أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن زهري - لماذا يكره المصريون الجولاني















المزيد.....

لماذا يكره المصريون الجولاني


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 02:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ ظهوره على الساحة السورية في بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ارتبط اسم الجولاني بظاهرة التطرف الديني المسلح، التي كانت أحد أبرز ملامح الفوضى التي اجتاحت العالم العربي عقب اندلاع ما سُمّي بثورات الربيع العربي. بالنسبة للمصريين، لم يكن الجولاني مجرد قائد لجماعة مسلّحة في سوريا، بل رمزًا لفكر دموي ارتدى عباءة الدين، وامتد أثره المدمّر إلى المنطقة بأسرها، لذلك تُقابل شخصيته اليوم بنفور عام في الشارع المصري، بل وبقدر واضح من الكراهية، تتجاوز في كثير من الأحيان البعد السياسي إلى الشعور الثقافي والأخلاقي العميق بالرفض.

تبدأ هذه النظرة من التجربة التاريخية الخاصة لمصر مع الجماعات الإسلامية المسلحة، فمنذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، خاضت مصرية صراعًا مريرًا مع جماعات تبنّت أفكارًا قريبة من فكر القاعدة، ورفعت شعارات دينية لتبرير العنف. تركت تلك الحقبة أثرًا عميقًا في الوعي الجمعي، بحيث صار المصري العادي ينفر تلقائيًا من أي حركة أو شخصية تُستدعى من ذلك القاموس الدموي، ولأن الجولاني نشأ من رحم تنظيم القاعدة، فقد تمّ وضعه في الخانة ذاتها التي تضم الظواهري والبغدادي وغيرهما من رموز الإرهاب العابر للحدود.

يضاف إلى ذلك أن المصريين ينظرون إلى الحرب السورية بعين الأسى، إذ كانت سوريا بالنسبة لهم دولة شقيقة متماسكة، تشبههم في تكوينها الاجتماعي والثقافي. حين تحولت إلى ساحة اقتتال بين عشرات الفصائل المتناحرة، بدا الجولاني في أعين كثيرين أحد أبرز المسؤولين عن تفكيكها وتحويلها إلى نموذج للفوضى، فالجماعة التي قادها، جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام، لم تكتفِ بقتال النظام السوري، بل دخلت في صراعات مع فصائل معارضة أخرى، وفرضت رؤيتها المتشددة على المناطق التي سيطرت عليها، وأقامت فيها محاكم شرعية قسرية، وأصدرت أحكامًا بالإعدام والجلد والرجم، ما جعلها مرادفًا للقمع باسم الدين، ومن ثمّ ترسخ في المخيال المصري أن الجولاني لا يمثل مقاومة ولا ثورة، بل فكرًا إقصائيًا متطرفًا لا يختلف عن داعش إلا في الاسم.

تتغذى الكراهية المصرية للجولاني أيضًا على تناقض خطابه وتحولاته، فقد حاول بعد تمكينه من حكم سورية أن يقدّم نفسه للإعلام الغربي ببدلة رسمية، متحدثًا بلغة سياسية هادئة عن “الحكم المحلي” و”الاعتدال النسبي”، في محاولة لإعادة تسويق نفسه كزعيم محلي واقعي، لكن المصريين، الذين خبروا تجربة الإسلام السياسي بمختلف تجلياته، رأوا في ذلك قناعًا إعلاميًا لا يغيّر جوهر الفكر التكفيري. فعندما يرتدي قائد فصيل جهادي ربطة عنق ويتحدث عن التنمية، بينما تاريخه مثقل بالدماء، يُنظر إليه في مصر كرمز للنفاق السياسي والديني. هذه الازدواجية بين الخطاب والممارسة زادت من ازدراء المصريين له، وأكدت لديهم أن كل محاولات “تلميع” الجماعات الجهادية ليست سوى مراوغة لكسب الشرعية.

أما البعد السياسي في هذه النظرة فيرتبط بالإحساس المصري العام بأن ما جرى في سوريا لم يكن شأنًا داخليًا فحسب، بل نتاجًا لتدخلات إقليمية معقدة. فقد انتشرت منذ السنوات الأولى للحرب سرديات حول دعم بعض القوى الخليجية، ومن بينها السعودية وقطر، لفصائل المعارضة، بعضها كان معتدلًا، وبعضها الآخر تبين لاحقًا أنه يحمل توجهات متطرفة، ومع أن السعودية صنّفت جبهة النصرة تنظيمًا إرهابيًا منذ عام 2014، فإن الانطباع الشعبي المصري ظلّ يربط بين الجولاني وبين مرحلة التمويل الخليجي الواسع التي ساهمت في صعوده. المصريون عمومًا ينظرون بعين الريبة إلى أي دعم خارجي لجماعات دينية مسلحة، خصوصًا حين يأتي من دول كانت تُتهم بنشر الفكر الوهابي، وهو الفكر الذي يرون فيه الجذر العقائدي للتطرف المعاصر. من هنا أصبحت كراهية الجولاني متشابكة مع نقد ضمني لحقبة كاملة من “تديين السياسة” في العالم العربي.

