أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الجنوب العراقي بين مطرقة السادية وسندان المازوخية : قراءة سوسيولوجية- سايكولوجية في بنية العنف والكبت














المزيد.....

الجنوب العراقي بين مطرقة السادية وسندان المازوخية : قراءة سوسيولوجية- سايكولوجية في بنية العنف والكبت


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 08:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ليس من المبالغة القول إن مجتمع الجنوب العراقي يعيش اليوم تحت وطأة ظواهر نفسية واجتماعية مرضية أصبحت تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، حتى غدت أشبه بالهواء الذي يتنفسه الناس دون وعي ... ؛ ومن بين أخطر هذه الظواهر: السادية (اللذة في تعذيب الآخر)، والمازوخية (اللذة في الخضوع والإذلال)... ؛ لكن المأساة الكبرى تكمن حين تجتمع الظاهرتان في الشخصية الواحدة، حيث يصبح الإنسان جلادًا لمن هو أضعف منه، وضحية خانعة أمام من هو أقوى، سواء بالقوة الجسدية أو الرمزية أو المالية أو العشائرية... ؛ بل قد اتسمت الشخصية العراقية بهذا المركب ؛ كما ذهب الى ذلك البعض .
هذا التكوين النفسي والسلوكي لا يأتي من فراغ، بل هو نتاج تراكمات طويلة من العنف المنهجي الذي يتعرض له الفرد منذ طفولته، ابتداءً من البيت، حيث تُمارس سلطة الأب أو الأخ الأكبر بالعنف الجسدي واللفظي، مرورًا بالمدرسة التي تحوّلت إلى ساحة تنكيل نفسي وأحيانًا جسدي باسم "التهذيب"، وليس انتهاءً بالمضيف والمقهى والعمل والشارع ... الخ ، حيث تسود ثقافة التنمر والاستهزاء على الضعيف والمختلف والمسكين.
ومن فرط ما تعرّض له الفرد من امتهان واحتقار... ؛ تتراكم بداخله مشاعر القهر والكبت والاحتقان، فيُخزّنها بلا تفريغ حقيقي، حتى تأتي لحظة انفجار تبدو للآخرين غير مفهومة، لكنها من منظور علم النفس لحظة حتمية، لأن الانفجار هو الطريقة الوحيدة التي يعرف بها الإنسان كيف يعبّر عن نفسه في بيئة تمنعه من التعبير الطبيعي والسليم.
وهكذا، تتكرّر يوميًا في الجنوب العراقي مشاهد الشجارات والخصومات والمعارك التي تنفجر لأسباب تافهة – كالنقاش في نكتة تتعلق بالشرف، أو عراك حول طفل، أو خلاف على كلب ضال – لأن المشكلة ليست في السبب المباشر بل في الخزان العاطفي المحتقن الذي يبحث عن أي ثغرة لينفجر من خلالها... ؛ هذا السلوك الجماعي ليس عرضًا عابرًا بل ناتجًا بنيويًا، كما قال نيتشه:"وإن كان ثمة جُرم، فهو يوجد في المُربي وفي الأسرة والمحيط، فينا جميعًا وليس في القاتل؛ أعني في الظروف المُهينة."
الجنوب العراقي لا يعيش لحظة استثنائية، بل يعاني من تاريخ طويل من التهميش والقهر والقسوة والازدراء، ما جعل الخوف والتبعية جزءًا من البنية النفسية والاجتماعية للإنسان هناك... ؛ وهذه البنية تنتج "ضحايا" اليوم الذين يتحوّلون إلى "جناة" الغد، كما عبّر عنها برتراند راسل حين قال : "مفهوم الخطيئة يحدده موقعك الجغرافي."
فمن يولد في بيئة ترى في الضرب وسيلة للتربية، وفي السخرية شكلاً من القوة، وفي الإذلال اختبارًا للرجولة، لن يتعلّم كيف يحب أو يرحم أو يتعاطف... ؛ بل سيظل يعيش في دوامة من الشعور بالذنب والخطيئة والتكفير عنها عبر العنف أو الخضوع... ؛ ومن هنا تتجذّر المازوخية بوصفها آلية دفاع نفسية، يرضى بها الفرد أن يُهان لأنه يرى نفسه مذنبًا بشكل غامض، ثم ما يلبث أن يتحوّل إلى ساديّ يمارس على من دونه ما مورس عليه.
