أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بوتان زيباري - صرخة المعرفة في زمن الغياب














المزيد.....

صرخة المعرفة في زمن الغياب


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 00:40
المحور: قضايا ثقافية
    


في رحم الزمان يقف المُثَقَّفُ كمرآةٍ لا تكذب، يحمل في كفيه الأقدار التي فُرِضت على الأمة، ويقرأ في خطوط الحاضر ما بين ثنايا الظل والنور. إن المُثَقَّفَ، سواء كان عالِمًا مؤلَّفًا أو ناقل أفكارٍ عابر، لا يكفي أن يكون مفكّرًا فحسب، بل يجب أن يكون عابِرًا للأبواب المحرَّمة، ضميرًا تنبض به الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والمستقبل، بين الإيمان والفكر، بين الشعور والعمل. فالمعرفة إن لم تُترجَم إلى وعيٍ مغاير، تبقى عبئًا جامدًا لا يحرك قطار التغيّر.

حين يظل المُثَقَّفُ في برجٍ معزول، محاطًا بكتب وجدران عالية، فهو يخون وعده لـ “الأمة التي تستحق أن تُرى بعينيه”، كما لو أنه فارقها في اللحظة التي تكشّف لها الألم. المُثَقَّفُ الحقيقي لا يهرب من صوت الجماهير؛ بل يصغي إلى الآهات، يعلن الوجع، ويضيء الأمل. إنه من رحم المعاناة يُولد، ومن روح الثورة يُكتَب، ومن صميم الوطنية يُنطق.

في مسار الوعي التاريخي، يتجلّى دور المُثَقَّفِ في مواجهة ماضٍ تسلّط عليه طغاة، لم يُقرؤه بعد، فلعناته ما تزال تجتثّ الشجر. عليه أن يُخاض معركة فكّ التقهقر، لا ليُمجِّد، بل ليفكّك ويرتّب الأديم من جديد، يقرأ بسيوف العقل ما أخفته السنون، ثم يبعث الرؤية في الأجيال. إنه المُثَقَّفُ الذي يفهم أمّته في سياقها، ويُعيّن لها موقعًا في العالم، ليحوّل هذا الفهم إلى حركة لا تضيع.

حين يُفرّ المُثَقَّفُ من جذوره الروحية، تستقرّ خطاه في صحراء شرودة وجوديّ، معزولًا عن العفّة التي تبارزه، منقطعًا عن الرجاء الباطني الذي تسكنه الجماهير، التي وإن لم تبلور وعيها بعد، فإيمانها الفطري ما يزال ينبض في الصدور. في اللقاء بين الإيمان والوعي، يُولد مجتمع لا يفصِل بين الروح والعقل، بين الدين والفكر، بين الإنسان والتاريخ. هنا يحتاج المُثَقَّفُ إلى إيمانٍ يدفئه، وللجماهير وعيٌ يرفعها، فتلتقي الرؤى في أُفق واحد.

لكن هذه الرؤية لا تكفي وحدها؛ بل يجب أن تنزل إلى ساحة الواقع، تشارك في بناء الوعي الجمعي، لا أن تبقى في عزل الأكاديمية. المُثَقَّفُ لا يُجيد الحياد، بل يجب أن يتخذ موقفًا حازمًا إلى جانب قضايا العدالة والحرية، التحرر من التبعية والمصادرات الفكرية. وعليه أن يقاوم مدلولات الاستيراد الأعمى، ويُنتج فكرًا ينهض من تجربة أمّته، من أعماق تاريخها، من ثقافتها. فالأفكار المنقولة دون صدى السياق تصبح أغراضًا بلا روح، لا تُحيي بل تسلب.

ومن ثم، فإن الفكر ليكون فاعلًا لا بد أن يسبح بحقله في فضاء النشر والتداول. المُثَقَّفُ والعلاقة مع وسائل التعبير هي جسور تنقل وعيه إلى الأجيال. لا يكفي أن توجد مؤسسات للنشر، بل يجب أن تكون مؤسسات حية، ملتزمة بالمضمون لا بدعاوى السلطة. فحين تتحوّل الوسيلة إلى غاية، ينحرف الوعي، ويغيب المضمون في لغةٍ خالية.

