|
|
تحليل ايديولوجي وسياسي لعداء الاسلام السياسي للحضارتين المصرية والعراقية في اطار الصدام على التراث والهوية (مقارنة بين استراتيجية البناء المصري وكارثة التدمير العراقي)
مكسيم العراقي
كاتب وباحث يؤمن بعراق واحد قوي مسالم ديمقراطي علماني بلا عفن ديني طائفي قومي
(Maxim Al-iraqi)
الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 01:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
1 الإطار المفاهيمي للصراع الثقافي 2 البناء في مواجهة التكفير في استراتيجية الدولة المصرية والمتحف الكبير 3 تدمير مضاعف في العراق وانهيار الإرادة الثقافية 4 تحليل الأسباب العميقة للرغبة في التدمير والإنكار 5 النتائج والتداعيات الجيوسياسية والدولية 6 المصادر
(1) الإطار المفاهيمي للصراع الثقافي عبر تحويل الجاهلية الى منهج لتكفير الهوية الوطنية تميل تيارات الإسلام السياسي والمؤسسات الدينية كافة إلى تبنّي موقف سلبي من الحضارات القديمة، خصوصاً الحضارتين المصرية والرافدينية، نتيجة تراكب ثلاثة عوامل رئيسية: الرؤية الأيديولوجية، الإرث النصّي، وعقدة القوة. فهذه التيارات تتعامل مع الحضارات العريقة بوصفها منافساً رمزياً لهوية دينية مغلقة، وتعتبر منجزات تلك الحضارات (وثنية) أو خارجة عن إطار الشرعية الدينية التي تتبناها. ويسهم الإرث الروائي – خاصة في نصوص العهد القديم التي قدّمت مصر وبابل وآشور كرموز للطغيان – في تعزيز هذا الانطباع التاريخي السلبي, ولم تكن رواية العهد القديم صحيحة ابدا! لابل ان اغلب نصوصها نقلت من الارث الحضاري الرافديني!
وتنشأ المشكلة أيضاً من حقيقة أن تلك الحضارات القديمة تمثل الدولة القوية القائمة على القانون والتنظيم والسلطة المركزية، في حين تعتمد التيارات العقائدية على نموذج شرعية قائم على الشعارات والتفسيرات الأيديولوجية لا على المؤسسية ولاعلى بناء دولة بل على تخريب وتدمير الدول لغايات معروفة تخدم اعداء تلك الدول. هذا التباين يجعل الحضارة القديمة مرآة تبرز هشاشة المشروع السياسي المعاصر لتلك التيارات، فيتولّد ما يمكن وصفه بـ (كراهية الضعيف للقوي): رفضٌ حضاري وسياسي للمنجز الذي يعجز الفكر العقائدي عن مجاراته أو الاستناد إلى مثله. وبذلك، فإن عداء هذه التيارات ليس رفضاً علمياً أو تاريخياً للحضارات المصرية والرافدينية، بل هو صراع على الرمزية والشرعية بين نموذج حضاري منتج استطاع بناء الدولة والقانون والثراء والقوة وقدم للانسانية منجزات خارقة عبر آلاف السنين، ونموذج سياسي حديث لا يمتلك أدوات مشابهة للإنجاز أو التنظيم على الفتن والفساد والتخريب والعمالة والتجسس والتقسيم.
ان العلاقة بين الايديولوجيا الاسلاموية والتراث القومي ما قبل الاسلامي في الشرق الاوسط تشكل محوراً لصراع هوياتي عميق يتبدى بوضوح في نموذجين متناقضين: الاول هو مصر التي تستثمر بقوة في تعزيز هويتها الفرعونية كرافعة للقوة الناعمة والشرعية، والثاني هو العراق الذي يعاني من تدمير ممنهج لتاريخه القديم وانهيار في ارادته الثقافية. يهدف هذا التقرير الى تحليل الجذور الايديولوجية والسياسية لعداء حركات الاسلام السياسي لهذه الحضارات القديمة مع اجراء مقارنة بنيوية بين استراتيجية البناء المصرية (المتمثلة في المتحف المصري الكبير) وكارثة التدمير والاهمال في العراق.
