عصر الإتاحةِ المدمّرة

أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة

الحوار المتمدن-العدد: 7743 - 2023 / 9 / 23 - 18:55
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

لم تعد بحاجة للذهاب للسينما لمشاهدة فيلمك المفضل او الذهاب للمكتبة العامة للاطلاع المجاني على ما هو متاح من كتب أو مجلات أو دوريات علمية، ولست بحاجة أيضا لشراء الجرائد أو المجلات. لست بحاجة أيضاً إلى نسخ بعض ما تحتاجه من الصفحات بمقابل مادي. لم تعد ايضا بحاجة لمتابعة المسلسل التليفزيوني والارتباط بموعد بثه في توقيت محدد يوميا، سوف تجد كل مسلسلاتك المفضلة موجودة بانتظارك من خلال نمط المشاهدة حسب الطلب من خلال منصات المشاهدة المختلفة. ليس هذا فحسب، بل يمكنك من خلال اشتراك زهيد أن تشاهد كافة الحلقات في وقت واحد.
لم تعد بحاجة للقراءة، ليس بالطبع لكي تتجنب الأخطاء اللغوية الشائعة والتي أصبح لا يخلو منها كتاب ولا تخلو منها جريدة، حتى الجرائد الكبرى ذات التاريخ العريق. لم تعد بحاجة للكتاب. يمكنك تحميل أي كتاب من الشبكة الدولية للمعلومات مجانا أو مقابل اشتراك زهيد، فلماذا شراء الكتاب ودفع الثمن وتكبد مشقة الوصول للبائع، أو دفع مقابل التوصيل إلى محل اقامتك؟ هذا بالطبع إذا لم تكن قد تمت قرصنة الكتاب المطلوب بالفعل فتقوم بتحميله مجانا من الإنترنت.
ثم لماذا القراءة ولماذا هذا الإجهاد؟ يمكنك تشغيل خاصية القارئ الآلي وسوف يقوم بقراءة الكتاب لك. ثم لماذا أخرى وهي لماذا تقرأ او يُقرأ لك الكتاب؟ لابد أن المؤلف قد وضع ملخصاً للكتاب على موقعه أو في أحد المواقع الشهيرة من خلال فيديو يشرح فيه فكرة الكتاب أو ربما لقاء له موجود على الـ YouTube مع أحدهم يتناول فيه الأفكار الرئيسية للكتاب. هل بعد ذلك تبقى لديك رغبة في قراءة الكتب؟
‏الحال كذلك بالنسبة للبحث العلمي، لماذا الانتظار الطويل حتى يظهر بحثك العلمي في دورية مرموقة أو حتى غير مرموقة الا إذا كنت تنتوي التقدم به للحصول على ترقية في مجالك؟ بخلاف ذلك فإن فيديو قصير يشرح فكرتك يمكن أن يكون أوسع انتشارا من بحثك المنشور في دورية علمية. هذا بالطبع بخلاف تقادم الأبحاث في دورة النشر الطويلة التي قد تصل إلى عامين. إذن قُل فكرتك في فيديو قصير وانتهى الأمر واجلس بجواره كي تحصى مرات الإعجاب ومرات التنزيل ومرات المشاهدة.
‏بهذا الشكل وبهذه المنجزات التكنولوجية "الرائعة" تتضاءل قيمة الأشياء ويضيع المعنى ويتسارع الزمن وتُسرق اللحظات ويمضي المجتمع البشري كله إلى حتفه.

#أيمن_زهري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات