أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - مفهوم الثقافة والحضارة














المزيد.....

مفهوم الثقافة والحضارة


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 00:53
المحور: قضايا ثقافية
    


الثقافة والحضارة مفهومان متقاربان في الظاهر، لكن بينهما تمايز جوهري في المضمون والدلالة. فكثيراً ما يختلط على الناس الفرق بينهما، فيظنون أن ازدهار المدن، وتطور التكنولوجيا، وتقدم العلوم، هو وحده دليل الرقي الإنساني، بينما يغفلون أن ذلك لا يقوم على أساس متين ما لم يكن مصحوباً بعمق ثقافي روحي يوجّه هذا التقدم نحو الخير والإبداع البنّاء.

فالثقافة تمثل الروح التي تسري في جسد الأمة، فهي مجموع القيم والمعتقدات والعادات والتقاليد واللغة والفنون والآداب التي تعبّر عن هوية الشعوب وخصوصيتها. أما الحضارة فهي الثمرة المادية والمعرفية الناتجة عن تطور الفكر الإنساني والعلمي، وهي تجسيد عملي لتلك القيم الثقافية في ميادين العمران والسياسة والعلم والتقنية. وبعبارة أخرى، الثقافة هي الجوهر، والحضارة هي المظهر؛ الثقافة تغذي الحضارة، والحضارة تعبّر عن الثقافة وتكشف مدى نضجها.

في التاريخ القديم، نجد مثالاً واضحاً لهذا التلازم في الحضارة المصرية القديمة، التي جمعت بين رقيّ ثقافي عميق تجلى في المعتقدات الدينية والفنون والآداب، وبين حضارة مادية عظيمة أبدعتها في العمارة والزراعة والطب والفلك. وكذلك الحضارة الرافدينية في العراق القديم، حيث كانت الثقافة قائمة على الإيمان بالعدالة والنظام الكوني، وهو ما انعكس في تشريعات مثل شريعة حمورابي، التي تعد من أقدم النظم القانونية في التاريخ. أما الحضارة اليونانية، فقد بلغت أوجها حين امتزج فيها الفكر الفلسفي والأدب الراقي مع التقدم السياسي والعلمي، فصارت مهد الفكر الغربي الحديث.

وفي العصور الإسلامية، تجلت أبهى صور التكامل بين الثقافة والحضارة؛ فالثقافة الإسلامية استمدت روحها من القرآن والسنة، ومن مبادئ العدل والرحمة والعلم والعمل، فأنشأت حضارة عظيمة امتدت من الأندلس إلى الصين. تميزت تلك الحضارة بتوازن بين المادة والروح، وبين العقل والإيمان، فكانت الثقافة الإسلامية دافعاً نحو البحث والاكتشاف، لا حاجزاً أمام العلم كما حدث في بعض مراحل التاريخ الأوروبي.

أما في العصر الحديث، فقد شهد العالم تقدماً حضارياً مادياً هائلاً، تجلى في التكنولوجيا والاتصال والعمران، لكنه لم يكن دائماً مصحوباً بعمق ثقافي أو أخلاقي. فبعض الأمم بلغت قمة الحضارة التقنية، لكنها افتقرت إلى القيم الإنسانية والروحية، فصارت حضارتها متقدمة جسداً، ضعيفة روحاً. وعلى العكس، ما زالت أمم كثيرة تمتلك ثقافة إنسانية راقية، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى حضاري موازٍ، لأسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية والسياسية أو بالهيمنة الفكرية الخارجية.

إن التحدي الأكبر أمام الإنسان المعاصر هو في تحقيق التوازن بين الثقافة والحضارة؛ أي أن يجعل من التقدم المادي وسيلة لخدمة الإنسان لا لاستعباده، وأن تكون الثقافة موجِّهاً للحضارة لا تابعة لها. فالحضارة بلا ثقافة كجسد بلا روح، والثقافة بلا حضارة كروح بلا جسد. والأمم التي استطاعت الجمع بينهما – كما فعلت بعض الدول في عصرنا مثل اليابان التي حافظت على تقاليدها وثقافتها الأصيلة رغم حداثتها الصناعية – هي التي تضمن لنفسها البقاء والازدهار الحقيقي.

وبذلك يمكن القول إن العلاقة بين الثقافة والحضارة علاقة جدلية تكاملية؛ فالثقافة تبني الفكر والقيم، والحضارة تجسّدها في الواقع. وإذا ما اختلّ هذا التوازن، اختلّ البناء الإنساني كله، وفقدت الأمم معناها وهويتها.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيطرة والقيادة بين الأرادة والقيم
- مستقبل الدولة الفلسطينية
- جيل Z العربي بين النهوض وضياع الهوية
- كرم الصمت
- مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة
- البيروقراطية الأدارية
- التصعيد الأوربي ضد روسيا هل هو اشارة لحرب على الأبواب؟
- من بلفور إلى بلير .دولة أسرائيل الكبرى
- أعمار غزة بين العدوان والأبتزاز السياسي
- التأمر الخارجي والداخلي في مسار الدولة الأسلامية والأمة العر ...
- الأمن الوقائي ودور المواطن
- رمزية الخوف في النفس البشرية
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...
- التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب


المزيد.....




- ترامب في شرم الشيخ: توقيع تاريخي وقمة دولية لإنهاء حرب غزة
- هل تتعارض العدالة الانتقالية مع السلم الأهلي في سوريا؟
- عاجل | ترامب: الحرب انتهت ووقف إطلاق النار سيصمد
- كارثة قيس سعيد في تونس
- ملفات غزة العالقة تهدد المرحلة الثانية من خطة ترامب
- اشتباكات في غزة بين -حماس- وعدد من العائلات الفلسطينية
- ترامب: حرب غزة انتهت.. ووقف إطلاق النار سيصمد
- ما الذي يمكن لملك بريطانيا أن يفعله حيال فضائح الأمير أندرو؟ ...
- -أخيراً انتهت الحرب-، مقتل صالح الجعفراوي بعد أيام قليلة من ...
- بعد تهديده بكين بفرض رسوم جمركية -هائلة-.. ترامب يخفف لهجته: ...


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - مفهوم الثقافة والحضارة