هذا التذبذب بين الإذلال والعدوان، بين الخضوع والتمرد، بين الصمت والصراخ، هو ما يُنتج مجتمعًا يعيش في حالة نفسية مضطربة، وعلاقات اجتماعية هشة، وقيم متناقضة... ؛ مجتمع لا يعرف كيف يحلّ خلافاته بالحوار، ولا كيف يضبط انفعالاته بالعقل، ولا كيف يتنفّس خارج دوامة الخوف والعار والشرف والكبت.
ولا يمكن فهم هذا المرض الجمعي إلا بإدراك أن القهر هنا ليس حالة طارئة بل بنية راسخة، يتوارثها الأبناء من الآباء، والمجتمع من الدولة، والمدرسة من العشيرة، حتى تصبح "الطبيعة الثانية" للفرد... ؛ وكل محاولة للإصلاح أو الوعي، دون تفكيك هذه البنية، تظل محاولة تجميلية لا تغيّر شيئًا.
إن الخلاص لا يكون في لوم الضحية أو الجلاد، بل في تفكيك المنظومة التي تُنتج الضحية والجلاد معًا. في بناء بيئة حاضنة للكرامة، تتيح التعبير، وتربّي على الاختلاف، وتكسر هرمية الإذلال. وإلا سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة: طفل يُضرب اليوم، رجل يضرب غدًا، ثم شيخ مكسور يموت بالخذلان، ويُنتج مَن يُعيد الدائرة من جديد.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخيانة كمرضٍ نفسيّ وعقدةٍ اجتماعية
- عندما يتحول الفضاء الرقمي والاعلام إلى ميدان صراع و حين يتكل ...
- المسرحية السياسية في العراق: وجوه تتبدل... والمأساة واحدة
- حين يتكرر المشهد: تكالب الأقليات السياسية على الأغلبية العرا ...
- حين تُغتال الحقيقة: اغتيال صفاء المشهداني وفضيحة الخطاب الطا ...
- حين يتنفس الحزن من رئة الوجود
- الشاب العراقي… أحلامٌ تذبل في سوق العمل الموحش
- مراجعات ضرورية حول الضربة الإسرائيلية المرتقبة ضد العراق
- الخونة الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا
- السذاجة السياسية وخطر الحاشية الجاهلة
- الشخصية العراقية بين التمرد والاستكانة: قراءة في جدلية السلط ...
- حركة الإسلام السياسي الشيعي في العراق من المقاومة إلى السلطة ...
- براغماتية الإيراني ومثالية العراقي – قضية أمير الموسوي أنموذ ...
- الخائن الدوني : جرح الأمة النازف وطعنة الظهر التي لا تندمل
- الصلاة كفعل حب… قراءة فلسفية في نص زوربا واستلهامه لبناء عال ...
- ظاهرة الوقاحة في العراق: جذور نفسية وتموجات اجتماعية
- ايام الزمن الاغبر / الحلقة السادسة / الفلافل بين حقيقة الجوع ...
- العوائل المعروفة والاسر المشهورة بين شرف الانتساب وأرث الماض ...
- الشيعة وإيران: بين الاستقواء السياسي والتحول الاجتماعي بعد ا ...
- بين العراق وتجارب الأمم الأخرى – لماذا انتصرت بعض الشعوب وفش ...


المزيد.....




- مغطاة بالسجاد العجمي.. سيارات -جي-واغن- و-بي إم دبليو- كما ل ...
- -طاردوهم لمسافات طويلة-.. شهادات من قلب أوكرانيا عن مسيرات ر ...
- علاقة ترامب والإمارات.. شاهد ما يستفيد منه الطرفان وسط طفرة ...
- أسفرت عن 3 قتلى.. إسرائيل تُعلن تنفيذ عملية برية وجوية قرب ج ...
- الأردن.. مراقبون يُعلّقون لـCNN على دلالات -خطاب العرش-: مصا ...
- حماس تنفي اتهامات إسرائيل بشأن الرهائن.. ومقتل 3 فلسطينيين ب ...
- علماء ينجحون في تحديد عمرك من خلال العينين فقط
- السودان.. دعوات لوقف الحرب بعد سقوط الفاشر بيد الدعم السريع ...
- توقيع اتفاقية أمريكية يابانية لتأمين إمدادات المعادن النادرة ...
- واشنطن وطوكيو توقعان اتفاقا بشأن المعادن النادرة ورغبة يابان ...


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الجنوب العراقي بين مطرقة السادية وسندان المازوخية : قراءة سوسيولوجية- سايكولوجية في بنية العنف والكبت