أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أيمن زهري - قنبر بونابرتة وهويّة المحروسة















المزيد.....

قنبر بونابرتة وهويّة المحروسة


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 16:19
المحور: قضايا ثقافية
    


"فلما نزل عليهم القنبر ولم يكونوا قد عاينوه، صاحوا يا خفي الألطاف نجّنا مما نخاف." هكذا وصف عبد الرحمن الجبرتي، مؤرخ الحملة الفرنسية على مصر 1978-1801 حال أهل مصر المحروسة عندما نصب نابليون بونابارت (بونابرتة كما كان العامة يسمونه وقتها) مدافعه فوق القلعة مصوبا فوهاتها نحو القاهرة ليقصف أهلها بالقنبر (القنابل) التي لم يكن يعرفها أهل القاهرة. رغم سوداوية ومأساوية تلك اللحظة ووقوع مصر بعدها تحت الاحتلال الفرنسي لفترة قصيرة، إلا أن هذه اللحظة تعد لحظة فارقة في سبيل عصرنة مصر وإيقاظها من سُباتها الطويل تحت الحكم العثماني/المملوكي.

يمكن القول أن تلك اللحظة الفارقة تفصل بين فترتين مهمتين فيما يرتبط بهوية مصر وثقافتها. قبل تلك اللحظة، ولمئات السنوات في ظل حكم المماليك والعثمانيين، عاشت مصر في مرحلة تشبه القرون الوسطى في أوروبا؛ مرحلة تمثل فترة سبات عميق. هي في الحقيقة مرحلة موات سريري، فالحكام المماليك والعثمانيون يمثلون طبقة منفصلة تماما عن الشعب، أما الشعب فقد كان لا ذكر له تقريبا، وقد كثر في تلك الحقبة السلب والنهب والقتل سواء من الحكام والمماليك ورجال السلطة أو من العربان الذين كانوا يمثلون دائما خطراً وتهديداً للمجتمعات الزراعية المستقرة حول مصدر المياه الرئيس الذي هو نهر النيل. أدي ارتباط الناس بالزراعة المعتمدة على مياه النيل إلى ديكتاتورية السلطة التي تتحكم في توزيع مياه النهر منذ المصريين القدماء حتي ظهور المدن الكبرى والاعتماد على التجارة والصناعة والخدمات جنباً إلي جنب مع الزراعة.

قبل تلك الفترة، أي قبل حملة بونابرت، كان المغضوب عليهم من المارقين، من وجهة نظر الحكومة، لا يجدون أمامهم سوى الصحراء للفرار من بطش الحكام المركزيين وولاة المديريات ولذلك عرفوا بمطاريد الجبل. إستمر الفرار للصحراء للهروب من السلطة إلي فترة قريبة في التاريخ المصري وقد وثّقت الدراما والسينما "مطاريد الجبل" في العديد من الأعمال الفنية. يلاحظ بالطبع أن مطاريد الجبل لم يتمكنوا عبر التاريخ المصري من تكوين مجتمعات طبيعية في الفيافي والجبال نظرا لافتقارها للمقوم الرئيس للحياة الطبيعية وهو المياه، فكان لابد من الحصول على الأقوات الكفيلة بالإبقاء على حياتهم بالإغارة علي القرى والتجمعات السكانية القريبة.

يذكر أن الالتجاء الى الصحراء قد تأسس في عصر الاضطهاد الديني الروماني للمؤمنين المصريين ما أدى إلى فرار العديد من رجال الكنيسة المصرية للصحراء. تعد تلك الهجرة الدينية بداية تأسيس الرهبنة في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية.

المصريون والفنون في عهد نابليون
عودة للحظة الفارقة وهي الحملة الفرنسية على مصر. كنت في زيارة لفرنسا عام 2010 وكان هناك معرضا في معهد العالم العربي في باريس بعنوان "نابليون نور ونار." أعجبت باسم المعرض كثيرا لأنه في الحقيقة يعكس ماهية الحملة الفرنسية على مصر، فهي نار واحتلال مباشر لمصر مرفوض ومدان في كل الأحوال، إلا أنها في ذات الوقت نور، كما يشير عنوان المعرض، حيث أنها بالرغم من عدم سلامة نوايا الغزاة، إلا انها أحدثت زلزالا في بنية المجتمع المصري وأشعرتهم بمدى التخلف الذي كانوا يعيشون فيه وبعدهم الشديد عن الأخذ بطرائق التقدم ومواكبة الطفرة الحضارية بينهم في زمانهم هذا وبين الغزاة الذين حضروا بعلمائهم وأدواتهم وبارودهم وقنبرهم وأجروا دراسات علمية مستفيضة للمجتمع المصري في كافة أرجاء القطر المصري فيما عرف بكتاب وصف مصر La de-script-ion de l egypte، أضف إلى ذلك اكتشافهم حجر رشيد الذي من خلاله تم فك طلاسم اللغة المصرية القديمة والذي فتح الباب لمعرفة الحضارة المصرية القديمة التي كان ينظر لها المصريون على أنها بقايا أُناسِ غضب الله عليهم وحوّلهم لمساخيط ودمرهم تدميراً لأنهم كانوا قوماً فاسقين، من وجهة نظر المؤمنين آنذاك، والمؤمنين بالفكر السلفي الوهابي في القرن العشرين وحتى وقتنا هذا.