1. مفهوم الجاهلية كأداة تكفير للهوية الوطنية تبدأ عملية رفض التراث القومي بالبنية النظرية التي توفر الغطاء الديني لرفض التاريخ ما قبل الاسلامي. يتمثل هذا الاطار في التطور الجذري لمفهوم الجاهلية. ففي الفكر الاصولي الحديث ولا سيما لدى منظري المدرسة الاسلاموية المؤثرة مثل ابي الاعلى المودودي وسيد قطب تحول مصطلح الجاهلية من كونه مجرد فترة زمنية تاريخية سبقت البعثة النبوية الى كونه منهج حياة يضاد ويتناقض مع منهج الاسلام في الحياة. هذا التطور الايديولوجي في تعريف الجاهلية يسمح بتقييم الواقع المعاصر حيث يوضع العالم بأسره في حالة جاهلية لا يخفف من وطأتها اي تقدم مادي او انجازات حضارية. وعند تطبيق هذا المنهج على الحضارات القديمة يتم تصنيف الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية) وحضارات بلاد الرافدين (السومرية والاشورية والبابلية) كأمثلة صريحة على الجاهلية المحضة او جاهلية الشرك. هذا التصنيف يمنح العمليات التدميرية شرعية دينية. فبدلا من النظر الى التماثيل والآثار كرموز تاريخية ذات قيمة حضارية يعترف كل العالم بها وبسببها يتم احترام تلك الدول, يتم تحويلها في الخطاب المتطرف الى اصنام يجب ازالتها كجزء من مشروع التوحيد والقضاء على الشرك، وهو التبرير الذي استخدمه تنظيم داعش في تدمير المواقع التراثية، حيث يصبح الهدف المعلن للتدمير هو القضاء على الشرك بالله.
2. معاداة التراث الوطني كركيزة في مشروع الدولة الدينية يتجاوز الصراع حدود الفهم الديني للتاريخ ليصبح صراعاً وجودياً حول تعريف الهوية الاساسية للدولة الحديثة. تسعى حركات الاسلام السياسي الى تفكيك الروابط الوطنية والقُطرية المستمدة من التاريخ القديم (المصرية او العراقية) لصالح هوية اممية اسلامية عابرة للحدود (الأمة) تخدم قوى خطيرة استعمارية خارج الحدود. تشكل الرموز التاريخية التي تعزز الفخر الوطني عقبة كبرى امام هذا المشروع. يظهر هذا التخوف بوضوح في الخطاب الموجه ضد مصر حيث حذرت بعض الاصوات الدينية من الاستمرار في تغليب التاريخ الفرعوني لاقصاء الهوية الاسلامية ومن محاولة خطرة تهدف الى ردة العالم الاسلامي الى كيان وهمي تحت اسم حضارة مصرية قديمة عمرها 7 آلاف سنة. هذا يكشف ان الصراع ليس مجرد خلاف حول قيمة الآثار بل هو معركة ايديولوجية عميقة حول الشرعية ومصادر الهوية الاساسية للدولة. ان هذه الايديولوجيا المتشددة تدرك ان الهوية الوطنية المتجذرة سواء كانت فرعونية او رافدينية تشكل حجر عثرة امام مشروعها السياسي. ولذلك يجب شيطنة هذه الرموز وتحويلها من مصدر فخر وطني الى مصدر خوف من الانحراف العقائدي. يتجلى هذا الهدف في تحذير داعية مصري من تلوث قلب شخص مسلم بمحبة فرعون وآله. هذا التحذير يؤكد ان التراث ينظر اليه على انه تهديد خطير للتوجه الايديولوجي ويجب مواجهته بالتحريم والتحقير.
(2) البناء في مواجهة التكفير في اطار استراتيجية الدولة المصرية والمتحف الكبير تمثل حالة مصر نموذجا لدولة قررت استخدام تراثها القديم كأداة استراتيجية للقوة الناعمة والاقتصاد في مواجهة مباشرة للخطاب الايديولوجي الرافض. 1 المتحف المصري الكبير GEM: استثمار في القوة الناعمة يعد المتحف المصري الكبير مشروعاً قومياً ضخماً صمم ليكون اكبر متحف اثري في العالم مخصص لحضارة واحدة ممتداً على مساحة 490 الف متر مربع عند سفح اهرامات الجيزة وكلف 1.2 مليار دولار. هذا المشروع ليس مجرد منشأة ثقافية بل هو اعلان عن القوة الناعمة المصرية. كان افتتاح المتحف حدثاً استثنائياً ذا ابعاد دبلوماسية وجيوسياسية عميقة حيث شهد حضور وفود رسمية من 79 دولة بما في ذلك 39 وفداً برئاسة ملوك وامراء ورؤساء دول وحكومات. يؤكد هذا الحضور العالمي ان المتحف هو اداة استراتيجية تهدف الى تعزيز مكانة مصر الدولية وتوفير رافعة اقتصادية ضخمة عبر السياحة. ان توظيف التراث الفرعوني هنا يمثل استراتيجية وطنية واضحة لاستثمار الرأسمال الثقافي لضمان الشرعية الدولية وتعزيز الوحدة الداخلية وهو ما يتطلب ارادة سياسية مركزية قوية.
