أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيمن زهري - فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي المعاصر














المزيد.....

فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي المعاصر


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 21:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعيش العالم الإسلامي اليوم حالةً من التناقض الحاد بين التطلعات النظرية البعيدة والاحتياجات الواقعية الملحّة. فبينما ينشغل بعض الفقهاء والباحثين ببحث قضايا مستحدثة مثل فقه الفضاء، يعاني أكثر من نصف المسلمين من شظف العيش، والفقر المدقع، وتردي الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وسكن. هذا التباين يثير سؤالاً جوهرياً: هل نحن بحاجة فعلًا إلى فقه الفضاء في هذه المرحلة، أم أن الأولوية القصوى ينبغي أن تُوجَّه إلى فقه الفقراء وضرورات الحياة اليومية؟

ليس من الخطأ أن ينظر الفقه الإسلامي إلى المستقبل ويستعدّ له، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة نماذج عملية لذلك، مثل إصدار ماليزيا كتيبًا لإرشاد رائد الفضاء الماليزي الشيخ مظفر شكور سنة 2007 حول كيفية أداء العبادات على محطة الفضاء الدولية.
فقه الفضاء إذن يمثل امتدادًا طبيعيًا لفقه النوازل، الذي يتعامل مع القضايا المستجدة استنادًا إلى القواعد الكلية مثل “الضرورات تبيح المحظورات” و”لا ضرر ولا ضرار”. ومن ثمّ، فإن الانشغال بالفضاء ليس رفاهية فكرية محضة، بل هو محاولة لتجهيز الإجابات قبل وقوع النوازل. فالبشرية، شئنا أم أبينا، تتجه إلى استكشاف الفضاء واستثماره، ولا يجوز للعقل الفقهي أن يقف متفرجًا متأخرًا عن الركب.

لكن السؤال: ماذا عن الفقراء؟ أليسوا أولى الناس بالاجتهاد الفقهي والفكري؟
تشير تقارير البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن أكثر من نصف المسلمين يعيشون تحت خط الفقر أو قريبين منه، مع نسب بطالة مرتفعة، ومعدلات أمية ما زالت مقلقة، وتفاوت صارخ في توزيع الثروة.
كيف يمكن أن ينشغل فقهاؤنا بمناقشة اتجاه القبلة في الفضاء، بينما ملايين المسلمين لا يجدون قبلة في بيوت تفتقر إلى سقف يحميهم من المطر والبرد؟ وكيف نتجادل حول ملكية المعادن في المريخ، بينما ثروات الأرض التي نعيش عليها تُنهب يوميًّا دون رقيب؟
إن الفقه في جوهره مرتبط بتحقيق مقاصد الشريعة، وأبرزها: حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ النسل. وعليه، فإن توفير الغذاء والمسكن والدواء والتعليم للفقراء أولى بتحقيق هذه المقاصد من البحث في احتمالات بعيدة قد لا يلمس أثرها المسلم البسيط لعقود طويلة.

من غير العدل أن نرفض فقه الفضاء جملة وتفصيلًا بدعوى أنه ترف فكري، لكن من الظلم أيضًا أن يُقدَّم على قضايا الناس العاجلة. إن التوازن هنا هو كلمة السر. فمن حق الأمة أن تُعِدّ نخبة صغيرة من الفقهاء المتخصصين بالنوازل المستقبلية، لكن الغالبية العظمى من جهود المؤسسات الدينية والبحثية يجب أن تُوجَّه إلى فقه الواقع.
لقد جاء في الأثر: “كاد الفقر أن يكون كفرًا”. وهذا القول، وإن لم يكن حديثًا صحيحًا، فإنه يعكس حقيقة اجتماعية: الفقر إذا استشرى هدّد استقرار المجتمعات، وأضعف التديّن، وفتح أبواب الفساد والجريمة. أليس الأجدر إذن أن يُبذَل الجهد لرفع الظلم والفقر عن الناس، قبل أن يُنشغل الفقهاء بجدالات فضائية لا تطعم جائعًا ولا تكسو عاريًا؟

المطلوب اليوم هو فقهاء يملكون الجرأة على مواجهة مشكلات العصر الأساسية:
• العدالة الاجتماعية: وضع فقه اقتصادي معاصر يضمن توزيعًا عادلًا للثروات، ويعالج مشكلات البطالة والفقر.
• فقه الصحة: التعامل مع قضايا الوباء، والرعاية الصحية، وتنظيم الأسرة، باعتبارها قضايا تمس حياة الملايين.
• فقه الهجرة واللجوء: معالجة أوضاع ملايين المسلمين الذين اضطرتهم الحروب والفقر للهجرة القسرية.
• فقه البيئة: حماية الموارد الطبيعية من الهدر والتلوث الذي يهدد أمن الأجيال المقبلة.

من الخطأ أن نصوّر فقه الفضاء كعدو لفقه الفقراء، فكلاهما ضروري في سياق مختلف. لكن العبرة بالترتيب والوزن النسبي.
• فقه الفقراء: واجب عاجل، لا يحتمل التأجيل، لأنه يمس حياة ملايين المسلمين يوميًا.
• فقه الفضاء: واجب كفائي استشرافي، لا يُقدَّم على غيره، بل يُكتفى فيه بجهود نخبوية محدودة إلى حين.

إن التحدي الأكبر هو بناء عقل فقهي قادر على الجمع بين معالجة الحاضر واستشراف المستقبل، دون أن يطغى أحدهما على الآخر.

يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن بحاجة إلى فقه الفضاء؟ نعم، لكننا بحاجة أكبر إلى فقه الفقراء. فالأمم لا تُقاس بقدرتها على التنظير للمستقبل البعيد فحسب، بل بقدرتها على معالجة معاناة أبنائها في الحاضر.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- نهاية النمو؟ ملامح التحول السكاني في القرن الحادي والعشرين
- بمناسبة اليوم العالمي للاجئين: قراءة في تقرير الاتجاهات العا ...
- هل ينجح ترامب في طرد المهاجرين؟
- موسم الرَّد إلى الجنوب
- حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات
- To Migrate´-or-not to Migrate: هل هذا هو السؤال؟
- اللاإنجابية في مصر: قرار فردي أم ظاهرة اجتماعية؟
- الهجرة والتعاون الأوروبي-الأفريقي: بين عملية الخرطوم وعملية ...
- أزمنة التشظّي
- اليوم الدولي للمهاجرين 2024: هل من جديد؟
- مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية 1994 في ذكراه الثلاثين
- عصر الإتاحةِ المدمّرة
- سياحة التقاعد في مصر
- لا تجلدوا محمد حسين يعقوب
- هل زادت الرغبة في الهجرة؟
- سكان مصر في العشرية الأخيرة 2011-2021
- ذكريات العيد وحلوياته
- مصر ما بعد الكورونا


المزيد.....




- خبيرة دولية: الحوار بين الأديان أصبح أداة لتلميع صورة الأنظم ...
- رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا: الجزيرة صوت ال ...
- الاحتلال يبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر
- دمشق.. انطلاق مجالس سماع -موطأ الإمام مالك- بالجامع الأموي
- مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية ش ...
- الهباش يدين اقتحام رئيس مجلس النواب الأميركي المسجد الإبراهي ...
- إسرائيل تبعد مفتي القدس والديار الفلسطينية عن المسجد الأقصى ...
- الاحتلال يصدر قرارا بإبعاد مفتي القدس 6 أشهر عن المسجد الأقص ...
- سلطات الاحتلال تبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى 6 أشهر
- سلطات الاحتلال تبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى 6 أشهر


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيمن زهري - فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي المعاصر