أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب














المزيد.....

الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 11:08
المحور: قضايا ثقافية
    


الإنسان بين الانتماء الطبيعي والانتماء المكتسب يمثل إحدى القضايا الأساسية في دراسة الهوية البشرية والاجتماعية، فالانتماء الطبيعي يتمثل في الانتماء الموروث الذي يكتسبه الفرد منذ ولادته من خلال الأسرة والمجتمع المحلي، ويشمل اللغة الأولى، الثقافة، الدين في حال كان موروثاً، بالإضافة إلى السمات البيولوجية كاللون والتركيب الفسيولوجي، وهذه العناصر تشكل البنية الأساسية لهوية الإنسان وتمنحه شعوراً متأصلاً بالارتباط بالمكان والجماعة، بينما يشير الانتماء المكتسب إلى الانتماءات التي يختارها الفرد لاحقاً في حياته، سواء من خلال الدين، أو المعتقدات الأيديولوجية، أو المواطنة في وطن جديد، أو الانتماء الثقافي لجماعات متعددة، ويعكس هذا النوع من الانتماء قدرة الإنسان على التكيف وتشكيل هوياته عبر خياراته الشخصية والاجتماعية.

في ضوء الدراسات الفلسفية والاجتماعية، يعتبر أرسطو أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، وأن انخراطه في جماعة محددة يخلق هوية أولية لا يمكن للفرد تجاوزها بسهولة، بينما يرى ابن خلدون أن العصبية القبلية أو الجماعية، المبنية على الدم والمكان والتاريخ المشترك، تشكل الأساس المتين للتماسك الاجتماعي، وهو ما يجعل الانتماءات الطبيعية أقوى في الجذور والارتباط النفسي مقارنة بالانتماءات المكتسبة، وأشار علماء الاجتماع الحديث مثل إميل دوركهايم إلى أن المجتمعات تفرض نسقاً من القيم والعادات يجعل الانتماءات المكتسبة تتحول تدريجياً إلى مكونات طبيعية للهوية، إلا أن الانتماءات الطبيعية تظل الأكثر ثباتاً في تكوين الذات.

تتضح أهمية الانتماء المكتسب في المجتمعات الحديثة التي تشهد حركة هجرة واسعة وتنوعاً سكانياً، حيث تتشكل مجتمعات متعددة الأعراق والأديان والثقافات، مثل المدن الكبرى في أوروبا وأمريكا التي تضم أفراداً من خلفيات متنوعة، ويتيح هذا التنوع تكوين هويات مكتسبة تتجاوز الانتماء الطبيعي، مثل الانتماء الوطني المشترك أو الانتماء المهني أو الثقافي، وهو ما يراه ماكس فيبر في مفهومه عن "المجتمع المتخيل"، حيث يمكن للفرد اختيار الانتماء إلى هوية قومية أو وطنية أو ثقافية دون أن يكون مرتبطاً بالدم أو الأصل الجيني، وهو ما يعكس قدرة الإنسان على تكوين هويات متعددة تتفاعل ضمن سياق اجتماعي معقد.

يمكن توضيح الفرق بين الانتماء الطبيعي والمكتسب بمثال واقعي، فالإنسان العربي يظل عربياً بفعل الانتماء الطبيعي الموروث، فلا يمكن لأي شخص آخر أن يصبح عربياً إلا بالولادة ضمن هذا الانتماء، بينما الدين يمثل انتماء مكتسباً يمكن لأي فرد اختياره، فهو يستطيع أن يكون مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً وفق اختياره الشخصي، وهذا يوضح مرونة الانتماء المكتسب مقارنة بثبات الانتماء الطبيعي.

وعند السؤال عن إمكانية التخلي عن الانتماء العرقي الأصلي، يرى علماء الاجتماع والفلاسفة أن هذا التخلي الكامل يكاد يكون مستحيلاً، فالانتماء العرقي يشكل بنية أولية متجذرة في النفس والوعي الجمعي ويعكس تاريخاً وتجارب متوارثة عبر الأجيال، إلا أن الانتماءات المكتسبة يمكن أن تخفف تأثيره جزئياً من خلال الانخراط في هوية وطنية أو ثقافية أو مهنية جديدة، فتتحول هذه الهويات إلى نقاط ارتكاز بديلة تسمح للفرد بالانخراط في مجتمع مختلف بفاعلية، مع بقاء الجذر البيولوجي والثقافي حاضراً في شعوره وهويته.

ومن أمثلة الانتماءات المكتسبة الأخرى تنوع الجنس والهويات الجنسية والمجتمعية، حيث تتشكل جماعات قائمة على التجارب المشتركة والقيم المشتركة، مثل مجتمعات حقوق الإنسان والمثليين، التي تتسم بالارتباط النفسي والاجتماعي المتين بالرغم من كونها غير موروثة، مما يؤكد أن الانتماء المكتسب يمثل بعداً مهماً في فهم الهوية الإنسانية وقدرة الفرد والمجتمع على التكيف مع التنوع والتعددية، مع الحفاظ على التوازن بين الجذور الطبيعية والانتماءات المكتسبة.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...
- الدور العراقي كوسيط في الملف الأيراني النووي هل يجدي بنفع؟
- تحالفات الكبار بين أحلال السلام والهيمنة (مجموعة شنغهاي)
- الفجور والتقوى لدى النفس البشرية
- التخنث وسط الشباب العراقي
- حزب الله بين الأيدلوجية المذهبية وشعار المقاومة
- الأغتصاب الجنسي بين التحريم والتجريم والعار الأجتماعي
- البداوة وأثرها في بناء المجتمعات
- البداوة وأثرها في نشأت المجتمعات
- الأنتخابات البرلمانية العراقية ٢٠٢٥ ...
- القوات الأمريكية تغادر العراق...قرأة موجزة
- قمة ترامب وبوتين… خارطة نفوذ جديدة وتوازنات خفية
- الاندماج والتعنصر لدى المهاجرين في المجتمعات الحديثة
- أحلام قسد المستقبلية
- الاثباتات الجنائية في جريمة الزنا
- بريطانيا ودولة فلسطين
- الوحدة 8200
- خور عبدالله نزاع سياسي ام حق جغرافي


المزيد.....




- رد على روسيا.. إعلان الناتو إطلاق عملية -الحارس الشرقي- يثير ...
- -سيدة الحمام- تثير غضب سكان روما.. بلدية المدينة تمنعها من إ ...
- زلزال عنيف بقوة 7.4 درجة يضرب الساحل الشرقي لمنطقة كامتشاتكا ...
- هل ينقل الهجوم الإسرائيلي على قطر العلاقات الخليجية-الإسرائي ...
- أمريكا ودول عربية تدعو لهدنة وحكم مدني في السودان
- الجري المتقطع.. فوائد أعلى ووقت أقل بخدعة بسيطة
- إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن
- تايوان: الصين تستعد للحرب وإزاحة واشنطن من قيادة العالم
- لقاحات كوفيد 19 وموت الأطفال.. هل هناك ارتباط؟
- زلزال بقوة 7.4 درجة قرب ساحل كامتشاتكا ولا خطر من تسونامي


المزيد.....

- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب