أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - في حضرة المرايا المكسورة: رقصة السلاطين على أنغام الصحراء والسيادة














المزيد.....

في حضرة المرايا المكسورة: رقصة السلاطين على أنغام الصحراء والسيادة


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 08:25
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في صمتٍ يشبه همسَ الرمل تحت خُطى الغزاة، تتحرّك الأقدام نحو بيت الأشباح في واشنطن. ليس زائرًا عاديًا من الشرق، بل رجلٌ خرج من سجون الاحتلال كظلٍّ نهض من بين الأصفاد، يحمل في جبينه شمسَ دمشق وعيونَ الجليل، ويقترب من بوابات البيت الأبيض كأنه لا يعرف أن التاريخ يُكتب بهذا الشكل: بأن تُحوَّلَ التهم إلى شهادات، والدمار إلى دبلوماسية، والمقاومة إلى رئاسة. أبو محمد الجولاني، أو أحمد العشارة كما يُسمّيه من كان يوماً يبحث عنه في ثنايا القوائم السوداء، سيجلس قريباً في قاعةٍ كانت تُعتبر قبل عقدين محرمةً على من يُصنفون "إرهابيين". لكن الزمن، ذلك الجاسوس الهادئ، لا يعرف الولاءات، ولا يحترم التصنيفات. إنه يُعيد ترتيب الخرائط بلعبةٍ بسيطة: يمحو الماضي بخطوة واحدة من الدبلوماسية، ويُعيد تعريف الشرعية بمصافحة في غرفة بيضاء.

هل يُعقل أن الدولة التي احتلت العراق، وسجنت عشرات الآلاف بلا محاكمات، ووضعت مكافآت على رؤوس معارضيها، اليوم تفتح ذراعيها لمن كان أحد تلك الرؤوس؟ هل يُعقل أن من قاتلوا تحت راية القاعدة، ثم نشأوا في ظلال تنظيم الدولة، يصبحون اليوم حكّام بلدٍ ما زال اسمه "سوريا" على الخرائط، لكن أوصاله موزعة بين الوكالات والاستخبارات؟ لقد أصبحت الشرعية الآن لا تُمنح بالانتخاب، ولا بالثورة، بل برحلة جوية إلى نيويورك، ثم واشنطن، ثم بكين. لم يعد الأمر يحتاج إلى جيوش، بل إلى قائمة استخباراتية، وتصريح سفر، وموافقة من لجنة تُسمّى "الأمن الدولي"، تُصدر تذاكر العبور إلى عالم الدول.

وفي هذا المشهد، حيث تُعاد تسمية كل شيء، تُعلن واشنطن عن "فصل جديد" في العلاقات. فبعد سنوات من الحصار، وسنوات من التصنيف، وعقود من التدخل، تُفتح صفحة جديدة — ليس لأنها صحيحة، بل لأنها ممكنة. فالسياسة لا تسأل عن الأخلاق، بل عن التوازن. وتلك هي اللعبة: بينما تُرفع العقوبات خطوة خطوة، وتُمنح التأشيرات لحضور الجمعية العامة، وتدور اللقاءات في ماناما وموسكو وبكين، تُعاد تشكيل المنطقة ليس بالحروب، بل بالاجتماعات. وتُصبح سوريا لاعبًا دوليًا ليس لأنها استعادت سيادتها، بل لأنها قبلت أن تكون وسيطًا في لعبة أكبر منها.

لكن في هذا الانفتاح، هناك مفاصلٌ لا يمكن تجاوزها. أولها: مستقبل "قوات سوريا الديمقراطية"، تلك الكيان الذي نشأ من رحم المقاومة، وقاتل إلى جانب أمريكا طوال عقدٍ من الزمان. والآن، تُطرح مسألة دمجها في الجيش الجديد، في بنية تقودها هيئة تحرير الشام. ليست مجرد عملية عسكرية، بل إعلان نهاية مرحلة. فما معنى أن تُعامل قوات كانت حليفًا استراتيجيًا كطرف ثانوي، بينما يُستقبل من كانوا بالأمس أعداءً كرؤساء دولة؟ إنها رسالة واضحة: لا يوجد ولاء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح تتغير مع تغير الريح. وقد يكون الدمج المزعوم — ثلاث ألوية، واحدة منها للعمل المشترك مع الأمريكيين — مجرد مسرحية لتبرير هذا التحوّل، بحيث لا يبدو الأمر وكأن واشنطن تخون حلفاءها، بل "تنقلهم" إلى هيكل جديد، تحت راية جديدة.

أما المحور الثاني، فهو الأكثر إيلامًا: المفاوضات مع إسرائيل. لا يُقال بصراحة "سلام"، بل يُخفى تحت عنوان "الأمن الحدودي". لكن من يعرف الجغرافيا يعرف أن الحديث عن الأمن هو ستارٌ يُراد به كشف الأرض. فمرتفعات الجولان، التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، وقرية القنيطرة التي بقيت رمزًا للصمود والدمار، وجبال الشيخ التي أصبحت نقطة اختناق استراتيجية، كلها لن تُناقش كأراضٍ مُحتلة، بل كـ"مناطق تعاون أمني". والأدهى: أن الحديث يدور عن لجنة ثلاثية — أمريكية، إسرائيلية، سورية — ستنشر قواتها في جبل الشيخ، أي أن سوريا نفسها قد تُشارك في تأمين احتلال أرضها. إنها المفارقة النهائية: أن تُستدعى الدولة لتُشرّع احتلالها، باسم الاستقرار.

