أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظلّ تحت الجسر














المزيد.....

ظلّ تحت الجسر


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 01:13
المحور: الادب والفن
    


(حين يصبح الفنّ طريقًا للعودة)

مقدمة
هناك أماكن لا تُبنى بالحجر وحده، بل بما تتركه الأرواح فوقها من أثر.
تحت الجسور حيث يمرّ العابرون مسرعين دون التفات، يبقى الذين تأخّروا عن العالم قليلًا…
يبحثون عن طريقة ليخبروا الحياة أنهم ما زالوا هنا.
والفن، أحيانًا، يكون تلك الطريقة.
كان قاسم يقف كلّ صباح عند إشارة جسر السنك، ينادي بصوتٍ متعب:
«مناديل… بخمسمية!»
شابٌ في التاسعة عشرة، بملامحٍ لم تُصقل بالدعة، بل بتقلبات القلب.
منذ أن سُجن والده ظلمًا بتقريرٍ كيدي، صار يعيل البيت: أمّه التي أنهكها الانتظار، وأخته التي تكبر أمامه بسرعة أكبر مما ينبغي.
ومع انحسار الزحام، كان قاسم ينسحب إلى الظلّ تحت الجسر.
هناك، على جدارٍ خرساني صامت، يرسم بالفحم:
وجه أمّه…
أخته…
ثم وجه أبيه، ذلك الوجه الذي يخشى الزمن أن يبهته.
قال مرةً وهو يمرر الفحم ببطء:
«إذا ما نرسمهم… نخاف يضيعون. والرسم يربط الروح بالذاكرة.»
ذات يوم، توقفت قربه فتاة تحمل كتب كلية الفنون.
رنا.
لم تقل شيئًا في البداية. فقط نظرت طويلًا.
ثم همست:
«هاي الوجوه… كأنها تنتظر أحد يرجع.»
أجاب دون أن يلتفت:
«كلّنا ننتظر.»
ومنذ ذلك اليوم، كانت تقف دقيقة واحدة كل مساء.
دقيقة لا تشرح شيئًا… لكنها تقول الكثير.
في إحدى الأمسيات، توقّف فنان تشكيلي خمسيني.
تأمّل الوجوه المتعبة على الجدار، ثم قال:
«ليش ترسم هنا؟»
قال قاسم:
«لأن الجدار يسمع… وما يحچي.»
عاد الرجل في اليوم التالي.
ثم اليوم الذي يليه.
وبعد أيام قليلة… أقام له معرضًا صغيرًا.
في يوم المعرض، وقف قاسم خلف لوحاته بخجلٍ يشبه الصمت قبل البكاء.
وجوه حزينة… لكنها دافئة، كأنها واقفة عند بابٍ لم يُطرَق بعد.
كانت رنا هناك.
وقفت أمام لوحة بعنوان: وراء القضبان.
لم يكن وجه الأب كاملًا. نصفه ضوء… ونصفه ظلّ.
كأن الحقيقة ما زالت تبحث عن لسانٍ ينطقها.
جاء صحفي وسأل:
«شنو تحب تصير بالمستقبل؟ رسّام؟»
رفع قاسم رأسه وقال بثقة هادئة:
«أريد أصير جسر.
مو بس فنان.
جسر يرجّع أبوي.»
لم يضحك أحد.
الصمت كان حاضرًا بحضور الحقيقة.
انتشرت اللوحة.
تداولها الناس وكتبت الأصابع:
«هذا وجه واحد انظلم.»
فُتح ملف الأب من جديد.
انكشفت الخيوط.
وفي صباحٍ لم ينتظره إلا من احترق قلبه… عاد الأب.
متعبًا… لكنه واقف.
في المساء، عاد قاسم إلى مكانه تحت الجسر.
لم يعد ليهرب من الحياة، بل ليكملها.
هذه المرة، رسم وجهًا بنصف ظلّ… ونصف ضوء.
كانت رنا على الضفّة المقابلة.
لم تلوّح… ولم يلوّح.
لكن القلوب تعرف ما لا تقوله الأيدي.
كان الجسر بينهما
موجودًا.
ممتدًّا.
مفتوحًا… مثل القصة.
خاتمة
من لا يعرف معنى الانتظار، لن يفهم معنى العودة.
ومن لا يعرف وقع الصمت، لن يدرك كيف يمكن لنظرة واحدة أن تشبه عبور جسرٍ كامل.
الحياة لا تهب نهايات مكتملة…
إنما تمنح أبوابًا نصفَ مفتوحة.
والقلب هو من يختار أن يعبر.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة
- يا راحلتي — نورٌ لا ينطفئ
- طيور السطح
- العراق بين حلم الدولة المدنية وواقع المحاصصة
- بيت الزجاج
- لم يعد… لكنه عاد
- قاربٌ من الطين
- تنّور أم زينب
- ذكرى لا تُباع
- ألمُ الفقد
- نبضٌ لا يموت
- ضجيجُ العيش وصمتُ الحكمة
- حديقة البيت رقم ١٧
- ظل الصباح
- الملفد ١٩٥٤ / ظل الجسر
- مقهى على دجلة
- كرسيٌّ فارغ… ووردةٌ على الطاولة
- مرثيّة الظلّ البعيد
- عزاء في الأزقة
- وصيّة في باص مزدحم


المزيد.....




- بابكر بدري رائد تعليم الإناث في السودان
- -على مدّ البصر- لصالح حمدوني.. حين تتحول الكاميرا إلى فلسفة ...
- هل تحلم بأن تدفن بجوار الأديب الشهير أوسكار وايلد؟ يانصيب في ...
- مصر.. انتقادات على تقديم العزاء للفنان محمد رمضان بوفاة والد ...
- الإمارات.. جدل حكم -طاعة الزوج- ورضى الله وما قاله النبي محم ...
- ساحة المرجة.. قلب دمشق النابض بتاريخ يتجدد
- جلسة شعرية تحتفي بتنوع الأساليب في اتحاد الأدباء
- مصر.. علاء مبارك يثير تفاعلا بتسمية شخصية من -أعظم وزراء الث ...
- الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ ...
- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظلّ تحت الجسر