أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أيمن زهري - افتتاح المتحف المصري الكبير: لحظة فرح وطنية في زمن الأزمات















المزيد.....

افتتاح المتحف المصري الكبير: لحظة فرح وطنية في زمن الأزمات


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 15:53
المحور: قضايا ثقافية
    


في زمنٍ يثقل فيه الهمّ المعيشي كاهل المواطن المصري، وتتصدر فيه الأخبار عن ارتفاع الأسعار وغلاء البنزين أحاديث الناس، تلوح في الأفق لحظة نادرة من الضوء والفخر الوطني: افتتاح المتحف المصري الكبير.
إنه ليس حدثًا سياحيًا عابرًا، بل علامة فارقة في الوعي المصري الحديث، تذكّرنا بأن مصر، رغم أزماتها وتحدياتها، ما زالت قادرة على الإنجاز والإبهار، وأن روحها الحضارية الممتدة عبر آلاف السنين لا تزال نابضة بالحياة.

منذ عقود طويلة ينتظر المصريون والعالم هذا الحدث الذي يُعدّ أكبر متحف أثري في العالم مكرّس لحضارة واحدة. بدأ التخطيط له في تسعينيات القرن الماضي، وتوالت عليه حكومات وأجيال من المهندسين والآثاريين والمصممين، حتى صار اليوم واقعًا شامخًا عند هضبة الأهرام، حيث تتلاقى عبقرية الماضي مع إرادة الحاضر.

أكثر من متحف: رمز لإرادة الحياة
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى ضخم يضم عشرات الآلاف من القطع الأثرية، بل هو تجسيد لإرادة الحياة لدى المصريين. فمنذ تأسيس المتحف المصري القديم في ميدان التحرير عام 1902، ظلّ الحلم قائمًا ببناء صرح جديد يستوعب كنوز الحضارة المصرية ويقدّمها للعالم برؤية عصرية.

يقع المتحف الجديد على مقربة من أهرامات الجيزة، في موقع فريد يجمع بين عبق التاريخ وروح المعمار الحديث. وقد صُمم بأسلوب معماري يعكس فلسفة الضوء والظل والانفتاح، حيث تسمح المساحات الواسعة والواجهات الزجاجية بإطلالة بانورامية على الأهرامات. ويقف في بهوه الرئيسي تمثال الملك رمسيس الثاني شامخًا، وكأنه يستقبل زوار مصر في عهدها الجديد، تمامًا كما استقبل أجداده الوفود منذ آلاف السنين.

اقتصاد الثقافة في مواجهة ثقافة الأزمة
لا ينبغي النظر إلى افتتاح المتحف بوصفه حدثًا ثقافيًا فقط، بل كـ رافعة اقتصادية وتنموية أيضًا. إذ يتوقع أن يستقطب ملايين الزوار سنويًا، ما يعني تدفقًا جديدًا للسياحة وتشغيلًا لعشرات الآلاف في مجالات الفنادق والنقل والخدمات والمنتجات الثقافية.

في زمن يطغى فيه الإحباط على المزاج العام، يمثل هذا المتحف جرعة من الأمل الوطني وفرصة لإعادة تعريف مفهوم الثروة. فالثروة ليست فقط في البترول أو الدولار، بل في التراث والمعرفة والإبداع، ومصر تمتلك رأس مال حضاري لا مثيل له، يمكن أن يُعيد صياغة صورتها عالميًا ويمنح أبناءها طاقة جديدة للإنتاج والفخر.

المتحف إذن ليس هروبًا من الواقع الاقتصادي، بل مواجهة له بلغة الجمال والإنجاز، واستعادة للثقة في قدرة المصريين على البناء والإبداع في أحلك الظروف.

المتحف في السياق العالمي
يُعدّ افتتاح المتحف المصري الكبير أضخم حدث متحفي عالمي في القرن الحادي والعشرين. فبينما تملك باريس متحف اللوفر، ولندن المتحف البريطاني، تأتي القاهرة اليوم لتعلن أن لديها ما يفوقهم جميعًا من حيث الحجم والتنوع والرمزية.
بهذا الافتتاح، تستعيد مصر موقعها في قلب الخريطة الثقافية للعالم، بعد سنوات من الغياب والانشغال بالأزمات الداخلية.

العالم اليوم يبحث عن معنى وهوية، وفي هذا البحث يجد في مصر نموذجًا للاستمرارية والتجدد الحضاري. فالحضارة المصرية ليست مجرد ماضٍ يُروى، بل ذاكرة بشرية حيّة تشكل أحد أعمدة التاريخ الإنساني.
وحين يزور السائح المتحف، فهو لا يتعرف فقط على المصريين القدماء، بل يلمس بدايات الفن، والعمارة، واللغة، والإدارة، والعلوم التي شكّلت جوهر الحضارة الإنسانية الحديثة. إنها رحلة إلى الجذور الأولى للعقل البشري، حيث تحوّل الإنسان من فلاح على ضفاف النيل إلى صانعٍ للزمان والمكان.

الفرح كفعل مقاومة
في خضم المعاناة اليومية، قد يبدو الحديث عن الفرح ترفًا، لكن الحقيقة أن الفرح في مثل هذه اللحظات هو فعل مقاومة. أن تفرح بإنجاز وطني يعني أنك ما زلت تؤمن بقدرة بلدك على النهوض، وما زلت ترى الأمل في الغد رغم كل التحديات.

