رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 08:04
المحور:
الصحافة والاعلام
*مقدمة: استحقاق انتخابي في بيئة معقدة
جرت الانتخابات البرلمانية لعام 2025 في العراق في مرحلة سياسية دقيقة وحساسة للغاية ، حيث فرضت عدة متغيرات داخلية وخارجية نفسها على المشهد، وما وراء الكواليس من تحالفات وضغوط باتت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى … ؛ في تحليلنا هذا، سنحاول قراءة النتائج، واستشراف كيف تتفاعل الضغوط الأميركية مع الواقع الداخلي، مع التنبيه إلى أن كثيراً مما يُشاع ما بين السطور لا يستند إلى حقائق موثقة.
نعم , تُشكل التوازنات الداخلية والخارجية عاملاً حاسماً في تحديد ملامح المرحلة السياسية المقبلة… ؛ وقد جاءت هذه الانتخابات بعد أداء حكومي تميز بالتركيز على الملفات الخدمية والتنفيذية، في وقت لا تزال فيه الضغوط الإقليمية والدولية تمارس تأثيرها على القرار السياسي العراقي.
*النتائج الأولية وتوازنات القوى / المشهد السياسي الجديد
حسب النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بدأت ملامح خريطة القوى السياسية الجديدة تتشكل وفقاً للتوزيع التالي:
• الكتل الشيعية: حصلت على 187 مقعداً , وقيل اكثر ؛ من أصل 329 مقعداً في البرلمان، مع تقدم واضح لاتفاق الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي حصل على 45 مقعداً .
• الكتل السنية: حصلت على 77 مقعداً، فيما حصلت الكتل الكردية على 56 مقعداً .
• نسبة المشاركة: بلغت حوالي 56.11%، مما يعكس إقبالاً أكبر مقارنة بانتخابات 2021 التي سجلت 41% فقط .
*صعود تحالف الإعمار والتنمية
يمثل فوز تحالف السوداني مؤشراً على تحول في الخارطة السياسية، حيث انتقل السوداني من “مرشح توافقي” إلى قطب سياسي مؤثر، يتمتع بشعبية واسعة نتيجة أدائه الحكومي الذي تميز بتحقيق استقرار مالي واقتصادي، وإطلاق مشاريع كبرى في قطاعات البنية التحتية والكهرباء … ؛ وقد يمنحه هذا الأداء قوة تفاوضية كبيرة في عملية تشكيل الحكومة المقبلة... ؛ الا ان تحالفه قد ينفرط عقده مما يؤدي الى اضعاف موقفه التفاوضي … .
نعم , قد أحرزت قائمة التنمية والاعمار أفضل نتائج في نحو ثمانية من محافظات العراق، بما فيها بغداد ونَجَف، لكنها لم تحصد أغلبية مريحة تمكنها من تشكيل حكومة منفردة... ؛ فالمراقبون يرون أن الانتخابات تكرّس واقعاً بنيوياً في السياسة العراقية : حيث الترقّب ليس لتغيير جذري بقدر ما هو لإعادة ترتيب الحصص بين القوى.
الا ان السيد محمد شياع السوداني لا يظهر كمجرد “أداة تنفيذية”، بل كقائد سياسي حقق إنجازات ملموسة في الاستقرار الاقتصادي والمالي، وأصبح لاعباً محورياً يمتلك أوراق ضغط انتخابية حقيقية ... ؛و يتمتع السوداني بشعبية واسعة نتيجة أدائه، مما يمنحه قاعدة شعبية مستقلة وليس مجرد أداة للقوى السياسية ... ؛ ولكن لا زال دور السيد المالكي فاعلا ومؤثرا وقويا .
*الضغوط الأميركية والتدخلات الإقليمية
في الخلفية، يسعى الجانب الأميركي إلى تحجيم دور الفصائل المسلحة المحسوبة على إيران داخل الدولة العراقية، وهو ما ظهر في التحليلات.
هذا الضغط لم يكن بالضرورة معلناً بكل تفاصيله، لكنه يظهر في مفاوضات الأمن الثنائي، في مراقبة بعض القوائم الانتخابية، وفي القلق الأميركي من أن يتحول العراق إلى ساحة لوكالة نفوذ بديلة عن واشنطن.