3. الهجوم الديني على المتحف, مصطفى العدوي نموذجا تزامنت مظاهر الاعتراف الدولي والاحتفال الوطني بافتتاح المتحف مع هجوم ديني مباشر. فقد وصف الداعية السلفي مصطفى العدوي الآثار التي جمعت في المتحف بأنها اصنام وتماثيل الفراعنة التي لا يجوز التفاخر او التباهي بها. كان النقد موجها بشكل مباشر الى كيفية التعامل مع هذا التراث. فقد طالب العدوي بأن يكون دخول المتحف على سبيل الاتعاظ لا على سبيل الافتخار بكفرة. وتمركز جوهر الخلاف العقائدي في خوفه من العواقب الروحية للتمجيد الفرعوني حيث اعرب عن خشيته على شخص مسلم ان يتلوث قلبه بمحبة فرعون وآله!! هذا الموقف يجسد الصدام الحاد بين التوجه القومي الذي يرى في فرعون جزءاً من التاريخ الوطني وبين الايديولوجيا الاصولية التي ترى فيه رمزا للكفر والجبروت. كان رد فعل الدولة المصرية حازما اذ القي القبض على الداعية مصطفى العدوي بعد نشر الفيديو ورغم اخلاء سبيله لاحقا بكفالة مالية فان القبض عليه يوضح قدرة الدولة المركزية على احتواء المعارضة الايديولوجية التي تستهدف المشاريع الوطنية الاستراتيجية مما يؤكد ان الهوية القومية المصرية تحظى بحماية سياسية وامنية قوية.
4. تحليل التباين (مصر الفقيرة تبني متحفا عظيما) ان قدرة مصر على الرغم من تحدياتها الاقتصادية على تنفيذ مشروع بحجم المتحف المصري الكبير في تناقض صارخ مع الوضع في العراق الغني بالموارد. هذا التباين الظاهر يبرهن على ان المشكلة لا تكمن في الموارد بقدر ما تكمن في الارادة السياسية وقوة مؤسسات الدولة. تتخذ مصر من المتحف المصري الكبير الذي يضم 100 الف قطعة اثرية استثمارا رئيسيا في القوة الناعمة لتعزيز هويتها الفرعونية. في المقابل يظهر العراق جهودا متواضعة لاعادة تأهيل المتحف الوطني العراقي معتمدا على المنح الدولية المحدودة مثل 3 ملايين باوند و 15 مليون دولار بينما يقدم النظام مليارات ضخمة من المساعدات لدول اخرى باوامر ايرانية وامريكية وهو غارق في الديون. بينما ترى مصر في المتحف اعلانا للقوة الناعمة والشرعية الدولية يعاني العراق من تشتت في الهوية وضعف في الارادة السياسية لحماية التراث. وفيما يتعلق بالتهديد الايديولوجي تواجه مصر انتقادات دينية تصف الآثار بأنها اصنام فرعون يتم التعامل معها امنيا بينما تعرض العراق لتدمير جسدي منظم وممنهج للتراث على يد تنظيم داعش. كانت نتيجة المقارنة نجاح مصر في توظيف التراث كقوة ناعمة بينما عانى العراق من استنزاف للذاكرة الوطنية وتأخر في اعادة الاعمار وفشل في محاسبة المسؤولين. ان هذا الفصل بين الايديولوجيا والسياسة الاستثمارية هو ما يفسر قدرة مصر على البناء رغم التحديات المالية.
(3) تدمير مضاعف في العراق وانهيار الارادة الثقافية عانى التراث العراقي من تدمير مضاعف بدأ بانهيار الدولة واستمر بالتطهير الايديولوجي على يد الجماعات المتطرفة. هذا الوضع يفسر مفهوم العراق الغني الفارغ حيث يعكس الفراغ الثقافي فراغا مؤسسيا وسياسيا.
1. صدمة 2003 والنهب السياسي والثقافي بدأت الكارثة الثقافية في العراق مع الغزو الامريكي في عام 2003 حيث اسفر انهيار سلطة الدولة عن فوضى امنية واسعة النطاق. كان المتحف الوطني العراقي في بغداد الذي تأسس عام 1926 مسرحا لعملية نهب ضخمة اسفرت عن سرقة عشرات الآلاف من القطع الاثرية. يمثل هذا النهب الاول من نوعيه تدميرا اجراميا انتهازيا ارتبط بالغياب المفاجئ لسلطة الدولة. وقد تضمنت الاتهامات حول نهب الآثار اشارة الى تعاون بين امريكا واسرائيل والجلبي والاسلام السياسي. هذه الاتهامات التي تشمل فاعلين سياسيين صعدوا بعد الغزو (مثل احمد الجلبي الذي خدم ايران ثم قتلته) تربط النهب بظاهرة تغيير النظام وغياب سلطة الدولة المستقرة. وقد استغرق الامر سنوات وجهودا دولية لاعادة جزء بسيط من المسروقات مثل قطعة عاجية مسروقة تعود لـ 2700 عام اعادها مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي.
2. تصفية حضارة آشور: سقوط الموصل والتطهير الايديولوجي تجسد تصفية حضارة آشور (نينوى) المكون الثاني والاخطر من التدمير وهو التدمير الايديولوجي الممنهج الذي لم يكن ليحدث لولا الفشل السياسي والامني الذريع. • المسؤولية السياسية عن الانهيار: خلصت لجنة تحقيق برلمانية الى تحميل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي و 35 مسؤولا آخرين مسؤولية الانتكاسات الامنية وسقوط الموصل بيد تنظيم داعش في حزيران 2014. ويرجع هذا الانهيار جزئيا الى سياسات التهميش والاقصاء التي اتبعها المالكي بحق شخصيات من الغربية تم اعادتهم للعراق بعد ان نفذوا مع المالكي ماكان مطلوبا ايرانيا من تدمير الجيش وتشكيل الحشد ونهب مقدرات البلاد وسفك الدماء والتخريب وتدمير الاثار, مما سهل سيطرة التنظيم على المنطقة. وشدد التقرير البرلماني على ان المالكي وآخرين يتحملون مسؤولية تسليم الموصل للتنظيم من دون قتال. ان ربط المسؤولية السياسية بهذا الانهيار يوضح ان الكارثة الثقافية كانت نتيجة مباشرة للعبة سياسية داخلية متدهورة وفشل مؤسسي مما هيأ البيئة المثالية للتطرف الايديولوجي. • التدمير الممنهج لداعش (التطبيق العملي للجاهلية): استغل تنظيم داعش هذا الانهيار لتنفيذ اجندته الايديولوجية عبر تدمير ثلاث عواصم اشورية رئيسية هي نمرود وخورسباد والحضر. فمدينة نمرود العاصمة الاشورية الثانية تعرضت لاكبر الاضرار حيث نشر التنظيم تسجيلا مصورا في تشرين الثاني 2016 يظهر ازالة الواجهة الرئيسية للموقع بالجرافة وتحطيم النقوش الاشورية وجرف الزقورة. كما تعرض موقع خورسباد (دور شاروكين) للنهب واسع النطاق ثم للتدمير بالجرافات والآليات الثقيلة في آذار 2015. ونشر التنظيم مقطع فيديو في نيسان 2015 يظهر تدمير وتحطيم المنحوتات على الجدران الخارجية والعديد من التماثيل داخل مبنى مدينة الحضر باستخدام المعاول والكابلات. ان العراق قد عانى بالتالي من نوعين من التدمير الثقافي: النهب الانتهازي بعد الغزو والتطهير الايديولوجي الممنهج. وهذا التضافر لم يكن ممكنا لولا الانهيار الامني والسياسي الذي ادى اليه فشل القيادة في حماية الموصل.