الانقطاع الثقافي مقابل التلاقح الثقافي
بقدر كبير من اليقين، أستطيع القول أن مصر، أو المجتمع المصري بشكل أدق، ظل معزولا عن العالم لفترة طويلة حتى وصول حملة نابليون بونابارت للقاهرة عام 1798. قبل ذلك، لم تكن المحروسة تستقبل سوى المماليك الجراكسة/الشراكسة والأتراك من الطبقة التي لا تنتمي لجموع الشعب المصري، أو بمعنى أدق لجموع السوقة والدهماء والجعيدية كما وصفهم المؤرخ العظيم عبد الرحمن الجبرتي. صحيح أن فئات وطبقات المجتمع المصري في ذلك الوقت كانت كثيرة ومتعددة، لكن بالرغم من ذلك التعدد يمكن بشكل كبير تحديد طبقتين كبيرتين؛ الطبقة الأولى، كما ذكرت، تتمثل في طبقة غير المصريين الذين بيدهم مقاليد السلطة، والمصريون بمختلف طوائفهم الذين لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا.

لو تحدثنا عن طبقة غير الحكام نجد أنها تضم طوائف وجماعات عديدة مثل العُربان والفلاحين خارج العاصمة، والتجار وأصحاب الحرف والسوقة والدهماء في المدن، خاصة في المحروسة. كانت القاهرة دائما هي الحاضنة للقادمين الجدد من خارج البلاد، كانت تضم بعض التجار وأصحاب الحرف والمرابين والغوازي وتجار المتعة الذين يأتون عادة من أماكن أخرى من الإمبراطورية العثمانية، إلا أنه من الملاحظ أن معظمهم كانوا يأتون من بلاد الشام وقبرص وبعض الأماكن الأخرى.

لا ننسى أيضا طبقة الجواري والعبيد والمجلوبين والغلمان الذين كانت تتنوع البلدان التي يجلبون منها. كان هؤلاء يعملون عادة في المنازل وكان بعضهم يعملون أيضا في صناعة اللهو. كان من حظ مصر أن معظم عبيدها كانوا يجلبون من الجنوب من ذوي البشرة الداكنة. ربما أدى ذلك لارتباط كلمة عبد في الثقافة المصرية بلون البشرة السوداء، بخلاف العبيد في عاصمة الإمبراطورية العثمانية المجلوبين/المجلوبات من روسيا والبلغار وبعض دول الشمال الأخرى من الصفراوات والحمراوات ذوات البشرة الفاتحة. في حالة مصر، كانت تلك النوعية من المجلوبات يتولين السلطنة عليهم ويقمن بدور السيدة الأولى في بلاط السلاطين المماليك. لا يمنع ذلك وجود بعضهن في أسواق الجواري والعبيد جنبا إلى جنب مع الجواري والإماء المجلوبات من الجنوب.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصريون القدماء: روحانية أسيء فهمها
- لماذا يكره المصريون الجولاني
- اللاجئون في العالم: بوادر تراجع بعد عقد من الارتفاع المستمر
- البناء على زخم افتتاح المتحف المصري الكبير: إعادة بعث الهوية ...
- افتتاح المتحف المصري الكبير: لحظة فرح وطنية في زمن الأزمات
- العالم العصري والنزعة الفردانية
- بين النبوءة والواقع: قراءة نقدية لأحداث نهاية الزمان
- متى ينقرض البشر؟
- الهجرة النظامية: هل توقف الهجرة غير النظامية؟
- جيل ألفا: جيل المستقبل الذي سيحمل عبء شيخوخة العالم
- بين الماضي والحاضر: هل يصلح حاضر المجتمعات بما صلح به ماضيها ...
- الذكاء الاصطناعي: أداة قديمة في ثوب جديد
- فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي ال ...
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- نهاية النمو؟ ملامح التحول السكاني في القرن الحادي والعشرين
- بمناسبة اليوم العالمي للاجئين: قراءة في تقرير الاتجاهات العا ...
- هل ينجح ترامب في طرد المهاجرين؟
- موسم الرَّد إلى الجنوب
- حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات


المزيد.....




- هل اتخذ ترامب قرارًا بشن هجوم بري على فنزويلا؟ مسؤولان يكشفا ...
- السعودية.. اصطدام شاحنة وقود بحافلة معتمرين من الهند قرب الم ...
- تعليق على رد تيتان: يجب أن ينعكس سعي تيتان نحو التحسّن في اح ...
- كونغو الديمقراطية.. لحظة انهيار جسر في منجم نحاس وكوبالت وسق ...
- الزواج.. عريس جزائري يترك قاعات الأفراح ويختار مشاركة فرحته ...
- جون برينان.. كيف تندّر المصريون على تصريح مدير الـ-سي آي إيه ...
- كيف تتوزع القوة البحرية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا؟ ...
- بن سلمان في البيت الأبيض بعد 7 سنوات من مقتل خاشقجي.. ما الذ ...
- صفقة رافال التاريخية: 100 مقاتلة فرنسية تدعم أوكرانيا في موا ...
- منتجع تزلج فرنسي يبدأ مبكرا صنع الثلج الاصطناعي استعدادا للش ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أيمن زهري - قنبر بونابرتة وهويّة المحروسة