من جهة أخرى، تحاول السلطة العراقية الموازنة بين العلاقة مع الولايات المتحدة وإيران، خصوصاً أن العراق يحتاج إلى الاستقرار الاقتصادي وإعادة الإعمار، ما يخلق هامشاً ضيقاً للمناورة.
*طبيعة التدخل الأمريكي
تشير التحليلات السياسية إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على المشهد السياسي العراقي، لكن هذه الضغوط لا تأخذ شكلاً مباشراً في فرض الشخصيات أو التشكيلات الحكومية، بل تتم بآليات أكثر تعقيداً:
• أدوات الضغط: تستخدم واشنطن أدوات اقتصادية وأمنية متنوعة، تتراوح بين العقوبات الاقتصادية والقيود الأمنية، والإيحاء بفتح أبواب التعاون والدعم وفقاً لنتائج الانتخابات وتشكيلاتها .
• التدخل غير المباشر: كما يسعى الدور الأمريكي إلى إبقاء العراق ضمن الدائرة الأمريكية من خلال دعم شخصيات محددة لتولي المناصب الحيوية والاستراتيجية في مؤسسات الدولة .
• الدبلوماسية الخفية: تبرز أيضاً من خلال المبعوثين الخاصين، خاصة في ظل غياب السفير الأمريكي في بغداد , ومجيء مبعوث ترامب مارك سافايا ، مما يثير تساؤلات حول طبيعة الصلاحيات والدور الذي يلعبونه .
*تحديات السيادة والمواقف العراقية
في المقابل، هناك وعي عراقي بهذه الضغوط ومحاولات للحد منها:
• القوى الرافضة للوجود الأمريكي: تؤكد أنها ستدخل العملية السياسية بكل قوة بعد حيازاتها على المقاعد الكثيرة ، مما يمكنها من تشريع قوانين تقلص النفوذ الأمريكي في العراق .
• تراجع النفوذ الأمريكي: تشير بعض التحليلات إلى أن مستوى التأثير الأمريكي في العراق تراجع خلال السنوات الأخيرة، لكنها تحذر من مرحلة ما بعد الانتخابات .
نعم , ما لا يُعلن رسمياً غالباً هو من يتحكّم بترتيب الكتل والتوزيعات الوزارية بعد الانتخابات… ؛ فالنظام السياسي العراقي، ومنذ العام 2003، يعتمد إلى حد كبير على ما يُسمّى «المُحاصَصة» الطائفية والإقليمية، حيث تُقسَّم الحقائب والمواقع وفق توافقات مسبقة أكثر من منافسة برامج سياسية واضحة.
في هذا السياق، فإن الفائز الحقيقي ليس بالضرورة صاحب أكبر عدد مقاعد، بل من يُبرم أكثر تحالفات «ما بعد التصويت» بشكل سريع وفاعل.
قد تُثار في الكواليس قضايا مثل: من يحصل على وزارة النفط؟
من يتولّى الحصة الأكبر من الموازنة؟
كيف تُعاد صياغة العلاقة مع الأقليم الكردي؟
كلها تسويات لا تُرى غالباً في وسائل الإعلام، لكنها تحدد ملامح الحكم فعلياً.
أهم من ذلك، يُقال إنّ الجهات الخارجية (من بينها الولايات المتحدة) تراقب بصمت من يمكن تسميته «قائد المرحلة التالية»، وتضغط على طرف أو آخر لتبني مساراً يُرضي مصالحها (في مكافحة الإرهاب، وعدم تحول العراق إلى منصة فاعلة لإيران أو لأي قوة خارجية أخرى كما اسلفنا )… ؛ و بناءً على المصادر، هذا القول له أساس، لكن ليس كل ما يُشاع صحيحاً أو موثّقاً بالكامل.
* بعض المزاعم الشائعة
المزاعم التي تشير إلى «اتفاق مسبق مع المحتل الأميركي لإلغاء مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتسليم ميناء الفاو للإمارات، وتمرير أنبوب النفط عبر مصر والعقبة، والتطبيع مع إسرائيل» — لا توجد مصادر جدّية موثوقة تدعم كل هذه التفاصيل كما ذُكرت… ؛ وحتى إذا كانت هناك ضغوط أو تحشيدات ، فإن ربطها بكل هذه البنود بهذا الترتيب هو من نوع «نظرية المؤامرة» وليست معلنة أو موثقة من جهات مستقلة.
