حيدر داخل الخزاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 23:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما نتحدث عن الانتخابات في العراق، نجد أفكاراً عامة تتمحور حول النزاهة والتمثيل والمشاركة، لكن الفهم الأعمق لا يقتصر على هذه المفاهيم، فسلوك الناخب تحكمه منظومة ثلاثية الأضلاع متمثلة بالإعلام، والهوية والانتماء، والمال السياسي.
فلم يعد الإعلام مجرد ناقل للأخبار، بل تحول صانع للسرديات والقصص، خصوصاً في زمن منصات التواصل، فخوارزميات هذه المنصات تدفع بالمحتوى الأكثر تفاعل إلى الواجهة فقصة فساد هنا، ووعد هناك، وفضيحة أو موقف هناك، وصناعة بطولات أو شيطنة لشخصيات أو أحزاب، بهذه الطريقة يدخل الناخب الحملات محمل بصور ذهنية مشوشة، فيتأثر بشكل إيجابي أو سلبي قبل الاطلاع المتأني على البرامج الفعلية.
كما يستدعي المرشحون خطابات دينية أو قومية أو مناطقية تلامس هويات جمهورهم وتحرك عواطفه، فتتحول المنافسة من تنافس برامجي إلى تنازع على الولاءات، وفي هذه البيئة ينجذب الاشباه لبعضهم على حساب من يمتلك خطة، فتتراجع المساءلة والجدارة لصالح الاصطفاف الهوياتي، ويتكرس تمثيل رمزي على حساب الإنجاز الملموس.
ويمد المال السياسي دائرة التأثير بالطاقة اللازمة للدوران، عبر خدمات فردية، وعقود عمل مؤقته، ومساعدات عينية، وعقود ووساطات، فيتحول الصوت الانتخابي لدى بعض الناخبين الى بضاعة قابلة للمقايضة، بذلك تنفصل السردية والهوية والزخم العاطفي عن البرنامج والحلول الواقعية، فيما يضمن المال استمرار العرض وتدوير الوجوه ذاتها.
ان النتيجة المتحصلة مما سبق هيمنةٌ لمن يستطيع احتلال الذاكرة لا لمن يقدم الحلول، فتظل شرعية الصندوق دون شرعية الإنجاز، ويتحول المجال العام إلى منافسة سرديات وولاءات أكثر منه تنافس سياسات وخطط وبرامج.
ان كسر هذا المثلث يستلزم الاخذ بحلول واقعية لا شعارات، فحتى تكون هناك انتخابات حقيقية لا بد من سن قوانين انتخاب وأحزاب تشجع التنافس البرامجي، كما تحتاج العملية الانتخابية الى الشفافية في تمويل الحملات والإنفاق السياسي والرقابة عليها، كما تبرز الحاجة الى منع عمليات التضليل، وان تكون الوعود مرتبطة بجداول زمنية ومؤشرات قياس، ولابد من إعادة ترتيب العلاقة بين الهوية والخدمة، فالاعتراف بالهويات لا يعد بديلاً عن الحق في خدمات عادلة وحياة كريمة.
إن إصلاح المشهد لا يعني إلغاء دور الإعلام أو التنكر للهويات، بل عقلنتهما، وضبط المال السياسي بآليات شفافة عندها فقط تقترب الانتخابات من وظيفتها الأصلية، تحسين حياة الناس وتلبية تطلعاتهم.
#حيدر_داخل_الخزاعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