وفي الخلفية، تتحرك أنقرة، وتتموضع موسكو، وتراقب طهران. فالملف السوري لم يعد سوريًا فقط، بل أصبح لوحة فسيفساء يرسمها الجميع، إلا الشعب السوري. تركيا، التي كانت ترفض أي تواصل مع هذه الجهات، باتت اليوم شريكًا غير مباشر في التفاوض، عبر تنسيق خفي مع دمشق. أما روسيا، فقد بدأت تُسلّم بواقع جديد: أن من كان "إرهابيًا" بالأمس، قد يصبح "حليفًا" اليوم. والصين؟ تفتح أبوابها، ليس بدافع التضامن، بل باعتبار سوريا حلقة في طريق الحرير الجديد. أما أوروبا، فهي تتقدم بحذر، تبحث عن مصالح اقتصادية، وتحاول استيعاب تدفق اللاجئين، دون أن تملك مشروعًا سياسيًا واضحًا.

لكن السؤال الذي يبقى، كالظل الطويل على الجدران: ما ثمن هذه الشرعية الجديدة؟ هل سيكون دفعًا من دماء الكرد، وتنازلات عن حقوق الدروز، وبيعٌ صامت لمرتفعات الجنوب؟ هل سيُطلب من سوريا أن تُغمض عينيها عن تمدد إسرائيل، مقابل رفع بعض العقوبات؟ فقانون "قيصر"، الذي كان يوماً رمزًا للضغط، بات اليوم قضية تُناقش في الكونغرس، ليس انطلاقًا من العدالة، بل من حسابات المصالح. وربما، في لحظة ما، يتم تمرير بند في قانون الدفاع الوطني يُلغى فيه الجزء الأكبر من هذه العقوبات، ليس لأن النظام تغيّر، بل لأن الوجوه الجديدة تخدم نفس الأجندة.

في النهاية، لا نشهد تحولًا حقيقيًا، بل إعادة ترتيب للكراسي حول طاولة واحدة. فالحرية التي ناضل من أجلها الناس في سوريا لم تُستعد، بل تُباع بأسعار متدنية: مقعد في الأمم المتحدة، زيارة للبيت الأبيض، وعدٌ باتفاق أمني. والروح الحرة، التي كانت تصرخ في درعا وحلب، تُختزل اليوم في تصريح صحفي لوزير خارجية هيئة، يقول: "نريد شراكة قوية مع أمريكا". كأن الحرية أصبحت مجرد شراكة استراتيجية.

لكن في زوايا المدن، وفي أعماق القرى، لا يزال هناك من يؤمن بأن الشرعية لا تُمنح في واشنطن، ولا تُبتَكر في ماناما، بل تُولد من رحم المعاناة، وتُكتسب بالدم والنضال. وهؤلاء، رغم صمتهم اليوم، يبقون ورقة المستقبل. لأن التاريخ، في لحظاته الفاصلة، لا يُحكمه من يدخل البيت الأبيض، بل من يرفض أن ينسى من كان أولًا.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكمة الصخر ورنين الروح: في مقام الكينونة الكوردية ونداء السل ...
- حجر الواقع ووهم الأمة الديمقراطية: صرخة الوجدان الكوردي في ل ...
- النار لا تُحرر… إن لم تكن في يد واعية!
- سجال القيادة وسيف السجن: أي فجر ينتظر كُردستان؟
- رقصة النار والماء: الأكراد وسوريا، بين الفلسفة الجريحة وبلاغ ...
- صرخة المعرفة في زمن الغياب
- شعلة نوروز: فلسفة الوجود ووجع النكران
- صوت الشلومية الذي لم يهن: مزكين حسكو وسرمدية الروح الكوردستا ...
- أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ
- أنقرة والخوف من الظل الكوردي
- رقصة الأقنعة على رمال الشرق المتحركة
- رؤية في دهاليز السياسة: حينما يصبح الحل هو الُمشكل
- صدى الروح في ميزان الشرق: جدل السياسة والإنسان
- الصواريخ لا تُنبئ بالسلام.. والدم الكردي ليس وقوداً للهيبة
- نحو وطنٍ لا يُبنى على أنقاض الهوية: بين فيدرالية الحقوق وخيا ...
- صدى الدم في قاعة الانتخابات: عندما تُكتب الديمقراطية بدموع ا ...
- سوريا في مفترق طرق: بين الأيديولوجيا والتقسيم
- الظل والضوء: حين يُستدعى التاريخ ليحاكم الحاضر
- صمت الدم: حين تُكتب الخريطة بدم العلويين والدروز…
- العرش والثور: حين يصير القصر حظيرةً والسلطةُ سرابًا


المزيد.....




- شاهد كيف ردّ ترامب على سؤال صحفي بشأن تجريد أندرو من ألقابه ...
- قلادة ماس وياقوت أحمر..هكذا ظهرت سلمى حايك في لوس أنجلوس
- بعد تجريده من ألقابه.. هل ما يزال أندرو شقيق الملك تشارلز في ...
- زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب أفغانستان.. شاهد الدمار الذي خلفه
- أردوغان يعلن إطلاق -برنامج دعم خاص لسوريا- ويرفض -مجازر الفا ...
- -تجارب نووية وحروب تلوح في الأفق-.. ترامب يوجّه رسائل نارية ...
- -رسالة غامضة وسيارة مهجورة-.. توقيف المدعية العسكرية الإسرائ ...
- من رحلة هادئة إلى كابوس دموي.. ما الذي نعرفه عن الهجوم داخل ...
- بريطانيا: منفذ حادثة الطعن قي قطار -ليس مسجلا لدى شرطة مكافح ...
- تعرف على خريطة السيطرة العسكرية في إقليمَي دارفور وكردفان


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - في حضرة المرايا المكسورة: رقصة السلاطين على أنغام الصحراء والسيادة