بينها وهو يحمل في داخله ولاءً آخر... ؛ ومثلما حذر الذئب صغيره من الكلب الذي يشبهه ولا ينتمي إليه، علينا أن نتعلم أن التشابه الخارجي لا يعني الانتماء، وأن المعيار الحقيقي هو الولاء والصدق والإخلاص للوطن.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السذاجة السياسية وخطر الحاشية الجاهلة
- الشخصية العراقية بين التمرد والاستكانة: قراءة في جدلية السلط ...
- حركة الإسلام السياسي الشيعي في العراق من المقاومة إلى السلطة ...
- براغماتية الإيراني ومثالية العراقي – قضية أمير الموسوي أنموذ ...
- الخائن الدوني : جرح الأمة النازف وطعنة الظهر التي لا تندمل
- الصلاة كفعل حب… قراءة فلسفية في نص زوربا واستلهامه لبناء عال ...
- ظاهرة الوقاحة في العراق: جذور نفسية وتموجات اجتماعية
- ايام الزمن الاغبر / الحلقة السادسة / الفلافل بين حقيقة الجوع ...
- العوائل المعروفة والاسر المشهورة بين شرف الانتساب وأرث الماض ...
- الشيعة وإيران: بين الاستقواء السياسي والتحول الاجتماعي بعد ا ...
- بين العراق وتجارب الأمم الأخرى – لماذا انتصرت بعض الشعوب وفش ...
- الهند والعراق: تشابه ظاهري وتباين جوهري في إدارة التعددية وا ...
- قضية الصبي علي: دموع تهز الرأي العام وتكشف خلل النظام الإصلا ...
- التيه الوجودي: مقاربة نفسية واجتماعية لاستعادة البوصلة
- ثنائية الدين والوطن - الازدواجية المقدَّسة: تناقض الأصوليات ...
- الدعاية الانتخابية بين الفوضى والتبذير وعشوائية الرسالة وتنا ...
- الترابط المذهبي والاستلاب السياسي: تحليل ظاهرة التأثير الإير ...
- العراق واستقرار الأغلبية الأصيلة: معادلة الأمن الوطني وحقيقة ...
- سوريا بين طمس الهوية وهيمنة العقل الصحراوي والتكفيري
- الخيانة في العراق … الدونية المتوارثة


المزيد.....




- شاهد.. طائرات مسيرة تُجبر مطار ميونيخ على الإغلاق
- أوكرانيا تعلن نفوق 13 ألف خنزير بسبب حريق ناتج عن ضربات روسي ...
- إسرائيل تحتجز آخر سفن -أسطول الصمود- وترحّل 4 إيطاليين.. وبن ...
- روبوت لبيئات العمل الخطرة يتحدث أكثر من 70 لغة
- فيديو- حريق ضخم في مصفاة نفط قرب لوس أنجلوس
- البحرية الإسرائيلية تعترض آخر سفن -أسطول الصمود- وسط تنديد د ...
- ألمانيا: مطار ميونيخ يستأنف عملياته بعد تعليقها خلال الليل ب ...
- التغير المناخي يقتلع جذور الواحات الموريتانية
- فرنسا: لوكورنو سيعلن في نهاية الأسبوع تشكيل حكومته الجديدة
- بوتين يصف اعتراض فرنسا ناقلة نفط على ارتباط بروسيا بالـ -قرص ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الخونة الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا