أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ















المزيد.....

رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 11:41
المحور: الادب والفن
    


منذ خمسةٍ وعشرين عامًا وأنا أتابعها كما يتابع المرء نبض قلبه، لا ليقيس الإيقاع، بل ليطمئن إلى أنّ الحياة ما زالت صادقة.
رنين بشارات ليست ممثلةً عادية. هي ظاهرة وجدانية نادرة، تخرج من الضوء لا لتسطع، بل لتدفئ.
في عالمٍ يفيض بالتصنّع، بقيت رنين واحدة من القلائل الذين جعلوا من الفنّ مرآةً للصدق، ومن الصدق فلسفة حياة.

ولادةٌ في الوجع… وبدايةٌ من التحدي
ولدت رنين في بيتٍ بسيط في يافة الناصرة، في مدينةٍ توازن بين الحنين إلى قرى سُلبت وأحلامٍ ترفض أن تُسلب.
كانت طفلةً تشبه السؤال: “لماذا لا يمكنني أن أقول ما أشعر به بصوتٍ عالٍ؟”
ذلك السؤال هو ما قادها إلى المسرح — إلى الفضاء الذي يسمح للصوت بأن يكون حرًّا، وللنَفَس بأن يخرج كما هو، بلا تزيين ولا خوف.
لكن الطريق لم يكن ممهّدًا.
حين أعلنت رغبتها في دراسة الفنون المسرحية، قوبلت بالدهشة والرفض.
كان على فتاةٍ فلسطينية أن “تفكّر بعقلها”، لا أن تُغامر بروحها.
لكنها اختارت المغامرة، وقالت لذاتها وللعالم:
«لما أبوي قال لا تمثيل… قلت بس تمثيل. يمكن كنت لازم أُرد عليه.»
ومنذ تلك اللحظة، لم تعد ابنةً لأسرةٍ فقط، بل ابنةً للحلم ذاته — للحريّة، وللإصرار على أن الكلمة حين تُقال بصدق، تُغيّر شيئًا في هذا العالم.

“أم منى”… المرآة التي كشفتنا جميعًا
عرفها الناس عبر شخصية “أم منى”، تلك المرأة التي بدت في ظاهرها كوميدية، وفي باطنها أكثر جدّية من ألف خطبة.
كانت “أم منى” تضحك لتُبكينا، تسخر لتُعرّينا، تروي الحكاية الشعبية لتقلب واقعًا اجتماعيًّا.
هي المرأة التي لا تخاف من قول “لا”، والتي تحوّل المطبخ إلى منبر، والضحك إلى ثورة.
في عروضها، لم تكن رنين تمثل فقط؛ كانت تُنصت.
تُعطي الجمهور حقّ الردّ، تُحاوره، تُشركه في المشهد، تُسقِط الحواجز التي صنعها المسرح الحديث بين المؤدّي والمتلقّي.
تجعل من الضحك وسيلةَ تطهير، ومن الكوميديا شكلاً من أشكال المقاومة الثقافية.
في زمنٍ اعتادت فيه المجتمعات العربيّة أن تخشى صوت المرأة، جاءت رنين لتجعل منه موسيقى خفيفة، تُبهج وتُفكّر وتُربك في آن.

الفنّ كفعل إنسانيّ
لم تتعامل رنين مع المسرح كـ “مهنة”، بل كفعل إنسانيّ، كامتدادٍ للحياة نفسها.
الفنّ عندها ليس أداءً، بل حالة من الصدق الداخلي، تمرّ عبر الجسد والصوت والدمعة.
ولذلك ظلّ حضورها مختلفًا — طبيعيًّا كالمطر، شفافًا كالنبع، صادقًا كالاعتراف.
في كلّ عملٍ أدّته، مهما كان بسيطًا، هناك أثر إنسانيّ واضح: دعمُها لزملائها، تشجيعها للجيل الجديد، احتضانها للمواهب الشابة.
هي لا تؤمن بالبطولة المنفردة، بل بفكرة “الفريق”، بفكرة أن المسرح لا يقوم على نجمٍ واحد، بل على قلوبٍ متآلفة تخلق معًا لحظة الحقيقة.
تقول دائمًا:
“الفنّ لا ينجو بالغرور، بل بالمحبة.”
وهذا ليس شعارًا، بل أسلوب حياةٍ تمارسه، كلّ يوم.

من الخشبة إلى القيادة
حين تولّت رنين إدارة مسرح “المحطة 57” في حيفا، لم تتغيّر ملامحها.
بقيت كما عرفناها: تضحك كثيرًا، تصغي أكثر، وتعرف أنّ الفنّ لا يدار من المكاتب بل من القلوب.
المسرح الذي تقوده اليوم ليس مبنىً من جدران، بل بيتٌ للناس.
تفتحه أمام الممثلين، والنساء، والأطفال، وكلّ من يشعر أنّ له شيئًا ليقوله.
تُعيد تعريف الإدارة الفنيّة لتكون فعل مشاركةٍ لا تسلّط، فعل إيمانٍ لا وصاية.
تحت قيادتها، صار المسرح بيتًا مفتوحًا للتنوّع، للحوار، وللجمال البسيط الذي لا يحتاج إلى تذاكر فاخرة كي يُلمس.
إنها تُعيد للمسرح جوهره: أن يكون حديقةً تُزرع فيها الأسئلة، لا منصّةً تُوزَّع منها الأجوبة.