3. الفراغ المؤسسي والاهمال الثقافي (العراق الغني فارغ) على الرغم من الثروة النفطية الهائلة للعراق الا ان الميزانيات المخصصة للثقافة وحماية التراث هزيلة وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية. ان بطء وجهود اعادة التأهيل المعتمدة على منح محدودة مثل منحة بقيمة 3 ملايين باوند ومنحة يابانية بقيمة 15 مليون دولار للمتحف العراقي تتناقض بشدة مع الاستثمار الذاتي الضخم الذي نفذته مصر في المتحف المصري الكبير. ان هذه المنح المحدودة لا تتناسب مع حجم الكارثة التي تعرضت لها ذاكرة بلاد ما بين النهرين. كما ان الاهمال الذي طال متاحف اخرى كمتحف الجيش العراقي يشير الى غياب الذاكرة المؤسسية والتاريخ الحديث للبلاد. وهذا يؤكد ان ثروة العراق يتم توجيهها لتمويل الصراع السياسي والفساد بدلا من بناء مؤسسات وطنية قوية. ان عدم قدرة العراق الغني على تخصيص اولوية للاستثمار الثقافي يؤدي الى نشأة جيل جديد من العراقيين محروم من التعرف على تاريخ بلادهم وحضارتها مما يعزز الفراغ الذي تسعى الايديولوجيات العابرة للحدود لملئه.
(4) تحليل الأسباب العميقة للرغبة في التدمير والإنكار ان الرغبة في تدمير وانكار التراث تنبع من تضافر عدة دوافع ايديولوجية واقتصادية وسياسية تتجاوز مجرد التفسير الديني السطحي. 1. الدوافع الايديولوجية: محو الذاكرة والهوية لصالح الخلافة او الولي الفقيه الايراني او السلطان العثماني يكمن الدافع الاساسي في عملية التطهير الثقافي اي الرغبة في محو اي اساس للهوية الوطنية التاريخية التي تستمد شرعيتها من حضارات ما قبل الاسلام واستبدالها بهوية دينية صافية (الأمة والخلافة). في هذا السياق يعتبر التمجيد للحضارات القديمة دعوة للردة او العودة الى الجاهلية وهو ما يشكل خطراً وجودياً على المشروع الاسلامي السياسي. التدمير يصبح اداة لفرض الرؤية الايديولوجية وتوحيد الذاكرة تحت شعار التوحيد المطلق. 2. الدوافع الاقتصادية والسياسية حيث يكون التراث عملة تستخدم الايديولوجيا كغطاء لعمليات النهب الاقتصادي والسيطرة السياسية. ففي حالة تنظيم داعش سار التدمير الايديولوجي جنبا الى جنب مع النهب الاقتصادي. الآثار الكبيرة غير القابلة للنقل (مثل الزقورات والجدران الضخمة في نمرود) يتم تدميرها بشكل علني لاثبات الولاء العقائدي بينما يتم تهريب القطع الاثرية الصغيرة لتمويل الارهاب عبر السوق السوداء الدولية. هذا يوضح ان الايديولوجيا تستخدم كأداة لغسل الاموال المكتسبة من الجريمة المنظمة.
3. البعد الطائفي وتغييب الهوية في العراق ارتبط تدمير التراث جزئيا بالصراعات الطائفية وسياسات الاقصاء. ان استهداف حضارة اشور في نينوى يؤثر بشكل مباشر على المكونات المحلية مثل الآشوريين/الكلدان الذين يعتبرون انفسهم ورثة هذه الحضارة. ان التدمير الاثري هو محاولة لمحو اي اساس تاريخي للهويات غير المركزية (غير الاسلامية وغير العربية) في المنطقة مما يزيد من امكانية الهيمنة الايديولوجية والسياسية. ان هذه الرغبة في التدمير ليست احادية بل هي نتاج تضافر العوامل الايديولوجية والاقتصادية والسياسية التي وجدت فرصتها المثلى في بيئة الانهيار الحكومي التي سادت العراق.
