بوتان زيباري
الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 08:59
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في قلب الليل الطويل، حيث تسكن الأحلام وتتنفس الآمال، يولد صوتٌ خافت أولًا، كنبض تحت الرماد. ليس زوبعةً عابرة، ولا هياجَ لحظة، بل ثورةً نبضها الوعي، وسقفها الحرية، وطريقها المعلوم. فليس كل من اشتعل نورًا، ولا كل من رفع الصوت نبيلاً. فالثورة الحقيقية ليست شرارة الغضب العمياء، بل هي برقٌ مرسومٌ في السماء، يعرف متى ينزل، وأين يصطكّ بالظلم ليحطم أعمدته.
كم من حراكٍ انطلق على وقع القلوب النقيّة، فانطفأ قبل أن يصل إلى بوابة التغيير، لأن العقل لم يكن سائرًا مع الدم؟! شعاراتٌ بريئة، ونوايا طاهرة، لكنها ضاعت في دهاليز الفوضى، حيث تحوّلت السهام إلى رياح، والدماء إلى حكايات لا تُكتب لها نهاية. فالثورة التي لا تعرف ما تريد، ولا تعي لماذا تقاتل، تصبح كالفتيل المشتعل بين يدي طفل: تحترق يداه قبل أن تصل إلى الهدف.
الوعي إذًا ليس مجرد خيار، بل هو السلاح الأول والأخير. هو ما يجعل النار تُضيء الطريق بدل أن تأكله. هو ما يحفظ الثورة من أن تُخطف من أيدي أصحابها، ليُوظفها غيرهم ضد أهلها. ففي كل مرة تفقد فيها الثورة بوصلتها، تدخل في دوامة تأكل نفسها، وتُصبح أداةً في يد من يفهم أكثر، ويُجيد التلاعب بأحلام الشعوب.
الثائر الحقيقي، ذلك الذي تُشبه خطواته خطوات التاريخ، لا يحمل السلاح إلا وهو يعرف وجهته، لا يصرخ إلا وهو يسمع صدى المستقبل. لا يرفض فقط، بل يبني. لا يهدم فقط، بل يُعيد تأسيس العالم بحدودٍ جديدة، وضميرٍ أصيل. فهو لا يريد التغيير لأجل التغيير، بل ليصنع واقعًا فيه الكرامة جوهر، والحرية عنوان، والعقل سيد القرار.
لذلك، فإن كل ثورة لا تُمسك بعقلها، لا تُحرر الأرض، بل تُشعلها. لا تُسقط النظام، بل تُسقط ذاتها في هاوية الفوضى. النار لا تُحرر، إن لم تكن في يد واعية. والوعي لا يأتي من الهياج، بل من التأمل، من القراءة، من الحوار، ومن فهم أن التحرر لا يكون بالغضب وحده، بل بالحلم المنظم، والروح اليقظة، والعقل المستنير.
#بوتان_زيباري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