أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أيمن زهري - البناء على زخم افتتاح المتحف المصري الكبير: إعادة بعث الهوية المصرية














المزيد.....

البناء على زخم افتتاح المتحف المصري الكبير: إعادة بعث الهوية المصرية


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 10:12
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا فنيًا أو أثريًا عابرًا، بل لحظة وعي وطني استثنائية أعادت إلى المصريين ثقتهم بأنفسهم، وأيقظت فيهم الإحساس العميق بالانتماء إلى حضارة لا تزال تبهر العالم منذ آلاف السنين، فالمتحف، الذي يقف شامخًا عند أقدام الأهرامات، لا يقدّم مجرد عرض لآثار المصريين القدماء، بل يروي قصة وطن استطاع أن يصوغ معنى الإنسانية، وأن يترك بصمته الخالدة في مسيرة التاريخ.

هذا الافتتاح الكبير ليس نهاية طريق، بل بداية مرحلة جديدة ينبغي أن تُبنى عليها رؤية وطنية شاملة لإحياء الهوية المصرية وتجديدها، فالمتحف بما يحمله من رموز ومعانٍ يمثل فرصة نادرة لإعادة تعريف الذات المصرية، واستعادة الثقة في القدرات الوطنية، ومواجهة ما تراكم في العقود الأخيرة من تشوش هويّاتي جعل بعض الأجيال تنظر إلى تاريخها بعين الغريب، لا بعين الوريث الحقيقي لحضارة عظيمة.

لقد أثبتت تجربة المتحف أن المصريين حين تتاح لهم القيادة الملهمة والهدف الواضح يمكنهم إنجاز المستحيل. ومن هنا فإن المطلوب اليوم هو البناء على هذا الزخم، وتحويله من حدث ثقافي ضخم إلى مشروع وطني دائم؛مشروع يعيد صياغة الوعي الجمعي، ويستنهض روح الإبداع والاعتزاز والانفتاح، ويواجه في الوقت نفسه مظاهر الانغلاق والتطرف والهويات الدخيلة التي تسللت إلى المجتمع تحت شعارات براقة ودعاوى زائفة.

لكي يتحقق ذلك، من الضروري أن يتم تشكيل لجنة وطنية عليا تضم ممثلين عن الوزارات والمؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية والدينية، إلى جانب المجتمع المدني، تتولى إعداد خطة استراتيجية متكاملة لإعادة بعث الهوية المصرية. هذه الخطة يجب ألا تكون مبنية على الشعارات الرنانة، بل عملية، متعددة المحاور، تجمع بين التعليم والإعلام والثقافة والفنون والتنمية الاقتصادية.

أحد أهداف هذه الخطة هو العمل على محو التشوش الهويّاتي الذي يعاني منه بعض الشباب، عبر إعادة تقديم التاريخ والثقافة المصرية بلغة العصر، بعيدًا عن التنميط المدرسي أو خطاب الوعظ الجاف. فجيل اليوم لا يتلقى المعرفة بالطريقة القديمة، بل يعيش في عالم مفتوح تهيمن عليه الصورة السريعة والمعلومة المختصرة، ولهذا يجب أن نتوجه إليه بأسلوب يفهمه ويستجيب له، من خلال المحتوى الرقمي والإنتاج الفني والإعلامي الذي يجمع بين الإبداع والهوية.

إن استقطاب جيل «زد» وجيل «ألفا» يمثل تحديًا حقيقيًا، لكنه أيضًا فرصة ذهبية، فهؤلاء الشباب، رغم ابتعادهم الظاهري عن الرموز التقليدية للهوية، يحملون في داخلهم توقًا حقيقيًا إلى الانتماء. المطلوب فقط هو أن نخاطبهم بلغتهم وأن نُشركهم في صنع سرديتهم عن مصر، وأن نفتح أمامهم أبواب المشاركة الثقافية والإبداعية، لا أن نكتفي بمطالبتهم بالانضباط أو الطاعة، فبناء الهوية الحديثة لا يكون بالإملاء من الأعلى، بل بالحوار والتفاعل والاحترام المتبادل بين الأجيال.

