أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيمن زهري - حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات














المزيد.....

حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 18:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


‏تطفو على السطح من وقت لآخر العديد من القضايا الدينية الخلافية، لعل من أكثرها إثارة للجدل عقوبة تارك الصلاة. تُعد الصلاة ركنًا ركينًا من أركان الإسلام الخمسة، وتركها عمداً من أعظم الكبائر التي اختلف الفقهاء في توصيفها وحكمها.

‏في التراث الإسلامي، نجد أن الفقهاء في المذاهب الأربعة قد تناولوا هذه المسألة بتفصيل دقيق، يعكس تباين اجتهاداتهم تبعًا لفهمهم للنصوص الشرعية وسياقها.

‏أولاً: حكم تارك الصلاة في المذاهب الأربعة

‏الحنفية: يرون أن تارك الصلاة لا يُكفَّر، بل يُعزر ويُحبس حتى يصلي، وإن أصر عوقب، لكن لا يُقتل.

‏المالكية: فرّقوا بين من تركها جحودًا ومن تركها تكاسلاً؛ فالجاحِد يُكفَّر، أما المتكاسل فيُحبس ويؤدَّب ولا يُقتل.

‏الشافعية: قالوا بكفر تارك الصلاة إذا تركها جحودًا، أما إن تركها تكاسلًا، فالأصح أنه يُقتل حدًا لا ردة.

‏الحنابلة: ذهبوا إلى أن تارك الصلاة كافر كفرًا أكبر يُخرجه من الملة، سواء تركها جحودًا أو تكاسلاً، ويُستتاب فإن لم يتب يُقتل.

‏هذا التباين الفقهي يدل على أن المسألة ليست من القطعيات التي لا تحتمل الاجتهاد، بل هي محل نظر وتأويل، وقد قُدّرت الأحكام فيها بحسب تصورات الزمان والمكان ودرجة التهديد الذي يشكّله التهاون بالشعائر في المجتمعات المسلمة.

‏ثانيًا: مسألة الميراث وقاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين"

‏يُعدّ توزيع الميراث من الأمور التي وردت بنصوص قرآنية واضحة، وأشهرها قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" [النساء: 11]. وهذه القاعدة تنطلق من تصورات اجتماعية واقتصادية كانت سائدة آنذاك، حيث كان الذكر غالبًا هو المسؤول عن النفقة والرعاية، في حين كانت الأنثى تنتقل في كفالة الرجل (أبًا، ثم زوجًا، أو أخًا).

‏ورغم وضوح النص، فإن تطبيق هذه القاعدة خضع على مر العصور لمراعاة ظروف محددة، بل وظهرت اجتهادات حديثة تدعو إلى إعادة النظر في بعض تفاصيل توزيع الميراث، خصوصًا في حالات تتبدل فيها الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للمرأة.

‏ثالثًا: تطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات

‏إن العالم الذي نعيش فيه الآن ليس هو نفسه عالم القرن الأول الهجري، لا في تركيبته الاقتصادية ولا في بنيته الاجتماعية أو السياسية.

‏لم نعد نعيش في "دولة دينية" تُطبق الأحكام الشرعية بكاملها كقانون دولة، بل أصبحنا نعيش في دول مدنية، تخضع لقوانين وضعية وتوازنات دولية، ومعايير حقوق الإنسان، واتفاقات عالمية.
‏ومن هنا، فإن الاجتهاد الفقهي المعاصر يواجه تحديات جمّة. فهناك ثوابت لا يُقبل المساس بها، مثل أركان الإسلام وعقائده الأساسية، لكن إلى جانبها هناك متغيرات يجوز - بل يجب - أن تُراجع وفق السياق الزمني والاجتماعي. لم تعد المرأة قاصرة ولا الذكر هو دائمًا المعيل، ولم يعد "ملك اليمين" أو الجواري والعبيد متاحاً في العالم الحديث، ولم يعد الجهاد يُمارس بالصورة التي عرفها الأوائل، وكل هذا يعيد تشكيل نظرتنا لكثير من الأحكام.

‏رابعًا: ضرورة الفهم التاريخي والوعي النقدي

‏التوترات الحالية بين الأجيال، لا سيما مع صعود تيارات متشددة بين بعض الشباب، تُحتم علينا أن ننبه إلى أن قراءة التراث لا تعني دائمًا تطبيقه حرفيًا في كل زمان ومكان. لا يمكن لشاب غِرٍّ أن يقرأ كلمتين في "الدر المختار" أو "المغني" ثم يهرع متهمًا غيره بالكفر. فالعلم مسؤولية، والفتوى ميزان دقيق بين النص والواقع.

‏لقد طُبّقت تلك الأحكام في أزمانٍ كان فيها العالم مختلفًا، وكانت تلك القواعد تعبّر عن توازن اجتماعي له منطقه الخاص. أما اليوم، فنحن بحاجة إلى فقه جديد، يستند إلى أصول الشريعة لكنه يتفاعل مع العصر، ويراعي المستجدات، ولا يُقصي أحدًا من دائرة الإيمان لأسباب فقهية خلافية.

‏إن الحفاظ على روح الشريعة لا يعني الجمود على حرفية النص، بل استيعاب مقاصده، ومراعاة تطورات الحياة. فالدين متين، ولن يُضام بالإصلاح، بل يزداد قوة عندما يكون منفتحًا، واعيًا، ومتصالحًا مع عصره.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- To Migrate´-or-not to Migrate: هل هذا هو السؤال؟
- اللاإنجابية في مصر: قرار فردي أم ظاهرة اجتماعية؟
- الهجرة والتعاون الأوروبي-الأفريقي: بين عملية الخرطوم وعملية ...
- أزمنة التشظّي
- اليوم الدولي للمهاجرين 2024: هل من جديد؟
- مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية 1994 في ذكراه الثلاثين
- عصر الإتاحةِ المدمّرة
- سياحة التقاعد في مصر
- لا تجلدوا محمد حسين يعقوب
- هل زادت الرغبة في الهجرة؟
- سكان مصر في العشرية الأخيرة 2011-2021
- ذكريات العيد وحلوياته
- مصر ما بعد الكورونا
- فيروس كورونا ومستقبل الحراك البشري
- توضيح بشأن المدعو حمّو بيكا
- مصر وأفريقيا بين الماضي والحاضر!
- في مفهوم المواطنة والدين
- الخروج من المأزق: كيف يتقدم العرب؟
- هل مازلنا بحاجة لمعرض للكتاب؟
- لِباس رانيا يوسف ولِباس التقوى


المزيد.....




- ضحك ودلع طول اليوم.. نزل تردد قناة طيور الجنة أطفال 2025 على ...
- المملكة المتحدة تدين هجمات المستعمرين على بروقين غرب سلفيت
- اقتحامات بالخليل ودمار جراء اعتداءات المستوطنين غرب سلفيت
- لو عايز طفلك يتعلم ويستمتع في نفس الوقت.. تعرف على أحدث تردد ...
- عراقجي يلتقي رئيس وزراء الفاتيكان
- مسؤولون أمريكيون: الهوة بين نتنياهو وترامب تتسع والتوتر يزدا ...
- وسائل إعلام أمريكية: إدارة ترامب تتهم جامعة كولومبيا بانتهاك ...
- تقرير جديد عن الإخوان المسلمين يضيف الوقود إلى نار معاداة ال ...
- استقبال تردد قناة طيور الجنة بجودة عالية على جميع الأقمار ال ...
- كل اللي محتاج تعرفه عن موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر وال ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيمن زهري - حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات