حيدرداخل الخزاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 23:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهد العراق في العام 2003 تحولاً سياسياً مفصلياً ومهما بالانتقال من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي عبر تبني نظام دستوري قائم على التعددية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات ، مما فسح المجال للموطنين باختيار من يمثلهم بحرية، وقد شكلت هذه المبادئ نقطة انطلاق لخطاب سياسي جديد تبنته النخب الحاكمة تحت مسمى (العراق الجديد) ، ركزوا على مفردات الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات.
الا أن هذا التحول لم ينجح في ترسيخ قناعة شعبية بجدوى النظام الديمقراطي، فرغم مرور ما يزيد على عقدين ، فاننا أمام تساؤل مهم هل استطاع القائمون على العملية السياسية في العراق إقناع الجمهور العراقي بأن الديمقراطية تمثل إطاراً ناجحاً وفاعلاً لإدارة شؤونهم؟ وهل يمكن استعادة هذه القناعة بعد تراكم خيبات الأمل وضعف الثقة الشعبية؟
ما زلنا نتذكر اللحظات الأولى لسقوط النظام الديكتاتوري ومنذ اللحظة الأولى للتحول هيمن على الساحة خطاب محتفي بالديمقراطية، بوصفها نهاية الاستبداد وبداية مرحلة العدالة والحرية والتعددية، إلا أن هذا الخطاب بقي في الاطار النظري، ممزوجاً بالشعارات الرنانة دون أن يقترن بسياسات عملية فعالة تشرح للمواطنين آليات النظام الديمقراطي، وحدود صلاحيات، ومسؤوليات كل طرف في العملية السياسية، رغم مرور أكثر من عشرين عاماً وعشر دورات انتخابية، ما زال كثير من المواطنين لا يميزون بين الانتخابات النيابية والمحلية، هذا يعكس ضعفاً واضحاً في وعي الناخب، وفشلاً في جهود التوعية السياسية من قبل النخبة، بل إن بعض الممارسات السياسية شوهت صورة العملية الانتخابية.
إن الخطاب الساسي للنخبة يفتقد المصداقية فبينما نجد مفردات الديمقراطية تستعمل بكثرة في الخطاب العام، لا تزال الممارسات السياسية الفعلية تدار في ظل منطق المحاصصة الحزبية والطائفية، والولاءات الضيقة، والإقصاء المتبادل، فهذا التناقض البنيوي بين الخطاب والممارسة قوض قدرة النخبة السياسية على الإقناع، وأنتج حالة من الانفصال بين الخطاب الرسمي وما يجده المواطن في الواقع.
فقناعة الجمهور بالنظام السياسي لا تترسخ بالخطابات فقط ، بل على نتائج ملموسة تقنع المواطنين بأن النظام السياسي قادر على تحسين حياتهم اليومية ، الا انهم يلمسوا عكس ذلك ، نتيجة تراجع الأداء السياسي ، فيرون توسع نطاق الفساد المالي والإداري وضعف آليات المساءلة والرقابة، وتكرار الأزمات السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومات والطعن بنتائج الانتخابات، الامر الذي أضعف استقرار النظام ومصداقيته ويلحظ المواطنون تسييس مؤسسات الدولة ، وجعلها نظام قائمة على تفاهمات بين قوى متنفذة.
إن مؤشر تراجع نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات، خير دليل على العزوف الجماهيري وعدم اقتناع الجمهور بجدوى المشاركة السياسية.
إن هذه المظاهر لا تعبر فقط عن ضعف الأداء، بل عن فشل النظام السياسي في تقديم حجة عملية للجمهور تبرر استمراره. فالنظام الذي لا يحقق نتائج مقنعة يفقد قدرته على بناء الثقة، مهما كانت خطاباته منمقة.
لا شك أن عملية الانتقال السريعة من نظام شمولي إلى تعددي جرت من دون مراحل تمهيدية أو إصلاحات هيكلية مسبقة، خلقت حالة من الصدمة السياسية والثقافية لدى الجمهور التي رافقها التدهور الأمني والعنف الطائفي، ووجود قوات الاحتلال، هذه العوامل أسهمت في ربط الوعي الشعبي بالتجربة الديمقراطية بصورة الفوضى والانقسام، لا بوصفها أداة لحل الأزمات، هذا الإدراك السلبي، الذي تغذيه تجربة معيشية متردية وخطاب سياسي غير مقنع، رسخ حالة فقدان الثقة بالنظام السياسي الحالي.
رغم عمق الازمة وتراجع مؤشرا ت التجربة الديمقراطية فان أمام القائمين على النظام السياسي تحد مهم خصوصاً مع قرب الانتخابات البرلمانية لإستعادة ثقة الجمهور بالديمقراطية ، لكن ذلك يتطلب تحولات نوعية في أسلوب إدارة الدولة أولها مغادرة الشعارات والانتقال الى مرحلة الإنجاز والقيام بدور رجل الدولة المسؤول فلا يمكن إقناع الجمهور بالشعارات، بل عبر تحسين الخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل، وتحقيق نمو اقتصادي يشعر به المواطن.
وإصلاح المؤسسات عبر مكافحة الفساد، وتفعيل دور القضاء المستقل، وقيام الأجهزة الرقابية بدورها الفعال، وإبعاد مؤسسات الدولة عن النفوذ الحزبي، كما تبرز الحاجة الى إعادة بناء الخطاب السياسي بشكل اكثر واقعية ووضوح، يشرح للمواطنين طبيعة الديمقراطية وأدوارهم، ويستعيد المصداقية من خلال الصدق والاتساق بين القول والفعل.
كما لا يمكن إيجاد ديمقراطية من دون تعزيز الحريات وبناء مجتمع مدني وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية وإيجاد قنوات مؤسسية حقيقية للتفاعل بين الدولة والمجتمع ، هذه المحاور تشكل نقاط أساسية وجوهرية لإنقاذ الديمقراطية في البلاد وضمانة حقيقية لاستمرارها ومنعها من الانهيار .
إن قدرة النخبة السياسية العراقية على إقناع الجمهور بجدوى الديمقراطية (عبر ما تقدم ) تمثل الركيزة الأساسية لاستقرار النظام السياسي نفسه فالنظام السياسي الذي لا يستند الى ثقة الجمهور يبقى هشاً ومعرضا للاهتزاز أمام الازمات، إن الواقع يكشف لنا حجم الفجوة وكمية الفشل التي يعاني منها النظام السياسي في بناء هذه القناعة الجماهيرية بالرغم من ذلك لم تصل التجربة إلى نقطة اللاعودة ، فإذا ما تحول النظام من منطق المحاصصة إلى منطق الحكم الرشيد، وارتبطت الديمقراطية بإنجازات واقعية وخطاب واقعي، فإن إمكانية استعادة ثقة الجمهور لا تزال ممكنة، فالديمقراطية ليست مجرد نظام حكم، بل رابطة بين الحاكم والمحكوم لا تستقيم إلا حين يقتنع المواطن بجدواها، لا بوصفها شعاراً، بل كأداة فعالة لإدارة شؤونه وتحقيق الصالح العام.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