كما أن المصريين يعيشون منذ عام 2013 حالة من الاستنفار ضد كل ما يمسّ استقرار الدولة ووحدتها. فالتجربة القصيرة مع حكم الإخوان المسلمين جعلت قطاعات واسعة من المجتمع ترى في أي مشروع سياسي ديني تهديدًا مباشرًا لكيان الدولة. من هذا المنطلق، فإن الجولاني يُقرأ في الوعي المصري باعتباره استمرارًا للخط ذاته، وإنْ كان في شكل أكثر عنفًا وتطرفًا. فكما سعت جماعة الإخوان إلى احتكار تفسير الإسلام، يسعى الجولاني إلى احتكار الجهاد والحكم باسم الشريعة، وكلاهما يُعدّ نقيضًا لفكرة المواطنة والدولة المدنية التي تشكل محور الهوية السياسية المصرية الحديثة منذ ثورة يوليو.

هناك أيضًا بعد نفسي وثقافي عميق لهذه الكراهية، فالمصريون يميلون بطبعهم إلى رفض التشدد والتطرّف في الدين، ويحتفون دائمًا بالوسطية والاعتدال والروح الصوفية التي تميّز تراثهم الديني. الجولاني، بملامحه القاسية ولغته المتشددة وخلفيته القاعدية، يمثل نقيضًا لهذه الروح. إنهم يرونه تجسيدًا لنمط الإنسان الذي يختزل الدين في القتال والعقاب، ويغيب عنه التسامح والجمال اللذان يشكّلان جزءًا من الشخصية المصرية عبر قرون. لذا لا يُنظر إليه بوصفه خصمًا سياسيًا فحسب، بل كتهديد ثقافي يناقض طبيعة التدين الشعبي في مصر.

في العمق، فإن كراهية المصريين للجولاني ليست موجّهة إلى شخصه فقط، بل إلى ما يرمز إليه من فكر وسلوك ومسار، هو في نظرهم ابن لحقبة سوداء في التاريخ العربي الحديث، تداخل فيها الدين بالسياسة والسلاح، فدُمرت دول وتشردت شعوب باسم قضايا كبرى، وحين يرون الجولاني على شاشات التلفزيون، لا يرونه فردًا، بل يرون معه أشباح الماضي: اغتيالات التسعينيات، تفجيرات الأقصر، تدمير الموصل، وخراب إدلب، إنه مرآة لمخاوفهم من أن يعود ذلك التاريخ من جديد.

من هنا يمكن القول إن كراهية المصريين للجولاني ليست مجرد موقف عاطفي، بل نتاج تراكمات تاريخية وتجارب واقعية ووعي جمعي تشكّل من خلال الألم والفقد. هي كراهية تختزل موقفًا أوسع من العنف الديني والسياسة باسم العقيدة، ومن كل محاولة لتحويل الدين إلى مشروع للسلطة، لذلك، فإنها ستظل قائمة ما دام الجولاني يمثل هذا التيار، وما دام المصريون يعتبرون أن خلاصهم الحقيقي يكمن في الدولة الوطنية، لا في الخلافة الموعودة التي يتحدث عنها المتطرفون.



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللاجئون في العالم: بوادر تراجع بعد عقد من الارتفاع المستمر
- البناء على زخم افتتاح المتحف المصري الكبير: إعادة بعث الهوية ...
- افتتاح المتحف المصري الكبير: لحظة فرح وطنية في زمن الأزمات
- العالم العصري والنزعة الفردانية
- بين النبوءة والواقع: قراءة نقدية لأحداث نهاية الزمان
- متى ينقرض البشر؟
- الهجرة النظامية: هل توقف الهجرة غير النظامية؟
- جيل ألفا: جيل المستقبل الذي سيحمل عبء شيخوخة العالم
- بين الماضي والحاضر: هل يصلح حاضر المجتمعات بما صلح به ماضيها ...
- الذكاء الاصطناعي: أداة قديمة في ثوب جديد
- فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي ال ...
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- نهاية النمو؟ ملامح التحول السكاني في القرن الحادي والعشرين
- بمناسبة اليوم العالمي للاجئين: قراءة في تقرير الاتجاهات العا ...
- هل ينجح ترامب في طرد المهاجرين؟
- موسم الرَّد إلى الجنوب
- حكم تارك الصلاة وتطور الحياة بين الثوابت والمتغيرات
- To Migrate´-or-not to Migrate: هل هذا هو السؤال؟
- اللاإنجابية في مصر: قرار فردي أم ظاهرة اجتماعية؟


المزيد.....




- حصريا لـCNN: بريطانيا تعلق التعاون الاستخباراتي مع أمريكا بش ...
- مستوطنون إسرائيليون يشعلون حريقا في بلدة بالضفة الغربية مع ت ...
- الحزب الشعبي الإسباني يعقد أول اجتماع له في مليلية ويقول إنه ...
- إسبانيا: مطالب بمساءلة الحكومة حول -مركزي احتجاز مهاجرين- في ...
- دراسة مموّلة من ألمانيا: الجيش الموريتاني -شديد التسييس- ودو ...
- الشرع في واشنطن.. الغولف بعد السلة؟
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مستوطنين بعد هجمات واسعة على قرى فلسط ...
- رئيس كولومبيا: أمرت أجهزة استخبارات إنفاذ القانون بتعليق جمي ...
- حقوقيو تونس يطلقون -صرخة فزع- بعد تعليق نشاط 17 منظمة
- إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن زهري - لماذا يكره المصريون الجولاني