*التحديات المستقبلية وآفاق التغيير
*تحديات داخلية
تواجه الحكومة العراقية المقبلة جملة من التحديات الداخلية:
• مكافحة الفساد: الذي لا يزال مستشرياً في مؤسسات الدولة، وتشير بعض التقارير إلى ظواهر مثل بيع المقاعد البرلمانية التي تصل تكلفتها إلى خمسة ملايين دولار .
• الوضع الاقتصادي: رغم التحسن الملحوظ، لا تزال مشاكل البطالة وضعف الخدمات العامة تمثل تحدياً كبيراً .
• المحاصصة الطائفية: لا يزال النظام السياسي قائماً على توزيع المناصب وفقاً للتمثيل الطائفي .
نعم , وتبقى التساؤلات الملحة : كيف ستُشكّل الحكومة المقبلة؟ هل ستنجح في تجاوز تعثّر الحكومات السابقة؟
ما هي حصيلة العلاقة بين بغداد وواشنطن في ملفات: الأمن، إعادة الإعمار، الرسوخ المؤسسي؟
وهل ستتمتع بغداد بالحُرّية المطلوبة للاستفادة من العلاقات مع الصين أو دول الجوار؟
هل ستُفرض إصلاحات حقيقية في نظام المحاصَصة، أم سيبقى الأمر على حاله من إعادة توزيع المغانم؟
ما مدى قدرة الدولة على بسط سلطتها على الفصائل المسلحة، والمناطق التي تُعدّ خارج الاقتصاد النظامي؟
أخيراً: هل سيغيّر هذا البرلمان واقع الخدمات، البطالة، البنية التحتية، أو أنه سيبقى جزءاً من دورة تبدّل وجوه فقط؟
*توازنات إقليمية ودولية
يظل العراق ساحة للتنافس الإقليمي والدولي:
• التوازن الأمريكي-الإيراني: تسعى الإدارة الأمريكية إلى مراقبة العراق عن كثب، مع التلويح بعقوبات جديدة إذا لم تنزع أسلحة الميليشيات الموالية لإيران .
• دور إقليمي متوازن: يعمل العراق على ترسيخ التوازن في علاقاته الإقليمية والدولية، مع محاولة تعزيز دور بغداد كوسيط إقليمي .
بينما يسعى المحور التركي القطري وكذلك الاماراتي والسعودي الى السيطرة على المشهد السياسي العراقي , بعد تقليص النفوذ الايراني .
*الخاتمة :
في الختام، يمكن القول إنّ انتخابات العراق 2025 شكّلت نقطة محورية، لكن ليس بالضرورة نقطة تحوّل جوهري … ؛ هي اختبار لقدرة النخبة السياسية على تسوية خلافاتها الداخلية، وتمكين الدولة من التحول إلى جهة حقيقية للمساءلة وليس مجرد ملعب للمحاصَصة… ؛ نعم , الضغوط الأميركية حقيقية، لكن القرار يبقى عراقياً إلى حدٍّ بعيد، والمشهد خلف الكواليس أكثر انفتاحاً مما كان عليه في السابق، وإن ظل شفافاً نسبياً فقط.
نعم , تمثل الانتخابات الحالية اختباراً حقيقياً لمدى قدرة العراق على فرض سيادته والحد من التدخلات الخارجية، في ظل قيادة سياسية حققت إنجازات ملموسة على الأرض.
النتائج الأولية تشير إلى تحول في الخارطة السياسية، مع صعود القوى التي ركزت على الأداء الخدمي والتنفيذي، مما قد يمثل بداية لمرحلة جديدة تقل فيها الهيمنة الخارجية تدريجياً لصالح الأولويات الوطنية.
لكن تبقى التحديات كبيرة، وتتطلب إرادة سياسية حقيقية لتجاوز منطق المحاصصة والفساد، والانتقال إلى مرحلة تعزيز السيادة الوطنية والبناء الداخلي، بعيداً عن الادعاءات غير الموثقة والمشاريع الخارجية التي لا تخدم المصالح الوطنية للعراق وشعبه.
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