وي المقابل، لا يمكن الحديث عن الهوية دون معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب جذور الانتماء في العمق. فالفقر والبطالة تخلق بيئة خصبة يستغلها دعاة الكراهية والتطرف. إن شابًا لا يجد فرصة عمل أو أفقًا لحياته قد يكون فريسة سهلة لخطاب ظلامي يقدّم له وهم الخلاص. لهذا فإن مشروع الهوية لا ينفصل عن مشروع التنمية، بل هما وجهان لعملة واحدة: الكرامة الإنسانية.

لقد آن الأوان لأن تتعامل الدولة والمجتمع مع قضية الهوية كملف استراتيجي لا يقل أهمية عن الأمن أو الاقتصاد. فالهوية ليست ترفًا ثقافيًا، بل هي البنية النفسية التي تحمي المجتمع من الانقسام والتشرذم، وهي التي تمنح المواطن المعنى والقدوة والقدرة على الصمود في وجه الأزمات. من هنا فإن العمل على تجديدها وإعادة بنائها هو عمل وطني من الدرجة الأولى.

إن المتحف المصري الكبير بما يحويه من عبقرية في التصميم والتنظيم، وما يقدّمه من رؤية إنسانية لتاريخ المصريين القدماء، يمكن أن يكون رمزًا لميلاد جديد للهوية المصرية، لا هوية منغلقة على الماضي، ولا مقطوعة عن الحاضر، بل هوية حيّة تتنفس وتبدع وتحتضن العالم بثقة واعتزاز.

مصر التي شيّدت الأهرامات، وابتكرت الكتابة، وعلّمت الدنيا معنى الحضارة، قادرة اليوم أن تُلهم العالم مرة أخرى إذا أحسنت قراءة ذاتها، واستثمرت طاقاتها الشابة، وربطت حاضرها بمجدِها العريق. فالمتحف ليس مجرد صرح أثري، بل مرآة تعكس من نكون، ومن يمكن أن نكون إذا آمنا بأن المستقبل يصنعه من يعرف أصله ويعتز بجذوره.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افتتاح المتحف المصري الكبير: لحظة فرح وطنية في زمن الأزمات
- العالم العصري والنزعة الفردانية
- بين النبوءة والواقع: قراءة نقدية لأحداث نهاية الزمان
- متى ينقرض البشر؟
- الهجرة النظامية: هل توقف الهجرة غير النظامية؟
- جيل ألفا: جيل المستقبل الذي سيحمل عبء شيخوخة العالم
- بين الماضي والحاضر: هل يصلح حاضر المجتمعات بما صلح به ماضيها ...
- الذكاء الاصطناعي: أداة قديمة في ثوب جديد
- فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي ال ...
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- نهاية النمو؟ ملامح التحول السكاني في القرن الحادي والعشرين
- بمناسبة اليوم العالمي للاجئين: قراءة في تقرير الاتجاهات العا ...
- هل ينجح ترامب في طرد المهاجرين؟
- موسم الرَّد إلى الجنوب
- حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات
- To Migrate´-or-not to Migrate: هل هذا هو السؤال؟
- اللاإنجابية في مصر: قرار فردي أم ظاهرة اجتماعية؟
- الهجرة والتعاون الأوروبي-الأفريقي: بين عملية الخرطوم وعملية ...
- أزمنة التشظّي


المزيد.....




- القصة الداخلية لزهران ممداني.. اجتماع سري مع -حزب العائلات- ...
- ممازحًا الأميرة السعودية ريما بنت بندر.. ترامب: لديها مال كث ...
- كيف تفرق بين مقاطع الفيديو الحقيقية ومقاطع الذكاء الاصطناعي؟ ...
- ترامب يتحدث بإيجابية عن -إتفاق غزة- وسط تصاعد التطورات الميد ...
- مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن لدعم -خطة غزة-.. وأنفاق رفح ...
- واشنطن تهدد جوبا والخرطوم بعدم التجديد للقوة الأممية في أبيي ...
- استشهاد طفل بالضفة وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال بالقدس
- عائلات أميركية تلجأ إلى بنوك الطعام مع توقف إعانات الغذاء
- قرقاش: الإمارات تلعب دورا مؤثرا إقليميا ودوليا
- صعوبات ميدانية.. إسرائيل تواجه معضلة مقاتلي -الخط الأصفر-


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أيمن زهري - البناء على زخم افتتاح المتحف المصري الكبير: إعادة بعث الهوية المصرية