لقد عرف المصريون عبر تاريخهم كيف يواجهون الأزمات بالإبداع والضحك والصلابة. لذلك فإن الاحتفال بافتتاح المتحف ليس هروبًا من الواقع، بل تأكيدًا على الانتماء والقدرة على الصمود.

من التفكير السلبي إلى الوعي الإيجابي
من الطبيعي أن ينشغل المواطن بتكاليف المعيشة، لكن من الخطأ أن يختزل رؤيته لمصر في الأسعار فقط.
إن افتتاح المتحف المصري الكبير يذكّرنا بأن الأوطان لا تُقاس فقط بمستوى الدخل، بل بما تقدمه من معنى وكرامة وذاكرة إنسانية.

هذه اللحظة تمنحنا فرصة لإعادة اكتشاف أنفسنا كمصريين: أن نرى بلدنا بعين جديدة، لا بعين الشكوى.
أن نقول لأنفسنا ولأولادنا: “نعم، عندنا حاجة حلوة.”
إنها دعوة لتحويل الغضب إلى وعي إيجابي، والسلبية إلى مشاركة، فحين ندعم الجمال ونحتفي به، نُسهم فعليًا في مقاومة القبح واليأس.

المتحف كجسر بين الأجيال
أعظم ما في المتحف المصري الكبير أنه لا يخاطب جيلًا واحدًا، بل يربط الأجيال ببعضها.
سيزور الطفل المتحف فيرى لأول مرة وجه بلده الحقيقي في تمثال أو بردية، وسيتأمل الشاب عظمة أجداده فيدرك أن العبقرية المصرية ليست أسطورة، بل حقيقة يمكن استعادتها، وسيشعر الكهل بالطمأنينة لأنه عاش ليرى بلاده تقف شامخة بين الأمم.

بهذا المعنى، يصبح المتحف مدرسة وطنية مفتوحة، تزرع الانتماء والفخر وتغرس الإيمان بالمستقبل.
إنه مساحة للوعي الجمعي، لا تكتفي بعرض الآثار، بل تروي قصة الإنسان المصري منذ فجر التاريخ حتى اليوم.

افرح بمصر
حين تُضاء أنوار المتحف المصري الكبير، سيكون المشهد أكبر من مجرد احتفال رسمي.
سيكون إعلانًا رمزيًا عن عودة مصر إلى ذاتها، وعن استمرار رسالتها الحضارية التي لم تنقطع رغم ما مرّت به من أزمات.

قد لا تنخفض الأسعار غدًا، وقد يبقى سعر البنزين مرتفعاً، لكن ما يتغيّر هو إحساسك ببلدك وبنفسك.
افرح، لأن الفرح ليس تجاهلًا للواقع، بل إيمان بأن في هذا الوطن ما يستحق الحياة.
افرح، لأنك تنتمي إلى أرضٍ لم تتوقف يومًا عن العطاء.
افرح، لأن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى من الحجر، بل قصة مصر كلها في حجر واحد.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم العصري والنزعة الفردانية
- بين النبوءة والواقع: قراءة نقدية لأحداث نهاية الزمان
- متى ينقرض البشر؟
- الهجرة النظامية: هل توقف الهجرة غير النظامية؟
- جيل ألفا: جيل المستقبل الذي سيحمل عبء شيخوخة العالم
- بين الماضي والحاضر: هل يصلح حاضر المجتمعات بما صلح به ماضيها ...
- الذكاء الاصطناعي: أداة قديمة في ثوب جديد
- فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي ال ...
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- نهاية النمو؟ ملامح التحول السكاني في القرن الحادي والعشرين
- بمناسبة اليوم العالمي للاجئين: قراءة في تقرير الاتجاهات العا ...
- هل ينجح ترامب في طرد المهاجرين؟
- موسم الرَّد إلى الجنوب
- حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات
- To Migrate´-or-not to Migrate: هل هذا هو السؤال؟
- اللاإنجابية في مصر: قرار فردي أم ظاهرة اجتماعية؟
- الهجرة والتعاون الأوروبي-الأفريقي: بين عملية الخرطوم وعملية ...
- أزمنة التشظّي
- اليوم الدولي للمهاجرين 2024: هل من جديد؟


المزيد.....




- لقطات مخيفة تظهر انهيار عدة منازل إثر ارتفاع المد بسبب الأعا ...
- سباق السلطة في هولندا: الملايين يقترعون في انتخابات مبكرة
- بعد 23 عاما من الاستقلال: تيمور الشرقية تنضم إلى رابطة دول ج ...
- مقتل أكثر من مئة فلسطيني بينهم 35 طفلا بالقصف الإسرائيلي عل ...
- هل يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟
- كاتب إسرائيلي: هكذا أضعف نتنياهو سيادة القانون
- طائرات الاحتلال تقصف مربعا سكنيا في مخيم الشاطئ بغزة
- واشنطن وبكين تتفقان على تهدئة تجارية مؤقتة قبل قمة الرئيسين ...
- إعصار ميليسا يضرب سواحل كوبا بعد أضرار جسيمة خلفها في جامايك ...
- التقاعس عن مواجهة الاحترار المناخي يتسبب بملايين الوفيات بحس ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أيمن زهري - افتتاح المتحف المصري الكبير: لحظة فرح وطنية في زمن الأزمات