أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - القانون يحمي الفاسدين عندما يتحول مبدأ عدم التشهير إلى غطاء للفساد وفق أحكام القانون العراقي














المزيد.....

القانون يحمي الفاسدين عندما يتحول مبدأ عدم التشهير إلى غطاء للفساد وفق أحكام القانون العراقي


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 16:28
المحور: المجتمع المدني
    


في ظل ما يشهده المجتمع العراقي من تفاقم في مظاهر الفساد الإداري والسياسي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام من أهم أدوات التوعية والرقابة الشعبية. فهي المنبر الذي يلجأ إليه المواطن ليعبّر عن رأيه ويحذر من الانحرافات والتجاوزات التي تهدد الصالح العام، خاصة في الطبقة السياسية والإدارية، حيث تتكرر صور الغش والاحتيال واستغلال النفوذ. ومع ضعف الأجهزة الرقابية الرسمية، بات الإعلام ومنصات التواصل سلاح المجتمع الأول لكشف الفساد وحماية المال العام.

إلا أن المفارقة المؤلمة تكمن في أن القانون العراقي، بدلاً من أن يساند هذه الجهود الوطنية، أصبح في كثير من الحالات غطاءً يحتمي به الفاسدون من خلال تطبيق مبدأ "منع التشهير" الذي ورد في قانون العقوبات. فالنص القانوني الذي وُضع أصلاً لحماية الأفراد من الكذب والإساءة اللفظية، يُستعمل اليوم أحياناً لإسكات الأصوات الحرة التي تنشر حقائق أو تحذيرات تمس الشأن العام. وهكذا تحوّل القانون في التطبيق إلى أداة تقيّد الرقابة الشعبية وتحمي من كان ينبغي مساءلته.

ومن الأمثلة الواقعية على ذلك، ما يحدث حين يظهر أحد المرشحين للبرلمان في لقاء تلفزيوني، فيقوم أحد المواطنين بالتعليق على الفيديو المنشور قائلًا إن هذا الشخص نصّاب، وإن والده محكوم وفق أحكام المادة (456) من قانون العقوبات الخاصة بالاحتيال، وأخاه متهم هارب، وهو نفسه سبق أن أُحيل إلى محكمة الجنح وفق المادة ذاتها. فيبادر المرشح إلى إقامة دعوى قضائية بتهمة التشهير والإساءة إلى السمعة، فيجد المواطن نفسه متهماً أمام القضاء، رغم أن كلامه يستند إلى وقائع حقيقية وهدفه التحذير للصالح العام. فهل يُعقل أن يُلاحق القانون من يحذر الناس من الفاسدين، بينما يمنح الحماية لمن يسعى للوصول إلى مواقع القرار رغم تاريخه القضائي أو الأخلاقي المشبوه؟ أليس من حق المواطن أن يعرف خلفية المرشحين قبل أن يمنحهم صوته؟

إن جوهر المشكلة ليس في وجود نص يجرّم التشهير، بل في طريقة تفسيره وتطبيقه. فالمادتان (433 و434) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 تنصان على أن القذف هو إسناد واقعة إلى شخص تجعله محل ازدراء أو عقاب، ويُعاقب فاعله بالحبس أو الغرامة، أما السب فهو إهانة شخص أو الحط من قدره دون إسناد واقعة محددة. هذه النصوص تبدو من حيث المبدأ منطقية لحماية السمعة، لكنها لا تميّز بين من يختلق الكذب بقصد الإساءة، ومن ينشر حقيقة ثابتة بقصد التحذير والنفع العام.

في المقابل، نجد أن بعض التشريعات المتقدمة تفرّق بوضوح بين التشهير الضار والنقد المشروع. ففي القانون المصري مثلًا، نصت المادة (302) من قانون العقوبات على أنه لا عقاب إذا كان القذف في حق موظف عام أو من في حكمه، وكان متعلقًا بأعمال وظيفته وثبتت صحة الوقائع. وفي القانون الفرنسي أقر القضاء أن من يعمل في الشأن العام أو يترشح له يُعد شخصية عامة، وتخضع أفعاله وماضيه لتدقيق أوسع من المواطن العادي. هذه النصوص تستند إلى مبدأ أساسي هو أن من يتولى الشأن العام أو يسعى إليه يضع نفسه طوعًا في دائرة المساءلة، وأن الشفافية جزء من الثقة العامة.