(5) النتائج والتداعيات الجيوسياسية والدولية 1. التداعيات على الذاكرة الوطنية العراقية ادت الكوارث المتلاحقة في العراق الى استنزاف وجودي لذاكرة البلاد. ان فقدان المعالم الآشورية الرئيسية هو خسارة لا تعوض للذاكرة الوطنية. ويؤدي بطء وعدم كفاية جهود اعادة التأهيل الى تآكل الثقة في قدرة الدولة على استعادة هويتها الثقافية. والاخطر هو استمرار اهمال ملف محاسبة المسؤولين عن الانهيار الامني. ان استمرار الافلات من العقاب للقيادات التي ادت سياستها الى سقوط الموصل (مثل نوري المالكي و 35 مسؤولا آخرين) يعزز ضعف القانون ويقوض مصداقية الحكومة في حماية الاصول الوطنية بما في ذلك التراث. ان العلاقة بين فشل الامن ونجاح التدمير في العراق تؤكد ان حماية التراث هي مهمة امن قومي بامتياز. ان الاستمرار في اهمال المتاحف بعد هذه الكوارث يحرم جيلا كاملا من هويته التاريخية مما يخدم هدف الايديولوجيا الاسلامية في ترسيخ الهوية العابرة للحدود. 2. الاعتراف العالمي مقابل الانكار الداخلي يوجد تباين صارخ بين النظرة العالمية والانكار الداخلي. فبينما يعترف العالم بفضل الحضارتين كما تجلى في الحضور الدبلوماسي الرفيع لافتتاح المتحف المصري الكبير تستمر حركات الاسلام السياسي في الانكار الداخلي ومحاولة شيطنة هذه الرموز. نجحت مصر في تحويل هذا الاعتراف العالمي الى اداة دبلوماسية قوية مما يضمن لها الدعم والاستقرار في مواجهة تحدياتها. في المقابل يجد العراق نفسه في موقع ضعف يواجه تبعات فشل القيادة السياسية والترهل المؤسسي والفساد المستشري. ان الكارثة الثقافية في العراق هي انعكاس مباشر للكارثة السياسية ولن تتم استعادة الذاكرة الثقافية ما لم يتم معالجة جذور الفساد والترهل الامني. 3. مستقبل حماية التراث في ضوء الصراع الايديولوجي المستمر ان التحدي مستمر في كلا البلدين. في العراق تكمن الاولوية في تحصين المؤسسات الثقافية والامنية! مع اضعاف القوات المسلحة وعملقة الحشد في خداع لضمان عدم تكرار هجمات داعش والعمل على تخصيص الموارد بشكل جدي لبناء المتاحف مع الاقتصاد المنتج والبيئة والثقافة الخ. اما في مصر فرغم قوة الدولة في البناء يظل التحدي الايديولوجي قائما. ان اطلاق سراح الداعية السلفي بكفالة لا يعني القضاء على الفكر المتطرف. يجب تطوير خطاب وطني شامل ومضاد لخطاب الجاهلية يعزز الفخر بالحضارات القديمة كجزء اصيل ومتكامل من الهوية المصرية الحديثة ويتم ذلك عبر استراتيجيات تعليمية وثقافية مستدامة. 4. استخلاص الانماط السلوكية لحركات الاسلام السياسي تجاه التراث يعتبر التراث القديم تهديدا وجوديا للهوية الاممية التي تروج لها الحركات الاسلاموية. يحدث التدمير الفعلي حيثما تنهار سلطة الدولة المركزية وتترهل المؤسسات كما حدث في العراق نتيجة فشل القيادة في حماية الموصل. توفر الايديولوجيا غطاء دينيا للمصالح الاقتصادية والجنائية (النهب) والسياسية (تفكيك الدولة الوطنية). لحماية الهوية الثقافية في مناطق الصراع: يجب ربط ملف حماية التراث بملف الأمن القومي ومكافحة الارهاب واعتباره خطا احمر لا يمكن تجاوزه خصوصا في الدول الهشة مثل العراق. يتوجب على الحكومة العراقية تخصيص موارد مالية ذاتية ضخمة لبناء المتاحف واعادة تأهيلها بدلا من الاعتماد على المنح الدولية المحدودة. يجب تطوير خطاب تعليمي وثقافي وطني قوي ومضاد لخطاب الجاهلية يعيد دمج الحضارات القديمة ضمن السردية الوطنية الحديثة.
(6) المصادر 1 tourath.org. الجاهلية.. حالة موضوعية أم فترة تاريخية؟ https://tourath.org/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9%D8%9F 2 امينة خيري. independentarabia.com. خلطة المصريين: آلهة فرعونية زائرة واكتئاب مؤجل وحسرة إسلاميين https://www.independentarabia.com/node/635349/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%B7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%AE%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A2%D9%84%D9%87%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D8%B9%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%83%D8%AA%D8%A6%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%A4%D8%AC%D9%84-%D9%88%D8%AD%D8%B3%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%8A%D9%86
3 raialyoum.com. هاجم المتحف الكبير.. إخلاء سبيل داعية سلفي مصري شهير بكفالة 10 آلاف جنيه https://www.raialyoum.com/%D9%87%D8%A7%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%A5%D8%AE%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%B3%D8%A8%D9%8A%D9%84-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D9%84/ 4 archeologie.culture.gouv.fr. تدمير المواقع الاثرية https://archeologie.culture.gouv.fr/mossoul-museum/ar/tdmyr-almwaq-alathryt 5 wikipedia.org. تدمير تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للمواقع التراثية https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%AF%D9%85%D9%8A%D8%B1_%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9_(%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4)%D9%84%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D8%A9 6 alhakikanews.com. العراق يحصل على 3 ملايين باوند لاعادة تأهيل متاحفه https://alhakikanews.com/?p=35721 7 al-mirbad.com. سُرقت من متحف بغداد في 2003 .. إعادة قطعة أثرية للعراق عمرها 2700 عام https://www.al-mirbad.com/detail/133347 8 wikipedia.org. المتحف العراقي https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A
9 arabic.euronews.com. تحميل نوري المالكي مسؤولية سقوط الموصل http://arabic.euronews.com/2015/08/17/iraq-parliamentary-probe-blames-ex-pm-maliki-for-the-fall-of-mosul
10 alaraby.co.uk. تسع سنوات على سقوط الموصل https://www.alaraby.co.uk/politics/%D8%AA%D8%B3%D8%B9-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B5%D9%84
#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)
Maxim_Al-iraqi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صعود اليسار الجديد في معاقل الراسمالية الغربية وافول نظيره ا
...
-
نظرية ناش وتوازن الفشل, في تحليل الأوضاع السياسية والاقتصادي
...
-
ستراتيجيات قمع الثورة المضادة في مراحل التحول السياسي الحرجة
...
-
كيف استغل الاستعمار والإمبريالية الجديدة الإسلام السياسي لتح
...
-
تاثير شركات السلاح الغربية في صياغة واستدامة الحروب (1914-20
...
-
تاريخ وتطور الادعاءات الأمريكية الزائفة لتبرير العدوان والهي
...
-
الاقتصاد السياسي للاستدامة الحزبية - دروس الصين وفشل روسيا و
...
-
ستراتيجية الاحتواء الدموي وسحق المد اليساري في العالم
-
الفعل التاريخي التأسيسي للقوة والمفاجأة في قلب مسار التاريخ
...
-
الأنظمة الطارئة كأدوات للتدبير الخارجي وآليات تفكيك الدولة ا
...
-
تفكيك اللامساواة في العالم لاسباب دينية في ضوء نظرية رأس الم
...
-
تفكيك اللامساواة في العالم لاسباب دينية في ضوء نظرية رأس الم
...
-
تفكيك اللامساواة في العراق في ضوء نظرية رأس المال لتوماس بيك
...
-
تفكيك اللامساواة في العراق في ضوء نظرية رأس المال لتوماس بيك
...
-
ستراتيجية التحول الثوري في الدول الهشة المنتهبة المدمرة!
-
أزمة الولي الفغيه المعين والتناقض اللاهوتي مع علي والحسين وا
...
-
تهديدات الجيل الرابع من الصراعات غير المتكافئة (عام 2025 وما
...
-
الفساد السيادي العابر للحدود لاستنزاف الاصول العراقية عبر تف
...
-
تقييم المخاطر الوجودية للعراق في ظل الاطماع الايرانية التركي
...
-
نصوص التوراة والانجيل والقرآن وفكرة امتلاء الأرض ظلماً والتو
...
المزيد.....
-
833 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
الجامعة الإسلامية في غزة.. من قاعات الدراسة إلى مخيمات النزو
...
-
إسرائيل تبحث عن الخلاص في الكنائس الأميركية والذكاء الاصطناع
...
-
مصر.. بعد جدل فتوى مفتي السعودية السابقة.. الأوقاف توضح ماذا
...
-
-لماذا لا نبني المسجد؟- الإسلام والتكلفة السياسية في العاصمة
...
-
لا يرون ضوء الشمس أبدا.. الجارديان تكشف تعذيب عشرات الفلسطين
...
-
ما علاقة تنظيم الدولة الإسلامية بالأحداث في مالي؟
-
هل تستغل واشنطن مزاعم استهداف المسيحيين بنيجيريا لتحقيق مصال
...
-
هل تستغل واشنطن مزاعم استهداف المسيحيين بنيجيريا لتحقيق مصال
...
-
-هل تتوقف الدولة عن التنازل للسلفيين؟-.. إعلامي مصري يشعل ضج
...
المزيد.....
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
المزيد.....
|