جوهرها: الصدق والنقاء
ما أحببته فيها، وما جعلني أتابعها طوال ربع قرن، ليس موهبتها فقط — فالمواهب كثيرة — بل صدقها.
ذلك الصدق الذي لا يُدرَّس، ولا يُصنَّع، ولا يُشترى.
هو صدق الإنسان قبل الفنان، صدق النظرة والابتسامة، صدق اليد الممدودة للجميع.
ورنين — كما أعرفها — لا تعرف الحسد ولا التنافس المريض.
هي من النوع الذي يفرح بنجاح غيره، ويصفّق بحماس، ويمنح الثقة بلا خوف من أن يُنتزع منها الضوء.
هي تعرف أن النور الذي يأتي من الداخل لا يخفت حين يُشارك.

لماذا رنين بشارات “ظاهرة عالمية”؟
لأنها تتحدّث لغة الإنسانية، لا لغة الجمهور المحلي فقط.
من يراها على الخشبة، يدرك أنّ ما تقوله ينتمي لكلّ إنسانٍ عاش قهرًا أو حنينًا أو حبًّا.
لأنها تُعلّمنا أنّ الفنّ لا يحتاج إلى ترجمة حين يكون صادقًا.
رنين بشارات لا تمثّل المرأة الفلسطينية فحسب، بل تمثّل كلّ امرأةٍ تحاول أن تكون ذاتها في وجه مجتمعٍ يحاول أن يرسمها.
هي ابنة المكان والزمان، لكنها أيضًا ابنة العالم.
تُجسّد ما نحتاجه اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى:
الإنسان الصادق، القائد الهادئ، الفنان الذي لا يرفع صوته كي يُسمع، بل يرفع صدقه كي يُشعّ.

بين الجمهور والروح
السرّ في رنين ليس فقط في عروضها، بل في ما يحدث بعدها.
حين تنتهي المسرحية، لا يرحل الجمهور فورًا.
يبقون، يتحدّثون، يتأملون، يبتسمون.
وهذا هو الفنّ الحقيقي: حين يتحوّل العرض إلى حوار، والمسرح إلى مرآة، والفنان إلى صديقٍ للنفس.
لقد كسرت رنين الحواجز بين الممثلة والجمهور، بين الفنان والمجتمع، بين الفنّ والواقع.
جعلت الخشبة مكانًا للتلاقي، لا للتمايز.
وبهذا وحده، صارت أكثر من ممثلة: صارت ضميرًا يُذكّرنا بأن الفنّ ليس ترفًا… بل حاجة روحية، مثل الصلاة والماء والهواء.

خاتمة: إنسانة قبل أن تكون فنانة
رنين بشارات اليوم هي حديث الناس — لا لأن الصحف تكتب عنها، بل لأن الأرواح تتناقل أثرها.
هي الفنانة التي أثبتت أن البساطة ليست ضعفًا، وأن اللطف ليس سذاجة، وأن الفنّ حين يُصنع بالحبّ، يصبح رسالةً خالدة.
هي الممثلة والمديرة والمعلمة والرفيقة، التي تُثبت كل يوم أن المرأة ليست ظلًّا، بل أصل النور.
أقولها بعد خمسةٍ وعشرين عامًا من المتابعة:
رنين بشارات ليست فقط صوت المسرح الفلسطيني، بل صدى الإنسانية فينا جميعًا.
هي الدليل أنّ الفنّ يمكن أن يكون صلاةً، وأن المسرح يمكن أن يكون بيتًا.
وفي زمنٍ يتناقص فيه الصدق، تبقى رنين بشارات — بابتسامتها، بضحكتها، بمحبّتها، بصدقها — الدليل أنّ الجمال لا يزال ممكنًا… وأن الإنسان، ما دام صادقًا، هو أعظم ممثلٍ على هذه الأرض



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 🎭 “الحانة تعبانة”… حين يقف الإنسان في البار ليواجه ن ...
- قراءة أدبية في مجموعة -قصص قصيرة جداً- لرانية مرجية بقلم د. ...
- حين تعلّم النور أن يتكلم
- لفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت ...
- ✦ الفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في ...
- «حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»
- الكاتبة رانية مرجية تحاور الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم ...
- - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة
- الفتاة التي سرقت الشمس
- تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة
- حين يفكّر الله فينا… ينهزم اليأس
- قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ ...
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء
- ‏قراءة ادبية ‏ قي قصسدة ارحمنا يا الله للشاعرة رانية مرجية & ...
- الذين باركوا القتل رواية رانية مرجية 2 ...
- رولا.. الرواية التي تنسج الحلم الفلسطيني بخيوط الوجع والكرام ...
- قراءة في قصة -الصدق أحلى يا أصحابي- للدكتورة سيما صيرفي
- بعد موت أمي


المزيد.....




- -تحيا مصر وتحيا الجزائر-.. ياسر جلال يرد على الجدل حول كلمته ...
- منتدى مصر للإعلام يؤكد انتصار الرواية الفلسطينية على رواية ا ...
- بابكر بدري رائد تعليم الإناث في السودان
- -على مدّ البصر- لصالح حمدوني.. حين تتحول الكاميرا إلى فلسفة ...
- هل تحلم بأن تدفن بجوار الأديب الشهير أوسكار وايلد؟ يانصيب في ...
- مصر.. انتقادات على تقديم العزاء للفنان محمد رمضان بوفاة والد ...
- الإمارات.. جدل حكم -طاعة الزوج- ورضى الله وما قاله النبي محم ...
- ساحة المرجة.. قلب دمشق النابض بتاريخ يتجدد
- جلسة شعرية تحتفي بتنوع الأساليب في اتحاد الأدباء
- مصر.. علاء مبارك يثير تفاعلا بتسمية شخصية من -أعظم وزراء الث ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