اللاإنجابية في مصر: قرار فردي أم ظاهرة اجتماعية؟

أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة

الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 14:01
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة اللاإنجابية كموضوع جدلي في المجتمع المصري، خاصة بعد إعلان الفنان المصري محمد خميس عن قراره بعدم الإنجاب بشكل قاطع، ما أثار موجة من النقاشات حول هذه الظاهرة. يأتي ذلك في وقت تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية متفاقمة، ما يدفع البعض إلى إعادة التفكير في مسألة الإنجاب وتحمل أعباء تربية الأطفال وكذلك انخفاض أعداد المواليد عام 2024 إلى أقل من مليوني مولود لأول مرة منذ عام 2014. في هذا السياق، يسعى هذا المقال إلى تحليل ظاهرة اللاإنجابية في مصر، استناداً إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي، واستكشاف مدى انتشارها وتأثيرها على الوضع الديموغرافي.

اللاإنجابية، أو عدم الرغبة في الإنجاب، هي موقف فردي أو جماعي يتبناه البعض بقرار واعٍ بعدم إنجاب الأطفال. تتنوع الدوافع وراء هذا القرار بين الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية، والفلسفية. في السياق المصر، تبرز الأسباب الاقتصادية كعامل رئيسي يدفع بعض الأفراد، خاصة الشباب، إلى تبني خيار اللاإنجابية.

تتعدد الأسباب الدافعة لظهور هذه الظاهرة، لكن يمكن القول بكثير من التأكد أن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة في مصر هي أحد أهم العوامل المؤثرة في التفكير في موضوع اللاإنجابية. مع ارتفاع معدلات التضخم وتزايد تكلفة المعيشة، بات من الصعب على الكثيرين تحمل أعباء تربية الأطفال. بالنسبة للأسباب الاجتماعية، وعلى الرغم من أن المجتمع المصري يعتبر أن الأسرة نواة المجتمع، ويُنظر إلى الإنجاب كجزء أساسي من استمرارية العائلة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، إلا أن التحولات الثقافية وظهور موجات من الفكر الليبرالي قد دفعت بعض الشباب إلى تبني خيارات مغايرة، بما في ذلك عدم الإنجاب. يأتي إعلان الفنان محمد خميس كأحد الأمثلة على ذلك، حيث صرح بأنه لن ينجب أطفالاً، مما أثار استغراباً واسعاً وفتح باباً للنقاش حول هذه الفكرة.

يتبنى البعض خيار اللاإنجابية لأسباب فلسفية بحتة، حيث يرون أن العالم بات مكاناً غير ملائم لتربية الأطفال في ظل الحروب والنزاعات وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية. في مصر، يتردد هذا الطرح بين بعض الشباب الذين يعانون من مشاعر الإحباط وعدم اليقين بالنسبة للمستقبل. يمكن التفكّر في أسباب سياسية للمشكلة أيضاً، ربما تكون اللاإنجابية نوعاً من الاعتراض على الظروف السياسية ورغبة في فتح مجالات أوسع للشباب في المشاركة السياسية.

رغم أن اللاإنجابية لم تصبح بعد ظاهرة واسعة الانتشار في مصر، إلا أن هناك مؤشرات على تزايد عدد الأشخاص الذين يختارون عدم الإنجاب. على الرغم من أنه لا توجد دراسة علمية لهذا الموضوع أو حتى تقارير صحفية، إلا أنه يمكن ملاحظة زيادة مساحة الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي عن هذا الموضوع، خصوصاً في الطبقات المتوسطة والمتعلمة.

إذا تحدثنا عن التداعيات السكانية لهذه الظاهرة، وعلى الرغم من أن مصر تعتبر من الدول ذات التركيبة السكانية الفتية، فإن انتشار اللاإنجابية على نطاق أوسع قد يؤدي إلى تغيرات ديموغرافية مستقبلية. في حال استمر هذا الاتجاه، قد ينخفض معدل الخصوبة، ما قد يؤدي إلى تقليص عدد السكان تدريجياً على المدى الطويل.

في النهاية يمكن القول إنه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة في مصر، يبدو أن اللاإنجابية لم تعد مجرد خيار فردي بحت، بل باتت تعكس تحولات اجتماعية وثقافية أعمق. في حين يرى البعض أنها قرار عقلاني لتجنب المزيد من الأعباء المالية والاجتماعية، يعتبرها آخرون تهديداً للبنية التقليدية للأسرة. أعتقد أنه أصبح من المهم أن تضع مراكز البحث هذا الموضوع الشائك ضمن خططها البحثية، لابد من إنجاز دراسات علمية منضبطة منهجيّا حول هذا الموضوع الهام. ربما يكون هذا الموضوع محل بحث في دراسة ماجستير أو دكتوراة في إحدى الجامعات المصرية.

#أيمن_زهري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل