أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حيدر داخل الخزاعي - الدوغمائية والزبائنية محركا السلوك الانتخابي في العراق















المزيد.....

الدوغمائية والزبائنية محركا السلوك الانتخابي في العراق


حيدر داخل الخزاعي

الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 21:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعد الانتخابات في العراق لحظة سياسية شديدة الحساسية، فهي لا تعبر عن تنافس على المقاعد، بل تكشف طبيعة البنى العميقة في المجتمع والدولة من حيث النفوذ والولاء، والعلاقات الزبائنية، والتصورات الدوغمائية التي يصعب تجاوزها لذلك، فإن تحليل الانتخابات الأخيرة لا يمكن أن يقتصر على الأرقام أو نسب المشاركة، بل يتطلب فهم الاليات غير المرئية التي تحرك السلوك الانتخابي، وعلى رأسها الزبائنية والدوغمائية، وهما عاملان أساسيان يعيدان إنتاج النمط السياسي ذاته منذ عام 2003 حتى اليوم.
لا شك أن أي تحول ديمقراطي ترافقه بعض الإخفاقات، وهذا الأمر واضح في التغيير الذي شهده العراق عام 2003 والذي أنتج نظاماً توافقياً غاب في كثير من مفاصله التأسيس الصحيح لنظام ديمقراطي يقوم على أسس سليمة، إن أحد الركائز الأساسية في النظم الديمقراطية هي الانتخابات والاختيار الحر، وقد شهد العراق عدة انتخابات ابتداءً من العام 2005، إذ جرت عشرة انتخابات بين مجالس محلية وانتخابات نيابية، إلا أنها تشوبها عدة إشكالات، خصوصاً الانتخابات النيابية الأخيرة، فقد تداخلت فيها الزبائنية وحرفتها عن مسارها الصحيح لتحولها إلى عملية تبادل منفعي، بالإضافة إلى الدوغمائية القائمة على الولاءات والهويات الجامدة، وهذا الأمر يفسر لنا أسباب تراجع الديمقراطية في العراق وعجزها عن تحقيق العدالة والتمثيل الحقيقي.
إن الزبائنية ليست ظاهرة هامشية في الانتخابات العراقية، فهي ركيزة مهمة في سلوك الناخب العراقي، خصوصاً في المناطق التي تعاني غياباً أو ضعفاً في الخدمات الأساسية، فيقدم المرشح للناخبين مقابل انتخابه وعداً بالتعيين أو إكساء شارع أو إيصال ماء أو محولة كهرباء أو ربط المنطقة بمنظومة مجاري الصرف الصحي أو مساعدة مالية مؤقتة، وهذا ناتج عن غياب ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، ليتحول المرشح بديلاً وظيفياً عن مؤسسات الدولة، فيكون بديلاً عن دوائر البلدية والكهرباء والمجاري، وهذا يدفع المواطنين الذين يرون في المرشح بوابة للحصول على هذه الخدمات التي تعد حقوقاً أساسية على الدولة تقديمها لجميع مواطنيها دون استثناء، لكن المنظومة الديمقراطية المشوهة في العراق حولتها إلى هبات يقدمها المرشح لناخبيه، مما يعمق العلاقة التبعية ويحول الصوت الانتخابي إلى جزء من اقتصاد سياسي تحكمه القوة والموارد.
أما الدوغمائية، التي تتمثل في الولاءات المطلقة غير القابلة للنقاش سواء كانت طائفية أو عشائرية أو مناطقية، فإنها تعطل التفكير النقدي للناخب وتجعله يبحث عن تبريرات للإخفاقات المتكررة للمرشحين وأحزابهم، ولا سيما أولئك الذين جربوا سابقاً وأعيد إنتخابهم رغم عدم تقديمهم معالجات أو حلول للواقع المتردي الذي يعيشه المواطن، فالتبعية تقف حاجزاً أمام إبداء الرأي أو التفكير في البرامج الانتخابية للمرشحين، فالدوغمائية ليست مجرد قناعات فكرية، بل هي بنية اجتماعية سياسية تعزز من خلال خطابات الهوية وتغذى عبر الانقسامات التاريخية وتستثمر عبر الإعلام الحزبي الموجه.
ورغم اختلاف هاتين الظاهرتين، إلا أنهما تشكلان تحالفاً متبادلاً ينتج سلوكاً انتخابياً مركباً، فالدغمائية تخلق قاعدة انتخابية جاهزة لا تكلف المرشح جهداً لإقناع الناخبين سياسياً، بل يكفي تحريك رموز دينية أو هوياتية لجذبهم للتصويت لصالحه، أما الزبائنية فتفي عنصر الخدمات والمساعدات بأداء الغرض نفسه، إن الدمج بين هاتين الأداتين (الزبائنية والدوغماتية) ينتج حائط صد قادر على الصمود عبر الدورات الانتخابية حتى في ظل السخط الشعبي والأزمات المتعاقبة.
إن تجليات الأداتين واضحة في انتخابات مجلس النواب للعام 2025 فرغم السخط الشعبي الذي نراه ونسمعه يومياً، والأزمات المتعاقبة التي يعاني منها البلد، إلا أن الأحزاب السياسية استطاعت توظيف هاتين الأداتين بحرفية لتعيد انتخابها من قبل الجمهور، فتارة عبر وعود بالتعيين أو رواتب الرعاية الاجتماعية أو إكساء شارع في منطقة ما، أو توزيع مكافأة، أو شراء بطاقات انتخابية بمبالغ مالية، واستعمال وتسخير إمكانيات الدولة ومؤسساتها لصالح بعض المرشحين والقوائم كنوع من الهبات للناخبين، وعلى الجانب الاخر نجح البعض بتحشيد الجمهور عبر خطاب هوياتي، فقد شهدنا قبل الانتخابات زخماً طائفياً شديداً تحت ذريعة حماية الأمة والمذهب والجماعة ومنع عودة البعث الصدامي، وهي خطابات تتجدد في كل انتخابات وتمثل بديلاً تتعكز عليه النخب السياسية التي فشلت في تقديم برامج تخدم البلد والمواطن وتنهض بواقعه، فليس هناك وسيلة لإقناع الناخب إلا التحفيز المذهبي أو التمثيل المناطقي أو العشائري، مما جعل الناخب ينقاد دون مراجعة لما قدمه المرشح أو الحزب في المرحلة السابقة.
لذلك كانت نتائج الانتخابات والفائزين فيها عبارة عن شيوخ عشائر واخرين مدعومين من قوى دينية مؤثرة وشخصيات ذات نفوذ اقتصادي وسياسي استخدمت موارد الدولة لخدمة برامجها، فهناك مناطق نجحت فيها الزبائنية، وأخرى اعتمدت فيها الدوغمائية، إن هذه العملية الجارية ترسخ هذين المفهومين وتعيد إنتاج النخب ذاتها وتثبت الهياكل والعناصر التي تتعارض مع مبادئ الديمقراطية، كالعشيرة والجهة والجماعة، كما تؤدي إلى إضعاف مبدأ المواطنة لصالح الانتماءات الفرعية، وتعيق ظهور قوى جديدة لا تمتلك هاتين الأداتين، وترسخ مفهوم الزعامة والاعتماد عليها بدلاً من مأسسة الحكم.
إن الخروج من هذا النفق المظلم ليس أمراً سهلاً، فالدوغمائية والزبائنية ترسختا بشكل ملحوظ في العراق، ومعالجتهما تتطلب إعادة بناء الدولة بشكل صحيح بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية، وبناء هوية وطنية موحدة بعيداً عن خطابات التخوين، واستبدالها بخطابات قائمة على البرامج والخدمات، وتقوية مؤسسات الدولة، كما توجد حاجة لإصلاح النظام الحزبي والانتخابي عبر وضع قوانين صارمة، خصوصاً ما يتعلق بالتمويل الحزبي واستخدام المال السياسي، خاصة في أوقات الدعاية الانتخابية، ويجب إيجاد حالة من التوازن بين المرشحين في الدعاية الانتخابية، وأن تكون دعايتهم قائمة على برامج لا على أبعاد هوياتية، وبذلك نضمن قيام انتخابات حقيقية ومخرجات قادرة على بناء الدولة ومؤسساتها.
أما في حال ترك الوضع على ما هو عليه، فسيدخل البلد في ظلام، ويغرق في نفق يصعب الخروج منه، إن تحليل الانتخابات العراقية من خلال مفهومي الزبائنية والدوغمائية يكشف أن المعضلة لا تكمن في يوم الاقتراع ولا في الإجراءات التقنية، بل في البنية الاجتماعية والسياسية التي تحكم علاقة المواطن بالمرشح.