في هذا المسار، يُطالعنا المُثَقَّفُ كنبِي معاصر — ليس بوحيٍ سماوي، بل بوعيٍ نهضويّ. إنه “المعلم المتألِّم” الذي خرج من رحم الأمة، تَجسّدت في جوفه آلامها وأحلامها، يرى المعرفة فريضة والفكر رسالة. رسالة ليست تأليهًا، بل التزامٌ بالتقوى والعقل، حملٌ للعدل في زمن الظلم، ونور في ليالي القهر.

وفي اللحظة التي يلتقي فيها الفعل بالفكر، والروح بالشعور، يستعيد المُثَقَّفُ مكانته كقوة تغيير لا كنغمة معزولة. فالمهمة مزدوجة: أن يكون مفكرًا وفاعلًا، أن يجمع بين بسمة الروح وتحرّر الكلمة، بين حنين التراث ونبض المعاصرة، بين المعرفة والفعل. هنا، وبكلمة واحدة، يُصوغ المُثَقَّفُ مجده: أن يولد من الألم ويمضي إلى الفجر حاملًا شعلة الوعي.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعلة نوروز: فلسفة الوجود ووجع النكران
- صوت الشلومية الذي لم يهن: مزكين حسكو وسرمدية الروح الكوردستا ...
- أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ
- أنقرة والخوف من الظل الكوردي
- رقصة الأقنعة على رمال الشرق المتحركة
- رؤية في دهاليز السياسة: حينما يصبح الحل هو الُمشكل
- صدى الروح في ميزان الشرق: جدل السياسة والإنسان
- الصواريخ لا تُنبئ بالسلام.. والدم الكردي ليس وقوداً للهيبة
- نحو وطنٍ لا يُبنى على أنقاض الهوية: بين فيدرالية الحقوق وخيا ...
- صدى الدم في قاعة الانتخابات: عندما تُكتب الديمقراطية بدموع ا ...
- سوريا في مفترق طرق: بين الأيديولوجيا والتقسيم
- الظل والضوء: حين يُستدعى التاريخ ليحاكم الحاضر
- صمت الدم: حين تُكتب الخريطة بدم العلويين والدروز…
- العرش والثور: حين يصير القصر حظيرةً والسلطةُ سرابًا
- الصورة التي نستحقها: في الفلسفة البصرية للبقاء
- صراخ الأرض: عندما ترفض الأصوات أن تُسكت
- الرُّوح المُنهكة: حين يُصبح الوجودُ تمرّداً في أرضٍ فقدتَ حل ...
- الريح لا تُمسك بالأسوار، والشعب لا يُهزم بالصمت
- حين تبكي الجبال وتحتضر الرمال
- الهوية التي تكسر حدود الاستعمار: الكورد وقضية الأرض


المزيد.....




- بعد دعوة السيسي.. أول تصريح لترامب بشأن إمكانية زيارة الشرق ...
- قصف مستشفى في الفاشر.. عشرات القتلى والجرحى ونكبة إنسانية تت ...
- اختطاف أطفال وقتل معلمة: سوريا تغرق في دوامة انفلات أمني
- ألمانيا: نجاة عمدة هيرديكه من الموت والسلطات تشتبه في ابنتها ...
- ما نعرفه عن الرهائن المحتجزين في غزة
- روسيا: زخم لقاء بوتين وترمب تبدد ونعرف كيف نتعامل مع -توماهو ...
- وصول 200 عنصر من الحرس الوطني إلى مقربة من شيكاغو
- رئيس تايوان يغازل ترمب بجائزة نوبل للسلام
- توقيف 8 عاملين بمنظمة إنسانية بينهم 3 أوروبيين في بوركينا فا ...
- إثيوبيا في رسالة إلى غوتيريش: إريتريا تستعد للحرب


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بوتان زيباري - صرخة المعرفة في زمن الغياب