أما في العراق، فغياب هذا التمييز يجعل من القانون سلاحًا ذا حد واحد يُستخدم لإسكات الناقدين بدل محاسبة الفاسدين. لذلك فإن الحاجة ملحّة إلى تعديل تشريعي يضمن حماية من يكشفون الفساد في إطار المصلحة العامة، وينص بوضوح على أن النشر أو التصريح الذي يتناول شخصًا عامًا أو مرشحًا لمنصب رسمي لا يُعد تشهيرًا إذا كان مستندًا إلى وقائع حقيقية أو أدلة معقولة، أو إذا كان القصد منه حماية الصالح العام.

إن مثل هذا التعديل لا ينتقص من قيمة القانون، بل يعيد إليه توازنه ويجعل منه أداة لحماية المجتمع لا وسيلة لحماية المفسدين. فالقانون الذي لا يميز بين الكلمة الصادقة والافتراء سيتحول إلى جدار يختبئ خلفه من أساء، ويُعاقب من حاول الإصلاح. الكلمة الصادقة ليست جريمة، بل واجب وطني وأخلاقي، ما دامت تستند إلى دليل وتهدف إلى مصلحة عامة. وإن استمرار تطبيق قانون "منع التشهير" بهذه الصيغة الحالية يجعل من العدالة سيفًا مقلوبًا، يضرب المصلحين ويترك الفاسدين في مأمن من المساءلة. فالمجتمع الذي يُجرَّم فيه التحذير من الفساد، سيبقى أسيرًا للفاسدين مهما تغيّرت الوجوه، ومتى ما خنق القانون الكلمة الحرة، مات الضمير العام، وانطفأ صوت الإصلاح.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرق بين اللقاء والاجتماع والمؤتمر والندوة
- القيادة بين الصرامة والغرور
- ترامب بين السياسة والتجارة صفات لا أتفاقات
- الوهم والأيهام بين الإدراك والتأثير الأجتماعي
- جذور الانتماء بين الغريزة والوعي من العائلة إلى الوطن
- بين الغريزة والعقل هل يضبط الأنسان سلوكه
- مفهوم الثقافة والحضارة
- السيطرة والقيادة بين الأرادة والقيم
- مستقبل الدولة الفلسطينية
- جيل Z العربي بين النهوض وضياع الهوية
- كرم الصمت
- مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة
- البيروقراطية الأدارية
- التصعيد الأوربي ضد روسيا هل هو اشارة لحرب على الأبواب؟
- من بلفور إلى بلير .دولة أسرائيل الكبرى
- أعمار غزة بين العدوان والأبتزاز السياسي
- التأمر الخارجي والداخلي في مسار الدولة الأسلامية والأمة العر ...
- الأمن الوقائي ودور المواطن
- رمزية الخوف في النفس البشرية
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...


المزيد.....




- إلغاء اتفاقية الهجرة يشعل أزمة جديدة بين الجزائر وفرنسا
- الأمم المتحدة: آلاف العائلات في الفاشر بحاجة للمأوى وسط -عنف ...
- عشائر غزة تحذر: الشتاء في غزة حكم بالإعدام على ملايين الفلسط ...
- إسرائيل: الشرطة تعثر على المدعية العسكرية المتورطة في تسريب ...
- قلق جراء ارتفاع ترحيل لاجئين سوريين من ألمانيا
- إسرائيل تشن حملة اعتقالات واسعة في مدن الضفة الغربية
- يونيسف: مليون طفل في غزة بحاجة للماء والغذاء و650 ألفا للمدر ...
- المجلس النرويجي للاجئين: شهادات مروعة من مدنيين فروا من الفا ...
- السعودية.. وزارة الداخلية تعلن إعدام 4 باكستانيين وتكشف عن ج ...
- الأونروا.. تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - القانون يحمي الفاسدين عندما يتحول مبدأ عدم التشهير إلى غطاء للفساد وفق أحكام القانون العراقي