#حيدر_داخل_الخزاعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات والعدالة جدلية الشرعية والمشروعية
- حين تفقد الأشياء قيمتها
- حكم القلة في العراق من ريع الأرض إلى ريع السياسة
- مثلث التأثير في الانتخابات العراقية الإعلام، الهوية، المال ا ...
- هل أقنعت النخبة السياسية العراقيين بالديمقراطية
- إعادة إنتاج الفشل السياسي في العراق.. مأزق تدوير الأزمات
- حين تغزو الشعبوية البرلمان... أزمة التمثيل النيابي في العراق
- هل تقود تل ابيب العالم نحو حرب صفرية
- هل بات النووي ضرورة لبلداننا
- السلام ليس مربحاً
- حين يخون الوطن أبناءه
- الاغتراب في العراق أزمة إنتماء في وطن متحول
- العراق بين استراتيجيات الدولة واستراتيجيات المكونات
- الدولة المختطفة حين تبتلع الحكومات الدولة
- الفلسفة ضرورة وليست ترفاً فكرياً
- الدعاية السياسية اداة تخدير بيد الانظمة
- المكانة الاجتماعية بين القيم الاخلاقية واستعراض المظاهر
- الديمقراطية الترقيعية تتجسد في مشروع قانون الحوافز الانتخابي ...
- بناء الانسان والمجتمع يبدأ بالقراءة
- القلق المجتمعي في العراق بين الانهيار وإعادة البناء


المزيد.....




- فيديو متداول -للحظات الأولى لانفجار منطقة المزة في دمشق-.. ه ...
- من هم الأشخاص الذين ذُكرت أسماؤهم أيضاً في ملفات إبستين؟
- كيف تهدد هجمات روسية السلامة النووية في أوكرانيا وأوروبا؟
- البرازيل: آلاف الأشخاص يجوبون شوارع بيليم في مسيرة حاشدة للد ...
- إيران: الحرس الثوري يؤكد احتجاز ناقلة نفط في مياه الخليج
- وزير الإعلام الإريتري: إثيوبيا تسعى لإشعال حرب ضدنا
- نقل أحمد سعد إلى المستشفى إثر حادث سير
- سوريا ليست أفغانستان.. شاهد على التجربتين يكشف الفروق الجوهر ...
- لماذا لا ينبغي لبعض الأشخاص الجلوس بوضعية التربيع؟
- بوتين ونتنياهو يبحثان هاتفيا الوضع في غزة والشرق الأوسط


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حيدر داخل الخزاعي - الدوغمائية والزبائنية محركا السلوك الانتخابي في العراق